بنات اليوم من أجيال العولمة و الألفية الثالثة، مثلهن مثل الفتيان يدعون التحرر باسم الانفتاح و العصرنة، و كأن في هذا القول تلاغيا مع الأخلاق و العفة، هذه الأخيرة التي لا تعرف طريقا تسلكه إلى عقول هؤلاء، كيف لا و هُم يرون فيها انعزالا و انغلاقا، تضييقا و انخناقا، و في ثقافتهم يتحولُ التماهي مع الفضيلة و الحياء ضربا من المستحيل....
الحقيقة أن تلك حجة واهية ضعيفة، لأنه لا انفصام بين الأخلاق و الانفتاح، و لا تعارضَ بين الحياء و العصرنة، و ربما من مخاطر العلمانية أنها لم تعُد إيديولوجية فحسب، لأنها دخلت باكرا في عقول الشباب، و تبنوها دون أن يدرسوا عنها حتى، فالانفصام بين الدين و الحياة نشأ عليه هؤلاء منذ الصغر، و أضحت مقولة بيني و بين مولاي هي الثقافة السائدة و المتداخلة في نفوسهم و عقولهم.
قبلات على الملأ:
حتى وقت قريب لم يكن الشاب يجرؤ على لمس زميلته أو أحدا من معارفه البنات، أما اليوم فإن لب الحليم يكادُ ينفلت من عقاله من فرط ما نراهُ من اختلاط شديد بين الجنسين في المدارس و الجامعات قبلات و مصافحات على الملأ، و تعانق على الطريقة الغربية، يرى هؤلاء أن ذلك تعبيرا عن التآلف و الاحترام و ليس بالضرورة تفسخا و انحلالا، و إذا سأل أحدهم عن الأمر استغرابا قيل له: هذا توسويس. لقد استقرت الثقافة الغربية جملة و تفصيلا في عقول هؤلاء الشباب، و إذا سُئلوا هل هذا من الدين جاءت الإجابة مبهمة و ملتوية. و كثيرا ما يسأل هؤلاء هل المصافحة حرام؟، هل الغناء حرام؟ هل الحب حرام؟، تأتي سؤالاتهم على هذه الشاكلة، ليس استيضاحا بالضرورة عن الحكم الشرعي في مثل هذه السلوكيات، بل بغرض التقييم و الاستشكال مفاده: هل الدين يتعارض مع الحياة!
الدين هو الحياة:
لا يدرك هؤلاء أنت الدين ليس حراما فقط، بل هو الواجب و المندوب و المكروه و المباح، خمسة من الأحكام التكليفية التي تتمفصل عندها جوانب الحياة، لقد جاءت الحاجة الإنسانية للدين بغرض
ضبط الجموح و الخروج عن حدود الفطرة بدافع الشهوة أو الغريزة، و الحد من مظاهر الخروج عن المعقول و المنقول.
في نظر هؤلاء دائما، فإن الأمر لا يعدو أن يكونَ سلوكات عابرة، ليس على أحد أن يقف عندها، و يشتد الحال عندما تتحول الفتاة إلى هدف سهل من زميلها أو صديقها، فيبدأ الأمرُ بظاهر من الزمالة و التواصل العلمي، ليقف عند حدود الوهم العاطفي، الحب المجنون و ما يتعلق به من كرامة مهدورة، و اشتداد الاندفاع الغريزي، بعدها لا يمكن أن تستقر العواطف و تستكين، لأنها محفزة بالتلامس و الاقتراب الشديد، و النظرات اللاهثة، و هنا تقول القيمة الإسلامية مهلا عليكم أن تسدوا باب الذرائع، لأن باب الشهوة إذا فتح فلا شيء سيوقف تقدمها السريع و المدمر. و في مسألة العاطفة بالذات موقف الإسلام هو موقف المنطق و العقل، فالعاطفة قد تزولُ و لا يبقى إلا ما يؤسس على قاعدة متينة و هو الزواج و الرباط المقدس على وجه الخصوص.
ثقافة تمتد في الفراغ:
إن ما نراه اليوم من هذا الانحلال المفزع، مرده إلى استسهال هؤلاء الشباب، و رغبته في كل ما هو وافدٌ من وراء البحار، من اللباس إلى أعلى قيمة أو خُلق، و أما هذا الوضع يتحول الدين في نظرهم إلى عقبة كأداء، و حاجزا صلبا، فلا ضير بعدها من تخطيه و تجاوُزه.
أما الفتاة أو المرأة، فإن وجه اللوم المباشر يقع عليها أولا و أخيرا، لأنها تعرفُ بفطرتها أن صنفا واسعا من الرجال يتهدد شرفها و كرامتها، ناظرا إليها من وحي الغريزة أولا، فتراود من طرفه، و تقع تحت طائلة الاختبار منه، و هي لها أن تقبل أو ترفض بحسب ما تملكُ من وازع ديني و خلق اجتماعي.
لقد أفضى الاختلاطُ بين الجنسين إلى تعالق بينهما شديد دون حد أو فاصل، فماذا يعني أن تصافح فتاةٌ فتى باسم زمالتها له، أو يتبادلان القبلَات كل صباح أمام الفصل الدراسي؟ كل ذلك أفضى إلى شعور بالاغتراب الأخلاقي لمن لا تزالُ لديه قيم الأصالة و المحافظة، فمثل هذه السلوكات لم تعد غريبةً أو معزولة، بل أصبحت ظاهرة تحتاج إلى بحث و تدقيق.
منقول عن الشروق العربي