ما تلاحظه هو نتيجة طبيعية للمثاقفة و التأثر بثقافة العالم المتطور... و قد سبق منذ أيام أن كتبت مشاركة تتعلق بالظاهرة، أعيد وضعها هنا مع بعض التصرف...
(بخصوص مشكلة التبرج و السراويل و محاكاة الغرب في المظهر و السلوك) فالذي أراه و أعتقده أنه ليس هناك حلول سحرية و آنية (لهذه الظواهر)، و لن يتغير الأمر بالمواعظ و النصائح، فقد كتبت مئات الآلاف من الصفحات و ألقيت عشرات الآلاف من الخطب في هذا الشأن و النتيجة هي استمرار و زيادة التأثر بمظاهر الثقافة الغربية ... و لن يتغير الأمر لمجرد التنديد و الترغيب و الترهيب ...
(واقع الحال أن) الأمة في حالة تخلف على كل الأصعدة و هذه هي المشكلة الرئيسية، ضعف التعليم و البحث العلمي و التأليف و الترجمة، ضعف الإقتصاد، الفساد السياسي...الخ ، و هذه الحالة أقدم و أسبق لفترة الإستعمار و ما بعده، بل هي السبب الرئيسي في تعرضنا للإستعمار و فشلنا في النهوض... فالمشكلة ليست في الحجاب و التبرج (و السراويل)، فقبل ظهور التبرج كنا أصلا في حالة تخلف فضيعة، و التقليد المظهري في اللباس و العادات هو نتيجة و ليس سببا في تخلفنا... لذا من العبث محاولة محاربة النتائج دون التعرض للأسباب... أنت لا تستطيع علاج أي أمر بمحاولة محو أعراضه...
لفهم أي ظاهرة يجب العودة للقواعد الثابتة و أهمها ما قرره علماء الإجتماع و النفس و الأنثروبولوجيا و التاريخ و الحضارة من أن الشعوب و الطبقات الضعيفة أو المغلوبة تميل عادة إلى تقليد و محاكاة من هم أكثر قوة و تقدما و هذا ظاهر في كل العصور و الأزمنة و الأمكنة. أي أن عملية التأثير و التأثر تتم غالبا بشكل طبيعي و عفوي و في إتجاه واحد ، من أعلى إلى أسفل، و الأمر أشبه بحالة التدفق التي يحكمها قانون الجاذبية... و لا يمكن عكس التيار أو الحد منه إلا بالإرتفاع بمستوانا الحضاري على مختلف الأصعدة. و ماعدا ذلك فستبقى دار لقمان على حالها و لن تنفع الخطب و المواعظ ...
(إذا كانت) المشكلة هي أن البعض من أشباه الحداثيين اعتقدوا و يعتقدون أن الخروج من حالة التخلف مرتبطة بتغيير المظهر و إبدال الطربوش و العمامة بالقبعة و ربطة العنق، فإن مثلهم (من المحافظين و الإسلاميين و دعاة الأصالة) يعتقد أن النهضة الإسلامية تقوم على إرخاء اللحى و إسدال النقاب... المشكلة أيضا في إعتقادنا أن هناك مؤامرة ضدنا في هذا الشأن، و الأمر أبسط من ذلك... نحن في حاجة إلى فهم روح العصر و إقامة النظم السياسية و القانونية و التعليمية التي تسمح لنا بتدارك التأخر الحضاري ، و بعد ذلك يمكن أن تكون لنا مناعة ضد التأثر بالضار من الثقافات الأخرى...
لا يمكن مواجهة تأثير الثقافة الغربية بمجرد التحذير منها، فهي ستضل تؤثر مادام الغرب متقدم صناعيا و تقنيا و سياسيا و إقتصاديا و علميا و حضاريا... بمعنى آخر ، ليس هناك حل و سوف يضل الأمر كما هو لمدة طويلة...
المعركة الحقيقة هي معركة التنمية و الإقتصاد و التعليم و بناء دولة القانون و العدل و هو الأمر الذي نجح فيه الغرب مقارنة بنا ، و هو ما يمنح الغرب قوته التأثيرية... و هو لا يحتاج ليتآمر ضدنا لنتأثر به ، مثلما لم نحتج نحن للتآمر على غيرنا للتأثير فيهم عندما كنا في موقع قوة... لذا من المهم أن ننضج في تصورنا لمشكلاتنا و نخرج من ضيق و سذاجة فكر المؤامرة...
ما أقوله هنا لا يعني الإستسلام و قبول قيم الغرب بوصفها الأفضل و الأسلم، و لكن معناه أن نفهم الأمور على حقيقتها و نصرف الجهد في محله، و أن نتجاوز الخطاب العاطفي و شيطنة الآخر الذي يعاني من مشكلات اجتماعية كثيرة و ليس من المعقول التصور أنها بسبب أنه يتآمر ضد نفسه...
دعني إذن أكون صريحا و واضحا ، إن معركة الحجاب هي معركة خاسرة في ظل الأوضاع القائمة و الفروق الشاسعة بين حضارة تنتج الفكر و الفن و العلم و السلع و الأفكار و حضارة تستهلك... تكنولوحيا المعلومات و تزايد الإحتكاك بين الثقافات يجعلنا دائما في حالة عجز في علاقات التأثير و التأثر... و الوضع لن يشهد تصحيحا إلا إذا تساوت موازين القوى في حقول العلم و الإبتكار و الإنتاج...