سقوط الأندلس - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

سقوط الأندلس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-10-31, 08:16   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المعزلدين الله
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية المعزلدين الله
 

 

 
الأوسمة
وسام الاستحقاق 
إحصائية العضو










افتراضي سقوط الأندلس

سقوط الأندلس
مقدمة
الوضع الآن هو سقوط دولة الموحدين على إثر موقعة العقاب، ثم سقوط مدن المسلمين الواحدة تلو الأخرى، حتى سقطت قرطبة حاضرة الإسلام وعاصمة الخلافة، وسقطت جيان في سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة.

هذا ولم يبق في الأندلس إلا ولايتان فقط كبيرتان نسبيا، الأولى هي ولاية غرناطة، وتقع في الجنوب الشرقي، وتمثل حوالي خمس عشرة بالمائة من بلاد الأندلس، والثانية هي ولاية أشبيلية، وتقع في الجنوب الغربي، وتمثل حوالي عشرة بالمائة من أرض الأندلس.

هاتان الولايتان هما اللتان بقيتا فقط من جملة بلاد الأندلس، وكان من العجيب كما ذكرنا أن يظل الإسلام في بلاد الأندلس بعد هذا الوضع وبعد سقوط قرطبة، وبعد هذا الانهيار الكبير لمدة تقرب من خمسين ومائتي سنة، فكانت هذه علامات استفهام كبيرة، ولا بد من وقفة معها بعض الشيء.

ابن الأحمر وملك قشتالة ومعاهدة الخزي والشنار

في نفس العام التي سقطت فيه جيان، وفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، وحماية لحقوق وواجبات مملكة قشتالة النصرانية وولاية غرناطة الإسلامية، يأتي فرناندو الثالث ملك قشتالة ويعاهد ابن الأحمر الذي يتزعم ولاية غرناطة، ويعقد معه معاهدة يضمن له فيها بعض الحقوق ويأخذ عليه بعض الشروط والواجبات.

وقبل أن نتحدث عن بنود هذه الاتفاقية وتلك المعاهدة، نتعرف أولا على أحد طرفي هذه المعاهدة وهو ابن الأحمر، فهو محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر، والذي ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن شتّان بين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا، وبين سعد بن عبادة الخزرجي، وقد سُمّي بابن الأحمر لاحمرار لون شعره، ولم يكن هذا اسما له، بل لقبا له ولأبنائه من بعده حتى نهاية حكم المسلمين في غرناطة.

وفي بنود المعاهدة التي تمت بين ملك قشتالة وبين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا أو محمد الأول كان ما يلي

أولا أن يدفع ابن الأحمر الجزية إلى ملك قشتالة، وكانت خمسين ومائة ألف دينار من الذهب سنويا، وكان هذا تجسيدا لحال الأمة الإسلامية، وتعبيرا عن مدى التهاوي والسقوط الذريع بعد أفول نجم دولة الموحدين القوية المهابة، والتي كانت قد فرضت سيطرتها على أطراف كثيرة جدا من بلاد الأندلس وإفريقيا.

ثانيا أن يحضر بلاطه كأحد ولاته على البلاد، وفي هذا تكون غرناطة تابعة لقشتالة ضمنيا.

ثالثا أن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة علانية، وبهذا يكون ملك قشتالة قد أتم وضمن تبعية غرناطة له تماما.

رابعا أن يسلمه ما بقي من حصون جيّان- المدينة التي سقطت أخيرا- وأرجونه وغرب الجزيرة الخضراء حتى طرف الغار، وحصون أخرى كثيرة جدا تقع كلها في غرب غرناطة، وبذلك يكون ابن الأحمر قد سلم لفرناندو الثالث ملك قشتالة مواقع في غاية الأهمية تحيط بغرناطة نفسها.

خامسا وهو أمر في غاية الخطورة، وهو أن يساعده في حروبه ضد أعدائه إذا احتاج إلى ذلك، أي أن ابن الأحمر يشترك مع ملك قشتالة في حروب ملك قشتالة التي يخوضها أيا كانت الدولة التي يحاربها.

