المشروع الحضاري في فكر مالك بن نبي ، من خلال كتاب شروط النهضة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المشروع الحضاري في فكر مالك بن نبي ، من خلال كتاب شروط النهضة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-05-09, 18:54   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
khelifa8
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية khelifa8
 

 

 
إحصائية العضو










B1 المشروع الحضاري في فكر مالك بن نبي ، من خلال كتاب شروط النهضة

1- الشكل :

- أ
إسم الكتاب : شروط النهضة
إسم المؤلف : مالك بن نبي
الترجمة : عبد الصبور شاهين
الطبعة : دون طبعة
دار النشر : دار الفكر للطباعة و التوزيع و النشر دمشق
سنة النشر : دون تاريخ
عدد الصفحات : مائة وتسعة وخمسون ( 159 ) صفحة


- ب -
محتوى الكتاب: ثلاثة أبواب

الباب الاول : الحاضر و التاريخ ، من الصفحة 15 الى الصفحة 36
-دور الابطال
-دور السياسة و الفكرة
-دور الوثنية
الباب الثاني : المستقبل ، من الصفحة 37 الى الصفحة 142
-من التكديس الى البناء
-الدورة الخالدة
-العدة الدائمة
-أثر الفكرة الخالدة في تكوين الحضارة
-العنصر الاول : الانسان
-العنصر الثاني : التراب
-العنصر الثالث : الوقت
الباب الثالث : الاستعمار و الشعوب المستعمرة ، من الصفحة 143 الى الصفحة 159
-المعامل الاستعماري
-معامل القابلية للاستعمار
-مشكلة التكيف




التعريف بالكاتب : ولد مالك بن نبي في مدينة تبسة في الشرق الجزائري سنة 1905 م ، في أسرة فقيرة من مجتمع جزائري محافظ ، أنهى تعليمه 1925م . سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة ، فعاد مجددا إلى مسقط رأسه . و بعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل ، كان أهمها عمله في محكمة ( آفلو ) حيث احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب ، فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده .
ثم أعاد الكرة سنة 1930م ، و لكن هذه كانت رحلة علمية . حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية ، إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات . فاضطّر للتعديل في أهدافه و غاياته ، ملتحقا بمدرسة ( اللاسلكي ) فتخرج كمساعد مهندس .
ورغم تخصصه التقني انغمس في الدراسة و الحياة الفكرية ، فتزوج فرنسية و اختار الإقامة في فرنسا وشرع يؤلف في قضايا العالم الإسلامي كله ، فكان سنة 1946 كتابه " الظاهرة القرآنية " ، ثم "شروط النهضة " 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار ، و " وجهة العالم الإسلامي " 1954، أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين .‏
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م و هناك حظي باحترام ، فكتب " الفكرة الإفريقية الآسيوية " 1956 . وتشرع أعماله الجادة تتوالى ، و عاد بعد الاستقلال إلى الوطن ، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في ( جامعة الجزائرالمركزية ) ، حتى استقال سنة‏ 1967 متفرغاً للكتابة ، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته ، بعنوان عام هو : " مذكرات شاهد القرن " . قضى نحبه يوم 31 أكتوبر 1973م ، في صمت معدما محاصرا منسيا ً.
2- المضمون :
أ الاشكالية :
- ماهي الشروط الضرورية لقيام نهضة حضارية متوازنة ؟
ب - الفكرة العامة :
قيمة الانسان والتراب و الوقت و الفكرة في قيام النهضة الحضارية
جـ- الافكار الاساسية :
-دور الابطال و الافكار و السياسة في إحداث حركات التغيير .
-العناصر الاساسية التي تقوم عليها أي حضارة .
-طرح فكرتي المعامل الاستعماري و القابلية للاستعمار و ضرورة التكيف مع الحضارة .
الباب الاول
الافكار الاساسية :
-دور الابطال في صناعة الملاحم و البطولات .
-دور الافكار الاصلاحية في ايقاظ الشعوب
تحليل الباب الاول :
لقد كان دور الشعوب الاسلامية امام الزحف الاستعماري خلال القرن التاسع عشر و الربع الاول من القرن العشرين دورا بطوليا فقط ، و من طبيعة هذا الدور انه لا يلتفت الى حل المشاكل التي مهدت لتغلغل الاستعمار داخل البلاد .
ان مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ، و لا يمكن لأي شعب ان يفهم او يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته الى الاحداث الانسانية ، و ما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات او تهدمها ..
ان التاريخ لا يلتفت الى الامم النائمة ، و انما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر ؛ تطربها إذ ترى في منامها ابطالها الخالدين و قد أدوا رسالتهم ، و تزعجها حينما تدخل صاغرة ضعيفة في سلطة جبار عنيد .
وهكذا حال الجزائر ؛ فبعد سبات عميق بزغ في الافق ( الامير عبد القادر ) ، ثم اختفى سريعا كأنه حلم طواه النوم ، و ايضا بزوغ ( عبد الكريم الخطابي ) في المغرب ، الذي كانت القبائل العربية و البربرية تقاتل معه لا من اجل البقاء ، بل من اجل الخلود ، فكان لها الخلود ، ذلك لأن الاسلام كقوة روحية يعد حصنا منيعا للذين يتمسكون به من ان تحطمهم الايام او يذوبوا في بوتقة المستعمر [1]...
هذا ، و ان كان للابطال دور فإن للكلمة و الفكرة دور أيضا ، فكلمة يطلقها انسان قد تكون من عوامل اثارة النفوس و تغيير الاوضاع ، و هكذا كانت كلمة ( جمال الدين الافغاني ) ، أحييت النفوس الميتة و زرعت البذور لفكرة بسيطة : ( فكرة النهوض )
و من آثار هذه الكلمة انها قد غيرت ما في نفوس الناس من تقاليد بالية ، و بعثت الحركة في كل مكان حتى وصلت الجزائر ، فكانت ساعة اليقظة مع كلمات ( عبد الحميد بن باديس ) .. فشاعت الافكار و انطلقت في صورة مدرسة او مسجد او حركة اصلاحية .. وكانت حركة الاصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون اقرب الى النفوس و القلوب ، إذ كان اساس منهاجم قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (سورة الرعد ، الآية : 11) ، فأصبحت هذه الاية شعار كل من يسلك الاصلاح في مدرسة ابن باديس ..
الباب الثاني :
الافكار الاساسية :
-العناصر الاساسية التي تقوم عليها الحضارة .
-اثر الفكرة الدينية في تأسيس الحضارة .

