نظراً لأهمية منظمة التحرير الفلسطينية في حياة وتاريخ ومسيرة كفاح الشعب العربي الفلسطيني المناضل..باعتبارها الهوية السياسية والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وتمثل المرجعية الوطنية العليا للسلطة الوطنية الفلسطينية والمفاوضات السياسية مع الطرف الإسرائيلي ارتأينا في مركز الإعلام والمعلومات (mic) بتنظيم هذه المحاضرة ونشرها في كتاب يكون في متناول يد القراء والباحثين والمهتمين بنشأة وتطور منظمة التحرير الفلسطينية والمراحل الكفاحية والنضالية التي مرت بها، ومشاريع التسوية التي برزت خلالها، ومدى تأثيرها وكيفية التعاطي معها وتطويق آثارها وانعكاساتها على تواصل وتقدم النضال الوطني الفلسطيني نحو انتزاع الشرعية النضالية والعربية والدولية وتجسيد الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا في الحرية والتحرير والعودة وحق تقرير المصير والاستقلال الوطني الكامل وإقامة الدولة الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس الشريف.
آملين أن نكون قد وفقنا في خدمة قضيتنا الوطنية والقضايا العلمية والبحثية.. شاكرين للأخ المناضل أحمد صخر بسيسو (أبوخلوصي) نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" تعاونه الخلاق وتخصيصه هذا الجهد العظيم والوقت لإخراج هذا العمل القيم الى منبر النور والواقع للاستفادة منه.
مقدمة
لم تقتصر نتائج الهزيمة العسكرية التي لحقت بالشعب الفلسطيني والعرب عقب توقف الأعمال الحربية في العام 1948 والإعلان عن قيام دولة إسرائيل على استيلاء الحركة الصهيونية على ما يربو على ثلاثة أرباع أرض فلسطين(1) واقتلاع أغلب الشعب الفلسطيني من وطنه وتشريده في المنافي القريبة والبعيدة، أو في ما تبقى من أرض فلسطين تحت سيطرة الأردن (الضفة الغربية) ومصر (قطاع غزة)، وإنما تعدَّى ذلك إلى الاستمرار في إخضاع المجتمع الفلسطيني بأكمله إلى العديد من المخططات التي استهدفت تدمير هذا المجتمع الراسخ، وطمس هويته، وذلك عبر إبعاد المواطنين الفلسطينيين عن وطنهم وعن الأراضي المتاخمة له ولا سيما تلك التي اتخذوا منها منافٍ مؤقتة يضمدون فيها جراحهم فيما هم ينتظرون عودتهم إليه بقوة الشرعية الدولية مجسَّدة في قرار الأمم المتحدة(2) لم يكن الأمر مجرد عملية عسكرية أُطلقت لتنتهي بالاستيلاء على الأرض الفلسطينية خاليةً من الشعب الفلسطيني الذي تمتدُّ جذوره عميقاً في ترابها وصخورها، وإنما هو مخطط قديم تكشَّفت ملامحه مع نشأة الحركة الصهيونية في العام 1897، ونُسجت بعض خيوطه الأولى في كتابات عديدة من قبل أن تتسرَّب إلى الكتيب الصَّغير المعنون بـ "الدَّولة اليهودية" الذي ألفه المواطن الهنغاري اليهودي ثيودر هرتزل مؤسس حركة الصهيونية السياسية(3)، ثمَّ تبلور في جملة من الإجراءات العملية التي جاء وعد بلفور الصادر في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1917 ليمثِّل نهايةً لمرحلة منها غلب عليها طابع السرية، ومفتتحاً لمرحلة أخرى تتسم بالسُّفور، وتحمل في ثناياها إجراءاتٍ أشد قسوةً على الشعب الفلسطيني وظلماً له، وانتهاكاً لحقوقه، وخطورةً على مصيره، حيث ارتبطت هذه المرحلة بفرض الانتداب البريطاني على فلسطين بموجب صك قُدِّمَ مشروعه في السادس من حزيران (يونيو) 1921 وصادق عليه مجلس عصبة الأمم في الرابع والعشرين من تموز (يوليو) 1922 ووضعه موضع التنفيذ في التاسع