نشأة القانون الإداري في مصر
• لا يكاد يختلف الوضع في مصر عنه في فرنسا قبل ظهور القانون الإداري وبعده، فالوحدة الإدارية في مصر كانت منعدمة، إلى أن ألغى محمد على نفوذ المماليك وانفرد بحكم البلاد تحت إشراف العثمانيين.
• وفيما يتعلق بالفصل بين السلطات والفصل بين الهيئات الإدارية والهيئات القضائية وخضوع الإدارة للقانون، نجد أن الوضع في مصر من هذه الأمور قبل إنشاء المحاكم المختلطة والأهلية- الوطنية- يشبه ما كان سائدا في فرنسا قبل تفجير ثورتها عام 1789. ومن الطبيعي إزاء تلك الأوضاع أن تكون الظروف غير مواتية لظهور القانون الإداري.
ولقد تغيرت الأوضاع بشكل ملحوظ إثر إنشاء المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية؛ حيث تضمنت نصوص لائحتي ترتيب المحكمتين ضرورة الفصل بين الهيئة القضائية والهيئة الإدارية، وخضوع الإدارة للقوانين، وذلك بتقرير مساءلتها عن تصرفاتها غير المشروعة، وكانت هذه المبادىء بمثابة اللبنة الأولى في بناء القانون الإداري في مصر الذي يحتوي على القواعد القانونية المنظمة للنشاط الفردي.
• ثم جاء أول دستور حقيقي لمصر عام 1923 ونص لأول مرة على مبدأ الفصل بين السلطات وتحديد اختصاص كل سلطة، وعلى حق السلطة التنفيذية في ترتيب المصالح العامة وتنظيم شؤون الموظفين العموميين وعلى إنشاء هيئات للإدارة المحلية تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة. وفي ظل هذه المبادىء الدستورية نشأ القانون الإداري المصري. إلا أن الخطوة الحاسمة في تكوين القانون الإداري، هي صدور القانون رقم 112 لعام 1946 بإنشاء مجلس الدولة المصري الذي أسس قضاءً إداريا مستقلاً على غرار القضاء الإداري الفرنسي.
• ويعتبر إنشاء مجلس الدولة المصري باكورة إصلاحات قضائية وقانونية وإدارية أجل وأسمى، فكما اعتبر إنشاء المحاكم المختلطة عام 1875 والمحاكم الأهلية عام 1883 فاتحة عهد قضائي جديد في مصر، اعتبر قانون إنشاء مجلس الدولة في عام 1946 نقطة تحول هامة في هذا العهد سواء في ميدان القضاء أو في عالم القانون.
• وسوف نتعرض لظروف نشأة القانون الإداري المصري في مرحلتين:
• الأول: قبل إنشاء مجلس الدولة.
• الثانية: بعد إنشاء مجلس الدولة.
• ثم جاء أول دستور حقيقي لمصر عام 1923 ونص لأول مرة على مبدأ الفصل بين السلطات وتحديد اختصاص كل سلطة، وعلى حق السلطة التنفيذية في ترتيب المصالح العامة وتنظيم شؤون الموظفين العموميين وعلى إنشاء هيئات للإدارة المحلية تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة. وفي ظل هذه المبادىء الدستورية نشأ القانون الإداري المصري. إلا أن الخطوة الحاسمة في تكوين القانون الإداري، هي صدور القانون رقم 112 لعام 1946 بإنشاء مجلس الدولة المصري الذي أسس قضاءً إداريا مستقلاً على غرار القضاء الإداري الفرنسي.
• ويعتبر إنشاء مجلس الدولة المصري باكورة إصلاحات قضائية وقانونية وإدارية أجل وأسمى، فكما اعتبر إنشاء المحاكم المختلطة عام 1875 والمحاكم الأهلية عام 1883 فاتحة عهد قضائي جديد في مصر، اعتبر قانون إنشاء مجلس الدولة في عام 1946 نقطة تحول هامة في هذا العهد سواء في ميدان القضاء أو في عالم القانون.
