|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2013-11-25, 14:07 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
أخلاقيات القضاء
بسم الله الرحمن الرحيم ندوة الأخلاق الإنسانية الرفيعة 10 – 11 ربيع الأول 1432هـ 14 – 15 فبراير 2011 م ورقة عمل بعنوان: أخلاقيات القضاء إعداد : الدكتور / عبد الله بن راشد بن عزيز السيابي m فإن العدل والحكم بين الناس بالقسط من أهمّ واجبات مَن يلي أمر القضاء قال تعالى : " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " ، وقال : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ " ، وقال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ" . وتطبيق العدالة سبب لجلب الأمن والإستقرار ورغد العيش وحياة سعيدة هادئة آمنة ، تستطيع الأمة أن تقوم بواجباتها ، وأن تسير على نسَق واحد يسوده التعايش السلمي والتكاتف الإجتماعي ، ولذلك يقول أحد العلماء : " إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ... وتــــدوم الــــدنيا مع العــــدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام " . وحيث إنّ العدل لا يتحقق إلاّ إذا قام على سدّته مؤهّلون مخلصون مؤتمنون ، فلذا كان من أهمّ ما يجب أن يتصف به القاضي خشية الله تعالى ومراقبته ، يقول الحسن البصري : " إن الله أخذ على الحكام ثلاثا : ألاَّ يتبعوا الهوى ، وأن يخشوه ولا يخشوا الناس ، وأن لا يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا " . قال الإمام نور الدين السالمي: وهـــــو وإن كان عظيـــــم الخطر ففضلــــــه أيضا عظيــــــم الخطر وأنـــــــــه مضلـــّــــــــة الأفهـــــــــــام بــــــل أنـــــــه مــــــــزلة الإقـــــــــدام مـــــــــــن ذاك قيــــــــل إنه قد ذبحا بغيــــــــر سكين حــــــديثاً وضحا كنــــــــــاية عــــــــــن شدة الأمر به وقيــــــــــــل بل كنايــــــة عن فضله وســــــــــاعة يعدل فيهــــــــا الوالي أفضــــــــل مـــــــــن قيــــــــامه ليالى ولا شكَّ أنَّ الأمانة والتعفّف والإبتعاد عن الشبهات والنزاهة هي الأخرى من أهمّ الصفات . وأن يكون القاضي صادق اللهجة متوقّيا المآثم ، بعيداً عن الريب ، مأمونا في الرضا والغضب ، متصفا بالأناة عند إصدار الحكم ، مساوياً بين الخصوم ، وبهذا تتهّيأ أسباب العدل . وحيث إنّ هذا البحث يتطرّق إلى أخلاقيّات مهنة القضاء ودراستها جعلته مقسّما إلى مقدّمة وخمسة مطالب وخاتمة : المطلب الأوّل : الآداب العامة التي يجب أن يتحلّى بها القاضي المطلب الثاني :آداب تتعلّق بمجلس القاضي ومسكنه المطلب الثالث :آداب تتعلق بسيرة القاضي مع الخصوم المطلب الرابع :آداب تتعلَّق بسيرة القاضي في الأحكام المطلب الخامس : عقود وعهود من التراث الإسلامي والله وليّ التوفيق التــــــاريخ : 2/ربيع الأول/1432هـ الموافــــــــق : 6/فبــــــراير/2011م المطلب الأوّل :الآداب العامة التي يجب أن يتحلّى بها القاضي ينبغي للقاضي أن يلتزم بآداب معيّنة تقتضيها مصلحة القضاء ، وتستدعيها رسالة العدل ، وتستوجبها المكانة العظيمة التي يرقى إلى منصَّتها شخص تحمَّل الفصل بين الخصوم ، وحمل أمانة إيصال الحقوق إلى أصحابها ، فبقدر ما يكون القاضي من الإلتزام والاستقامـة وحسن السيـرة وجميل السلوك يكون له من الثقة والقبول عند الناس. قال صاحب معين الحكام : " واعلم على أنه يجب على من ولي القضاء أن يعالج نفسه على آداب الشرع وحفظ المروءة وعلوّ الهمة ، ويتوقّى ما يشينه في دينه ومروءته وعقله ، أو يحطه في منصبه وهمته ، فإنه أهل لأن ينظر إليه ويقتدى به ، وليس يسعه في ذلك ما يسع غيره ، فالعيون إليه مصروفة ، ونفوس الخاصة على الإقتداء بهديه موقوفة ، ولا ينبغي له بعد الحصول في هذا المنصب سواء وصل إليه برغبته فيه وطرح نفسه عليه ، أو امتحن به وعرض عليه ، أن يزهد في طلب الحظ الأخلص والسَنَن الأصلح ، فربما حمله على ذلك استحقار نفسه لكونه ممن لا يستحق المنصب ، أو زهده في أهل عصره ويأسه من استصلاحهم واستبعاد ما يرجو من علاج أمرهم وأمره أيضا لما يراه من عموم الفساد وقلة الالتفات إلى الخير ، فإنه إن لم يسع في استصلاح أهل عصره فقد أسلم نفسه وألقى بيده إلى التهلكة، ويئس من تدارك الله تعالى عباده بالرحمة ، فيلجئه ذلك إلى أن يمشي على ما مشى عليه أهل زمانه ،ولا يبالي بأي شيء وقع فيه لاعتقاده فساد الحال ،وهذا من أشد مصيبة القضاء ،وأدهى من كل ما يتوقع من البلاء ، فليأخذ نفسه بالمجاهدة ويسعى في اكتساب الخير ويطلبه ويستصلح الناس بالرهبة والرغبة ، ويشدّ عليهم في الحق ، فإن الله تعالى بفضله يجعل له في ولايتـه وجميع أمـوره فرجا ومخرجـا ، ولا يجعل حظـه من الولاية المباهاة بالرياسـة وإنفاذ الأوامر والتلذذ بالمطاعم والملابس والمساكن، فيكون ممن خوطب بقوله تعالى ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾ وليجتهد أن يكون جميل الهيئة، ظاهر الأبّهة، وقور المشية والجلسة ،حسن النطق والصمت، محترزاً في كلامه من الفضول وما لا حاجة به ، كأنما يعدّ حروفه على نفسه عدّا ، فإن كلامه محفوظ وزلـــــــله في ذلك ملحوظ ، وليقلل عند كلامه الإشارة بيده والالتفات بوجهه ، فإن ذلك من عمل المتكلفين وصنع غير المتأدبين ، وليكن ضحكه تبسّما ، ونظره فراسة وتوسّما ، وإطراقه تفهّما ، وليلزم من السمت الحسن والسكينة والوقار ما يحفظ به مروءته ، فتميل الهمم إليه ، ويكبر في نفوس الخصوم من الجرأة عليه ، من غير تكبّر يظهره ،ولا إعجاب يستشعره ، وكلاهما شيْن في الـدين ، وعيب في أخلاق المؤمنين. ([1]) ولذا كان من أهم أخلاقيّات القاضي : 1ـ تقوى اللهU ومراقبته في اتباع أوامره واجتناب نواهيه ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " ، وقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ" ، وقال تعالى : " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا " ، فتقوى الله هي الضابط الذي يحكم عمل الإنسان ويحفظه في حدود طاعة الله ورسوله ، وينأى به بعيدا عن الحرام والشبهات ، قال صلى الله وعليه وسلم : " الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس ، فمن اتقىالشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فســــــــدت فسد الجسد كله ". 