اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
حكم التقليد وشروط المجتهد
أولا:
التقليد هو قبول قول الغير بلا حجة، وصاحبه لا يعد من العلماء اتفاقا.
قال ابن عبد البر رحمه الله: "وقال أهل العلم والنظر: حد العلم التبيين وإدراك المعلوم على ما هو [عليه]، فمن بان له الشيء فقد علمه، قالوا: والمقلد لا علم له ، ولم يختلفوا في ذلك" انتهى من جامع بيان العلم وفضله (2/ 992).
وقال الشوكاني رحمه الله: " أما التقليد: فأصله في اللغة مأخوذ من القلادة، التي يقلد غيره بها، ومنه تقليد الهدي، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم، الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده.
وفي الاصطلاح: هو العمل بقول الغير من غير حجة" انتهى من إرشاد الفحول (2/ 239).
ثانيا:
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لم يحرم التقليد في الموضع المذكور ، ولا في غيره ، إلا على العلماء وطلبة العلم الذين يعرفون الأدلة والنظر فيها، وأما العوام فإن التقليد في حقهم جائز ، بل واجب.
قال رحمه الله في مقدمة الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 16) : " وعُلِمَ من قولنا: «بأدلَّتها» أن المقلِّدَ ليس فقيهاً؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط. وقد نقل ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على ذلك.
وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني،
فإذاً لا بُدَّ أن نعرفَ ماذا قالت الرُّسل ، لنعمل به.
ولكن التَّقليد عند الضَّرورة : جائزٌ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدَّليلَ بنفسه فلا يحلُّ له التقليد" انتهى.
فمن لا يعرف الحق بدليله فلابد أن يسأل، أي : يقلد من هو أعلم منه.
وسئل رحمه الله: " ما الواجب على العامي ، ومن ليس له قدرة على طلب العلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على من لا علم عنده ، ولا قدرة له على الاجتهاد : أن يسأل أهل العلم؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] .
ولم يأمر الله تعالى بسؤالهم إلا من أجل الأخذ بقولهم، وهذا هو التقليد.
لكن الممنوع في التقليد أن يلتزم مذهبًا معينًا يأخذ به على كل حال ويعتقد أن ذلك طريقه إلى الله -عز وجل- فيأخذ به ، وإن خالف الدليل.
وأما من له قدرة على الاجتهاد؛ كطالب العلم الذي أخذ بحظ وافر من العلم، فله أن يجتهد في الأدلة ، ويأخذ بما يرى أنه الصواب ، أو الأقرب للصواب.
وأما العامي وطالب العلم المبتدئ، فيجتهد في تقليد من يرى أنه أقرب إلى الحق؛ لغزارة علمه وقوة دينه وورعه" انتهى من كتاب العلم، ص153