والعشرين من أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، وذلك تمهيداً لفتح أبوابها أمام الهجرة اليهودية وتمكين الحركة الصهيونية من تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى الاستيلاء على فلسطين وتشريد شعبها، واستيطانها وتهويدها، وإقامة دولةٍ لليهود فيها، وهي المخططات التي ما كان لها أن تنفَّذ من دون موافقة حكومة صاحبة الجلالة البريطانية صاحبة حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين وتواطئها ودعمها، أو من دون استهداف أرض الشعب الفلسطيني وثرواته وممتلكاته بالاغتصاب، وهويته الوطنية ومكونات حياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وغيرها، بالتدمير. ولئن عجزت الحركة الصهيونية، وستظل بلا ريب عاجزةً، عن اقتلاع فلسطين من وجدان الفلسطينيين ومن صلب هويتهم الوطنية مُجَسَّداً في انتمائهم الطبيعي والتاريخي إلى فلسطين، أرضاً وثقافةً، فإنَّ إنشاء إسرائيل فوق أشلاء الفلسطينيين وركام مدنهم وقراهم(4) التي كانت تعمر الأرض الفلسطينية التي تمَّ احتلالها عقب ترويع سكانها الأصليين، أصحابها الشَّرعيين، وقتلهم أو اقتلاعهم منها في العام 1948، قد أفضى، من بين ما أفضى إليه، إلى تدمير المؤسسات السياسية الفلسطينية أو إنهاكها، إذْ لم يبق من مؤسسة سياسية تمثيلية تتحمل مسؤولية الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني، وتحمي تجمعاته، وتدافع عن حقوقه الوطنية وتطلعاته المشروعة، سوى الهيئة العربية العليا(5) بقيادة الحاج محمد أمين الحسيني مفتي القدس(6). وعلى امتداد مراحل الشتات الفلسطيني منذ العام 1948، طُرحت المبادرات والمشاريع والأفكار من قوى محلية ودولية، أو اتُّخذت إجراءات عملية، كانت تصبُّ في مجملها، في اتجاهات السَّعي إلى طمس الهوية الوطنية الفلسطينية وتكريس اغتصاب الأرض، وذلك بتذويب هذه الهوية عبر إدماج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمعات الجديدة التي هُجِّروا إليها قسراً، والعمل على توطينهم فيها. وفي هذا السياق تندرج مشاريع التوطين العديدة، مثلما تندرج الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية حين أقدمت على ضم للضفة الغربية إليها، معتبرة سكانها الفلسطينيين حملةً للجنسية الأردنية، ومنصبة نفسها ممثلاً للشعب الفلسطيني الذي أصبح، من منظورها، أردنياً. وقد رفض الشعب الفلسطيني هذا الواقع الجديد الذي فُرِضَ عليه قسراً، وظلَّ متشبثاً بحقِّه في العودة إلى وطنه، ثم تحول هذا الرفض، وهذا التشبث، إلى فعل وطنيٍّ ثوريٍّ عجَّلت الاعتداءاتُ الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة موعدَ انطلاقهُ، حيث شُرِعَ منذ العام 1955 في تشكيل وحدات فدائية مقاتلة.
وعقب العدوان الثلاثي على قطاع غزة ومصر الذي وقع في العام 1956 ليسفر عن احتلال إسرائيل قطاع غزة وصحراء سيناء، ازداد عدد هذه الوحدات الفدائية، واتسع نطاق عملها، وعلت درجة تأثيرها وفاعليتها. وهكذا ووجه الاحتلال الإسرائيلي بمقاومة فلسطينية عنيدة تواكبت مع حدوث متغيرات سياسية في الوطن العربي أسهمت في خلق أجواء جديدةٍ أفسحت المجال، إلى هذا الحدِّ أو ذاك، أمام العمل الفلسطيني، وذلك على نحو دفع الإنسان الفلسطيني إلى الانهماك في التفكير في أفضل السبل التي يجب انتهاجها على طريق تحقيق الهدف الوطني الأسمى، ألا وهو استعادة فلسطين وإعادة شعبها إليها.