2ـ الأخذ بالعدل ونفي الظلم. كان العدل منذ بدء الوعي الإنساني ، وما زال هدفاً سامياً للإنسان ، أيّاً كانت توجهاته وتطلعاته ، من هنا أيضا جاءت دعوة القرآن الكريم إلى العدل فقال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ "([2]) ، وقوله : " قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ " ([3])، وقوله : " وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ "([4])وبموازاة ذلك نهى القرآن الكريم عن مقارفة الظلم والإنسياق وراءه تحت أية ذرائع أو مسوّغات ،فلا ينساق المرء وراء هواه فيحيد عن العدل : " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "([5])وأن لاتكون الروابط الاجتماعية مهما بلغت درجتها سبباً لمجافاة العدل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ"([6])كما لا تكون الخصومة سبباً للــــوقوع في الظلم : " ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلواإعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله " ([7])، ومن وقـــــع في ظلم النـــــــاس في معامــــــلاته أو أحكامـــــــه أو أيّ شكـــــل من أشكال التجـــــاوز والاعتداء على حقوق الآخرين فليس له عند الله نصير : " وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ "([8]) . وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : " يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا " ([9])فضلاً عن قول الرسول r : " اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " ([10])، وقوله : " اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " ([11]) وبناء على عواقب الظلم الوخيمة فإن الرسول r نبه أمته على ضرورة التحلل من الظلم قبل فوات الأوان : " من كانت عنده مظلمة لأخيه ، فليتحلل منها ، فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات ، أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه " ([12]) . 3ـ العلم والمعرفة : يعد تحصيل العلم والمعرفة ركنا رئيسا في بناء شخصية القاضي ، قال تعالى : " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) سورة التوبة " ، ولقد نقل الحسن البصري عن الصحابة رضوان الله عليهم قولهم : " من عمل بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه ".([13]) ويقول الحسن أيضا " لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد على عمله ". فبالعلم يعرف المرء الحلال من الحرام ويعرف الشبهات فيكون على بينة من أمره ، بل إنّكثيرا من العلماء شددوا في هذه المسألة حتى قالوا : إنه يشترط أن يكون القاضي بلغ درجة الإجتهاد . والاجتهاد كما عرّفه الوارجلانيهو " استفراغ الوسع في طلب علم الحادثة "([14])، وقال العوتبي في تعريفه : " الاجتهاد بذل المجهود في طلب حكم الحادثة "([15]) ، ومن النصوص الضابطة لشروطه ما قاله الوارجلاني : " إن الذي يجوز له الرأي والإجتهاد في النوازل ، من كان عارفا بوضع الأدلة مواضعها من جهة العقل والشرع والتوقيف فيها ، ويكون عالما بأصول الديانات وأصول الفقه ، وعالما بأحكام الخطاب في فنون الشريعة من العموم والخصوص ، والأوامر والنواهي ، والمفسّر والمحمل ، والمنصوص والمنسوخ ، ويعلم من النحو واللغة وما يفهم به معاني الكلام ، كلام العرب ، فإنه يحتاجهما للقرآن والسنة والآثار ، ويحتاج في السنة والآثار إلى طريقهما ، فإنه لا غنى للسنة والآثار عن تصحيح طرقهما ، وعوفينا في القرآن من ذلك ، لأن الله تعالى تولّى حفظه ، وأجمعت الأمة على متنه ، فإن حرم المجتهد شيئاً من هذه الشروط كان راوية لا عارفا ، ومتفقهـا لا فقيها ، ويكـون صحيح الأمـانة ، مأمـون الخيانة ، سليم الديانة "([16]). وقد اختصر الغزالي ([17]) شروط الإجتهاد كلها في اثنين:
|
||||
2013-11-25, 14:09 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
أ ـــالإحاطة بمدارك الشرع , والقدرة على الاستنباط . ومــــــــا لـه أن يقبـــــــض الهـدايـا إن أهــديت له مــــــن الرعايــــــــــــــــــــا إلاَّ لــمن كــــــــان لهم يهـــــــــــــادي قبل القضا مـن صاحب جـــــــــــــــواد وإن يكن قـد قبضــوه جهــــــــــــلا تـــــــــــــــردّ للــــــــــذي يكــون أهـــــــــلا إمساكهـــــــا عن أهلها حــــــــــــرام أمسكهـــــــــا القــــــــاضي أو الإمــــــــام إن تلفـــــــت فمثلهــا يــــــــــــــــــــــردّ أو قيمـــــــة الـمثـــــــــــــــل لهـم يعـــــــــــــدّ وعمـــــــــــــــر الثـاني وهـــــــــــوَّ نجل عبــد العزيــــــــــــــــز قــــــــــــــــال لا تحلّ قـــــــــــد أهديـــــت له فـــــردّها إلى مــــــــــــن كان أهـــــــداها ومـــــــا تقبَّلا قيـل لـــــــه المختار مثلهـــــا قبـــــــــل قــــــــــــــــــال هـــــديّة لــــــــــه حتما تحلّ وإنـمـــــــــــــا في مثلنــــــــــا رشـــــــــــاء بــــــــــردّها طـــــــــاب لـــــــــــــه الثنـاء([30]) ومــــــا لـــــــه أن يقبــــــــل الهدايــــــا إلاَّ مــــــــــــــــن الـمعتاد في البــرايـــا لاسيــــــــــمّا إن استـراب المعطى بـــأنه لبـاطـل قـــــــــــــــــد يعطــــــى أمَّـــــا قبولها على إبطـال حـــــــــقْ أو حــــــــــقّ باطل فكفر يستحـقْ([31]). وأجاز أشهب([32]) من المالكية قبولها من غير الخصمين إذا كان صديقاً وكافأه عليها ، أو كان قريباً ([33]). 