تحليل الباب الثاني :
لقد ظل العالم العربي خارج التاريخ دهراً طويلاً كأن لم يكن له هدف ، فاستسلم المريض للمرض ، و فقد شعوره بالألم حتى كأن المرض صار يؤلف جزءاً من كيانه . و قبل ميلاد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه ، فلم يلبث أن خرج من سباته العميق و لديه الشعور بالألم . و بهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي و العربي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها : النهضة[2] .
و لكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا ( المرض ) بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة ، فإن الحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة ( الدواء ) .
و نقطة الإنطلاق هي أن الخمسين عاماً الماضية[3] تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم العربي اليوم ، و التي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين : فهي من ناحية : النتيجة الموفقة للجهود المبذولة طوال نصف قــرن من الزمان من أجل النهضة . و هي من ناحية أخرى : النتيجة الخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أو اتجاهاته .
و من الممكن أن نفحص الآن سجلات هذه الحقبة ، ففيها كثير من الوثائق و الدراسات و مقالات الصحف و المؤتمرات التي تتصل بموضوع النهضة ، هذه الدراسات تعالج الاستعمار و الجهل هنا ، و الفقر و البؤس هناك ، و انعدام التنظيم و اختلال الاقتصاد أو السياسة هنالك ، و لكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض ، أعني دراسة مرضية للمجتمع العربي ، دراسة لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون . ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته . فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية ، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة و الوعظ ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه .
و قد نتج عن هذا أنهم لا يعالجون المرض ، وإنما يعالجون الأعراض ، وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل الجرثومي ، فلا يهتم بمكافحة الجراثيم ، وإنما يهتم بهيجان الحمى عند المريض .
والمريض نفسه يريد أن يبرأ من آلام كثيرة : من الاستعمار و نتائجه ، من الأمية بأشكالها ، من الفقر رغم غنى البلاد بالمادة الأولية ، من الظلم و القهر و الاستعباد ... و هو لا يعرف حقيقة مرضه و لم يحاول أن يعرفه ، بل كل ما في الأمر أنه شعر بالألم ، فجرى نحو الصيدلية ، يأخذ من آلاف الزجاجات ليواجه آلاف الآلام . و ليس هناك في الواقع سوى طريقتين لوضع نهاية لهذه الحالة المرضية ؛ فإما القضاء على المرض و إما إعدام المريض . لكن هناك من له مصلحة في استمرار هذه الحالة المرضية سواءً أكان ممن هم في الخارج أو ممن يمثلونهم في الداخل .
لقد دخل المريض إلى صيدلية الحضارة الغربية طالباً الشفاء ، و لكن من أي مرض ؟ و بأي دواء ؟ وبديهي أننا لا نعرف شيئاً عن مدة علاج كهذا ، و لكن الحالة التي تستمر هكذا تحت أنظارنا لها دلالة اجتماعية يجب أن تكون موضع تأمل و تحليل . و بذلك يمكننا أن نفهم المعنى الواقعي لتلك الحقبة التاريخية التي نحياها ، فيجوز ان نطلق على تلك الحقبة ( بادرة حضارة ) ، و ان كل ناتج حضاري = انسان + تراب + وقت و المركب بين هذه العناصر هو الفكرة الدينية[4] .
إذن مشكلة الحضارة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية : مشكلة الإنسان ، و مشكلة التراب ، و مشكلة الوقت ، فلكي نقيم بناء نهضة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات ، و إنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها .
أولا : مشكلة الإنسان : إن المشروع الإصلاحي يبدأ بتغيير الإنسان ، ثم بتعليمه الإنخراط في الجماعة ثم بالتنظيم ، فالنقد البنّاء . و تبدأ عملية التطور مـن الإنسان لأنه المخلوق الوحيد القادر على قيادة حركة البناء ، و تحقيق قفزات نوعية ، تمهيداً لظهور الحضارة . أما المادة فمهما يكن من أمرها تكديساً وزيادة ، فإنها تبقى تجميع كمي لا يعطي معنى كيفياً نوعياً ، إلا بسلامة استخدام الإنسان له .
و لكي يتحقق التغير في محيطنا يجب أن يتحقق أولاً في أنفسنا ، فمنهج الرسالة يقتضي التغيير ، و التغيير يقتضي تغيير ما في النفوس أولاً ... لقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، و عندها يجب على المسلم أن يحقق بمفرده شروطاً ثلاثة :
- أن يعرف نفسه .
- أن يعرف الآخرين ، و أن لا يتعالى عليهم و أن لا يتجاهلهم .
- أن يعرف الآخرين بنفسه و لكن بالصورة المحببة ، أي بالصورة التي أجريت عليها كل عمليات التغيير بعد التنقية و التصفية من كل رواسب القابلية للاستعمار و التخلف وأصناف التقهقر .
إن الإنسان هو الهدف و هو نقطة البدء في التغيير و البناء ، و مهما جرت محاولات تحديثية بوساطة الإستعارة ، أو الشراء للمصنوعات ومنتجات التقنية ، فإن هذه المحاولات ستكون عقيمة ، طالما أنها لم تبدأ من حيث يجب ، فالحل الوحيد هو تكوين الفرد الحامل لرسالته في التاريخ ، و الغني بأفكاره على حساب اشيائه .
إن العلوم الأخلاقية و الاجتماعية و النفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم المادية ، فهذه تعتبر خطراً في مجتمع مازال الناس يجهلون فيه حقيقة أنفسهم أو يتجاهلونها ، فإعداد إنسان الحضارة أشق كثيراً من صنع محرك أو تقنية متطورة ، و مما يؤسف له ان حملة الشهادات العليا في هذه الاختصاصات هم الأكثر عدداً في البلدان المتخلفة لكنهم ، لم يكونوا إلا حملة أوراق يذكر فيها اختصاصهم النظري ، فصاروا عبئاً ثقيلاً على مسيرة التنمية و الإصلاح ، فهم القادة في المجتمعات المتخلفة على الرغم من عجزهم عن حل أبسط المشكلات بطريقة علمية عملية ، و إلا لما تخلف مشروع النهضة حتى الوقت الحاضر ، و نحن بحاجة إلى دروس في منهجية العمل في سائر مستويات عملنا .
و لتبدأ المنهجية اولاً في مستوى الحديث المجرد ، لأن كل عمل اجتماعي يقتضي تبادل أفكار بين عدد من الاشخاص . إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الأفكار، و هو المرحلة التمهيدية البسيطة لكل عمل مشترك ، فقواعد الحديث إذن لا تخص حسن الآداب فقط ، بل هي جزء رئيسي من تقنية العمل .
فالقضية إذن ، لا تخص قواعد الحديث و حسن السلوك في المنتديات و المؤتمرات و الصالونات و المقاهي فحسب ، بل تخص مباشرة تقنية العمل من زاوية " الفعالية " ، حيث لا يكون الحديث لمجرد التسلية و انما يخضع لقواعد العمل ، الذي ليس سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات و بعض الأفكار ، و في هذا المستوى ، يتداخل الجانب الأخلاقي و الجانب المنطقي ليكونا معاً العمل الفعال أو العمل التافه و نظن أننا لا نزال كأمة في المستوى الثاني .
و ليس من الضروري و لا من الممكن أن يكون لمجتمع فقير ، المليارات من الذهب كي ينهض ، و إنما ينهض بالرصيد الذي لا يستطيع الدهر ان ينقص من قيمته شيئاً ، الرصيد الذي وضعته العناية الإلهية بين يديه : " الإنسان " ...
و طالما كانت الإرادة الحضارية طوع الفكرة فإننا إزاء عصر التلقين المستبد بتصوراتنا و مفاهيمنا نواجه انهيار هذه الإرادة حتى لا تقوى على احتضان المصير، و الصراع الفكري يجد إطاره الأوسع في البلاد المحكومة بشبكة من الإيحاءات ، تدلي بها مراصد الاستعمار ، لتصنع الأحداث حيال كل نهضة فاعلة في عالمنا العربي و الإسلامي . فالمشكلة مشكلة أفكار في النهاية ، لأننا بها ننظم خطانا في ثبات ، و ندفع طاقتنا في مضاء العزيمة ، و نحشد وسائلنا في الإنجاز .
إن لكل حضارة نمطها و أسلوبها و خيارها ، و خيار العالم الغربي ذي الأصول الرومانية الوثنية قد جنح بصره إلى ما حوله مما يحيط به : نحو " الاشياء " ، بينما الحضارة العربية الإسلامية عقيدة التوحيد المتصل بالرسل قبلها سبح خيارها نحو التطلع الغيبي و ما وراء الطبيعة : نحو " الأفكار " .
و الإنسان حينما ينظم شبكة علاقاته الاجتماعية بوحي الفكرة في انبثاقها ، فإنه يتحرك في مسيرته عبر الأشخاص و الأشياء المحيطة به فيتخذ العالم الثقافي إطاره في إنجاز هذه المسيرة و يأخذ طابعه تبعاً للعلاقة بين العناصر الثلاثة المتحركة : الأشياء ، الأشخاص ، الأفكار . فهناك توازن لابد منه بين هذه العناصر الثلاثة يسكب مزيجها في قوالب الإنجاز الحضاري ، فإذا ما استبد واحد من هذه العناصر و طغى على حساب العنصرين الآخرين فثمة أزمة حقيقية في مسيرة الحضارة تلقي بها خارج التاريخ فريسة طغيان الشيء أو طغيان الشخص .
ففي بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته ، تنشأ فيه عقد الكبت و الميل نحو التكديس الذي يصبح في الإطار الاقتصادي إسرافاً محضاً . أما في البلد المتقدم - و طبقاً لدرجة تقدمه - فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته و ينتج نوعاً من الإشباع ، فيولد ميلاً نحو الهروب إلى الأمام الذي يدفع الإنسان المتحضر دائماً إلى تغيير إطار الحياة وفق صرعات الموضة في كل شيء حوله .