• وسوف نتعرض لظروف نشأة القانون الإداري المصري في مرحلتين:
• الأول: قبل إنشاء مجلس الدولة.
• الثانية: بعد إنشاء مجلس الدولة.
• لم يكن القانون الإداري معروفاً في مصر قبل إنشاء المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية؛ حيث كانت مصر متخلفة في شتى المجالات، فلم يكن مبدأ فصل السلطات موجوداً، وكانت الإدارة غير خاضعة للقانون في كل تصرفاتها، إذ كان نظام الحكم السائد وقتئذ يجعل كلمة الحاكم قانوناً نافذاً، ولم توجد إدارات قوية تزاول اختصاصات محددة، فكانت تجمع بين يديها أيضاً سلطة القضاء، ومن ثم كانت النظام السائد في مصر في تلك الفترة بوليسيا واستبداديا.
• ولقد ترتب على تلك الأوضاع السياسية التي خيمت على سماء مصر في ذلك الزمان والتدخل الأجنبي في شؤونها، أُنشىء نظام الامتيازات الأجنبية بغية عدم خضوع الأجانب للنظام المصري من حيث القانون والقضاء، وإنما يخضعون لقوانين بلادهم التي كان يقوم بتطبيقها القناصل الأجانب الذين كان يعقد لهم الاختصاص بتولي زمام مصر.
• وقد استمر هذا الوضع إلى أن تم إنشاء المحاكم المختلطة بناءً على اتفاق بين مصر والدول صاحبة الامتيازات، للفصل في المنازعات التي تثور بين المصريين والأجانب أو بين هؤلاء الأخيرين إذا كان مختلفي الجنسية، حيث أرادت مصر أن تخفف بهذه الخطوة من غلواء نظام الامتيازات الذي يستفيد منه رعايا الدول الأجنبية، مطبقةً في ذلك النظام الأوروبي الذي كانت تتزعمه بلجيكا. ويكون المشرع المصري بهذا قد خرج على عادته التي درج عليها من النقل عن فرنسا، حيث أن النظام الفرنسي القائم على فصل الهيئات الإدارية والقضائية، لم تكن محاسنه قد ظهرت، وكان يعتبر حتى ذلك الوقت نظاماً لحماية الإدارة. وبعد فترة قصيرة من قيام المحاكم المختلطة، أنشئت المحاكم الأهلية للفصل في المنازعات التي تحدث بين المواطنين المصريين. وقد اتخذت تلك المحاكم عام 1937 تسمية جديدة عرفت باسم المحاكم الوطنية.
• والواقع أن إنشاء هذه المحاكم يعتبر الخطوة الأولى والهامة في بناء القانون الإداري المصري، حيث تقرر خضوع الإدارة للقانون، وفصل بين نشاطها وبين الجهة التي تحكم في المنازعات التي تثور عند مباشرة ذلك النشاط، وصدرت مجموعات القوانين.
• وقد استمر هذا الوضع إلى أن تم إنشاء المحاكم المختلطة بناءً على اتفاق بين مصر والدول صاحبة الامتيازات، للفصل في المنازعات التي تثور بين المصريين والأجانب أو بين هؤلاء الأخيرين إذا كان مختلفي الجنسية، حيث أرادت مصر أن تخفف بهذه الخطوة من غلواء نظام الامتيازات الذي يستفيد منه رعايا الدول الأجنبية، مطبقةً في ذلك النظام الأوروبي الذي كانت تتزعمه بلجيكا. ويكون المشرع المصري بهذا قد خرج على عادته التي درج عليها من النقل عن فرنسا، حيث أن النظام الفرنسي القائم على فصل الهيئات الإدارية والقضائية، لم تكن محاسنه قد ظهرت، وكان يعتبر حتى ذلك الوقت نظاماً لحماية الإدارة. وبعد فترة قصيرة من قيام المحاكم المختلطة، أنشئت المحاكم الأهلية للفصل في المنازعات التي تحدث بين المواطنين المصريين. وقد اتخذت تلك المحاكم عام 1937 تسمية جديدة عرفت باسم المحاكم الوطنية.
• والواقع أن إنشاء هذه المحاكم يعتبر الخطوة الأولى والهامة في بناء القانون الإداري المصري، حيث تقرر خضوع الإدارة للقانون، وفصل بين نشاطها وبين الجهة التي تحكم في المنازعات التي تثور عند مباشرة ذلك النشاط، وصدرت مجموعات القوانين.
• على الإدارة المصرية، كما انطبق في انجلترا القانون العام على الحكام الانجليز فلا يستفاد من ذلك أن هؤلاء قد تنازلوا عن السلطة التي في أيديهم وعن امتيازاتها، وعن حق إصدار الأوامر ضد الأفراد لضمان سير المرافق العامة، فالحكومة تصدر نوعين من الأعمال، الأول أعمالها بصفتها صاحبة السلطة العامة والثاني أعمالها بصفتها كفرد من الأفراد عندما تدخل في تعامل معهم، وفي النوع الأول تراعي امتيازات الحكومة السياسية وخصائصها الاجتماعية التي تلازمها دائما وهنا يكون طرف هو الحكومة صاحبة السلطة العامة، وطرف آخر وهو فرد من الأفراد تتضاءل مزاعمه تجاه هذه السلطة. أما النوع الثاني فيتساوى فيه طرفا العقد أو الخصومة.
• ثانيا: إذا كانت الحكومة خاضعة لأحكام القانون المدني، فإن ذلك لا يمنعها من أن تتخذ تصرفات تخالف في طبيعتها التصرفات الفردية، لأن أهداف الحكومة ومقاصدها تختلف عن أهداف ومقاصد الأفراد في أعمالهم القانونية.
• ثالثا: إن المادة الحادية عشرة المشار إليها لا تنكر على الحكومة المصرية في علاقاتها مع الأجانب حق إصدار أوامر إدارية ملزمة لجميع الأفراد القاطنين بمصر، تلك الأوامر التي يجب أن تحترم من جانب المحاكم طالما أنها متفقة مع القوانين واللوائح وغير مخالفة لها في نصوصها وروحها، فسريان القانون المدني والعمل بأحكامه لا يحول دون خروج الحكومة إلى عالم الوجود بأعمال وتصرفات تختلف عن تلك التي يجريها الأفراد.
• رابعا: الاختصاصان القضائي والتشريعي اللذان جاءت بهما المادة الحادية عشرة من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة، وساعدا كثيرا القضاء المختلط على التوسع في مبدأ .
• مسئولية الحكومة، لم يكونا من قبيل الامتيازات الأجنبية، لأن سريان القوانين السائدة آنذاك، على المرافق الحكومية، لم يكن قاصرا على الأجانب، وإنما شمل الوطنيين أيضا.
• خامسا: إن المشرع إذا كان قد حول للقضاء الحق في نظر منازعات الإدارة، إلا أنه قد خصها بميزة فحواها، امتناع القاضي- وهو يفحص مشروعية أعمالها الإدارة- عن التعرض لهذه الأعمال بالتأويل أو إيقاف التنفيذ أو الإلغاء، ولكن لم تمنع تلك النصوص القاضي من حق فحص مدى مشروعية هذه الأعمال والحكم على الإدارة بالتعويض من جراء تصرفاتها الضارة بالأفراد إذا تبين له عدم مشروعيتها، وهذا يدل على أن الإدارة تستطيع أن تصدر أوامر غير مشروعة وتجبر الأفراد على تنفيذها دون أن تملك المحاكم إلغائها أو وقف تنفيذها، وكل ما تملكه هو الحكم على الإدارة بالتعويض.
