التنقيب عن الضمائر المستترة

[saber-dz]

التنقيب عن الضمائر المستترة

- أنا الآن في حالة ما شبيهة بما يكون بعد عدة هزات حينما تخض أسس البناءات المهترئة, ذلك ما أحسست به وأنفي معفر بالطين يستنشق رائحة الكبريت والاحتكاك الحارق, حاولت أن أرفع رأسي لأتبين موضعي في هذا الكون وأحدد إحداثية تواجدي, لكني لم أر شيئا, في حين كان مايشبه حركة عجلة أو مركبة بدائية تتحرك دون اتجاه محدد ’و لأول مرة أسائل نفسي بطريقة بسيطة: أين أنا ؟ وماذا أستقل ؟ وفي أي اتجاه تسوقني هذه الحركات ؟؟ لا أعرف !!! لكني لازلت أحاول الإلمام بالموضوع وهاأنذا آخذ شهيقا عميقا لتنشيط خلايا الدماغ وأتروى لأفسح له المجال ليستوعب المكان والزمان وما يعتريني فيهما وفي هذه الأبعاد الغريبة.

- هذه بعض شوارع وأزقة مدينتي الطاهرة, نعم فأنا أعرفها عز المعرفة ففي مدينتي العريقة منذ الأزل فيها كان مسقط رأسي وقد نسفت عقودا من عمري, ولي فيها حزما من الذكريات ورزما من المسرات والآهات, لكن المدينة بدت لي غريبة على غير عادتها فهي خالية تماما من الناس أتفرس الفراغ وأمسح نقطه بعيني في حين أسمع أزيز عجلات حديدية تحتك بالطريق المرصوف بالحجارة المصقولة، في أجواء شبيهة بفصل الشتاء فحواف الطرق يتدفق فيها ماء عفن داكن تنبعث منه روائح مقرفة, وعلى طول الطريق على مرمى بصري أبخرة كثيفة تتصاعد من الأبنية المحاذية للطريق الرئيسي, وكلاب تجوب المكان تتشمم وتلقي بسوائلها في كل ركن منه.

- لقد فكرت بأن الذي يعتريني – ربما- هي أحلام أو كوابيس ستنقضي ويعود لي وعيي باستفاقتي في أي لحظة, لكني تراجعت عن هذا الاحتمال, لست في حلم فأنا الآن يمكنني أن أغمض عيني وأطبق أجفاني لتنعدم الرؤية وينتهي الإرسال, بينما الحلم لايمكنك أن تقاطع بثه, وتنعطف المركبة بي جهة اليمين وكأن ستارا ناصع البياض يدنو مني ثم يزاح كما ينزاح ستار المسرح على مشهد آخر أكثر إثارة وغرابة من سابقه, ففي هذا الشارع الرئيسي والمؤدي إلى مخرج المدينة تتراءى لك أسقف المنزل تهوي منها حشرات غريبة سرعان ما تتجمع في نقط محدودة في الفضاء لتشكل أشباحا بشعة, تنفخ نارا ثم تذوي قبل أن تلامس الأرض لتبعث وتولد من جديد.

- إذا لم تكن حالتي هذه حلما أهي حالة جنون وهلوسة ؟ رباه أن كانت هذه حالتي فاقبضني إليك فذلك أشرف لي وأهون من أن أعيش بلا وعي!!! , مرة أخرى أرجع إلى نفسي واختبرها وأعود إلى شريط أحداثي فأنا متيقن من اليوم والشهر والسنة ويمكنني ذكر قائمة بأسماء رؤسائي ونسب التزوير المسجلة في الانتخابات والتي بفضلها تبوءوا مقاليد حكم رقابنا كما يمكنني أن أناقش وباء أنفلونزا الخنازير والطيور والتماسيح, وكذلك يمكنني أن أبدي تعاطفي مع الصحفي منتظر الزيدي وأقنع سامعي وأعطي عدة أسباب وجيهة لحصار قطاع غزة و احتلال العراق كل هذا يمكنني مناقشته مع غيري, أما الآن فاني أذكره لنفسي لأبعد عني شبهة الجنون والخبل ولأسمح لها مرة أخرى أن تستجمع قواها وتعي وأعي معها المشاهد والصور الغريبة.

- رغم كل هذا فالحال لازال على حاله مستمرا, فكل ما يحدث ليس لي فيه أي خيار كأني فيه مسير لا دور لي فيه, أهو السحر نكاية في موقفي منه وكفري به وبكل ما يعارض العقل ؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن هو الساحر الذي يفيده سحر الكون أمام عيني ؟ما أعرفه أن حتى السحر والخداع البصري له مستوياته وأسقف لا يمكنه أن يتجاوزها, وحالتي هذه تجاوزت كل الأسقف وكل المؤشرات وكل السلالم أن كان للسحر مؤشر أو سلم, في آخر منعرج جهة الشمال فمن خلاله يبتلعنا العراء خارج أسوار المدينة وبنفس الرداء واللون تنكشف طريق رحبة شبه نظيفة على حوافها شجيرات غضة يتخفى وراءها أطفال حفاة عراة يتضورون جوعا يلتهمون أوراق الشجيرات ثم يطيرون إلى عنان السماء, آلمني المشهد كثيرا وأحسست بملوحة أدمعي في عيني, فتأوهت من أعماقي وإذا بأول شخص يصادفني و يلفت انتباهي وقد تبينت ملامحه لي وهو يدنو إلي يتبسم ويرفع يده قائلا: لا داعي من الحقنة الرابعة فقد عاد إليه وعيه وأضنه يسمع ويرى أخرجوه من جناح الرعاية المركزة ليبقى تحت المراقبة, فالصدمة قد تنسيه جزءا من ذاكرته.

[سهام1]

بوركت يا اخي على ابداعك في موضوعك الرائع....................واصل يا اخي و موفق ان شاء الله

[saber-dz]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهام1

بوركت يا اخي على ابداعك في موضوعك الرائع....................واصل يا اخي و موفق ان شاء الله

- الفاضلة : سهــام , سلام الله عليك
طاب يومك وممساك .

سررت بقراءتك للقصة وسرتني كلماتك
وتعقيبك اللطيف عليها ,
ممتن لك هذا.

ود واحترام .