قمة التدني والانحطاط وسقوط أشبيلية

في أول حرب له بعد هذه الاتفاقية قام ملك قشتالة بالزحف نحو أشبيلية، وبالطبع طلب من ابن الأحمر أن يساعده في حربها وفق بنود المعاهدة السابقة، والتزاما صاغرا بها، ودوسا بالأقدام لتعاليم الإسلام وشرائعه، وضربا عرض الحائط لرابطة النصرة والأخوة الإسلامية، وموالاة للنصارى وأعداء الإسلام على المسلمين، ما كان من ابن الأحمر إلا أن سمع وأطاع، وبكامل عدته يتقدم فرسان المسلمين الذين يتقدمون بدورهم جيوش قشتالة نحو أشبيلية، ضاربين حصارا طويلا وشديدا حولها.

وإنه لمما يثير الحيرة والدهشة ويدعو إلى التعجب والحسرة في ذات الوقت هو أنه إذا كان ابن الأحمر على هذه الصورة من هذه السلبية وذاك الفهم السقيم، والذي لا يُنبئ إلا عن مصلحة شخصية ودنيوية زائلة، فأين موقف شعب غرناطة الذي هو قوته وجيشه؟! وكيف يرتضي فعلته تلك ويوافقه عليها، ومن ثم يتحرك معه ويحاصر أشبيلية المسلمة المجاورة، وهما معا (أشبيلية وغرناطة) كانا مدينة واحدة في دولة إسلامية واحدة هي دولة الأندلس؟!

أليس الجيش من الشعب؟! أوليس هم مسلمون مثلهم وأخوة في الدين لهم حق النصرة والدفاع عنهم؟! فإنه ولا شك كان انهيارا كبيرا جدا في أخلاق القادة وأخلاق الشعوب.

يتحرك الجيش الغرناطي مع الجيش القشتالي ويحاصرون المسلمين في أشبيلية، ليس لشهر أو شهرين، إنما طيلة سبعة عشر شهرا كاملا، يستغيث فيها أهل أشبيلية بكل من حولهم، لكن هل يسمع من به صمم؟!

المغرب الآن مشغول بالثورات الداخلية، وبنو مارين يصارعون الموحدين في داخل المغرب، والمدينة الوحيدة المسلمة في الأندلس غرناطة هي التي تحاصر أشبيليّة، ولا حول ولاقوة إلا بالله.

وهناك وفي السابع والعشرين من شهر مضان لسنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة، وبعد سبعة عشر شهرا كاملا من الحصار الشديد، تسقط أشبيليّة بأيدي المسلمين ومعاونتهم للنصارى، تسقط أشبيليّة ثاني أكبر مدينة في الأندلس، تلك المدينة صاحبة التاريخ المجيد والعمران العظيم، تسقط أشبيليّة أعظم ثغور الجنوب ومن أقوى حصون الأندلس، تسقط أشبيليّة ويغادر أهلها البلاد، ويهجّر ويشرّد منها أربعمائة ألف مسلم، وواحسرتاه على المسلمين، تفتح حصونهم وتدمر قوتهم بأيديهم

وَمَا فَتِئَ الزَّمَانُ يَدُورُ حَتَّى مَضَى بِالْمَجْدِ قَوْمٌ آخَرُونَ

وَأَصْبَحَ لَا يُرَى فِي الرَّكْبِ قَوْمِي وَقَدْ عَاشُوا أَئِمَّتُهُ سِنِينًا

وَآلَمَنِي وَآلَمَ كُلَّ حُرٍّ سُؤَالُ الدَّهْرِ أَيْنَ الْمُسْلِمُونَ؟

أين المسلمون؟! إنهم يحاصرون المسلمين! المسلمون يقتلون المسلمين! المسلمون يشرّدون المسلمين!

وعلى هذا تكون أشبيلية قد اختفت وإلى الأبد من الخارطة الإسلامية، وما زال إلى الآن مسجدها الكبير الذي أسسّه يعقوب المنصور الموحدي بعد انتصار الأرك الخالد، والذي أسسّه بغنائم الأرك، مازال إلى اليوم كنيسة يعلّق فيها الصليب، ويُعبد فيها المسيح بعد أن كانت من أعظم ثغور الإسلام، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.