5ـ أن لا يجيب الدعوة الخاصة ([34]) . قال سحنون من المالكية ([35]): يجيب الدعوة العامة دون الخاصة ، وتنزهه عن الدعوة العامة أحسن ، إلاَّ أن يكون لأخ في الله ، وخاصة أهله ، أو ذوي قرابة ، وكرَّه الإمام مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كلَّ من دعاهم ([36]) . وفي فتح الأكمام : فلا يجيب لطعــــــــام خُصَّ بـه أهل الغنا والأقويــاء فانتبــــهْ إلاَّ وليمـــــة لعامـــــــــــة البشَـــــــــرْ فإن أجاب أكلــه لم يحتجر([37]) قلت : يراعى في ذلك العادات الاجتماعيَّة المعتبرة ، من إجابة دعوة خاصة أو عامة ، ويبتعد القاضي عمَّا تحوم حوله الريبة أو الشكوك في ذلك . 6ــــ تحريم أخذ الرشوة : الرشوة هي : تلقّي موظّف عام أو عامل مالاً أو خدمة أو منفعة مقابل أداء عمل أو امتناع عن عمل يدخل ضمن واجباته ([38]). وهي حرام باتفاق للقاضي وغيره ، قال تعالى : " وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" ([39]). قال القطب في تفسير الآية : أي لا يأكل بعضكم مال بعض وقوله : " بالباطل " الوجه الباطل ، أي لا يجيز العقل الصحيح استعماله ولا الشرع ، أو يجيزه ولا يجيزه الشرع ، كالرشوة والربا ، وما يؤخذ على الزنى أو الكهانة أو السرقة والقمار والغصب والتطفيف وأجرة الغناء ، وثمن الخمر والملاهي وشهادة الزور والخيانة في الأمانة . والمراد بالأكل الأخذ ولو بلا إتلاف ، لأنَّ حبس المال عن مالكه بلا حق حرام ، "وتدلوا بها إلى الحكّام " أي :ولا تدلوا بحكومتها بظاهر الأمر أو بحكم الجور فحذف المضاف ،ويدلّ لذلك قوله : " إلى الحكّام " ، إذ لا معنى لإلقائها إليهم ، وإنما المراد الترافع بها إليهم بخصام الفجور ، ليأخذها أو بعضها ، أو يثقل الخصام على صاحبها فيتركها ، أو لا تلقوها رشوة إليهم ([40])، انتهى بتصرّف . قال القرطبي ([41]) : بعدما ذكر عدَّة معاني لقوله تعالى : " وتدلوا بها إلى الحكّام " ، وقيل : المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكّام وترشوهم ليفصلوا لكم بأكثر منها ،قال ابن عطيّة: وهذا القول يترجّح، لأنَّ الحكام مظنّة الرشا، إلاَّ من عصم وهو الأمل... قال القرطبي : فالحكّام اليوم عين الرشا لا مظنّته ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله ([42]) . قلت : هذا زمان القرطبي المتوفى في ليلة الإثنين التاسع من شوَّال سنة ستمائة وإحدى وسبعين للهجرة ، وهو يشكو من عمَّال زمانه ، وصدق الشاعر : كل من لاقيت يشكو دهره . فكيف بنا اليوم في عام 1432هـ في عصر خربت فيه الذمم ، وقلَّت الأمانة ، وصار الدرهم والدينار همَّ كلّ الناس ونار جميعهم ، إلاَّ من رحم ربّك ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله . قال صلى الله عليه وسلم: " لعناللهالراشيوالمرتشيفيالحكم".([43]) 7ـ شهود الجنازة وعود المريض : لا بأس أن يشهد القاضي الجنازة ويعود المريض ، لأنَّ ذلك من الحقوق التي تجب على المسلم فيما بينه وأخيه المسلم ، وفي الحديث الشريف : " حق المسلم على المسلم خمس : ردّ السلام ، وتشميت العاطس ، وإجابة الدعوة ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإذا استنصحك فانصح له " ([44]). 8ــــ التجارة : بحث الفقهاء مسألة التجارة للقاضي ، هل يباح له البيع والشراء ؟ أم لا ؟ ، حرصاً على نزاهته ، وعدم مخالطته الناس كثيراً في أسواقهم ومعاملتهم وخشية المحاباة من بعض الناس ، أو القيل والقال وكثرة الجدال . قال نور الدين السالمي : والخــلف هـــــل يجوز ان يتجرا والي الإمام بعضهم قــــــــــد حجــــــــرا وهكذا القـــــــاضي كذا الشراة لأنــــــهم علــــــــــــى الــــــــــــــــورى ولاة وكــــــان بعض مـــن شراة عمرا بــــمصر قـــــــــــــــام يـــــــــزرعنّ وانبرى وكــــان نجل العــــــاص لم يمانعه بــــــل عـــــرف الفــــــــــــاروق بالمزارعه فازعج الفــــــــاروق ذاك الزارعا إليـــــــــه ثم غــــــــــــلّظ التمــــــــــــانعـــــــا هـــدّده بـــــما بــــــــــــــــــه يعتبـــــــر ســـــــــــــــــــواه كيـــــــف الحال فيمن يتجر وقــــــــــــد روى فيـــــــــــــه عن النبيّ لعـــــــــــــن فمــــــــــــا الجواز بالـمــــرضيّ وأن يــــــــــــــرد شــــــراء شيء أمرا مــــــــــن يشتــــــــــــرى لـــــــــــه ولا يخبــــرا كــــــــــــذاك بيعـــــــــــه لـما يشـــــــــاء كـــــــراهــــــــــــة يـــــــــدخلـــــــــه الحيـــــــــــاء كـــــــــذاك قــــــد يخشى بأن يداهنا فيـــــــــرخصـــــــــن لـــــــــــه ولم يــــــــزابنــــــا([45]) وقال العلاّمة الشقصي([46]): " ولا ينبغي للحاكم من إمام أو وال أو قاض أن يبيع أو يشتـري ما كان حاكمـا ، ولكن يـولي ذلك غيره مـمّن يثق به ، لقول النبي r : " ما عدل وال اتجر في رعيّته " ([47]) . وقال ابن فــــرحون من المالكية : يكــــــره له البيــــع والابتياع في مجلس حكمه أو في داره([48]). وقد روي عن شريح([49]) أنه قال: " شرط عليَّ عمر حين ولاّنيَ القضاء ألاَّ أبيع ولا أبتاع ، ولا أرتشي ، ولا أقضي وأنا غضبان " . وروي أنَّ عاملاً لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ اسمه الحارث كعب بن وهب ظهر عليـه الثراء فسأله عمر عن مصدر ثرائه ، فأجاب : خرجت بنفقة معي فتجرت فيها، فقال عمر : أما والله ما بعثناكم لتتجروا، وأخذ منه ما حصل عليه من ربح. وفي وثيقة عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ عقب توليته الخلافة : " ولا يحلّ لعامل تجارة في سلطانه الذي هو عليه ، فإنَّ الأمير متى يتجر يستأثر ، ويصيب أموراً فيها عنَت ، وإن حرص على ألاَّ يفعل "([50]) . ومـمَّا أثر عنه قوله : " تجارة الولاة مفسدة ، وللرعية مهلكة " ([51]). وقد نصّت المادة (51) من قانون السلطة القضائية العماني على الآتي : " يحظر على القاضي القيام بأي عمل تجاري، كما يحضر عليه القيام بأي عمل لا يتفق واستقلال القضاء وكرامته " . 9ــــ يكره القاضي أن يفتي في الأحكام إذا سئل عنها، وكان شريح يقول : " أنا أقضى ولا أفتي " . وأمَّا الفتيـــــا في سائر أمور الدين من عبادات ومعاملات وغيرها لابأس عليه إذ أفتى بعلم . 10ــــ أن لا يضيّف القاضي أحد الخصمين دون الآخر ، لما روي عن علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ أنه قال : نهانا رسول الله صلى عليه وسلم أن نضيّف الخصم إلا ومعه خصمه"([52]) . 11ــــــــ يجب عليه أن يجتنب بطانة السوء ، ومصاحبة من لا خلاق لهم ،فالمرء يعرف ويوزن بصاحبه . قال الشاعر : فاختبر الأرض بأسمائها واختبر الصاحب بالصاحب هذا وقد ذكر الفقهاء شروطاً أخرى لتولّي منصب القضاء ، وأطلقوا عليها شروط الكمال وهي : 1ــــــ الكتابة : وهي في الحقيقة تعتبر في عصرنا من الشروط الواجبة ، فالأمّية في الكتابة تكاد غير موجودة ، وقد تعدت الكتابة باليد إلى الكتابة بجهاز الحاسوب وغيره ، والذي لا يجيدها فهو أمّيّ في هـذا العصر بمفهوم التقدم العلمي والتكنولوجي . 2ــــــ أن يكون غير محدود ، أي لم يقم عليه حدّ شرعي لارتكابه ما يوجب ذلك . 3ـــــ أن لا يكون مطعونا عليه في نسبه بولادة لعان أو زنى ، حتى لا تقلّ قيمته بين الناس إذا عرفوا عنه ذلك ، فيبقى محتقراً عندهم . 4ـــــ أن لا يكون فقيراً ، وهكذا كفلته الأنظمة الحديثة التي أعطت القضاة رواتب مجزية في كلّ الدول . 5ـــــ أن يكون غير مستضعف ، لأهمية شخصيته بين المجتمع . تلك خمســـة أوصاف ينتفي عنها ، وخمسة أخرى لا ينفك عنها هي : 1ــــــ الفطنة . 2ـــــــ النزاهة . 3ــــ المهابة . 4ـــــ الحلم . 5ــــــ استشارة أهل العلم والرأي. ومن الصفات المستحبة في القاضي : 1ــــ أن يكون ورعا ، لأن الورع يحمله على تحرّي الحق. قال ابن حبيب من المالكية ([53]): إن لم يكن علم فعقل وورع ، فبالعقل يسأل ، وبـالورع يقف ، فإن الورع ترك الحرام والشبهات ، والتوقف في الأمور والتثبت فيها ([54]) . وقد مرّ ما رجّحه القطب ـ رحمه الله ـ من أن الورع شرط صحة لاكمال . 2ـــ أن يكون كامل المروءة فإن كمال المروءة يجعله مبتعدا عن سفاسف الأمور ، متقبَّل الأحكام عند الناس ، لما له من هيبة واحترام . 3ـــــ أن لا يكون مدينا لأحد ، لأن في الدين منّة على المدين 4ـــــ أن يتخذ أعوانا من أهل الصلاح ليخبروه بما يسمعونه عنه وعن شهوده . 5ــــ ألا يباهى بماله من جاه أو مال . 6ـــــ أن يكون جميل الهيئة ظاهر الأبهة ، وقور المشية والجلسة . 7ــــ أن يجتنب فضول الكلام . 8ــــــ أن يكون قليل الإشارة بيده عند تكلمه . 9ــــــ أن يكون ضحكه تبسّما . 10ــــــ أن يكون نظره فراسة ، وإطراقه تفهّما . 11ــــــ أن يرتدي دائما أجمل زيّه . ومن الصفات المستحبة أيضا في القاضي سلامة أطرافه ، وبهجة صورته ، وزيادة ورعه، وزكاته وتقواه ، وحسن الأحدوثة عنه ـ أي الحديث حسَن عنه بين الناس ـ وخلوّه عن الشبهات في الاعتقادات ، وتضلّعه في علم الشروط (علم الصكوك الشـرعية والكتابة العدلية ) ، والأقضية والحكومات ، فإنها أمر وراء الفقه ، واستمداده من علم الأدب المانـع من اللحن والسقط ، واتصافـه بكل جميلة تزيده هيبة في النفوس ، وعظمة في القلوب ، وخلوّه من كل ما ينقص قدره ومنزلته في أقواله وأفعاله ([55]). وعن الربيع بن حبيب عن رجل من أهل مكة يقال له : المنهال بن صالح عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : إذا كان في القاضي خمس خصال فقد كمل أمره ، وإن كانت أربع فوصمة ، يعني عيباً ، أو ثلاث فوصمتان ، قيل ، وما هي يا أمـير المؤمنين ؟ قال : علم ما كان قبلـه من الآثار ، والتنـزّه عن المطامع ، والحلم عـن الخصوم، وعـدم الإستخفاف بالأئمة في خلاف الحق ، ومشاورة أولي الرأي والدين ([56]) . وقال الزهري ([57]) : ثلاث إذا كنَّ في القاضي فليس بقاض " إذا كره اللوائم ، وأحبَّ المحامد ، وكره العزل ([58]). وقال موهب قاضي عمر على فلسطين : إذا لم يكن للقاضي ثلاث خصال فليس بقاض: يشاور وإن كان عالما، ولا يسمع شكيَّة أحد وليس معه خصمه، ويقضي إذا علم([59]). |
|||
2013-11-25, 14:12 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
المطلب الثاني :آداب تتعلّق بمجلس القاضي ومسكنه 1ـــــ صفاء ذهن القاضي واستقرار حالته النفسية : قال صلى الله عليه وسلــــــم : " إنالغضبليفســـــدالإيـمانكمايفسدالصبرالعسل " ([60]). وقال : "لَايَحْكُمْالْحَاكِمُبَيْنَاثْنَيْنِوَهُوَغَضْبَانُ"([61]) وفي رواية : " لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان " ([62]) . وفي رسالة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لأبي موسى الأشعري السالف ذكرها : "إيَّاك والغضب والقلق والضجر والتأذّي بالناس ، والتنكر لهم عند الخصومة"([63]). وعن ميمون بن مهران([64]) قال : بعثني عمر بن عبد العزيز ـ يعني على القضاء ـ وقال : لا تقضي على غضب ولا ضجر ، وليكن من رأيك الحلم عن الخصوم ، واعلم أنه لا خير في قضاء إلاَّ بفهم ، ولا خير في فهم إلاَّ بحكم ، ولا خير في حكم إلاَّ بفصل ، ولا خير في فصل إلاَّ بعدل "([65]) ويدخل في معنى الغضب كل ما شغل النفس من الهم والنعاس والجوع المفرط والعطش ، والتخمة ، والخوف والمرض ، وشدة الحزن والسرور ومدافعة الأخبثين . قال صاحب معين الحكام : ومنها ـ أي الآداب ـ أن لا يجلس على حال تشويش من جوع أو غضب أو همّ، لأن الغضب يسرع مع الجوع، والفهم ينطفىء مع الشبع، والقلب يشتغل مع الهمّ، فمهما عرض له ذلك لم يجلس للقضاء، وإن عرض في المجلس انصرف([66]). 2ـ من الآداب أيضا ما قـاله العلاّمة محمد بن إبراهيم الكندي صاحب بيان الشرع : وإذا انتهى الإمام أو القاضي في مجلسه صلى ركعتين ، ثم سأل الله العافية له ولهم ، وسأله العون والتوفيق ، ثم ليجلس للحكم وعليه السكينة والوقار ، وينبغي للقاضي إذا صار إلى مجلسه أن يسلّم على القوم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، افشوا السلام " ([67]). وقال قطب الأئمة في شرح النيل : وإذا اراد أن يقضى جلس مستقبلاً ، وبسمل واستعان بالله ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وسأل الله أن يهدي قلبه ، ويثبت لسانه ([68]). وروي عن عمر عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ إذا جلس مجلس الحكم قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم ، استمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم ، وتعزّزت بالله العزيز الحكيم ، وتوكلت على الله ربّ العرش العظيم ، " أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ ، مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"([69]) ثم تمثّل بقول ابن عبدالأعلى : نســــرّ بـــما يبلـــى ونفـــــرح بالمنى كمــــــا سُرَّ باللذّات بالنــــوم حالم نهارك يا مغـــرورلهو وغفلة وليـــلك نـــــوم والـــــردى لك لازم وتشغل عمَّا ســـــــوف تذكر غبّه كـــــذلك في الدنيـــا تعيش البهائم فلا أنت في اليقظان يقظان حازم ولا أنــــت في النَّـــوام نـــــاج وسالم ثم يقول : كم من مستقبل يوما وليس بمستكمله ، ومنتظر غدا وليس من أهله ، ولو رأيتم الأجل ومسيره ، لأبغضتم الأمل وغروره ([70]) . وقيل :إن شريحا قاضي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان كلّما قعد إلى الحكم نظر في رقعة مكتوب فيها : " َيا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ".([71]) هكذا ينبغي على القاضي أن يكون مع الله وقريبا من الله ، درعه العدل ، ولباسه التقوى ، وشعاره مراقبة الله والخوف منه . 3ـ المشورة : يندب للقاضي أن يستشير ويستعين في ما يجهل من الأحكام أو يشكل عليه من القضايا ([72]). قال تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم : "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ"([73]) فامتثل أمر ربه وشاور أصحابه في كثير من المواقف ، قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : "مارأيتأحداأكثرمشورةلأصحابهمنرسولاللهصلىاللهعليهوسلم" ([74]). وقال تعالى : " وأمرهم شورى بينهم " ([75])، قال الحسن البصري في هذه الآية : والله ما شاور قوم قط إلا وفقهم الله تعالى لأفضل ما بحضرتهم ([76])، يعنى ما في اجتهادهم من الحكم . وقد ذكر الفقهاء أنه يندب أن يجلس مع القاضي جماعة من الفقهاء للمشورة ، قال صاحب منهج الطالبين : وإذا تهيّأ رجلان يجالسانه من أهل العلم والورع يحضران الحكم ، فـــإن زلّ أرشداه ، وإن غفل عن الحق أخبراه ، ويقوّمان الخصوم ، فهو أسلم له دنيا وأخرى ([77]). وهذا لا يتأتى في هذا العصر ، الذي أخذ نظام المحاكم طابعاً خاصا ، وكذلك نظام المرافعات ، وأصبح القاضي يجلس على منصّة الحكم ، لا يسمح لغيره أن يجلس معه ، ولكن يمكن أن يستشير في غير جلسة الحكم بالطريقة المناسبة التي يراها ، وقد سهّلت وسائل الإتصال الحديثة هذا الأمر ، وأصبح التحدث مع القريب والبعيد عبر زرّ يضغط ، أو إشارة أو نداء فقط . 4ــــ يجلس للقضاء في مكان فسيح بارز ، يصل إليه كل أحد ، ويكون في وسط البلد الذي يقضي فيه ، ويكون في مجلسه مستقبل القبلة([78]). يمكن تطبيق هذه الأمور في عصرنا باختيار المحكمة في مكان بارز يصل إليه الناس بسهولة ، وأن يكون مبنى المحكمة لائقا بالقضاء ومهابته ، من حيث سعته وجمال تصميمه ، ليضفي مهابة ومكانة مرموقة ، وأن تجعل قاعات المحاكمة يستقبل القاضي فيها القبلة مهما أمكن ذلك ، ففي الحديث الشريف: "إنلكلشيءشرفا،وأشرفالمجالسمااستقبلبهاالقبلة"([79]). 5ــــ لا يتضاحك القاضي في مجلسه، ويلزم العبوس من غير غضب، ويمنع من رفع الصوت عنده، ولا ينبغي أن يمازح أحداً في مجلس القضاء([80]). هذه الصفات كلها أو الآداب تورث القاضي والقضاء هيبة في نفوس الخصوم والحاضرين، إذ لا يليق بالقاضي أن يكون متضاحكا في مجلس القضاء، أو يلقي النكت ليضحك بها الآخرين. 6ــــــ لا يتشاغل بالحديث في مجلس قضائه، إن أراد بذلك إجمام نفسه([81]). أي يريد دفع الإرهاق والتعب عنها، وإنما أن يرفع الجلسة حتى يستعيد نشاطه، ويواصل عمله. 7ـــــ أمـا مـن حيث مسكـن القاضي فقد فقال صاحب معين الحكام وابن فرحون: وأما مسكنه فينبغي أن يكون وسط البلد في موضع لا يشق على الناس القصد فيه([82]). ولقد نصت المادة (56) من قانون السلطة القضائية العماني على أنه : " يجب أن يقيم القاضي في البلد الذي يكون فيه مقر عمله ، ويجوز لوزير العدل لظروف استثنائية أن يرخص للقاضي بالإقامة في بلد آخر يكون قريباً من مقر عمله ، ويجوز أن يكون انتقاله في هذه الحالة على نفقة الحكومة". والحقيقة وإن كان المقصود من ذلك وجود القاضي في البلد الذي يحكم فيه لما تدعو إليه الحاجة في وقت لا دوام رسمي فيه، ولكن يمكن أن يضاف إليه من الآداب أن يكون منزل القاضي لائقا به شكلاً ومضموناً وفي مكان لائق به أيضا، ليضيف الهيبة والاحترام للقضاء. المطلب الثالث :آداب تتعلق بسيرة القاضي مع الخصوم . 1ــــــــ التسوية بين الخصمين في المجلس والإقبال([83]). قال العلامة الكندي صاحب بيان الشرع : "وإذا قعد الخصمان فينبغي به أن يقبل بوجهه إليهما، ويساوي بينهما في النظـــر إليهما والإقبال عليهما، وينصف كل واحد منهما من الآخر في الكلام والإقبال عليه"([84]). وقال العلامة الشقصي في المنهج : وإذا جلس إليه ـ أي القاضي ـ أعرض عنهم هنيهة حتى تجترئ قلوبهم ، وتنشط ألسنتهم ، ويذكرون حجتهم ، ويجلس الخصمان بين يديه ، ويساوي بينهما في المجلس ، ولا يرفع أحدهما على الآخر([85]) . قال صاحب معين الحكام : إذا حضر الخصمان بين يديه فليسوّ بينهما في النظر إليهما والتكلم معهما ، مالم يَلدَّ أحدهما ، فلا بأس أن يسوء نظره إليه تأديبا له ، ويرفع صوته عليه ، لما صدر منه من اللدد ونحو ذلك ، وهذا إذا علم الله تعالى منه أنه لو كان ذلك من صاحبه فعل به مثل ذلك ، ويحضّهما عند ابتداء المحاكمة على التودد والوقار ، ويسكّن جأش المضطرب منهما ، ويؤمّن روْع الخائف والحصر في الكلام حتى يذهب عنه ذلك ، ويقعدهما بين يديه ضعيفين كانا أو قويين ، أو ضعيف مع قويّ ، ولا يقرّب أحدهما إليه ، ولا يقبل عليه دون خصمه ، ولا يميل إلى أحدهما بالسلام فيخصّه به ولا بالترحيب ، ولا يرفع مجلسه ، ولا يسأل أحدهما عن حاله ولا عن خبره ، ولا عن شيء من أمـــورهما في مجلسهما ذلك ، ولا يسارّهما جميعا ولا أحدهما ، فإن ذلك يجرّئهما عليه ويطمعهـــما فيه ، وما جرّ إلى التهاون بحدود الله فممنوع ، ويسوّي بينهما ([86]). وفي هذا العصر نظّم مكان جلوس الخصمين بين يدي القاضي، فنصب لكل واحد منهما كرسيّ يجلس عليه، فلا مجال لأن يتقدَّم أحد منهما أو يتأخر. ولكن يبقى الحديث حول المساواة بينهما في النظر والنطق والإشارة وغيرها فهذا تلـزم العدالة فيه، ولا يلقّن أحـداً منهما حجّة، ولا يكلّم أحدهما بلغة لا يعرفها الآخر. ومــمَّا ورد من الآثار حول هذه الآداب ما رواه الشعبي([87]) قال : كان بين عمر بن الخطاب وأبيّ بن كعب ـ رضي الله عنهما ــ تدارؤ في شيء ، فجعلا زيد بن ثابت بينهما فأتياه في منزله ، فقال له عمر : أتيناك للحكم بيننا ، وفي بيته يؤتى الحكم . وقيل : إن عمر بن الخطاب ـ رحمة الله عليه ـ عنته منازعة في شيء ، وهو يومئذ أمير المؤمنين فاجتمع هو وخصمه إلى أبيّ بن كعب ، فلما دخل عليه قال له : جئتك مخاصما ، فطرح إليه وسادة فجلس عليها ، ثم قال عمر : هذا أول جورك ، أنا أقول لك : جئتك مخاصما وأنت تطرح لي وسادة أجلس عليها ؟! . ثم قام عمر فجلس مع الخصم فنازع خصمه ، فرأى أبيّ عليه اليمين ، فقال له : أتحلف ؟ فقال عمر : نعم ، فقال أبيّ للخصم : اعف أمير المؤمنين عن اليمين ، ومضى عمر في اليمين حتى انتهى ([88]) . وأتى الأشعث بن قيس شريحاً في مجلس القضاء ، فظن شريح أنه أتاه مسلّما فقرّبه وأجلسه إلى جنبه ، ومع الأشعث خصم . فقال خصم الأشعث : إنما جئتك معه لأخاصمه إليك . فالتفت شريح إلى الأشعث فقال : كذلك ؟ . قال : نعم . قال : تحوّل مع خصمك ، فتغيّر وجه الأشعث ، ثم قــال : عهدي بك يا شريح وشأنك . فقال له : يا أشعث جهلك نعمة الله عليّ ، وعقوبتهما على غيرك، إني كذا كنت. فقال الأشعث : والله لأرضينه من حقه، ثم لا أخاصم. فقال له: أنت وشأنك، فقام من عنده مغضبا. ويقال: إن ابن عم شريح أتى شريحاً، وهو من بني عدي، فقال له: يا أبا أمية إن لي قرابة وحقا، وإني أريد أقدّم إليك خصما لي وأحب أن تقضي لي عليه. فقال شريح : نعم إن شاء الله إن استطعته . فلما كـان من الغد أتى الأعرابي بخصمه إلى شريـح فاختصما إليه، فتوجــه القضاء على الأعـرابي ، فلما رأى الأعـرابي شريحاً يتجاهـل عليه، قال يا أبا أمية أينما وعدتني؟! . قال: الحق حال بيني وبين ذلك، ثم قضى على الأعرابي([89]). تلك أمثلـة رائعة من عدالة شريح، ساوى فيها بين الخصمين، دون ميل إلى قريب أو حبيب، أو رئيـس أو مرؤوس، كذا فليسر القضاة على هذا النهج، تحقيقا للعدالة. 2ــــــ أن لا يلقّن أحد الخصمين حجته، لأنه متى أعان أحدهما يضعف الآخر فيعجز عن الإدلاء بحجته. 3ــــــ ينبغي للقاضي موعظة الخصمين وتعريفهما بأن من خاصم في باطل فإنه خائض في سخط الله ، ومن حلف ليقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ، ويعظ الشهود أيضا ، كما روي عن شريح أنه كـان يقول لمن شهد عنده ك إنما يقضي على هـذا المسلم أنتما بشهـادتكما ، وإني متـوقّ بكمـا النار ، فاتقيا الله والنار ([90]) . 4ـــــ يستحب للقاضي أن يراقب أحوال الخصوم عند الإدلاء بالحجج ودعوى الحقوق ، فإن توسَّم في أحد الخصمين أنه أبطن شبهة أو اتهمه بدعوى الباطل ، إلا أن حجته في الظاهر متجهة وكتاب الحق الذي بيده موافق لظاهر دعواه ، فليتلطف القاضي في الفحص والبحث عن حقيقة ما توهم فيه ، فإن الناس اليوم كثرت مخادعتهم واتهمت أمانتهم ، فإن لم ينكشف له ما يقدح في دعواه ، فحسن أن يتقدّم إليه بالموعظة إن رأى لذلك وجهاً ، ويخوّفه الله سبحانه وتعالى ويذكر قوله تعالى : " لَاتَأْكُلُواأَمْوَالَكُم ْبَيْنَكُم ْبِالْبَاطِلِ "([91]) فإن أناب وإلا أمضى الحكم على ظاهره ، وإن تزايدت عنده بسبب الفحص عن ذلك شبهة فليقف ، ويوالي الكشف ويردده الأيام ونحوها ، ولا يعجل في الحكم مع قوّة الشبهة ، وليجتهد في ذلك بحسب قدرته حتى يتبين له حقيقة الأمر في تلك الدعوى أو تنتفي عنه الشبهة . ([92]) 5ـــــ أن لا يكثر من القضاء جدّا حتى يأخذه النعاس والضجر ، فإنه إذا عرض له ذلك أحدث ما لا يصلح ([93]). قلت : إنَّ مـــمَّا يؤسف له أن يجعل القاضي مائة دعوى وأكثر في جلسة واحدة في هذا العصر ، ليقال عنه : إنه منجز فيستحق الثناء والتقدير الإيجابي ، وجلُّ تلك الأحكام تنقض أو تعدَّل ، فمن أين يسع الوقت في ساعات محدودة وقد لا تتجاوز خمساً أن يسمع القاضي كلام الخصمين وحججهما ، ويقرأ أوراق الدعوى ، ويستوعب القضيّة فيشكّل حكماً صائباً فيها ، وهل العبرة بالكمّ أم بالكيف ؟ وإذا كان العذر كثرة القضايا وقلَّة عدد القضاة ، فإن هذا لا يبرر المسير على هذا المنهج السقيم ، فالأمر لله من قبل ومن بعد . المطلب الرابع :آدابتتعلَّق بسيرة القاضي في الأحكام . 2ـــ لا يقضي القاضي وهو يشكّ في فهمه للدعوى ، لأنّ الحكم على الشئ فرع تصوّره ، من ذلك قول سيِّدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في رسالة القضاء : " الفهمَ الفهمَ فيما يتلجلج في صدرك"([95]). 3ــــ إنَّ القضية إذا كانت مشكلة فيكشف عن حقيقتها في الباطن ، ويستعين بذلك على الوصول إلى الحق . 4ـــ إذا أشكل على القاضي أمر تركه وقال بعضهم : لا بأس أن يأمر فيه بالصلح ، وقالوا أيضا : والأقرب إن كان هناك قاض غيره صرفهما إليه لاحتمال أن لا يشكل عليه الحكم . 