• سادسا: أعلن المشرع في نصوص لائحتي ترتيب المحاكم المختلطة والمحاكم الوطنية وما طرا عليه من تعديلات، مبدأين أساسيين.
• الأول: الفصل بين الهيئة القضائية والهيئة الإدارية.
• الثاني: خضوع الإدارة للقانون بتقرير مسئوليتها عن تصرفاتها غير المشروعة والتي تحدث ضررا بالأفراد.
• وقد مهد إعلان هذين المبدأين الطريق لظهور القانون الإداري في مصر.
• ثم جاء أول دستور حقيقي لمصر عام 1923 مقررا لأول مرة مبدأ الفصل بين السلطات، حيث حدد اختصاصات كل سلطة، وحرم عليها الاعتداء على غيرها، كما قرر .
• حق السلطة التنفيذية في إصدار اللوائح، وهذه القواعد الدستورية بالإضافة إلى النصوص القانونية السابقة تعتبر الدائم الأساسية في بناء صرح القانون الإداري.
• وقد سلكت المحاكم المختلطة والوطنية في هذا الصدد منهجا حسنا، فيما ذهبت إليه وقررت بأحكام عدة ما يمكن للباحث الاعتماد عليه في جمع شتات القانون الإداري وتكوينه تكوينا يجعله جزا متمما لأحكام القانون المدني.
• فالمحاكم المختلطة والوطنية قد اعترفت بوجود قانون إداري في مصر، وهذا يظهر من الاطلاع على بعض الأحكام الصادرة بمعرفة هاتين المحكمتين في هذا الشأن، حيث سجلت تلك الأحكام الكثير من مبادىء القانون الإداري، مثل مبدأ المساواة أمام المرافق العامة، والذي تقول فيه محكمة الاستئناف المختلطة بان " مبدأ المساواة بين المنتفعين بالمرافق العامة ليس إلا تطبيق لمبدأ من مبادىء القانون العام يتطلب مساواة جميع المواطنين أمام التكاليف العامة، وان هذا المبدأ اقره في مصر القضاء والفقه والغرامات والدستوري المصري.
• وقضت محكمة الإسكندرية المختلطة في حكمها الصادر بتاريخ 29 ديسمبر عام 1928. أن القانون الإداري يوجد في كل دولة متحضرة، بمجرد وجود نظام للمرافق العامة بها وما يتطلبه من روابط قانونية يحددها إنشاء هذه المرافق وتسييرها والشعور بالطبيعة الخاصة لتلك الروابط. وقضت محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة" بان عقد.
• التزام المرافق العامة يعتبر من عقود القانون العام التي تختلف طبيعتها عن العقود المدنية، لذلك يجب أن يخضع لأحكام خاصة"
• وأوضحت محكمة القاهرة المختلطة بان الحكومة عندما تقوم بإبرام بعض عقود الالتزام بمرفق عام، إنما تعهد بإدارة هذا المرفق إلى أحد الأفراد ليتولى تسييره بدلاً منها، وبناء على ذلك قررت المحكمة أن هذا العقد يعتبر من عقود القانون العام.
• ولم يتردد الفقه في تأييد مسلك القضاء والاعتراف بوجود قانون إداري في مصر قبل إنشاء مجلس الدولة. حيث ذهب الرأي الغالب إلى القول بوجود قانون إداري بالمعنى الضيق في ظل القوانين المختلطة والوطنية التي كانت تخضع الإدارة المصرية لنفس القضاء وذات المحاكم التي يخضع لها الأفراد، وقد استند الفقه إلى بعض الأحكام الصادرة من القضاء المختلط والوطني في هذا الصدد، والى المبادىء التي أرساها دستور 1923 ونصوص القوانين واللوائح المعمول بها في ذلك الحين تؤيد رأى الفقه والقضاء في الاعتراف بوجود قانون إداري بمصر قبل إنشاء مجلس الدولة. فقد أشارت المادة 132 من الدستور المذكور إلى القانون العام بقولها " تعتبر المديريات والمدن والقرى فيما يختص بمباشرة حقوقها أشخاصا معنوية وفقا للقانون العام بالشروط التي يقررها القانون " ونوهت المادة 44 من ذات الدستور إلى حق السلطة التنفيذية في تنظيم المرافق العامة وتنظيم شؤون الموظفين على الوجه المبين بالقوانين".