 


رد مع اقتباس
قديم 2009-10-31, 08:17   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المعزلدين الله
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية المعزلدين الله
 

 

 
الأوسمة
وسام الاستحقاق 
إحصائية العضو










افتراضي

غرناطة ولماذا يعاهدها ملك قشتالة؟

لم يتبق في الأندلس في سنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة بلادا إسلامية غير غرناطة وما حولها فقط من القرى والمدن، والتي لا تمثل كما ذكرنا أكثر من خمس عشرة بالمائة من أرض الأندلس، وهي تضم ثلاث ولايات متحدة هي ولاية غرناطة، وولاية ملقة، وولاية ألمرية، ثلاث ولايات تقع تحت حكم ابن الأحمر، وإن كان هناك شيء من الاستقلال داخل كل ولاية
.

ولنا أولا أن نتساءل ونتعجب لماذا يعقد فرناندو الثالث اتفاقية ومعاهدة مع هذه القوة التي أصبح القضاء عليها أمرا ميسورا خاصة بعد هذا الانهيار المروّع لدولة المسلمين؟! لماذا يعقد معاهدة مع ابن الأحمر؟! ولماذا لم يأكل غرناطة كما أكل غيرها من بلاد المسلمين ودون عهود أو اتفاقيات؟
!

والواقع أن ذلك كان للأمور التالية


أولا كانت غرناطة بها كثافة سكانية عالية؛ الأمر الذي يجعل من دخول جيوش النصارى إليها من الصعوبة بمكان، وقد كان من أسباب هذه الكثافة العالية أنه لما كانت تسقط مدينة من مدن المسلمين في أيدي النصارى فكان النصارى كما ذكرنا ينتهجون نهجا واحدا، وهو إما القتل أو التشريد والطرد من البلاد
.

فكان كلما طُرد رجل من بلاده عمق واتجه ناحية الجنوب، فتجمع كل المسلمون الذين سقطت مدنهم في أيدي النصارى في منطقة غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، فأصبحت ذات كثافة سكانية ضخمة، الأمر يصعب معه دخول قوات النصارى إليها
.

ثانيا كانت غرناطة ذات حصون كثيرة ومنيعة جدا، وكانت هذه الحصون تحيط بغرناطة وألمرية وملقة
.

ثالثا أنها (غرناطة) كانت تقع في الجنوب الشرقي وعلى البحر المتوسط، أي أنها قريبة من بلاد المغرب العربي، وكانت قد قامت في بلاد المغرب العربي كما ذكرنا نواة دولة إسلامية جديدة هي دولة بني مارين، وكانت دولة سنية تقوم على التقوى، فكانت بين الحين والآخر تساعد بلاد غرناطة؛ ومن جراء ذلك استطاعت غرناطة أن تصمد بعض الشيء وتقف على أقدامها ولو قليلا أمام فرناندو الثالث ومن معه من النصارى في مملكة قشتالة
.

ومن هنا وافق فرناندو الثالث على عقد مثل هذه المعاهدة، وإن كانت كما رأينا معاهدة جائرة ومخزية، يدفع فيها ابن الأحمر الجزية، ويحارب بمقتضاها مع ملك قشتالة، ويتعهد فيها بألا يحاربه في يوم ما
.

غرناطة وموعد مع الأجل المحتوم

كعادتهم ولطبيعة متأصلة في كينونتهم، ومع كون المعاهده السابقة والتي بين ابن الأحمر وملك قشتالة تقوم على أساس التعاون والتصالح والنصرة بين الفريقين، إلا أنه بين الحين والآخر كان النصارى القشتاليون بقيادة فرناندو الثالث ومن تبعه من ملوك النصارى يخونون العهد مع ابن الأحمر، فكانوا يتهجمون على بعض المدن ويحتلونها، وقد يحاول هو (ابن الأحمر) أن يسترد هذه البلاد فلا يفلح، فلا يجد إلا أن يعاهدهم من جديد على أن يترك لهم حصنا أو حصنين أو مدينة أو مدينتين مقابل أن يتركوه حاكما على بلاد غرناطة باسمهم، ولاحول ولا قوة إلا بالله
.