5ـــــ إذا خشي القاضي من تفاقم الأمر بإنفاذ الحكم بين المتخاصمين ، أو كانا من أهل الفضل ، أو بينهما رحم أقامهما وأمرهما بالصلح ([96]). ومعنى أقامهما أي من مجلس الحكم ، وفي هذا العصر يؤجِّل الجلسة إلى موعد لاحق ، ليعطي الفرصة للخصمين أن يصطلحا ، فإنه أرفق لهما وله . قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ــ : " ردُّوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا ، فإن فصل القضاء يورث الضغائن " . 6ــينبغي للقاضي أن يسهّل أمر البيّنات ، ولا يمطلهم فيتفرقوا فيعسر أمرهم ، وربمّا أدَّى إلى ضجـر صاحب الحق فيترك حقه أو بعضه بالمصالحة عنه لما يدركه من المشقة. قال بعض أهل العلم : نقل الجبل عندي أيسر من نقل البيّنة ـ يعني إلى مجلس الحكم ـ فإذا حضروا آنسهم وقرَّبهم وبسطهم وسألهم عن شهادتهم ، فإنْ كانت تامة قيَّدها ، وإن كانت ناقصة سألهم عن بقيّتها ، وإن كانت مجملة سألهم عن تفسيرها ، وإن كانـت غيـر عاملة أعـرض عنها إعراضاً جميلاً ، وأعلم المدعي بأنه لم يأت بشئ ([97]) . قال r : "أكرمواالشهود،فإناللهيستخرجبهمالحقوقويدفعبهمال ظلم" ([98])، هذا والذي يليق ذكره في هذا المقام، إنَّ الشهادة المقبولة في الدعوى هي معقد الفصل في الأحكام ، وبها يتبيّن الحلال من الحرام ، فلذلك صار قبولها محصوراً في المرضيّ في الدين ، دون عامة المسلمين ، قال تعالى : " مـمّن ترضون من الشهداء " ([99]) ، وقال : " وأشهدوا ذوي عدل منكم " ([100]) . روي عن القاضي شريح أنه كان يقول لمن شهد عنده : " إنما يقضي على هذا المسلم أنتما بشهادتكما ، وإني متوقّ بكما النار ، فاتقيا الله والنار ". وما أوجبته القوانين الحديثة المتعلّقة بالإجراءات من وجوب تحليف الشاهد ليكون تـزكية له ، فهذا مـمَّا لا يؤخذ أو يفهم على إطلاقه ، فالعدل الثقة لا تزكّيه اليمين ، وغيره كذلك ، فالبحث عن حاله واستقامته وصدقه وأمانته واجب . وما ورد في رسالة القضاء لسيّدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ: "المسلمون عدول بعضهم على بعض إلاَّ مجلوداً في حدّ ، أو مجرَّبا عليه شهادة زور ، أو طعيناً في ولاء أو نسب ، فإنَّ الله تولّى عنكم السرائر ، وردَّ عنكم البيّنات بالأيمان " ، فإنه رجع عن ذلك ، لما روي الإمام مالك في الموطأ ، قال ربيعة : قدم رجل من أهل العراق على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال : قد جئتك بأمر لا رأس ولا ذنب([101])، فقال له عمر : ما هو ؟ ، فقال : شهادة الزور ظهرت بأرضنا ، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : والله لا يؤسر([102]) رجل في الإسلام بغير العدول ([103]) |
|||
2013-11-25, 14:15 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
المطلب الخامس :عقود وعهود من التراث الإسلامي بسم الله الرحمن الرحيم : وأن تحضر مجلس قضائك من تستظهر برأيه ومعرفته ، ومن له علم بوجوه الأحكام ومزاولة الخصومات، ومن يرجع إلى فهم وحجة ودعة وتقى، فإن أصبت أيّدك ، وأن نسيت ذكّرك ، وأن تقتدي في كل ما تعمل فكرك، وتمضيي عليه حكمك. واستقضيتك بكتاب الله الذي جعله صراطا مستقيماً ،ونورا مستبينا ،فشرع أحكامه، وبيّن حلاله وحرامه ،وأوضح مشكلات الأمور، فهو جلاء لما في الصدور، فما لم يكن في كتاب الله نصه ،ولا فيما يؤثر عن نبي الله حكمه ،اقتديت بسنته لا زائغاً عن شريعته ، ولا حايداً عن طريقته ،و ما لم يبيّن لك الكتاب ،ولم يأتك عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكمه ، سلكت في سبيل السلف الصالح من أئمة الهدى رضي الله عنهم ، الذين لم يألوا الناس اختيارا، ولم يدخروهم نصيحة واجتهادا ،عالما لأنك تسعد بالعلم ممن يعدل عليه ،وأحصى بإصابة الحق ممن تصيبه فيه، لما يتعجل من جميل أحدوثته وذكره ،ويدخر لك من عظم ثوابه ،ويصرفه عنك من صوب ما يتقلدك وزره ، وأن تكون من تحكم بشهادته أهل التقوى في أديانهم، والمعرفة بالأمانة في معاملاتهم ،والموسومين بالصدق في مقالاتهم ، والمشهورين بالفضل في حالاتهم ، فإنك جاعلهم بين الله عزوجل وبينك في كل أمر تصدره، وحكم تبرمه، وأنك حقيق لا ترضى لنفسك منه إلا بما رضي الله عنـك، وتعلم أنـك قـد أبليت عذرا في تخييره أن ذلك هو القصد من نيتك ،والصحة من عقيدتك ومن نفسك ومن تحسن عليه معونتك ويحضرك التوفيق في قضيتك . ويكون من تستعين به في المسألة عن أحوال هؤلاء الشهود ومذاهبهم وما يعرفون به، وما ينسبون إليه في مجالسهم ومساكنهم أهل الورع والأمانة والصدق والصيانة ، أن تحدث المسألة عنهم في كل وقت، وتفحص عن خبرهم في كل فتنة ، ثم لا يكون سقوط عدالة من كنت قدمت عليه تعديله من استقبال الواجب في مثله واستعمال الصحة في أمره . عهد من إمام المسلمين محمد بن عبد الله بن سعيد الخليلي للشيخ الفقيه سالم بن محمد الحارثي. بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما يقوله إمام المسلمين محمد بن عبد الله الخليلي عهداً منه للشيخ سالم بن محمد الحارثي إني قد ولّيتك على "جعلان بني بو حسن " وما يرجع إليها أمره من البلدان والقبائل أن تعلّمهم أمر دينهم ، وتقيم فيهم كتاب الله عز وجل ، وتحيي فيهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلّم وتأمرهم بالمعروف ، وتنهاهم عن المنكر ، وأن تعرّف الناس منازلهم ، فتقبل من محسنهم ، وتتجاوز عن مسيئهم ،وتأخذ على يد أهل الفساد وتردعهم عن فسادهم ، وعليك حماية البلاد ، والذبّ عن الحريم ، وأن تسلك الطريق المستقيـم ، وتفصل الأحكام ، وتقضي بين ذوي الخصم ، وعليك المساواة بين الخصوم إذا حضروك ،حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك ، وعليك أن تحكم إن عنَّ لك قضاء بما تجده في كتاب الله عز وجل ، فما لم تجده في كتاب الله ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وما لم تجده في سنة رسول الله ففي إجماع المجتهدين من علماء المسلمين ، وبما تلقفته عن العلماء الأخيار ،وأخذته من آثار البررة الأخيار من صحيح الآثار ، وصواب الأنظار متحريا في ذلك العدل، وما أشكل عليك أواشتبه فيه العلماء طالع الآثار الصحيحة، وإياك والقلق والضجر، والتأذي بالخصوم ، والتنكر لهم ، فإن ذلك مقـام يعظم الله فيه الأجر، ويرفع الذكر، وعليك بالتثبت عند فصل القضاء ، وتجويد الفهم ، ولا بأس عليك أن تصلح بين الخصوم إن اشتبه عليك الحكم أو ترى أن الصلح أثبت للود والألفة ، أو تأمر بالصلح فإن الصلح خير ، وقد قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : " ردوا الخصوم ليصطلحوا فإن الأحكام منبت قطيعة " أو كلام هذا معناه ، واعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحلّ حراما ، أو حرّم حلالا ، وإن ترافع إليك الخصمان من غير أهل ولايتك فلا حرج عليك أن تحكم بينهم ، وقد جعلت لك عقوبة أهل الجنايات بما تراه أردع لهم من ضرب أو قيد ، وغيره من أنواع العقوبات التي يفعلها المسلمون بلا مجاوزة حدّ ولا إفراط ولا تفريط ، وليكن ذلك منك لله وفي الله ، وجعلت لك إقامة الجمعات ، وإجراء النفقات ، وإقامة الوكلاء لمن لا يملك أمره ، والاجتهاد لله ولعباد الله ، وتزويج من يرجع تزويجها إلى السلطان ، وتطليق من قال المسلمون بجواز تطليقها للحاكم ، ولك النظر في أئمة المساجد ونصبهم ، وأمر الناس بإقامة الجماعات ، ودعائهم إليها والحثّ عليها ، ولتكن في جميع أمورك مقتديا بالسلف الصالح ، متحريا العدل والقسط في كل ما تأمر به وتنهى عنه ، ووال في الله ، وعاد في الله ، وخاصم فيه ، وعاقب له ولدينه ، ولتكن أغير ما يكون أن تنتهك محارم لله ، وأن تستباح حرماته ، واجعل الصلحاء من أهل ولايتك بطانة ، واتخذهم إخواننا وأعوانا على أمورك ، ولتكن أحذر ما يكون من بطانة السوء ـ والعياذ بالله ـ وقانا الله وإياك سؤهم وسوأتهم ، وارحم الضعفاء ، وأعطف على الفقراء والمساكين ،ولا تستطل على أهل ولايتك إلا بما يجعله الشرع لك من الاستطالة ، فإنك مسؤول غدا ، واعلم يا سالم أن هذه وصيتي لك ، وعهدي إليك لأني أشركتك في أمانتي التي أئتمنني الله عليها ، واسترعيتك بعض رعيتي التي استرعاني الله إياها ، فإن أنت حفظت وصيتي وقمت بما يجب عليك وراقبت الله فذلك حسن ظني فيك ، وأجرك على الله ، وإلا فإثم ذلك عليك ، وأنت مؤاخذ به ، وأنا بريء من كل فعل تفعله لا محتمل له في الحق والمسلمون براء منه ، وعقوبته عليك ، وضمانه في مالك حيث يلزمك الضمان ، في قول المسلمين في مالك ، والله أساله لي ولك التوفيق والتأييد والتسديد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، وكتبه العبد سفيان بن محمد بيده عن الإمام أعزه الله في يوم سابع من شهر شعبان سنة 1373هـ . بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به إمام المسلمين العدل محمد بن عبد الله الخليلي للشيخ سعود بن عامر بن خميس المالكي أن يكون قاضياً على (بديّه) ومن يرجع إليه أمرهم وأن يبيّن لهم معالم دينهم ويعلمهم ذلك ويحيى لهم سنة نبيهم محمد (صلى الله عليه و سلم) ويفصل بينهم الأحكام ويقضى بينهم بكتاب الله فما وجده فيه وإلا فيما في سنة رسول الله (صلى الله عليه و سلم) وإن لم يجده في الكتاب والسنة فبإجماع المسلمين وما لم يجده في الإجماع ففي آثار المسلمين أهل الاستقامة متحريا في ذلك العدل وآخذا بما هو الأقرب إلى الحق وأن يشاور في ما عناه ولا يحكم بحكم حتى يتبيّن في الحق، وأجاز له إقامة الوكلاء للأيتام والغيّاب والمساجد والأوقاف ومن لا يملك أمره، وأجاز له إجراء النفقات وتقدير العقوبات بالحبس أو القيد أو الضرب على ما يقتضه نظره ويراه أنه أردع لأهل الجرائم وأقمع لذوي الفساد والمآثم ، وأجاز له تزويج من لا وليّ لها في المصر أو امتنع عن تزويجها وأراد عظلها وكل من يرجع تزويجها إلى السلطان، وطلاق من عجز زوجها عن الإنفاق وامتنع عن الطلاق أو غاب حيث لا تبلغه الحجة أو تمرد وامتنع عن ذلك، وليكن في أموره متيقظا وللحق قاصدا أو من موارد الشريعة وللعلماء مشاورا لأهل الصلاح مناظرا وللخصوم غير متنكر ، ولا يقضي لمدّع حتى يسمع كلام خصمه ، وليعرف الأشباه و الأمثال والنظائر ويرد الفروع إلى أصولها وليدّرع الورع وليخالف الطمع ويطأ آثار السلف وينهج منهجهم القويم ، هذه وصية الإمام له وعهده إليه وظنه فيه فإن أقام بما عليه وحفظ وصيته إليه فذلك ظنّه فيه وأمله ، وإن ضيّع الوصية أو بعضا منها وخالف سيرة السلف الصالح والخلف الأخيار فإن ذلك عليه ومؤاخذ به ، والله نسأله أن يسدده ويوفّقه ويسلك به مسالك الأبرار ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ، و كتبه سفيان بن محمد بأمر سيّده الإمام 1365ه. الخاتمة بعد هذه الجولة الماتعة في آداب القاضي وأخلاقيّاته، والربط بين القديم والحديث ، والمعاصر والتراث ، آن للقلم أن يوقف تجواله ، والبحث أن يحطّ رحاله ، آخذين من القول أحسنه ، ومن العمل أرشده ، " إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". [1] |
|||
2013-11-25, 14:17 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
جزاك الله خير الجزاء الف شكر |
|||
2013-11-25, 14:18 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
|
|||
2013-11-25, 14:19 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
[55] ) ابن ابي الدم ، أدب القضاء ، ص 81، الفضيلات ، د. جبر محمود ، القضاء في الإسلام وآداب القاضي ، ص 62 . |
|||
2013-11-25, 14:30 | رقم المشاركة : 8 | |||
|
السلام عليكم |
|||
2013-11-25, 14:36 | رقم المشاركة : 9 | |||
|
شكرا لك أختي فنحن نتعلم من أخطائنا دائما |
|||
2013-11-25, 14:50 | رقم المشاركة : 10 | |||
|
شكرا لكي اختي ان شاء الله تنجحي في الشفاهي ويوفقك ربي. |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
أخلاقيات, القضاء |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc