ثورة الاتصالات
الحاجة أُمّ الاختراع
الإنسان اجتماعي بطبيعته، التي خلقه الله عليها؛ لتميزه النوعي عن جميع الكائنات الحية بعقله، ووعيه، وقدرته على التفكير والنطق، ونقل الأفكار والمعاني والآراء،ن من طريق الاتصال بالآخرين؛ إضافة إلى قدرته على التعلم واكتساب الخبرات. لذا، لا يمكنه أن يحيا في معزل عن سائر أبناء المجتمع.
اكتشف الإنسان البدائي ضعفه وقلة حيلته، في مواجهته، منفرداً، الظروف الصعبة المحيطة به. وبغريزته الطبيعية، اندفع ليحيا مع الآخرين، وشعر بضرورة الاتصال بهم، للتعاون وتنظيم العمل فيما بينهم، فنشأت التجمعات الأولى للإنسان على الأرض.
قلد الإنسان الحيوانات والظواهر البيئية المحيطة به، فأطلق أصواتاً، تلائم حدتها وارتفاعها، خطر ما يريد التعبير عنه. ثم لجأ إلى الإشارات بالأيدي والأرجل، والتعبير بالجسم والوجه والرقصات: الفردية والجماعية. واستخدم النيران، والأشكال الرمزية، على الأرض أو على جدران الكهوف؛ فكان ذلك أول أسلوب للتعبير، والأساس لأول لغة عرفها البشر.
ثم تطورت وسائل الاتصال بين أبناء المجتمعات البدائية، إلى دقات الطبول وحمام الزاجل، والرسائل المكتوبة. وبعد اختراع الكهرباء، استخدمت الإشارات البرقية، والاتصالات الهاتفية؛ واطَّرد استخدامها حتى وصلت ما هي عليه الآن، من تطور وتعدد في وسائلها وأساليبها المختلفة.
وسُخِّرت الاتصالات لمصلحة الإنسان، وتمثلت في المجالات التالية:
1. توفير المقومات الأساسية للحياة
احتاج الإنسان البدائي، أن يبلغ جماعته المكان الذي يتوافر فيه الصيد والثمار والمياه، وطرق الوصول إليها. ثم التفاهم والاتفاق على أسلوب، لتنظيم تعاونهم أثناء الصيد، وتوزيع المهامّ فيما بينهم؛ وكيفية استغلال مهاراتهم المختلفة، لتحقيق هدف توفير الغذاء، وكذلك إعداد الطعام والشراب للتخزين، لتلبية الحاجة خلال الفترات التي يقل فيها الصيد أو يسود فيها الجفاف، أو تلك التي تمنعهم فيها ظروف الطبيعة القاسية من الصيد.
وما زال الإنسان في العصر الحديث، يحتاج إلى وسائل الاتصالات الحديثة، لتلبية مطالب جديدة. فهو يحتاجه إليها لاستكشاف مناطق الثروات الطبيعية، سواء كانت تحت الأرض أو في أعماق المحيطات، وتحديد أفضل أسلوب لاستغلالها. كما تُستغل الاتصالات في عقد الصفقات التجارية، لتبادل المنافع؛ ونقل الخبرات في التخصصات كافة، وعبر أماكن متباعدة في العالم. كما تُتَبادل المعرفة والعلوم، التي تسمح باستغلال المتاح من الثروات أفضل استخدام. ومن خلال الاتصالات، تنظم الصناعة والإنتاج، ليتكاملا على المستوى العالمي. وقد أدت ثورة الاتصالات، في العصر الحالي، إلى أن يتمتع الإنسان، ويصل إلى أعلى درجات الرفاهية، في كل مكان على سطح الأرض.
2. الارتقاء بمقومات الحياة الأساسية
سعى الإنسان إلى الارتقاء، وتوفير المزيد من الرفاهية والتقدم، وإشباع الحاجات غير المادية، مثل الثقافة والعلم. فبعد أن نجح في وضع الأسس لتوفير المقومات الأساسية لحياته، وطورها عبر التاريخ، استغل وسائل الاتصال الحديثة المتاحة، لتوفير المزيد من الرفاهية والتقدم. ثم ظهر الكتاب والجريدة، وانتشرت البرامج: المسموعة والمرئية، تحمل الثقافة والعلم إلى فئات المجتمع كافة، وعبرت حدود الدول والقارات، لتوحد الثقافات، وتجعل من العالم قرية صغيرة. ولم يكن ذلك ليتحقق، إلا باستخدام أحدث نُظُم الاتصالات.
3. توفير الأمن والسلامة
لم تختلف الحاجة إلى توفير الأمن والسلامة، من الإنسان البدائي إلى الإنسان المعاصر، إلا في اختلاف وسائل الاتصال المستخدمة لتحقيق هذا الهدف. فقد احتاج الإنسان الأول، أن يحذر رفاقه من أيّ أخطار، مستخدماً كلّ الوسائل المتيسرة، لديه من أصوات ونيران وإشارات ورموز؛ كما استغل هذه الإشارات في طلب المعونة والنجدة.
وفي هذا العصر، ونتيجة نشوب العديد من الصراعات المسلحة، تحتاج الجيوش المتحاربة إلى وسائل اتصال قوية وموثوق بكفاءتها، لتربط بين الجنود وقادتهم، وبين الوحدات العسكرية وبعضها ببعض، لتوصيل الأوامر والتعليمات، ومتابعة أعمال المرؤوسين ومعاونتهم، وتذليل الصعاب التي تواجههم؛ وهو ما يتيح أفضل استخدام للقوات والإمكانات، وتحقيق المرونة والسرعة. كما استخدمت وسائل حديثة للاتصالات، لتأمين وسائل المواصلات: البحرية والجوية، وتوفير السرية في التعاملات: المالية والتجارية؛ إلى جانب استخدام هذه الوسائل الحديثة في التنبؤ بالكوارث الطبيعية والأحوال المناخية، قبل حدوثها بوقت كاف، ونشر هذه المعلومات خلال شبكات الاتصال الخاصة بالنجدة والإغاثة؛ وإدارة التعامل مع الكوارث الطبيعية، مثل: الزلازل والأعاصير.
4. التفاعل مع الآخرين
إضافة إلى الدوافع المادية، التي تدفع الإنسان إلى الارتباط برفاقه، هنالك حاجات عاطفية، تحركها صفات بشرية سامية، تدفع الإنسان إلى تكوين الأسر، وإشباع غرائز الأبوة والأمومة. فمن الدعائم التي تقوم عليها الأسر، هي قدرة الأشخاص على الاتصال المتبادل فيما بينهم، والتواصل بين الأسر بعضه ببعض، وبين التنظيمات الاجتماعية المختلفة داخل المجتمع الواحد، وبين المجتمعات والتنظيمات الأكبر.
5. استكشاف العالم
العقل البشري يرفض الأبواب المغلقة، ويسعى دائماً لمعرفة وكشف المجهول؛ لذلك كانت الحاجة إلى استكشاف العالم وتفسير الظواهر المختلفة، والرغبة المستمرة في التطور العلمي والتكنولوجي. فتجول الإنسان في أنحاء المعمورة كافة، ووصل إلى قمم المرتفعات، وإلى الغابات والأدغال، والصحاري، وأعماق البحار، والمحيطات، ثم تطلع إلى الكواكب، وبدأ يغزو الفضاء، وكانت حاجته دائمة إلى نُظُم الاتصال لتحقيق ذلك.