أفرز إلغاء الغرف الإدارية بمجالس القضاء، بموجب قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد، أزمة قضائية حقيقية. وفي ظل غياب هيئة إدارية تعالج النزاعات، وجد القضاة أنفسهم بين خيارين، إما إصدار قرارات بعدم الاختصاص مما يعرضهم للصدام مع الوزارة، وإما التعامل مع الوضع وكأن شيئا لم يكن، ما يجعلهم يدوسون على القانون المكلفين بفرض احترامه وتطبيقه.
لم يعد للغرف الإدارية بالمجالس 36 وجود قانوني منذ 25 أفريل الماضي، تاريخ دخول قانون الإجراءات المدنية والإدارية حيز التنفيذ. وفي غياب المحاكم الإدارية التي تعتبر الجهة الأساسية للفصل في الخلافات الإدارية، المستحدثة بموجب قانون صدر في 1998 والتي لم تنصب إلى اليوم، فإن القضايا والنزاعات الإدارية المطروحة حاليا أمام الغرف بالمجالس والتي لا يزال المتقاضون يرفعونها، سوف لن تجد هيئة مخولة قانونا بمعالجتها.
وتذكر مصادر مطلعة على الموضوع أن بعض مجالس القضاء تشهد غليانا بسبب الحيرة التي يشعر بها القضاة إزاء وضعية غير مسبوقة في تاريخ العدالة الجزائرية، تتميز بغياب الجهة التي تستقبل وتفصل في النزاعات الإدارية. فالغرفة الإدارية بمجلس العاصمة مثلا، لا تملك الصفة القانونية التي تسمح لها بمواصلة التعاطي مع النزاع الداخلي في حركة الإصلاح الوطني الموضوع فوق مكاتب قضاتها منذ 3 سنوات، لأنها ملغاة. وهي حالة تنسحب على المئات من الملفات. وإذا أراد خصوم أبو جرة سلطاني في حمس مثلا، رفع الخلاف الداخلي أمام العدالة سوف لن يجدوا مؤسسة تتكفل بالقضية بسبب غياب محاكم إدارية وإلغاء الغرف.
وقد اتصلنا بوزارة العدل، أمس، على الساعة الحادية عشرة صباحا، لطلب تفسير من مديرية الشؤون القانونية لهذه الوضعية، فتلقينا وعدا من مساعدة المكلفة بالإعلام بالبحث عن مسؤول يتحدث في الموضوع لكن ذلك لم يتم.
وتفيد المصادر المطلعة أن لقاءات جمعت قضاة لدراسة الوضعية. ويذكر قاض بإحدى الغرف الإدارية، تحفظ على نشر اسمه بسبب واجب التحفظ المفروض عليه: ''إن المأزق الذي نتخبط فيه حاليا لا يترك لنا إلا خيارين أو احتمالين بخصوص كيفية التعامل مع القضايا والنزاعات. الأول أن يفصل القضاة بعدم الاختصاص عل أساس أن الغرف الإدارية لم يعد لها وجود قانوني، وبالتالي ينتفي اختصاصهم وأهليتهم للفصل في هذه النزاعات. وإذا تم تبني هذا الحل يعني أن القضاة امتثلوا لحكم الدستور الذي يقول في مادته 147 أن القاضي لا يخضع إلا للقانون، ويعني أيضا أنهم منسجمون مع القانون الأساسي للقضاء الذي يطلب منهم إصدار الأحكام طبقا لمبادئ الشرعية وألا يخضعوا إلا للقانون. وهذا الحل فيه الدليل على أن القضاة مستقلون لا يخشون سطوة السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل''.
وتابع نفس القاضي: ''أما الحل الثاني فهو أن يتعامل القضاة مع الملفات المطروحة عليهم وكأن المحاكم الإدارية لم تكن. وفي هذه الحالة سيخرقون القانون ويعطون تبريرا لتقاعس السلطة التنفيذية عن واجبها في تنصيب المحاكم الإدارية (يبلغ عددها 31 محكمة)، فضلا عن ذلك فسيثبتون ما يتداول بشأنهم في أوساط المواطنين، حول خوفهم من الوزارة وبأنهم أداة طيعة في يد الجهاز التنفيذي ومنفذو تعليمات يتلقونها بالهاتف، وسينجر عن ذلك عواقب وخيمة على الأطراف المتقاضية ويعمق فقدان الثقة في جهاز العدالة''. وسواء انتهج القضاة الطرح الأول أو الثاني، فستكون القرارات والأحكام الصادر عنهم محل طعن بالاستئناف أمام مجلس الدولة باعتباره أعلى جهة قضائية إدارية.
عن جريدة الخبر