فلم تؤسَّس غرناطة على التقوى، بل أسسها ابن الأحمر على شفا جرف هارٍ، معتمدا على صليبي لا عهد له ولا أمان [أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
] {البقرة100} .

وقد ظل ابن الأحمر طيلة الفترة من سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، ومنذ أول معاهدة عقدها مع ملك قشتالة، وحتى سنة إحدى وسبعين وستمائة ظل طيلة هذه الفترة في اتفاقيات ومعاهدات
.

وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة من الهجرة بدأ ملك قشتالة وكان في ذلك الوقت ألفونسو العاشر بالمخالفة الصريحة لبنود المعاهدة المبرمة بينهما، وبدأ في تجييش الجيوش لدخول غرناطة، ومن ثم إنهاء الوجود الإسلامي تماما من أرض الأندلس
.

هنا وجد ابن الأحمر نفسه في مأزق، وحينها فقط علم أنه عاهد من لا عهد له، فماذا يفعل؟ ما كان منه إلا أن يمّم وجه شطر بلاد المغرب حيث بنو مارين، وحيث الدولة التي قامت على أنقاض دولة الموحدين، والتي كان عليها رجل يُسمّى يعقوب بن منصور الماريني، الماريني تمييزا بينه ويعقوب بن منصور الموحدي في دولة الموحدين، وكلاهما كانا على شاكلة واحدة، وكلاهما من عظماء المسلمين، وكلاهما من أكبر القواد في تاريخ المسلمين
.

يعقوب بن منصور الماريني رجل الشدائد

في وصف بليغ ليعقوب بن منصور الماريني يحدث المؤرخون المعاصرون له أنه كان صوّاما قوّاما، دائم الذكر، كثير الفكر، لا يزال في أكثر نهاره ذاكرا، وفي أكثر ليله قائما يصلي، مكرما للصلحاء، كثير الرأفة والحنين على المساكين، متواضعا في ذات الله تعالى لأهل الدين، متوقفا في سفك الدماء، كريما جوّادا، وكان مظفرا، منصور الراية، ميمون النقيبة، لم تهزم له راية قط، ولم يكسر له جيش، ولم يغزو عدوا إلا قهره، ولا لقي جيشا إلا هزمه ودمّره، ولا قصد بلدا إلا فتحه، وكان خطيبا مفوها، يؤثّر في نفوس جنوده، شجاعا مقداما يبدأ الحرب بنفسه
.

وإنها والله لصفات عظيمة جدا لهؤلاء القادة المجاهدين الفاتحين، يجب أن يقف أمامها المسلمون كثيرا وكثيرا، ويتمثلونها ولو في قرارة أنفسهم، ويجعلون منها نبراسا ولو في حياتهم العامة
.

وفي تطبيق عملي لإحدى هذه الصفات وحين استعان محمد بن الأحمر الأول بيعقوب بن منصور الماريني ممثلا في دولة بني مارين، ما كان منه إلا أن أعد العدة وأتى بالفعل، وقام بصد هجوم النصارى على غرناطة
.










رد مع اقتباس
قديم 2009-10-31, 08:18   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المعزلدين الله
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية المعزلدين الله
 

 

 
الأوسمة
وسام الاستحقاق 
إحصائية العضو










افتراضي

بلاد الأندلس واستيراد النصر وقفة عابرة

لقد تعودت بلاد الأندلس استيراد النصر من خارجها كانت هذه مقولة ملموسة طيلة العهود السابقة لبلاد الأندلس، فلقد ظلت لأكثر من مائتي عام تستورد النصر من خارج أراضيها، فمرة من المرابطين، وأخرى من الموحدين، وثالثة كانت من بني مارين وهكذا، فلا تكاد تقوم للمسلمين قائمة في بلاد الأندلس إلا على أكتاف غيرهم من بلاد المغرب العربي وما حولها
.

