السؤال : جرت العادة في كثير من أنحاء الوطن أن الإمام بعد تسليمه يبقى في المحراب يدعو عقب الصلوات المكتوبة جهرا للحاضرين ، ويرفعون أصواتهم بالتسبيح والتحميد والدعاء . فهل مثل هذا الفعل من السنة الواردة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أم هو بدعة محدثة ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
جماعة من المصلين – قسنطينة -.
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، الثابت من الأحاديث الصحيحة والهدي النبوي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا سلم استغفر ثلاثا ، وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، ولم يمكث مستقبل القبلة إلا مقدار ما يقول ذلك ، ثم يسرع الانتقال إلى المأمومين ، وكان يلتفت من يمينه أو عن يساره .
وقد ندب أمته – كما صح في الأحاديث التي رواها أصحاب الصحاح والسنن – أن يقولوا دبر كل صلاة : سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله كذلك ، والله أكبر كذلك ، وتمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأنه كان يقول بعد ذلك : اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
وقد ثبت غير ذلك من التسبيح والتهليل والتحميد والدعاء وقراءة آية الكرسي ، فانظر ذلك في كتب الحديث وفي كتب السيرة الصحيحة مثل زاد المعاد لابن القيم – رحمه الله -.
انتصاب الأئمة للدعاء جهرا بدعة :
أما انتصاب أئمة المساجد والجماعات للدعاء عقب الصلوات المكتوبة جهرا للحاضرين؛ فإنه بدعة مستحدثة ليست من السنة الصحيحة ، وقد منع عن ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وكرهه مالك بن أنس . قال الإمام شهاب الدين القرافي المالكي في كتابه "الفروق" – في الفرق الرابع والسبعين بعد المائتين – ما نصه : « يروى أن بعض الأئمة استأذن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في أن يدعو لقومه بعد الصلوات بدعوات ، فقال : لا ، إني أخشى أن تشمخ حتى تصل إلى الثريا ، يريد عمر أن الإمام يخشى عليه من حصول الكبر والخيلاء في نفسه ، وذلك من الفسق الذي لا تصح إمامته به». وذكر القرافي في هذا الفرق أن الدعاء من حيث هو دعاء مندوب ، وقد يعرض له من جهة متعلقه التحريم ما يقتضي الكراهة ، وذكر للكراهة خمسة أسباب ، ثم قال : « السبب الثالث للكراهة كونه سببا لتوقع فساد القلوب ، وحصول الكبر والخيلاء ، كما كره مالك وجماعة من العلماء – رحمهم الله – لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقب الصلوات المكتوبة جهرا للحاضرين ، فيجتمع لهذا الإمام التقدم في الصلاة ، وشرف كونه نصب نفسه واسطة بين الله وعباده في تحصيل مصالحهم على يده بالدعاء ، فيوشك أن تعظم نفسه عنه ، فيفسد قلبه ، ويعصي ربه في هذه الحالة أكثر مما يطيعه » .
فهذا الإمام مالك بن أنس كره هذا الفعل أن يقع من الأئمة حرصا عليهم من فساد القلب ، وحماية لهم من الغرور والكبرياء والمراءاة . ومن المعلوم أن ذلك من الفسق ، وأن الإمام الفاسق المتعلق فسقه بالصلاة – كالمراءاة – لا تصح إمامته .
والكراهة عند الإمام قد تطلق ويراد بها الحرمة ، ولا شك في حرمة ذلك إذا أدى بالإمام إلى عظمة تحصل له في نفسه ، وفساد قلبه ، وعصيان لربه .
هذا مذهب الإمام مالك بن أنس كما نقله شهاب الدين القرافي ، فمن العجب أن يقع هذا الفعل من الأئمة في مساجدنا – كما جاء في السؤال - ، مع أن أغلبية أئمة المساجد مالكية ، لا يعرفون لهم إلا مذهب مالك ، فكيف يخالفون قولا صح عنه ؟
ينبغي معالجة هذه القضية بحكمة وأناة ، ويكون ذلك بتعليم هؤلاء الأئمة أن هذا من البدعة ، وإقناعهم بمذهب مالك ، ثم هم يعلمون العامة الأذكار الواردة عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، والكيفية التي عليهم أن يدعو الله بها ، وأن الدعاء سرا هو المأمور به ، كما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى : ﴿ واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ﴾ سورة الأعراف ، الآية 205.
1977/10/12
المصدر : فتاوى الشيخ أحمد حماني الجزء الأول 135-137 ، منشورات قصر الكتاب.