إذا كنت ممن يجر كل تساؤل لديهم تساؤلاً آخر جديداً حتى تستحوذ الحيرة على مساحة تفكيرك بالكامل دون أن تترك مجالاً للإجابات, فيمكنك الانضمام إلى نادي (النساء اللاتي يفرطن في التفكير) أو Women Who Think Too Much
*رانية سليمان سلامة
تشغلني كثيراً القراءة النفسية لإيماني بأنها نقطة الانطلاق نحو استيعاب ممارساتنا وتوجهاتنا وقياس قدراتنا.. وإن كنت قد طرحت فيما مضى سلسلة من المقالات المتعلقة بطبيعة الرجل وبعض ممارساته الخاطئة التي انعكست بشكل سلبي على حياة المرأة, فإنني اليوم أتناول المرأة في جزئية استعصى عليّ وعلى العديد من بنات جنسي استيعابها فيما مضى لعدم محاولة تفسيرها لنا بشكل منطقي.. فعندما يطبق مصطلح (عاطفية المرأة) نربطه مباشرة في أذهاننا بالرومانسية وعدم القدرة على تغليب العقل على المشاعر... بينما أثبتت الدراسات أن الأمر ليس كذلك فالمرأة والرجل كل منهما تحكمه آلية تفكير للجينات ولطبيعة الدماغ دور فيها... ووفقاً للبروفيسور الأمريكية (سوزان هوكسيما) الفارق بين طريقة تفكير المرأة والرجل هو أن المرأة تبدأ غالباً عند مواجهة مشكلة ما بمحاولة التفسير والتحليل والربط بمشاكل أخرى مع طرح تساؤلات على نفسها حول سبب وقوع المشكلة, وإلى هنا يبدو الأمر طبيعياً ولكن إذا كنت ممن يجر كل تساؤل لديهم تساؤلاً آخر جديداً حتى تستحوذ الحيرة على مساحة تفكيرك بالكامل دون أن تترك مجالاً للإجابات, فيمكنك الانضمام إلى نادي (النساء اللاتي يفرطن في التفكير) أو Women Who Think Too Much وهو اسم كتاب البروفيسور سوزان الأخصائية في علم النفس بجامعة (ميتشيجان) والتي تعتبرها حالة مرضية حديثة تتميز بانتشارها لدى النساء لوجود مقومات ترتكز على طبيعة تكوين عقل المرأة وجيناتها والظروف الاجتماعية المحيطة بها.. فقد خرجت الطبيبة بعد أبحاث امتدت زهاء 20 عاماً بنتيجة تؤكد أن 73% من نساء الشريحة العمرية 25-35 يقعن فريسة الإفراط في التفكير, وتنخفض النسبة إلى 52% لدى الشريحة العمرية 45-55 بينما تكون 20% بالنساء في سن 65-75,,. أما قياساً بالرجل فنسبة 57% من النساء يعانين من تلك الحالة في مقابل 43% من الرجال.
ولن أخوض في تفاصيل الحالة العلمية ولكني سأدرج مثالاً بسيطاً من الكتاب يوضحها لامرأة تعيش معاناة والدتها المصابة بمرض السرطان في الثدي, انعكست الحالة مباشرة على تفكيرها وتحولت بداخلها إلى قلق من احتمالات أن تصاب هي كذلك بنفس المرض وهو احتمال وارد!! لكنها تلقائياً تحولت بالتفكير فيمن سيرعى أبناءها إذا أُصيبت بالمرض? وكيف ستكون حياتهم? وماذا سيفعل زوجها? حتى سيطرت تلك الأفكار السلبية عليها... بينما اتجه الرجل في نفس الموقف إلى العيادة الطبية لإجراء فحوصات تكشف عن احتمالات إصابته بالمرض قبل أن يذهب بتفكيره إلى تفاصيل أخرى محتمل وقوعها.
ولعلي أسوق نموذجاً آخر, فالزوجة عادة تعيش حالة من الحزن الشديد عند وقوع خلاف شديد بينها وبين زوجها وبينما هي تصارع الأفكار والمشاعر التي تحاصر نفسها بها قد تجد زوجها تجاوز الأمر واتجه لقضاء وقت ممتع بممارسة هواية أو الانصراف للعمل, وبينما ترى الزوجة أن ذلك التصرف يعكس حالة من اللامبالاة بها وبمشاعرها تؤكد البروفيسور أنه التصرف الطبيعي بالنسبة لأغلب الرجال وفقاً لآلية تفكيرهم, معتبرة أن للرجل قدرة أكبر على الانصراف عن التفكير في المشكلة بعمل شيء آخر أو القيام بنشاط فيزيائي وهو ما يطلق عليه في علم النفس (ردة الفعل الإيجابية) والتي تهيئك لاستعادة قدرتك على التفكير الإيجابي.
كما ورد في الكتاب أن التغيرات التي طرأت على حياة المرأة في المجتمع (الأمريكي بالمناسبة) تعتبر من أسباب تحول آلية تفكير المرأة من حالة طبيعية إلى مرضية فتذكر البروفيسور أن المرأة خلال العقود الخمسة الماضية قد نجحت بحجز مقعدها بجدارة في مناصب قيادية وأصبحت تتوقع وفقاً لذلك درجة عالية من التقدير والاحترام ولكن أثبتت الدراسات أن (وقود حالة الإفراط في التفكير) كان فكرة تحقيق المساواة الكاملة بينها وبين الرجل لأنها عجزت عن تحقيقها وتبريرها فهي تحصل اليوم على 74 سنتاً مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل وتزداد الفجوة بين الجنسين في وظائف ذوي الدخل المحدود وتواجه غالباً الزوجة عزوف الزوج عن مساعدتها في مهام المنزل كما لازالت تعاني من عدم إبدائه التقدير لعملها وانجازاتها بالشكل المطلوب, ويوقعها كل ذلك في التفكير المتواصل الذي قد يصحبه إحباط منتهٍ باكتئاب ولن تتسع المساحة لأكثر من أمنية باستبدال مصطلح عاطفية بـ(استراتيجية التفكير) ليسوقنا استيعاب تلك الاستراتيجية إلى التوفيق بين الواقع والتطلعات ونصل بها إلى سلام مع أنفسنا دون صراع لتحقيق ما يستحيل أن يتحقق.