ومن الطبيعي ألا يستقيم الأمر لتلك البلاد التي تقوم على أكتاف غيرها أبدا، وأبدا لا تستكمل النصر، وأبدا لا تستحق الحياة، لا يستقيم أبدا أن تنفق الأموال الضخمة في بناء القصور في غرناطة مثل قصر الحمراء الذي يعد من أعظم قصور الأندلس ليحكم منها ابن الأحمر أوغيره وهو في هذه المحاصرة من جيوش النصارى، ثم يأتي غيره ومن خارج الأندلس ليدافع عن هذه البلاد وتلك القصور
.

ولا يستقيم أبدا لابن الأحمر أن يُنشئ الجنان الكثيرة (أكثر من ثلاثمائة حديقة ضخمة في غرناطة، وكان يطلق على كل حديقة منها اسم (جنّة) لسعتها وكثرة الثمار والأشجار فيها) وينفق كل هذا الإنفاق والبلاد في حالة حرب مع النصارى، ثم حين يأتي وقت الجهاد يذهب ويستعين بالمجاهدين من البلاد المجاورة
.

وعلى كلٍ فقد أتى بنو مارين كما ذكرنا واستطاعوا أن يردوا الهجوم عن غرناطة، وحفظها الله من السقوط المدوي

وفاة محمد الأول وولاية محمد الفقيه

في ذات العام الذي رُدّ فيه جيش النصارى، وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة يموت محمد بن الأحمر الأول وقد قارب الثمانين من عمره، وقد استخلف على الحكم ابنه، ومثل اسمه واسم معظم أمراء بني الأحمر كان اسم ابنه هذا محمد، فكان هو محمد بن محمد بن يوسف بن الأحمر، وكانوا يلقبونه بالفقيه؛ لأنه كان صاحب علم غزير وفقه عميق
.

لما تولى محمد الفقيه الأمور في غرناطة نظر إلى حال البلاد فوجد أن قوة المسلمين في بلاد الأندلس لن تستطيع أن تبقى صامدة في مواجهة قوة النصارى، هذا بالإضافة إلى أن ألفونسو العاشر حين مات ابن الأحمر الأول ظن أن البلاد قد تهاوت، فما كان منه إلا أن أسرع بالمخالفة من جديد وبالهجوم على أطراف غرناطة، ما كان أيضا من محمد الفقيه إلا أن استعان بيعقوب المنصور الماريني رحمه الله
.

وفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة من الهجرة يجهز المنصور جيشا قوامه خمسة آلاف رجل فقط، ويضع نفسه على رأسه، ويعبر به إلى بلاد الأندلس حتى يساعد محمد الفقيه في حربه ضد النصارى
.

وهناك وفي مكان خارج غرناطة وبالقرب من قرطبة يلتقي المسلمون مع النصارى، المسلمون تعدادهم عشرة آلاف مقاتل فقط، خمسة آلاف من جيش بني مارين، ومثلهم من جيش غرناطة، وفي مقابلتهم تسعون ألفا من النصارى، وعلى رأسهم واحد من أكبر قواد مملكة قشتالة يدعى دون نونيو دي لارى ( تعمدنا ذكر اسمه لأن الموقعة التي دارت بين المسلمين والنصارى في هذا المكان عُرفت بموقعة الدونونيّة؛ نسبة إلى اسمه
).

موقعة الدونونيّة ونصر مؤزر

في سنة أربع وسبعين وستمائة من الهجرة تقع موقعة الدونونية، وكان على رأس جيوش المسلمين المنصور الماريني رحمه الله، وقد أخذ يحفز الناس بنفسه على القتال، وكان مما قاله في خطبته الشهيره في تحفيز جنده في هذه الموقعة

، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها وجِدُّوا في طلبها، وابذلوا النفوس في أثمانها، ألا وإنّ الجنّة تحت ظلال السيوف [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة111} . فاغتنموا هذه التجارة الرابحة، وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة؛ فمن مات منكم مات شهيدا، ومن عاش رجع إلى أهله سالما غانما مأجورا حميدا، فـ [اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {آل عمران200} .

كان من جراء هذا أن عانق الناس بعضهم بعضا للوداع، وبكوا جميعا،

وبهؤلاء الرجال الذين أتوا من بلاد المغرب، وبهذه القيادة الربانية، وبهذا العدد الذي لم يتجاوز العشرة آلاف مقاتل حقق المسلمون انتصارا باهرا وعظيما، وقتل من النصارى ستة آلاف مقاتل، وتم أسر ثمانية آلاف آخرون، وقتل دون نونيو قائد قشتاله في هذه الموقعة، وقد غنم المسلمون غنائم لا تحصى، وما انتصر المسلمون منذ موقعة الأرك في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة إلا في هذه الموقعة، موقعة الدونونية في










رد مع اقتباس
قديم 2009-10-31, 08:20   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المعزلدين الله
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية المعزلدين الله
 

 

 
الأوسمة
وسام الاستحقاق 
إحصائية العضو










افتراضي

ابن حاكم ألمرية وصورة سامية ومحمد بن الأحمر الفقيه والخيانة العظمى

في أثناء رجوع يعقوب الماريني رحمه الله يموت حاكم ألمرية (من ضمن الولايات الثلاث في منطقة غرناطة، والأخريان هما ولاية ملقة وولاية غرناطة)، ومن بعده يتولى عليها ابنه وكان شابا فتيا، وقد أُعجب بأفعال ابن يعقوب الماريني وانتصاراته المتعددة إعجابا كبيرا، فعرض عليه حكم ألمرية بدلا منه، استجاب المنصور الماريني رحمه الله لطلبه، فخلّف عليها قوة صغيرة من المسلمين يبلغ قوامها ثلاثة آلاف رجل، ثم استجلب ثلاثة آلاف آخرين من بلاد المغرب، ووضعهم في جزيرة طريف حتى يكونوا مددا قريبا لبلاد الأندلس إذا احتاجوا إليهم في حربهم ضد النصارى، ثم عاد هو إلى بلاد المغرب
.

هنا نظر محمد بن الأحمر الفقيه إلى ما فعله حاكم ألمرية فأوجس في نفسه خيفة ابن الأحمر، وقال إن في التاريخ لعبرة، وهو يقصد بهذا أنه حينما استعان المعتمد على الله ابن عبّاد من ملوك الطوائف بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين في المغرب، فما كان من الأخير إلا أن أخذ البلاد وضمها كلها إلى دولة المرابطين، وها هو الآن يعقوب المنصور الماريني يبدأ بمدينتي طريف وألمريّة، إن في التاريخ لعبرة، ففكر عازما على أن يقف حائلا وسدا منيعا حتى لا تُضم بلاد الأندلس إلى دولة بني مارين
.

ويا لهول هذا الفكر الذي كان عليه ذلك الرجل الذي لُقب بالفقيه الذي ما هو بفقيه، فماذا يفعل إذن لكي يمنع ما تكرر في الماضي ويمنع ما جال بخاطره؟ بنظرة واقعية وجد أنه ليست له طاقة بيعقوب بن منصور الماريني، ليست له ولا لشعبه ولا لجيشه ولا لحصونه طاقة به، فماذا يفعل؟
!

ما كان من محمد ابن الأحمر الفقيه إلا أن أقدم على عمل لم يتخيله أحد من المسلمين، ما كان منه إلا أن ذهب إلى ملك قشتالة واستعان به في طرد يعقوب بن منصور الماريني من جزيرة طريف، يذهب إلى ملك قشتالة بعد أن كان قد انتصر عليه هو والمنصور الماريني في موقعة الدومونية وما تلاها في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة من فتح أشبيلية وجيّان وقرطبة، يذهب إلى الذي هو عدوٌّ لهما (لابن الأحمر والمنصور الماريني) ويستعين به على طرد الماريني من جزيرة طريف
.

وعلى موعد مع الزمن يأتي ملك قشتالة بجيشه وأساطيله ويحاصر طريف من ناحيتين، فناحية يقف عليها ابن الأحمر الفقيه، والأخرى يقف عليها ملك قشتالة
.

وما إن يسمع بذلك يعقوب المنصور الماريني رحمه الله حتى يعود من جديد إلى جزيرة طريف، وعلى الفور يجهز الجيوش ويعد العدة، ثم يدخل في معركة كبيرة مع النصارى هناك في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة، فينتصر يعقوب المنصور الماريني رحمه الله على النصارى، ويفرون من أمامه فرّا إلى الشمال، ويجد ابن الأحمر نفسه في مواجهة مع يعقوب المنصور الماريني
.

المنصور الماريني وعلو المقاصد والهمم وابن الأحمر الفقيه والخسة والدناءة

ما كان من محمد بن الأحمر الفقيه حين وجد نفسه في مواجهة مع الماريني إلا أن أظهر الندم والاعتذار، وتعلل وأبدى الأسباب (الغير مقبولة بالطبع
)، وبأمر من حكيم وبصورة لا تتكرر إلا من رجل ملَكَ قَلْبَه، يعفو عنه يعقوب بن منصور الماريني ويتوب عليه، بل ويعيده إلى حكمه.

وإن ما فعله محمد بن الأحمر الفقيه ليفسر لنا لماذا سقطت بلاد الأندلس بعد ذلك؟ ولماذا لا تستحقّ هذه البلاد النصر والحياة؟ وإن ما فعله ابن الأحمر هذا لم يقم به بمفرده، بل كان معه أمته وشعبه وجيشه، يحاربون الرجل الذي ساعدهم في حرب النصارى وتخليصهم من أيديهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله
.

وفي سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة يأتي من جديد يعقوب بن منصور الماريني ليساعد ابن الأحمر في حرب جديده ضد النصارى، وهكذا كان يعقوب بن منصور الماريني قد وهب حياته للجهاد في سبيل الله، والدفاع عن دين الله، وفي هذه السنة ينتصر المسلمون على النصارى، ويعقدون معهم عهدا كانت له شروط أملاها وفرضها عليهم يعقوب بن منصور الماريني رحمه الله
.

في هذه المعاهدة لم يطلب يعقوب بن منصور الماريني مالا ولا قصورا ولا جاها، إنما طلب منهم أن يأتوا له بكتب المسلمين، والتي هي في قرطبة وأشبيلية وطليطلة، وغيرها من البلاد التي سقطت في أيدي النصارى، هذا هو الذي طلبه واشترطه في معاهدته
.

وبالفعل أتوا إليه بكميات ضخمه من كتب المسلمين، الأمر الذي حفظ تراث الأندلس إلى الآن من الضياع، وما زالت وإلى الآن الكتب التي أخذها يعقوب بن منصور الماريني في الموقعة التي تمت في سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة ما زالت في مكتبة فاس في المغرب وإلى هذه اللحظة، وهكذا كانت علو المقاصد وعلو الهمم عند يعقوب بن منصور الماريني، وكانت الخسة والدناءة عند ابن الأحمر وأولاد ابن الأحمر
.

تكرار الخيانة من ابن الأحمر الفقيه وسقوط طريف

بعد الموقعة السابقة بعام واحد وفي سنة خمس وثمانين وستمائة من الهجرة يموت المنصور الماريني رحمه الله ويخلفه على إمارة بني مارين ابنه يوسف بن المنصور، ومن حينها يذهب ابن الأحمر الفقيه إليه ويعرض عليه الولاء والطاعة وما شاء من أرض الأندلس ويقدم له ما يريد، طلب منه يوسف بن المنصور رحمه الله أن يأخذ الجزيرة الخضراء وجزيرة طريف؛ حتى تكون قاعدة له في حربه مع النصارى، وقد هدأت الأمور نسبيا هناك في غرناطة
.

لكن حين أخذ يوسف بن المنصور الجزيرة الخضراء وطريف، كانت قد اعتملت الوساوس من جديد في قلب ابن الأحمر، ومن جديد يذهب ابن الأحمر الفقيه إلى النصارى ويستعين بهم في حرب يوسف بن المنصور وطرده وطرد بني مارين من طريف
.

وكسابقه وعلى موعد أيضا مع الزمن يأتي بالفعل جيش النصارى ويحاصر طريف كما فعل في السابق، لكن في هذه المرة يستطيعون أن يسقطوا طريف
.

