االسلام عليكم ورحماته تعالى وبركاته إليكم هذه القصة المؤثرة لتلميذ في القسم الإبتدائي
بطاقة استحسان
السّاعة تشير إلى الثانية والنصف، رنّ جرس "العلمية"(1). المعلمة: "مثنى، مثنى"، إلا أن حسام لم يُعِر كلامها أي اهتمام، فهو يتنقل بين التلاميذ في استعجال جارا ورائه محفظته، وما إن خرج من باب المدرسة حتى انطلق كالسهم تُحركه حاجة في نفسه، فهو يريد الوصول إلى البيت وقد لمعت عيناه وغمرها بريق كبريق العينين التي أبصرت الحياة لأول مرّة، وانطبعت على محيّاه ابتسامة بريئة اختصر فيها كل مشاعر الغِبْطة التي تعتري قلبه ووجدانه، فتجده تارة يجري، وأخرى يقفز عاليا رافعا يده إلى السماء كمن يريد قطف نجمة يعلّقها وساما على صدره.
هاهو يجري... مازال يجري ولم يصل بعد، فالمتر أصبح أمتارا والدقائق التي كان يستغرقها في الطريق تحوّلت اليوم إلى ساعات، وهكذا بقي يجري ويجري، وما إن رأى "عمي علي" جدّه حتى تنهّد تنهيدة قويّة، تخالها لخبطت كل شرايينه وغيرت مجرى الدم في عروقه وهو يقول: "أووه الحمد لله وأخيرا وصلت إلى البيت"، وفتح الباب وبحركة استعراضية جميلة ركلها وانطلق، "طخخخ" صوت غلق قويّ للباب، وما كادت أمّه تسأل من؟ حتى ظهر أمامها قائلا بلهفة: "أمي، أمي لقد أعطتني المعلّمة اليوم بطاقة استحسان لأنني شاركت في القسم، وقالت لي أنت بطل حقيقي وأثنت عليّ جميل الثناء".
الأم (وهي متكئة على الأريكة، وعيناها مصوّبتان نحو التلفاز وبنبرة صوت توحي باللاّمبالاة) قائلة: "جيّد، اذهب وغيّر ثيابك..."، وتابعت مشاهدة التلفاز.
انتظر حسام قليلا، نظر إلى أمّه نظرات توسّل أو بالأحرى تسوّل، فهو يتسوّل منها فرحة به وببطاقته لكن دون جدوى، وبخطوات متثاقلة جرّ رجليه متجها إلى غرفته، رمى بجسده الصغير المثقل بالتعب فوق سريره، حدَّق في السّقف وزار ببصره كل أنحاء الغرفة، كمن يراها لأول مرة أو من يودّعها، أغمض عينيه وببراءة طفل أخد يعيد في مخيلته من لحظة دخوله المنزل، لكن هذه المرّة مع تغيير للأحداث، فهو الكاتب والمخرج وهو الذي يسيّر أحداث الفلم كما يريد: "...وفتح الباب وبحركة استعراضية جميلة ركلها وانطلق، "طخخخ" صوت غلق قويّ للباب، وما كادت أمّه تسأل من؟ حتى ظهر أمامها قائلا بلهفة: أمي، أمي لقد أعطتني المعلمة اليوم المعلّمة اليوم بطاقة استحسان لأنني شاركت في القسم، وقالت لي أنت بطل حقيقي وأثنت عليّ جميل الثناء.
الأم ( وهي متّكئة على الأريكة، وعيناها مصوّبتان نحو التلفاز وبنبرة صوت توحي بفرحة عارمة تجتاح قلبها، اتجهت بنظرها إليه وقد رسمت على وجهها الجميل ابتسامة عريضة زادته جمالا) فتحت ذراعيها قائلة: جميل، أرني "أممم"... بطاقة بطل أنت فعلا بطل حقيقي لذا سأشتري لك هدية و...."، وفجأة فتح حسام عينيه وقال بنبرة صوت متهكّمة، مسبوقة بضحكة مستهزئة يا لك من غبيّ يا حسام ومن يهمّه أمر بطاقتك فهي مجرد ورقة.
أخد حسام البطاقة مزقها ونثرها فتناثرت معه كل أحلامه وأمانيه وقرر معاقبة أمه، فحسام من اليوم لن يشارك في القسم، ولن يقوم بواجباته، ولن يجتهد في دراسته ولن... ولن... ولن...
الخميس, 30 مايو 2013 21:18 أمينة زمور*
* أستاذة بالمدرسة العلمية الجديدة بالحميز – الجزائر.