يفرح العبد المؤمن، ويدخله السرور والأنس، حين يقف بين يدي ربه -تبارك وتعالى- مناجياً، مستشعراً لذة المناجاة، وبركة القيام، وأنس الطاعة.
ولعل أطيب وأفضل أوقات مناجاة الله - عز وجل - هو وقت السحر كما حدده النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر أنه من أسباب دخول الجنة، فقد جاء عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، انجفل الناس عليه، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول: «أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام». مسند أحمد (23784)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/150).
ووقت السحر هو الوقت الذي امتدح الله -عز وجل- عبادة المؤمنين فيه ووصفهم به فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:15-18]، ونعت المستغلين لهذا الوقت بأنهم: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17].
وقد خُصَّ هذا الوقت بالذات، لأن العبد إذا قام فيه فقد خالف عادة الناس في السكون والنوم والراحة، فيكون قد آثر طاعة ربه على راحة بدنه، وقدّم حق ربه على حق نفسه، فإن المنيب إلى ربه -عز وجل- يترك هذا كله، ويؤثر قرب ربه -تبارك وتعالى- مطمئناً بذلك، مستحضراً عظمة الخالق -عز وجل.
وقد وردت الآيات الكثيرة، والأحاديث الصريحة المتواترة في فضل هذه الساعات، وتزكية تلك الأوقات، وندب الصالحين من العبَّاد إلى اغتنامها، لينالوا منها ثواب الطاعات، وحَرَصَ السلفُ الصالح على هذا الوقت الفضيل ألا يفوتهم فيه الفضل العظيم، فتراهم فيه تائبين، عابدين، حامدين ذاكرين، راكعين ساجدين، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ويزدادون يقيناً وإيماناً، ويسألون الله عفواً ومغفرة ورضواناً، إذ هو أكرم مسؤول، وأفضل مأمول، وكيف لا يستغل المؤمن بالله -عز وجل- هذا الوقت وفيه نزول المولى -تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا، نزولاً يليق بجلاله من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تعطيل ولا تأويل، كما صرَّحت بهذا النصوص الصحيحة الثابتة عن من لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له». البخاري (7494)، ومسلم (1808).
فهذا باب إلى الله فُتح ويُفتح كل ليلة، يكون فيه العبد أقرب ما يكون من ربه، وهو وقت الذكر، وفتح أبواب السماء، واستجابة الدعاء، وقت الشوق والحنين، ورفع حوائج المسلمين، لمالك يوم الدين، وهو وقت نزول الرحمة، وحضور الملائكة، ووقت النزول الإلهي، فأين هم المدلجون الخائفون؟ وما أخبار السابقين؟
نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
المصدر: موقع رمضانيات