• وأشارت المادة التاسعة من القانون المدني الأهلي إلى أحكام الأموال العامة، بقولها " الأملاك الميرية المخصصة للمنافع العمومية لا يجوز تملكها بوضع يد الغير عليها المدة المستطيلة ولا يجوز حجزها ولا بيعها وإنما للحكومة دون غيرها التصرف فيها بمقتضى قانون أوامر".
• هذا بالإضافة إلى أن المحاكم المختلطة قد خالفت الغرض المقصود من وضع المادة 11 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة وهو عين النص الوارد بالمادة 7 من القانون المدني القديم وقررت أن لها حق الفصل في جميع الأعمال الصادرة من الحكومة على اختلاف أنوعها، فإذا كانت المادة 11، المذكورة لم تجز للقضاء إلا حق النظر في القرار الإداري لمعرفة ما إذا كان مطابقا للقانون شكلا أو مخالفا له، إلا أن المحاكم المختلطة أجازت لنفسها الدخول في تمحيص العمل الإداري في ذاته وجعل حق نقد أعمال موظفي الحكومة من اختصاص القضاء.
الفرع الثاني
القانون الإداري بعد عام 1946
• ارتفعت الأصوات في مصر وجارت بالشكوى من إخضاع المنازعات الإدارية للقضاء العادي، وطالبت بضرورة إجراء الإصلاح القضائي، بإنشاء قضاء إداري يتولى التصدي لاقضية الإدارة طبقا للمبادىء التي إرسالها مجلس الدولة الفرنسي، ويعمل على اكتمال بناء القانون الإداري وتطور قواعده.
• وقد استجاب المشرع المصري لتلك الرغبات بإنشاء مجلس الدولة مقتديا إلى حد كبير بالنظام الفرنسي.
• ويرجع التفكير في إنشاء مجلس الدولة في مصر إلى أواخر القرن الماضي، حيث أنشئ مجلس دولة على نمط مجلس الدولة الفرنسي طبقا للأمر العالي الصادر في 23 ابريل عام 1879، وكان هذا المجلس يختص بالإفتاء فيما يعرض عليه من موضوعات وإبداء الرأي في مشروعات القوانين وصياغة مشروعات القوانين واللوائح التي تطلبها منه الحكومة وفيما يتعلق بالقضاء، فقد كانت له ولاية إلغاء القرارات غير المشروعة والتعويض عنها.
• غير أن هذا المجلس لم يقدر له أن يعيش طويلا، بسبب الاضطرابات والأزمات التي انتابت مصر سياسيا وماليا في ذلك الوقت. لذلك لم يستطع أن يباشر ما عقد له من اختصاص وألغى بعد مدة وجيزة من إنشائه.
• ثم عادت فكرة إنشاء مجلس الدولة تراود نفوس المصلحين وأفكار المثقفين وتوالت مشروعات القوانين الحكومية واقتراحات بقوانين من جانب أعضاء مجلس البرلمان، إلى أن تقدمت الحكومة بمشروع قانون بإنشاء مجلس الدولة حيث وافق عليه مجلسا البرلمان وغدا بعد تصديق الملك القانون رقم 112 لعام 1946 بإنشاء مجلس الدولة.
• وقد منح القانون المذكور مجلس الدولة اختصاصات استشارية وقضائية، وجعل محكمة القضاء الإداري الجهة المختصة بالفصل قضائيا في المنازعات الإدارية.