وقد كان الاتفاق بين ابن الأحمر الفقيه وبين النصارى أنهم إذا استولوا على جزيرة طريف من بني مارين أن يعطوها إلى ابن الأحمر الفقيه، لكن النصارى بعد أن استولوا عليها لم يعيدوها إليه، وإنما أخذوها لأنفسهم، وبذلك يكونون قد خانوا العهد معه، وتكون قد حدثت الجريمة الكبرى والخيانة العظمى وسقطت طريف
.

وكان موقع طريف هذه في غاية الخطورة، فهي تطل على مضيق جبل طارق، ومعنى ذلك أن سقوطها يعني انقطاع بلاد المغرب عن بلاد الأندلس، وانقطاع العون والمدد من بلاد المغرب إلى الأندلس تماما
.

أبو عبد الله بن الحكيم وأمور يندى لها الجبين

في سنة إحدى وسبعمائة من الهجرة يموت ابن الأحمر الفقيه ويتولى من بعده محمد الثالث، والذي كان يلقب بالأعمش، وهذا كان رجلا ضعيفا جدا، وقد تولى الأمور في عهده الوزير أبو عبد الله بن الحكيم الذي ما هو بحكيم، حيث كانت له السيطرة على الأمور في بلاد غرناطة، وكان على شاكلة من سبقه في مراسلة ملك قشتالة والتحالف معه
.

لم يكتف أبو عبد الله بن الحكيم بذلك، لكنه زاد على السابقين له في هذه المحالفات وغيرها بأن فعل أفعالا يندى لها الجبين، كان منها أنه جهّز جيشا وذهب ليقاتل، تُرى يقاتل من؟ أيقاتل النصارى الذين هم على حدود ولايته وقد فعلوا الأعاجيب، أم من يقاتل؟

كانت الإجابة المخزية أنه سلم منه النصارى، وذهب بجيشه واحتلّ سبتة في بلاد المغرب، ذهب إلى دولة بني مارين واحتلّ مدينة سبته حتى يقوي شأنه في مضيق جبل طارق
.

وفي سبيل لزعزعة الحكم في بني مارين، وبعد اعتماده في حكمه تماما على ملك قشتالة، فقد فعل ما هو أشدّ من ذلك، حيث راسل رجلا من بني مارين وأمدّه بالسلاح ليقوم بانقلاب على يوسف بن المنصور، وقامت فتنة في بني مارين
.

وإنه ولا شك غباء منقطع النظير، أمر لا يقره عقل ولا دين، لكن هذا ما حدث، فكانت النتيجة أنه بعد ذلك بأعوام قليلة سقط جبل طارق في أيدي النصارى، وذلك سنة تسع وسبعمائة من الهجرة، وعُزلت بالكلية بلاد الأندلس عن بلاد المغرب، وتركت غرناطة لمصيرها المحتوم
.

انقطع الآن النصر الذي كان يأتي ويستورد ويعتمد ولسنوات طويلة على بلاد المغرب، انقطع عن شعب وحكام غرناطة الذين كثيرا ما ألفوه بينهم، وتُركوا لحالهم ولشأنهم
.

وطيلة قرابة مائتي عام، ومنذ سنة تسع وسبعمائة وحتى سنة سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة ظل الحال كما هو عليه في بلاد غرناطة، معاهدات متتالية من أبناء الأحمر وملوك غرناطة مع ملك قشتالة، تسليم وجزية، وخزي وعار، سنوات طويلة لكنها وسبحان الله لم تسقط
.

وكان السر في ذلك والسبب الرئيسي والذي من أجله حفظت هذه البلاد (وهي من غير مدد ولا عون من قبل بلاد المغرب)، هو وجود خلاف كبير وصراع طويل كان قد دار بين مملكة قشتالة ومملكة أراجون (المملكتان النصرانيّتان في الشمال)؛ حيث تصارعا سويا بعد أن صارت كل مملكة منهم ضخمة قوية، وكانتا قد قامتا على أنقاض الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس، وكانت قوة غرناطة قد أصبحت هزيلة جدا، الأمر الذي لا يبعث على الخشية منها على الإطلاق؛ ومن ثم صرفوا أنظارهم عنها، وقد شغلوا بأنفسهم وتركوا المسلمين










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سقوط الأندلس


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:53

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc