حماة في عهد حافظ أسد
اغتصب حافظ أسد السلطة بانقلاب عسكري في تشرين الثاني 1970، واستولى على كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأجرى استفتاءاً صورياً وعين مجلساً للشعب، وقدم لهذا المجلس دستوراً مفصلاً على مقاسه، أبقى فيه السلطات الثلاث بيده، وصار حافظ رئيساً للجمهورية، يعين رئيس الوزراء والوزراء ويقيلهم، وفي الوقت نفسه هو رئيس لمجلس القضاء الأعلى، وصارت وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفاز حكراً لزمرة أسد وصنائعه، وأبعد عنها الأكفياء، ما دام ولاؤهم لنظام أسد غير مضمون، فتردت إلى الحضيض.
ولم يبق أمام رجال الفكر والمثقفين مجال لطرح أفكارهم، وترشيد السير، وفضح الممارسات الخاطئة من قبل الأجهزة القمعية والجيوش الطفيلية من أمثال: "الوحدات الخاصة، وسرايا الدفاع، وسرايا الصراع، والميليشيات المسلحة التي أطلقوا عليها الكتائب العمالية والكتائب الطلابية، وفتيان علي، وفتيات علي، والفرسان الحمر، وفرق المظليات، وجمعية الإمام المرتضى، والآلاف المؤلفة من عناصر المخابرات وعملائهم من المخبرين.. لم يبق لرجال الفكر وعلماء الدين من مكان يطلقون منه صوت النذير سوى دور العبادة والندوات لدى نقابات المهن العلمية، كنقابات المحامين والمهندسين وأطباء الأسنان والصيادلة، والمهندسين الزراعيين، والأطباء.
وقد أجمع المثقفون ورجال الفكر والسياسة والقانون على المطالب التالية:
رفع حالة الطوارئ، وإلغاء المحاكم العرفية الاستثنائية.
إعادة جميع صلاحيات التقاضي إلى القضاء المدني.
استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
احترام مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فعلاً وممارسةً وعدم الاكتفاء بالقول، واعتبار كل نص تشريعي مخالف لمبادئه ملغى ولو توافرت فيه الشروط الشكلية.
إجراء انتخابات حرة يختار الشعب بها رجال السلطة التشريعية.
وصارت منابر دور العبادة والندوات العلمية لدى نقابات المهن العلمية، مراكز للإعلام ومجالاً لطرح الأفكار وللمطالبة بالإصلاح، ولنقد الممارسات الخاطئة واللاإنسانية.
وتم الاتفاق بين كافة قطاعات الشعب على إعلان الإضراب العام يوم 31/3/1980 تأييداً لهذه المطالب، فأضربت النقابات، وأغلقت الأسواق، وتوقفت الحركة في المدن والأرياف، وطبعت عشرات الآلاف من النشرات، تبين المطالب المتفق عليها، ووزعت في أنحاء القطر، وخرجت المظاهرات الشعبية الصاخبة، في مختلف المدن والقرى تضامناً مع هذه المطالب.
جرائم النظام السوري
أسقط في أيدي الحفنة المتحكمة بمقدرات البلاد، ولم يعد أمامها سوى هذين الخيارين:
* القبول بمطالب الشعب –وهذا يفقد مرتزقة النظام مكاسبهم غير المشروعة.
* أو اللجوء إلى البطش بالشعب لإخماد هذه الروح التحررية التي سرت في صفوف الشعب.
وبالطبع اختار النظام القمعي ما يتلاءم وطبيعته اللاوطنية اللاأخلاقية اختار الطريق الثاني، فبادر إلى حل النقابات العلمية، ومجالسها وفروعها، ومؤتمراتها العامة، واعتقل أعضاءها، كما اعتقل عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات والمحامين والأطباء والصيادلة والمدرسين وعلماء الدين، وآلافاً من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية، وقتل المئات منهم، وألقى بجثثهم في الشوارع، من أمثال الدكتور الشهيدأدهم سفاف –الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة حلب- والمربي الأستاذ الشهيد عبد القادر خطيب –مدرس الرياضيات في ثانويات حلب- وأغلق عدداً كبيراً من دور العبادة ودمر قسماً منها، وصار الجنود يدخلون المساجد بأحذيتهم، يطلقون النار على المصلين، ويمزقون المصاحف، ويتحدون مشاعر المسلمين.. وبدأ عهد مرير من الإرهاب دونه عهود محاكم التفتيش، وارتكب النظام الأسدي جرائم لا عهد لأبناء أمتنا بها أو بمثلها.. فلقد أقدم النظام على مجازر جماعية من أجل سحق المعارضة الشعبية التي تشكل أكثر من 90% من مجموع أبناء الشعب في قطاعاته وفئاته وأحزابه ونقاباته كلها.
مدينة حماة بعد تعرضها للقصف
ابتدع نظام حافظ أسد طريقة للإرهاب وهي الاعتداء على حرمة المساكن، واختطاف النساء والفتيات، والسطو على الأموال والممتلكات، وقتل الأزواج، والتمثيل بهم، أمام الزوجات والأولاد.. أقدم النظام على هذه الجرائم تحت اسم "تمشيط المدن والقرى" إذ تقوم الحوامات والدبابات والقوى المحمولة بتطويق المدن والقرى التي يراد تمشيطها ويؤمر الناس بمنع التجول والمكوث في بيوتهم وتقسم المدينة إلى قطاعات تتولى كل قطاع مجموعة كبيرة من الجنود والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع وعناصر المخابرات والكتائب الطائفية، ويستبيحون كل شيء في أثناء "التمشيط" يسرقون وينهبون ويدمرون ويعتدون على الناس، والحرمات والمقدسات، ويقتلون كل من يرفع صوته محتجاً على هذه الانتهاكات، زاعمين أنه من الإخوان المسلمين.. وكثيراً ما أبادوا أسراً كاملة، وقطعوا أيدي النساء وأصابعهن من أجل الأساور والخواتم الذهبية.. يسحلون من يقتلون بالسيارات والدبابات أمام الناس لنشر الذعر والرعب والإرهاب في قلوب المواطنين ولم تكد تخلو مدينة أو قرية في القطر إلا وتعرضت للتمشيط.. فحلب مثلاً مشطت مرتين، ومدينة حماة مشطت تسع مرات، وهكذا سائر المدن والقرى.