• بين أن محكمة القضاء الإداري لم تكن صاحبة اختصاص عام في المنازعات الإدارية، وإنما كانت ذات اختصاص محدد، ينصب فحسب على المنازعات التي حددها القانون على سبيل الحصر. وظلت المحاكم العامة ذات اختصاص عام بالنسبة للمنازعات الإدارية وأصبح القضاء الإداري مختصاً بجزء من تلك المنازعات.
• وعندما أعيد تنظيم مجلس الدولة بالقانون رقم 9 لعام 1949 امتد اختصاص محكمة القضاء الإداري إلى الفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والوريد الإدارية. ثم أصبح القضاء الإداري مختصاً بالمناعات المتعلقة بكافة العقود الإدارية طبقا للقانون رقم 165 لعام 1955، ورغم أن تلك المنازعات تشكل الجانب الأكبر من المنازعات الإدارية إلا أن القضاء الإداري ظل صاحب اختصاص محدود ثم ألغى هذا القانون بمقتضى القانون رقم 55 لعام 1959 الذي أعاد تنظيم مجلس الدولة بمناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة.
• والواقع أن مجلس الدولة المصري منذ إنشائه بالقانون رقم 112 لعام 1946 وإعادة تنظيمه بالقوانين المتعاقبة، قد أثبت قدرة فائقة على استيعاب المشاكل الإدارية وخلق الحلول الملائمة لها، وتوفير المزيد من ضمانات سيادة القانون، وإجبار الأفراد على احترامه وتطبيق قواعده تطبيقاً سليما مقتفيا في ذلك اثر القضاء الإداري الفرنسي والتطور الذي وصل إليه القانون الإداري هناك. فعمل بذلك على إنشاء القانون الإداري وترسيخ مبادئه وتطوير قواعده، كاشفا عن استقلال القضاء الإداري وتحرره من قيود القانون المدني.
• وقامت المحكمة الإدارية العليا بدور رئيسي في بناء قواعد القانون الإداري وتأصيل مبادئه وإرساء نظرياته، والتنسيق بين حقوق الأفراد وسلطة التقدير المتروكة للإدارة، وتحديد مفاهيم القانون الإداري.
• ورغم القوانين المتعاقبة الخاصة بمجلس الدولة والتي كانت تعمل على إعادة تنظيمه وتوسيع اختصاص القضاء الإداري، وقصر الاختصاص بنظر الكثير من المنازعات الإدارية عليه بعد أن كان مشتركا بينه وين القضاء العادي، إلا أن الولاية العامة في نظر المنازعات الإدارية كانت معقودة للقضاء العادي، وكان اختصاص القضاء الإداري استثناء من القاعدة العامة المقررة للقضاء العادي. أي أن اختصاص مجلس الدولة ظل حتى قانونه الصادر عام 1959 واردا على سبيل الحصر. وإذا كان المجلس قد توسع في تفسير النصوص المقررة لاختصاصه بما يخضع المزيد من التصرفات الإدارية لرقابته، إلا أنه ظل غير مختص بنظر جميع المنازعات الإدارية.
• لذلك جاء دستور جمهورية مصر العربية عام 1971 مقرراً اختصاص مجلس الدولة بكافة المنازعات الإدارية، حيث نصت المادة 172 منه على أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل بالمنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى".
• فالدستور الحالي قد حسم موضوعات شغل بال الفقه سنين طوال بإسناد الولاية العامة في نظر المنازعات الإدارية للقضاء الإداري، وبذلك يكون التطور طبيعيا وتستقيم الأمور وتزول الخلافات بين جهتي القضاء ويصبح القاضي الإداري قاضيا للقانون العام.
• ثم صدر قانون مجلس الدولة رقم 47 من عام 1972 حيث قرر في البند الرابع عشر من المادة العاشرة منه اختصاص مجلس الدولة دون غيره بالفصل في جميع المنازعات الإدارية.
• وهذا التطور في التشريع من شانه أن يجعل القانون الإداري متطورا وايجابيا لكي يسد احتياجات الإدارة ويواكب التطورات السريعة والمستجدة في النشاط الإداري للدولة.