وقد تمثَّلت البداية التي أتاحتها تلك المتغيرات في التحاق الفلسطينيين، رجالاً ونساءً، بالتيارات والقوى السياسية التي كانت قائمةً أو التي جاءت بها المتغيرات الجديدة، كالتيار الديني (الإخوان المسلمون) أو القومي (الناصري والبعثي) أو الأممي (الشيوعي). وعلى الرغم من التعددية الإيديولوجية اللافتة، إلا أنِّ الفلسطينيين، لأسباب عديدة، كانوا أقرب إلى التيار القومي، فالتحق أغلبهم بأحزابه وقواه السياسية العاملة على الساحتين الفلسطينية والعربية، وتبني مواقفها التي نهضت على رؤيتين متمايزتين؛ فإذْ ذهبت الرؤية الأولى إلى القول بأنَّ بناء حزبٍ قوميٍّ شامل سيمكن العرب من تحقيق الوحدة العربية وبالتالي من إطلاق العمل الهادف إلى تحرير فلسطين، ذهبت الرؤية الثانية إلى القول بأنَّ وجود دولة عربية قوية ذات إمكانيات حقيقية، ويقودها زعيم يحظى بدعم الجماهير العربية وثقتها، سوف يمكن العرب من إيجاد دولة الوحدة العربية القادرة على تهيئة الظروف لتحقيق الوحدة العربية الشاملة وإطلاق الطاقات من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الأجنبي (الإسرائيلي).
ونستطيع القول إنَّ كلتا الرؤيتين لم تتضمنا تحديداً واضحاً للدور الذي ينبغي للشعب الفلسطيني أن ينهض بأدائه على نحوٍ يُمَكِّنُه من إبراز شخصيته الوطنية المستقلة، أو يمنح أبناءه دوراً مستقلاً ومتميزاً في إطار الخطة القومية الشاملة إنْ كان لهذه الخطة القومية أنْ تُوجد في إطار تحويل الرؤى السياسية، والإيديولوجيات، إلى واقع متحرِّك وفاعل. استمر الفكر القومي، والإيديولوجيات النابعة منه وفق تكييفات متغايرة، في الهيمنة على العمل العربي إلى أنْ وقع في العام 1961 الانفصال بين مصر وسوريا، قطبي دولة الوحدة التي حملت اسم "الجمهورية العربية المتحدة"، مما أدى إلى بدء التشكك في مدى صلاحية البرامج السياسية التي تطرحها الأحزاب والقوى القومية فيما يتصل بالعلاقة بين الوحدة العربية وتحرير فلسطين، وذلك من حيث الأولية والأولوية والفاعلية في آنٍ معاً.
وخلال حرب حزيران 1967 (حرب الأيام الستة)، التي انتهت بهزيمة الجيوش والأنظمة العربية، احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية التي لم تكن قد احتلتها في العام 1948 (أي الضفة الغربية وقطاع غزة)، فوحَّدت فلسطين، ولكن تحت الاحتلال العسكري، وأقدمت على احتلال المزيد من الأراضي العربية إذْ احتلت شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، إضافة إلى أراضي أردنية.
عقب هذه الحرب التي انتهت بهزيمة العرب، تصاعد الشكُّ، وانفتحت أبواب الأسئلة على وسعها، وتصاعدت الدعوة إلى المساءلة والمحاسبة، ووُضِعَت جميع الأنظمة والاستراتيجيات العربية تحت مجهر التحليل المعمَّق، وربما في دائرة الاتهام. ومع توحُّد فلسطين بأسرها تحت الاحتلال الإسرائيلي، وخضوع أغلبية الشعب الفلسطيني لسطوة هذا الاحتلال العنصري الاستيطاني الإحلالي وقهره، انهمك الفلسطينيون في إعادة تقييم الرؤى والأفكار والبرامج القديمة المتعلقة بتحرير فلسطين، وشرعوا يبحثون عن أشكال جديدة لمقاومةٍ تفضي إلى دحر المحتلين وتحرير الإنسان والوطن.
أسهمت المعطيات الناجمة عن حرب الأيام الستة في تنمية التوجه نحو "الفلسطنة" وتصعيده، وزيادة مؤيديه، وكان هذا التوجُّه قد طرح نفسه في مطلع الستينات من خلال أفكار سياسية وبرامج عملية أطلقتها، أساساً، حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" مع بدايات إنشائها.
وكان لهذا التوجه الفتحاوي الأصيل أنْ يمارس تأثيراً عميقاً على الأحزاب العربية ذات التوجه الإيديولوجي القومي، فسارعت إلى تجميع الفلسطينيين في أطر تنظيمية فلسطينية تنضوي تحت جناحيها، ووضعت لهذه الأطر برامجَ خاصة في إطار البرامج العامة، وبما لا يتجاوز نطاق هذه البرامج وطبيعة أهدافها وأولوياتها. وبتأثير مباشر أو غير مباشر من توجُّهات فتح نحو فلسطنة النضال الفلسطيني ليكون نضال الشعب الفلسطيني طليعةً للنضال العربي والدَّعم العالمي من أجل تحرير فلسطين، وربما بغرض تطويق هذا التوجه الفتحاوي ومواجهة آثاره وإبقاء العمل الفلسطيني تحت سيطرة دول وأحزاب عربية، جرت خلال العام 1964، محاولات عديدة تحركت في إطار جامعة الدول العربية، وانطوت على اجتهادات في الرأي حول السبل الممكنة لتأسيس كيان فلسطيني، يمثِّل الفلسطينيين ويحمل عبء الدفاع عن حقوقهم وإظهار قضيتهم أمام العالم. وهكذا أُعلنَ عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) لتبدأ بقيامها مرحلة جديدة من مراحل الكفاح وذلك بإنشاء كيان فلسطيني يمثِّل الفلسطينيين، ويعمل على تثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية وترسيخ حضورها في العالم، ويسعى إلى تحرير فلسطين، الأرض والشعب، من الاحتلال الإسرائيلي، كما سنوضِّح بعد قليل.
ولم يكنْ لحركة فتح، التي أدركت أنَّ محاولات فرض الوصاية العربية على العمل الفلسطيني العام على مختلف المستويات والأصعدة، قد أخذت تشتدُّ وتتلاحق مع بدء تبلور التوجه نحو إطلاق المبادرات ذات المنطلق الفلسطيني والتوجه النضالي، أنْ تسمح لهذه المحاولات بالنجاح، ومن هنا جاء قرار الحركة بالإسراع في إطلاق الكفاح الفلسطيني المسلح، حيث أطلقت حركة فتح الرصاصة الأولى لهذا الكفاح، في الفاتح من كانون الثاني (يناير) 1965، معلنةً انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وذلك وسط أجواء فلسطينيةٍ مترددةٍ، أو عربية متشككةٍ أو مشكِّكةٍ. غير أنَّ الأعم الأغلب من هذه المواقف قد تبدَّل عقب حرب العام 1967 وما أسفرت عنه من نتائج وخيمة، فتغيرت المواقف العربية لتصبح في صالح دعم المقاومة الفلسطينية المسلحة في سعيها لدحر الاحتلال، واستمرت الثورة وتصاعدت واتسع نطاق حضورها ومجالات عملها، وأعادت الدول العربية، ولا سيما مصر وسوريا، ترتيب أوضاعها وقواتها، فتواصلت معارك الاستنـزاف على الجبهتين المصرية والسورية، بدرجةٍ أو بأخرى، إلى أن اندلعت حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 ليشكل اندلاعها، ونتائجها، قاعدة لبدء مرحلة جديدة من مراحل البحث عن تسوية سياسية للنـزاع العربي الإسرائيلي.
فعقب هذه الحرب، استمرت المبادرات والحوارات على مختلف المستويات الفلسطينية والعربية والدولية، إلى أن وقعت في السابع عشر من كانون الثاني (يناير) 1991 حرب الخليج الثانية عقب احتلال العراق للكويت، مسفرةً عن انتصار دول التحالف الدولي على العراق، وذلك على نحو سيؤثِّر في مسيرة البحث عن التسوية السياسية للنـزاع. وفي تضافرٍ مع ما أشرنا إليه من تحولاتٍ أفرزت معطيات سياسية جديدة، وربما في توازٍ مع هذه التحولات الإقليمية وفي تزامن معها، كان لبدء مسيرة انهيار دول المنظومة الاشتراكية وفي مقدمها الاتحاد السوفيتي أثراً بالغاً على منحى مسيرة السلام في الشرق الأوسط، فقد أفضى انهيار هذه المنظومة إلى وقوف العالم على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة أخذت في التبلور مع تصاعد الحديث عن نظام عالمي جديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتوالى اتخاذ مواقف، أو تنفيذ إجراءات سياسية، تكفل فرض هذا النظام الأحادي القطب، على العالم بأسره. بعد انتهاء حرب الخليج الثانية (عاصفة الصحراء) قدم الرئيس الأمريكي جورج بوش مبادرته السلمية لتسوية النـزاع العربي الإسرائيلي، وهي المبادرة التي عقد على أساسها مؤتمر مدريد للسلام في الثالث عشر من أكتوبر 1991 الذي فتح الباب أمام سلسة متعاقبة من المفاوضات السياسية ولا سيما مفاوضات واشنطن، والمفاوضات السرية الموازية التي جرت في ضواحي أوسلو عاصمة النرويج لتسفر عن الوصول إلى اتفاق منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل على وثيقة "إِعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية" التي جرى توقيعها من قبل الطرفين في الثالث عشر من أيلول (سبتمبر) 1993، وهي الوثيقة التي شكَّلت إطاراً عاماً، ومنطلقاً، لبدء مسيرة المفاوضات المباشرة، الصعبة والمريرة، والتي يحكمها تطلُّع منظمة التحرير الفلسطينية، نيابةً عن الشعب الفلسطيني، إلى الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ عادلٍ وشاملٍ وراسخٍ وقابل للحياة، للمشكلة الفلسطينية التي نجمت، أصلاً، عن احتلال فلسطين من قبل الحركة الصهيونية وإقامة "دولة إسرائيل" على أرض من أرضها، وتشريد شعبها، أو إخضاعه للاحتلال العنصري الاستيطاني الإحلالي لما يزيد على نصف قرن من الزمان.
تلك هي الخطوط العريضة التي تشكل إطاراً عاماً للكلام على مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية بين مراحل الكفاح المسلح ودروب التسوية السياسية، وسوف يتحرَّك العرض والتحليل اللذين يحكمان منهجية هذا الكتاب على محورين.
أولهما:- منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الكيان الفلسطيني (بألف لام التعريف) الذي يُجَسِّد الهوية الوطنية الفلسطينية، ويحمل عبء القضية الفلسطينية، ويمثِّل الشعب الفلسطيني ويقود كفاحه التحرري. وثانيهما:- مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشَّعب الفلسطيني، في دروب البحث عن التسوية السياسية للنـزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وما رافق هذه المسيرة من نضالٍ قاسٍ ونبيل، متعدد الأوجه والمستويات، وما حققته هذه المسيرة من تطورٍ ونجاح، وما أصابها من تدهورٍ وإخفاق. أحمد صخر بسيسو
في الثلاثين من تموز (يوليو) 2003
غزة، فلسطين