مَكَانَةُ المُوَطَّأِ بَيْنَ كُتُبِ الصِّحَاحِ
يَقُولُ الْـمُؤَلِّفُ:
وَمِنْهَا كُتُبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَابِ الْـمَذَاهِبِ الْـمَتْبُوعَةِ: وَهِيَ «مُوَطَّأُ» نَجْمِ الْـهُدَى, إِمَامِ الْأَئِمَّةِ، عَالِمِ الْـمَدِينَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ نِسْبَةً إِلَى ذِي أَصْبَحَ مِنْ مُلُوكِ الْـيَمَنِ، الْـمَدَنِيِّ الْـمُتَوَفَّى بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ, وَهِيَ فِي الرُّتْبَةِ بَعْدَ «مُسْلِمٍ» عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَيُذْكَرُ أَنَّ جَمِيعَ مَسَائِلِهَا ثَلَاثَةُ آلافِ مَسْأَلَةٍ، وَأَحَادِيثُهَا سَبْعُمِائَةِ حَدِيثٍ، وَعَنْ مُؤَلِّفِهَا فِيهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ، أَشْهَرُهَا وَأَحْسَنُهَا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ اللَّيْثِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ وَإِذَا أُطْلِقَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ «مُوَطَّأُ مَالِكٍ» فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ لَهَا. وَأَكْبَرُهَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْـقَعْنَبِيِّ. وَمِنْ أَكْبَرِهَا وَأَكْثَرِهَا زِيَادَاتٍ رِوَايَةُ أَبِي مُصْعَبٍ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْـقُرَشِيِّ الزُّهْرَيِّ قَاضِي الْـمَدِينَةِ.
وَمِنْ جُمْلَتِهَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْـحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ, وَفِي «مُوَطَّئِهِ» أَحَادِيثُ يَسِيرَةٌ يَرْوِيهَا عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ، وَأُخْرَى زَائِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ الْـمَشْهُورَةِ، وَهِيَ أَيْضًا خَالِيَةٌ عَنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ ثَابِتَةٍ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ.
هَذَا هُوَ مُوَطَّأُ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَقَدْ عَرَفْنَا سَبَبَ تَسْمِيَتِهِ بِالْـمُوَطَّأِ.
قَالَ الْـمُؤَلِّفُ: إِنَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ يَأْتِي فِي الرُّتْبَةِ بَعْدَ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» فَأَصَحُّ الْـكُتُبِ وَأَوْلَاهَا وَأَرْفَعُهَا بَعْدَ كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى «صَحِيحُ الْـبُخَارِيِّ»، ثُمَّ يَلِيهِ «صَحِيحُ مُسْلِمٍ».
وَالْـمُوَطَّأُ –كَمَا يَقُولُ الْـمُؤَلِّفُ- فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ،
لَكِنْ هُنَاكَ مَنْ يَرَى أَنَّ «الْـمُنْتَقَى» لِابْنِ الْـجَارُودِ أَوِ «الْـمُخْتَارَةِ» لِلضِّيَاءِ الْـمَقْدِسِيِّ يَأْتِي فِي الدَّرَجَةِ بَعْدَ «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ، لَكِنِ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ «مُوَطَّأُ» الْإِمَامِ مَالِكٍ إِذَا اسْتُثْنِيَتِ الْـبَلَاغَاتُ وَالْـمَقَاطِيعُ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهِ.
وَحَمَلَ «الْـمُوَطَّأَ» عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ عَدَدٌ كَبِيرٌ، وَلِذَا كَانَ لَهُ رِوَايَاتٌ، وَأَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ -وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْـمَطْبُوعَةُ وَالْـمُتَدَاوَلَةُ- هِيَ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، وَإِذَا قِيلَ «الْـمُوَطَّأُ» فَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ.