صمود سوريا يُخرج أميركا من العسكرة
يبدو أن خطاب الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب في 3/ 6/ 2012 والذي قال فيه: «إنّ العدو أصبح في الداخل، والأمن الوطني خط أحمر ولا مبرّر للإرهاب تحت أي ذريعة أو عنوان ولا تساهل أو مهادنة معه ومع مَن يدعمه، ومهما كان الثمن غالياً فلا بدّ من الاستعداد لدفعه حفاظاً على قوة سورية ووحدة مجتمعها». بدأ يُترجم على الأرض ودخلت البلاد في مرحلة الحسم، وها هو اليوم التاسع على التوالي الذي يقوم فيه الجيش السوري بعملية تطهير كاملة، تشمل كلّ فئات المجموعات المسلحة التي عاثت في سورية فساداً وقتلاً وتدميراً، بدءاً بتنظيم «القاعدة»، مروراً بالسلفيّين والتكفيريّين، وصولاً إلى مَن ارتضى لنفسه أن يتموّل من الخارج ليقوم باستهداف القوات السورية، والأمن، والمرافق العامة في الدولة، ويخدم مشروع أميركا و»إسرائيل» والذي ينفذ بأدوات عربية.
لقد أيقنت جبهة العدوان على سورية بقيادة أميركا أنّ الانتصار العسكري على سورية وعلى الخيارات السياسية والوطنية والقومية التي تمثلها غير ممكن بعد الصمود الذي أظهرته الدولة السورية على جميع المستويات، العسكرية والدبلوماسية والاجتماعية، كما استطاعت أيضا أن تعرّي الطرف المعادي من أوراقه الميدانية، بعد أن توهّم بأنه أحدث خرقاً في جدار النظام من خلال الوصول بعدد من المسلحين إلى بعض المناطق في ريف دمشق، والقيام ببعض العمليات التفجيرية في المدينة ذاتها، واعتقد هذا الفريق بأنّ تحريكه للوضع في ريف حلب «إنجاز» يُضاف إلى سلسلة أهدافه التي لم تحقق، ولكنه أصيب بالذهول عندما رأى أنه لم يعد لدى الجيش السوري خطوط حمراء، وعملياته تحظى بتوافق وغطاء من قبل المنظومة الدفاعية (مجموعة دول البريكس وإيران) ضدّ منظومة العدوان على سورية، ما يؤكد أنّ الأميركيّين يعيشون في حالة تخبّط وضياع.
وما عرضه التلفزيون السوري منذ بضعة أيام يعتبر شيئا من اعترافات إرهابيين يتحضّرون للقيام بعمليات تفجير وقتل في سورية أعطى نتائج إيجابية حتى خارجها، وأعطى دفعاً للجانب السوري في القيام بمهمّته في حفظ الأمن والنظام، وكذلك تصريحات الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون أكثر من مرة بوجود تنظيم «القاعدة» في سورية، سهّل للجيش السوري إمكانية قطع دابر الإرهاب واستعادة الأمن، والقضاء على الأعمال المسلحة التي تحدث في سورية.
الخسارة الأميركية في سورية بالغة الخطورة، وعملية التطهير التي تقوم بها القوات السورية ضدّ المجموعات الإرهابية وإلحاق الخسائر الكبرى بها فاقت التصوّر، وما كانت تتخيّله جبهة العدوان على سورية، وأثبت الجيش السوري في اليومين الأخيرين حقاً أنه لم يعد هناك خطوط حمراء أمام وحدة سورية وقوتها.
أمام هذا الواقع الذي فرضته سورية، انتقلت أميركا وحلفاؤها من الرغبة في الانتصار وتحقيق الهدف إلى حجز موقع في الخريطة النهائية، وهذا الأمر لا يتمّ إلا من خلال قيام أميركا ومنظومة العدوان على سورية بتصعيد خطابها، وهذا ما يفسّر قيام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في الأيام القليلة الماضية بترداد نغمة «تطبيق النموذج اليمني» والمطالبة بتنحّي الرئيس الأسد، إلا أنّ أميركا تدرك جيداً أنّ روسيا ثابتة على مواقفها، وتعلن بشكل شبه يومي على لسان وزير خارجيّتها ومسؤوليها أنها ستبقى تدعم الرئيس الأسد حتى النهاية، ما يعني أنّ تطبيق النموذج اليمني غير وارد، ليتزامن هذا الموقف مع ما أعلن عنه أخيراً المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست «القضية السورية حلها سوري- سوري، وليس حلاً قادماً من الخارج، والخطط الأخرى غير مطروحة»، في تأكيد لرفض المقترح الأميركي بالحلّ اليمني.
ومن أجل ذلك وافقت هيلاري كلينتون على المشاركة من دون شروط مسبقة في المؤتمر الذي دعا إليه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، وذلك بهدف تجميع الأوراق التفاوضية، والوصول إلى مخرج مشرّف للولايات المتحدة الأميركية بعد أن تأكد عجزها عن استخدام مجلس الأمن وسيلة للتهديد والوعيد، وبعد أن زادت انقسامات «المعارضات» السورية ما أدى إلى إرباكها في التعاطي مع الملف السوري.
إذن، لم يعد حلم فريق «14 آذار» في لبنان بتنحّي الرئيس الأسد وتطبيق النموذج اليمني قابلاً للتحقيق، بل هو ضرب من ضروب الخيال أو الغباء السياسي، وليس هناك أي إمكانية بعد العملية العسكرية التي تنفذها القوات السورية لعودة عقارب الساعة إلى الوراء، وقبول السوريين بزعزعة أمن بلادهم من قبل مجموعة من العصابات المرتهنة للخارج.
ولا يغيب عن بال المراقب الدور الذي سوف تلعبه المناورات الرباعية التي ستشارك فيها روسيا والصين وإيران وسورية على الأرض السورية بمشاركة 90 ألف عسكري، و50 سفينة حربية، و200 طائرة حربية، و1000 دبابة، والرسائل التي سوف تبعث بها هذه المناورات إلى الحلف المعادي لسورية، والتي يبدو بحسب المراقبين أنها سوف تحدّد معالم النظام العالمي المقبل.
نشر يوم الثلاثاء 19 حزيران/يونيو 2012