لكن طغيان الشخص يؤدي إلى نتائج في الإطار السياسي و الجتماعي تهدم بنيان الفكرة حينما تتجسد فيه . وكثيراً ما تعمد مراصد الرقابة في حركة العالم الثالث إلى دفع هذا الاتجاه المرضي إلى نهايته في عقول الجماهير لتحطم الفكرة البناءة من وراء سقوط الأشخاص الذين يمثلونها في النهاية ، وتدفع الجماهير للبحث عن بديل للفكرة الاصلية من الشرق و الغرب عبر بطل جديد .
فعدم التوازن في العناصر الثلاثة يفضي بنا على انهيار المجتمع ، و المجتمع العربي الإسلامي يعاني في الوقت الحاضر بصورة خاصة من هذه الاتجاهات ، لأن نهضته لم يُخطط لها . ولم يُفكر بها بطريقة تأخذ بإعتبارها عوامل التبديد و التعويق سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، و على الأغلب الاثنين معاً .
إن أهمية الأفكار في حياة مجتمع معين تتجلى في صورتين : فهي إما ان تؤثر بوصفها عوامل نهوض بالحياة الاجتماعية ، و إما أن تؤثر على عكس ذلك بوصفها عوامل ممرضة ، تجعل النمو الاجتماعي صعباً أو مستحيلاً . و هنالك فضلاً عن ذلك جانب آخر لأهمية الأفكار في العالم الحديث : ففي القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الأمم و الشعوب علاقات " قوة " ، وكان مركز الأمة يقدر بعدد مصانعها ، و مدافعها ، و اساطيلها البحرية ، و رصيدها من الذهب ، و لكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطوراً معلوماً ، هو أنه قد أعلى من " الفكرة " باعتبارها قيمة قومية و دولية . هذا التطور لم تشعر به كثيراً البلدان المتخلفة ، لأن عقدة تخلفها ذاتها قد نصبت في طريقها ضرباً من الغرام السقيم بمقاييس القوة أي بالمقاييس القائمة على ( الأشياء ) . فالإنسان المتخلف وبسبب عقدة تخلفه يرد المسافة بين التقدم و التخلف إلى نطاق (عالم الأشياء) ، أو هو بتعبير آخر يرى أن تخلفه متمثل في نقص مالديه من مدافع و طائرات و مصارف ... و بذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليته الاجتماعية ، إذ ينتهي من الوجهة النفسية إلى التشاؤم كما ينتهي من الوجهة الاجتماعية إلى تكديس المشكلات ، فلكي يصبح مركب النقص لديه فَعّالاً مؤثراً ينبغي أن يرد الإنسان تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى الأشياء ، فإن تطور العالم الجديد دائماً يتركز اعتماده على المقاييس الفكرية .
و مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الأفكار، و لذلك كان علينا أن نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه ، فهو بصفة عامة قوة في الأساس ، وتوافق في السير ، و وحدة في الهدف ، فكم من طاقات و قوى لم تُستخدم ؛ لأننا لا نعرف كيف نُكتّلها ، وكم من طاقات و قوى ضاعت فلم تحقق هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن المصدر نفسه ، و متجهة إلى الهدف نفسه . فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد و في الوقت ، فهناك ملايين السواعد العاملة و العقول المفكرة في البلاد الإسلامية صالحة لأن تستخدم في كل وقت ، و المهم هو أن ندير هذا الجهاز الهائل المكون من ملايين السواعد و العقول ، في أحسن ظروفه الزمنية و الإنتاجية . و هـذا الجهاز حين يتحرك يحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود . فلا يكفي مطلقاً أن ننتج أفكاراً ، بل يجب أن نوجهها طبقاً لمهمتها الاجتماعية التي نريد تحقيقها . إننا نرى في حياتنا اليومية جانباً كبيراً من اللا فاعلية في أعمالنا ، إذ يذهب جزء كبير منها في العبث و في المحاولات الهازلة .
وإذا ما أردنا حصراً لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادها الضابط الذي يربط بين الأشياء و وسائلها ، و بين الأشياء و أهدافها ، فثقافتنا لا تعرف مثلها العليا و فكرتنا لا تعرف التحقيق ، و إن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله و في كل خطوة نخطوها . إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ، و لكن منطق العمل و الحركة ، و هو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاماً مجرداً ، بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيراً مؤثراً و يقولون كلاماً منطقياً من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل و نشاط .
أما في مستوى المجتمع الذي يعيش أزمة ثقافية فإننا نستطيع حصر العديد من الملاحظات و يكفينا لذلك أن نرى بالعين المجردة ما يدور في حياته الاقتصادية و السياسية[5] .
إننا لو وضعنا سلماً للقيم الثقافية جنباً إلى جنب مع السلم الاجتماعي ، لوجدنا أن السلمين يتجهان في الاتجاه نفسه من الأسفل إلى الأعلى ، أي أن المراكز الاجتماعية تكون تلقائياً موزعة حسب الدرجات الثقافية . أما المجتمع الذي يواجه ازمة ثقافية فإن السلمين ينعكسان ، الواحد بالنسبة للآخر إنعكاساً تصبح معه القاعدة الشعبية - على الأقل بمحافظتها على الأخلاق أثرى ثقافياً من قيادتها ، فمن يرقى درجات السلم و يأخذ مكانه و دوره الاجتماعي في العالم المتخلف ليس من أهل الدرجات العلمية الثقافية ، بل من يرضى عليه أولو الأمر في السلطة .
لكن كيف نخلص الإنسان من الاستعمار الثقافي و الذي معناه استمرار الاستعمار السياسي و الاقتصادي ؟ إن الإنسان المطلوب تغييره من أجل تنشيط عملية البناء الحضاري لا يمكن تغييره و تخليصه من الدونية باتجاه الآخر المستعمر ، إلا إذا هيأنا له مناخاً تربوياً متحرراً من النفوذ الاستعماري وجواً ثقافياً أصيلاً و شعوراً متعالياً بالشخصية ....
إن الإبداع و العطاء لن يكونا إلا عندما نترك لعالم الأفكار أن يحاول حلَّ خفايا عالم الاشياء ، في هذه الحالة تتوالى الحلول تترأى ، و بذلك تقوم النهضة العلمية في مجتمع ما ، أما إذا كان عالم الأفكار مستعاراً فسيكون عنده قصور في الكشف و تراوح الأمور العلمية مكانها .
و إذا أردنا أن ننشئ ذاتاً جديدة لإنسان اليوم في العالم العربي و الإسلامي ، فيقتضي ذلك قبل كل شيء تنقية المحيط الأسروي و المدرسي و الاجتماعي العام من الإستعارات التي تحمل في طياتها هدفاً إستعمارياً تخريبياً ، يحاول زرع التفقير و التجهيل و الإنحراف في مجتمعاتنا بشتى الوسائل ، و أهمها استغلال غفلتنا . و يتحدد دور ومكانة الفرد في أمته تبعاً لعلاقة المجتمع بالأشياء أو بالأشخاص أو بالأفكار .
إن كل مجتمع مهما كان مستواه من التطور له عامله الثقافي المعقد ، ففي نشاطه المتناغم هنالك تشابك بين العوالم الثلاثة : الأشياء و الأشخاص و الأفكار ، و لكن يظل هنالك دائماً رجحان لأحد هذه العوالم الثلاثة ، و بهذا الرجحان - الذي يظهر في سلوك المجتمع و فكره - يتميز كل مجتمع عن سواه من المجتمعات . و المجتمع المتخلف ليس موسوماً حتماً بنقص في الوسائل المادية ( الأشياء ) ، و إنما بافتقاره للأفكار ، و يتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه ، بقدر متفاوت من الفاعلية ، و في عجزه عن إيجاد غيرها ، و على الأخص في أسلوبه في طرح مشاكله ، عندما يتخلى عن أي رغبة و لو مترددة بالتصدي لها ، أما حاله مع عالم الأشخاص ، فإنه يدور حول شخص الزعيم فيجعل منه وثناً يُعبد . و لا خلاص لمجتمع من تخلفه إلا إذا كان عالم أشياءه و أشخاصه يدور حول عالم الأفكار لذلـــــك : فإن أي ثورة ، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم تكن لها قاعدة أخلاقية قوية .
إن الحوار بين المسؤولين و الجماهير يعيد الجسر الذي يصل الشعب بالدولة ، و ليس غريباً في هذا المناخ من الثقة المتبادلة أن تتحقق المعجزات ، و لو كان ثمنها مزيداً من التقشف ، لأن الصعوبات لا تزال بين عشية و ضحاها بعصا سحرية ، و علينا أن نقدم الواجب قبل أن نطالب بالحقوق ؛ فالحق ... يجذب الانتفاعيين و الوصوليين و الإنتهازيين كما يجذب العسل الذباب ، بينما كلمة الواجب لا تجذب غير النافعين الذين يسعون حقاً لنهضة مجتمعهم ، فالفرد في المجتمع المتخلف يطالب بحقوقه قبل أن يقوم بواجباته ، بينما أداء الواجب هو الكفيل الوحيد بالحصول على الحقوق ، فإذا أردت أن تصلح أمر الدولة اصلح نفسك .
ثانيا : مشكلة التراب : حينما يتكلم ( ملك بن نبي ) عن التراب لا يبحث في خصائصه و طبيعته ، و لكن يتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية ، و هذه القيمة الاجتماعية للتراب مستمدة من قيمة مالكيه ، فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة ، و حضارتها متقدمة ، يكون التراب غالي القيمة ، و حيث تكون الأمة متخلفة كما هو الحال اليوم - يكون التراب على قدرها من الانحطاط ، و ذلك بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه ، فها هي رمال الصحراء تغـزو بشراسة الحقول الخضراء على امتداد الوطن العربي . فتترك أهلها يتامى بين يدي الصحراء المقفرة . و بديهي أنه لا حل لهذه الأزمة غير الشجرة ، لكن إذا كان الإنسان الزارع لهذه الشجرة أو المؤتمن على رعايتها ، يعيش حالة تصحر داخلي ، فلا أمل من رؤية اللون الأخضر مرة ثانية تحت نظر و يد إنسان كهذا . فسنوياً يعلن المسؤولون أنه تم غرس عشرات الملايين من الاشجار ، لكننا على يقين أن واقع الحال غير ذلك سواء لعدم العناية المستمرة ، أو لعدم الدقة في الرقم الإحصائي .
إن ترابنا العربي لا يزال بكراً ، رغم كل أشكال النهب التي مورست عليه في السطح أو في العمق من قبل الآخرين ، و على الأغلب بسبب إهمالنا له و بشكل عدواني .
ثالثا : مشكلة الوقت : و هو العنصر الثالث في تكوين الحضارة ، إن الزمن نهر قديم يعبر العالم ، و يروي في أربع و عشرين ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب و الحقل الذي يعمل به ، و هذه الساعات التي تصبح تاريخاًً هنا و هناك قد تصير عدماً إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها ، و إذا قسنا الزمن بمقياس الساعات التائهة فالقرون لا تساوي شيئاً .
ولكنه نهر صامت حتى إننا ننساه أحياناً ، و تنسى الحضارات في ساعات الغفلة قيمته التي لا تعوض ، و حينما لا يكون الوقت من أجل الإثراء أو تحصيل النعم الفانية ، أي حينما يكون ضرورياً للمحافظة على البقاء ، أو لتحقيق الخلود و الانتصار على الأخطار ، يسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة ، و يدركون قيمتها التي لا تعوض ، ففي هذه الساعات لا تهم الناس الثروة أو السعادة أو الألم ، و إنما الساعات نفسها . فيتحدثون حينئذ عن ( ساعات العمل ) ، فهي العملة الوحيدة التي لا تبطل ، و لا تسترد إذا ضاعت ، إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع ، و أن يجدها المرء بعد ضياعها ، و لكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تستعيد دقيقة إذا مضت . و حظ الشعب العربي و الإسلامي من الساعات كحظ أي شعب متحضر ، و لكن عندما يدق الناقوس منادياً الرجال و النساء و الأطفال إلى مجالات العمل في البلاد المتحضرة ... فأين يذهب الشعب ؟ تلكم هي المسألة المؤلمة .. فنحن في العالم الإسلامي نعرف شيئاً يسمى ( الوقت ) ! ، و لكنه الوقت الذي ينتهي إلى " عدم " ، و لأننا لا ندرك معناه و لا تجزئته الفنية ؛ لأننا لا ندرك قيمة أجزائه من ساعة و دقيقة و ثانية ، و لسنا نعرف إلى الآن فكرة ( الزمن ) الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بالتاريخ ، و بتحديد فكرة الزمن يتحدد معنى التأثير و الإنتاج ، و هو معنى الحياة الحاضرة الذي ينقصنا ، هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد ، هو مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة و النشاط ، في تكوين المعاني و الأشياء .
فالتاريخ و الحياة الخاضعان للتوقيت كان و ما يزال يفوتنا قطارهما ، فنحن في حاجة ملحة إلى توقيت دقيق ، و خطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا . و يكون ذلك بتحديد المنطقة التي ترويها ساعات معينة ، من الساعات الأربع و العشرين التي تمر على أرضنا يومياً . إن و قتنا الزاحف صوب التاريخ ، لا يجب أن يضيع هباء ، كما يهرب الماء من ساقية خربة . و لا شك أن التربية هي الوسيلة الضرورية التي تعلم الشعب العربي الإسلامي تماماً قيمة هذا الأمر . و لكن بأية وسيلة تربوية ؟ إنه من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب ! . إن شعباً هذه حاله أحوج ما يكون إلى قدوة وطنية ، قيادية ، حازمة في تطبيق القانون على الجميع ، و لا تسمح لأي انحراف عن مشروع النهضة التي تعلنه ريثما يعتاد الأفراد على هذا السلوك في حياتهم اليومية فتصبح ساعات العمل حقيقية ، و من خلال إنسان يستطيع استغلال الوقت على أكمل وجه نستطيع أن نقول : أننا بدأنا نهضة عملية علمية حقيقية وفق خوارزميات التغيير الإجتماعي التي تناسبنا ، و النهضة لا تقوم إلا بأيدي الأتقياء و الأذكياء .
الباب الثالث :
الافكار الاساسية :
-سياسة المستعمر بانتقاص من قيم الفرد الايجابية .
- قايلية الشعوب للاستعمار .
- ضرورة التكيف مع مجرى الحضارة الانسانية .
تحليل الباب الثالث :
ان للفرد بصفته عاملا اوليا للحضارة قيمتان : الاولى خام طبيعية ، و الثانية صناعية اجتماعية .
فالقيمة الاولى ، موجودة في كل فرد من الافراد ، في تكوينه البيولوجي ، وتتمثل في استعداده الفطري لإستعمال عبقريته و ترابه و وقته . اما القيمة الثانية و هي القيمة الصناعية ، فإن الفرد يكتسبها من وسطه الاجتماعي ، و تتمثل في الوسائل التي يجدها هذا الفرد في اطاره الاجتماعي لترقية شخصيته و تنمية مواهبه و تهذيبها .
و اذا نظرنا الى المسلم الجزائري ، فالتاريخ يشهد بكفاءته و عبقريته التي كانت محل اعتراف المستعمر×* . و هنا تبدأ قضية الاستعمار تهمنا ، إذ يفرض على حياة الفرد عاملا سلبيا يسمى بلغة الرياضيات ( المعامل ) الاستعماري . فأمام عبقرية الجزائري ، فإن المستعمر عوضا ان أن يدفعه الشعور بالنقص الى الرفع من قيمة شعبه ( الفرنسي ) فإنه ورغبة منه في اقرار التوازن بين المعمرين و المستعمرين لجأ الى الانتقاص من من قيمة هؤلاء الاخرين و تحطيم قواهم الكامنة فيهم ، و منذ ذلك الحين بدا الحط من قيمة الاهالي ينفذ بطرق فنية كأنه معامل جبري وضع امام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته الايجابية .
و يؤثر هذا المعامل في جميع اطوار حياة الفرد ، يؤثر فيه و هو طفل ، فلا يمده المجتمع بما يقوي جسده و ينمي فكره او يهيئ له مدرسة او توجيها .. هذا إن كان له أباً ، اما اذا فقد الاب فالامر أدهى و أمر ، فسوف يؤول الى ماسح احذية او متسولا فاقدا لعزته و كرامته . اما اذا ما كتب له النـجاة من هذه النكبات و وجد مقعدا في مدرسة ، فكم من العراقيل توضع في طريقه ، و اذا بلغ مبلغ الرجال فماذا يعمل غير وظيفة حقيرة .
هذا هو المعامل الاستعماري ، و هو معامل خارجي لكنه يؤثر في داخلنا ، فتولدت لدينا القابلية للاستعمار ، ذلك لأن المستعمر لا يتصرف في طاقتنا الاجتماعية الا لأنه درس اوضاعنا النفسية دراسة عميقة ، فأدرك مواطن الضعف فينا ، فسخرنا لما يريد ، فجعل منا ابواقا يتكلم فيها و اقلاما يكتب بها ، انه يسخرنا لأغراضه ، بعلمه هو ، و جهلنا نحن .
و رغم ذلك ... فما الذي بعث العالم الاسلامي من نومه ؟ من الذي أيقظه ؟ من الذي قال له قـــم ؟ إنه الاستعمار .. الذي سلب حريتنا و سيادتنا و كرامتنا .. و مع ذلك نعترف بأنه أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق ، و لقد عودنا التاريخ ان كل شعب يستسلم للنوم فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه ....
و ينتقل في الاخير الى مشكلة التكيف ، فالحياة الاجتماعية تخضع لقانون ( رد الفعل ) كما تخضع له الميكانيكا . و بما ان الاستعمار في نوعه هو ( فعل ) المدنية تسلطت به على الشعوب المستعمرة ، فلا غرابة إذن ان يكون لذلك الفعل ( رد ) .
و هذا الرد يظهر في صور مختلفة في حياة العالم الاسلامي ، فبرزت اشكالا جديدة من السلوك بدأنا نراها في الجزائر مثلا ، و هي ليست من عاداتنا ، و موجودة في الكثير من بلاد العروبة و الاسلام ..
فكانت النتيجة ان مجتمعنا فقد توازنه ، و نشاهد عدم الاستقرار هذا في انفسنا و تصوراتنا للاشياء ؛ فهناك من يرى المدنية في اعتناق الافكار التحررية ، و آخر يرى ان المدنية هي معركة اقتصادية ، و ثالث سلفي يظن انه يغير نظام المجتمع بتغيير لباسه و تطهير لغته ، ورابع يرى ان المثل الاعلى للمدنية يبرق في قعر كأسه و يلمع في جو الخمارة ، و خامس يرى ان نجاة الشعوب في تحرير المرأة و يظن انه يملك المدنية اذا فاز بإمرأة عصرية ، و هناك المقتنع بحاله الذي لا يرى شيئا و لا يفهم شيئا و لا يبحث عن شيئ ..
ان هذه الوجهات المتعددة لدليلا على دراجات متعددة من التكيف مع مجرى الحضارة ، و ان من الواجب ان لا توقفنا أخطاؤنا عن السير نحو الحضارة الاصيلة ، فالحياة تدعونا دائما ان نسير الى الامام ، بشرط أن لا يكون سيرا فوضويا ، بل علميا عقليا مدروسا ، يتجه نحو تاريخ الانسانية .
ملخص :
لقد أمعن مالك بن نبي في الحفر حول مشكلات التخلف المزمنة متجاوزا الظواهر التي تطفو على السطح إلى الجذور المتغلغلة في الأعماق ، و باحثا عن السنن و القوانين الكفيلة بتحول الشعوب من حالة العجز إلى القدرة و الفعالية ، و من مشكلة الاستعمار إلى مرض القابلية للاستعمار ، و من حالة تكديس الأشياء إلى حالة البناء ، و من المطالبة بالحقوق إلى القيام بالواجب أولا ، و الانتقال من عالم الأشياء و الأشخاص إلى عالم الأفكار التي بها نبدأ بحل مشكلة التخلف ، و يجب أن نصل إلى قناعة حتمية بأن مفاتيح حل المشكلات هي في الذات لا عند الآخر .








[1] معظم القبائل التي تعرضت للاستعمار اصبحت في طي النسيان ودفنها التاريخ ، فاين مثلا القبائل الامريكية قبل كريستوف كولمبوس ؟

[2]يؤرخ للنهضة العربية بحركة الاصلاح التي قادها جمال الدين الافغاني و محمد عبده ، و نحن نقول ان بوادر هذه النهضة بدأت قبلا مع حملة ( نابليون ) على مصر ، و التي كانت الى جانب كونها حملة عسكرية حملة علمية أيضا ، ثم بإصلاحات محمد علي باشا و ارساله للبعثات الى الخارج .

[3] و هذا بالنظر الى تاريخ كتابة هذا المؤلف و هو سنة 1948

[4] الفكرة الدينية " مطلقة " عند ابن نبي ، أي لا يحددها بدين معين ..

[5] حيث هناك ركود اقتصادي و استبداد سياسي

×* و يشهد بذلك اعتراف الجينرال ( بوجو ) بكفاءة ( الامير عبدالقادر)








 


قديم 2009-05-09, 19:23   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أمجد الجلفـة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أمجد الجلفـة
 

 

 
الأوسمة
وسام أحسن سيرة 
إحصائية العضو










B2 فيما يخص : مشكلات شروط النهصة لمالك بن نبي

مشكور على الموضوع لقد قمت بتلخيص هذا الكتاب او جزء منه في هاته السنة السنة ثانية علم الاجتماع










قديم 2009-05-09, 19:50   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
khelifa8
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية khelifa8
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اشكرك أخي حكيم على مرورك على الموضوع ، وهذا القراءة قدمتها هذه السنة
من خلال الاعمال التي ننجزها نحن طلبة السنة اولى ماجستير قسم الفلسفة










قديم 2009-05-10, 00:47   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أمجد الجلفـة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أمجد الجلفـة
 

 

 
الأوسمة
وسام أحسن سيرة 
إحصائية العضو










افتراضي

الله يبارك فيك اخي خليفة وارجو لك التوفيق من خلال ما قرأت في الكتاب اعجبني تعاطي الكاتب لمشكلة المرأة في الحقيقة ظننت اول وهلة انه يقصد بالمشكلة الشكل السطحي لكن هيهات لفكر مالك بن نبي فقد عرفت انه يقصد مشكلة الفرد .. والكثير من الافكار العميقة .تعرف اخي في رأيي ان هذالكتاب يحتاج الى تفسير وتحليل خاصة لنا نحن طلاب الجامعة قبل الدراسات العليا فاكيد انك عند تصفحك للكتاب يمكنك من خلال تراكمات المعرفة لديك ان تعرف ما يقصد الكاتب عكس الطلبة مثلي الذين يحتاجون الى شرح بعض المصطلحات ......... ربي يوفقك اخي في دراساتك










قديم 2009-05-10, 07:29   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
khelifa8
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية khelifa8
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في الحقيقة كل كتب مالك بن نبي تحتاج الى اعادة قراءة
لأنه اعظم مفكر وفيلسوف انجبته الجزائر
ولو طبقت افكاره لما نحن نعيش التخلف الآن










قديم 2009-05-10, 13:12   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أمجد الجلفـة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أمجد الجلفـة
 

 

 
الأوسمة
وسام أحسن سيرة 
إحصائية العضو










B2 مفكر الجزائر الكبير مالك بن نبي

لقد سعى الاستعمار من قبل الى تهميش هذا العبقري من خلال عدم السماح له بدراسة هاته المواضيع وتوجهه كمهندس . لعلم الاستعمار ما يحمله الرجل في فكره من رؤية ثاقبة لكن كما قلت التهميش الكبير هو ان ندك افكاره النيرة حبيسة المكتبات وان لا ترى النور في الحياة والواقع الاجتماعي .شكر لك اخي خليفة على الملاحظة










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc