منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الجهة,المكان,الحد,الحيز ,وخزعبلات أخرى هنا تفنيدها
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-09-30, 00:19   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الإعتراض الحادي عشر:إعتراضهم على الدليل العقلي .
قالو:وقد اعترض على الدليل العقلي بإنكار بداهته ؛ لأنه أنكره جمهور العقلاء ، فلو كان بديهيا لما كان مختلفا فيه بين العقلاء ، بل هو قضية وهمية خيالية ؟


والجواب عن هذا الاعتراض هو أن يقال : إن العقل إن قبل قولكم فهو لقولنا أقبل ، وإن رد العقل قولنا فهو لقولكم أعظم ردا ، فإن كان قولنا باطلا في العقل ، فقولكم أبطل ، وإن كان قولكم حقا مقبولا في العقل ، فقولنا أولى أن يكون مقبولا في العقل . فإن دعوى الضرورة مشتركة ، فإنا نقول : نعلم بالضرورة بطلان قولكم ، وأنتم تقولون كذلك ، فإذا قلتم : تلك الضرورة التي تحكم ببطلان قولنا هي من حكم الوهم لا من حكم العقل ، قابلناكم بنظير قولكم ، وعامة فطر الناس - ليسوا منكم ولا منا - موافقون لنا على هذا ، فإن كان حكم فطر بني آدم مقبولا ترجحنا عليكم ، وإن كان مردودا غير مقبول بطل قولكم بالكلية ، فإنكم إنما بنيتم قولكم على ما تدعون أنه مقدمات معلومة بالفطرة الآدمية ، وبطلت عقلياتنا أيضا ، وكان السمع الذي جاءت به الأنبياء معنا لا معكم ، فنحن مختصون بالسمع دونكم ، والعقل مشترك بيننا وبينكم .
فإن قلتم : أكثر العقلاء يقولون بقولنا ؟ قيل : ليس الأمر كذلك ، فإن الذين يصرحون بأن صانع العالم ليس هو فوق العالم [وليس فوق العالم شيء موجود] وأنه لا مباين للعالم ولا حال في العالم - : طائفة من النظار ، وأول من عرف عنه ذلك في الإسلام جهم بن صفوان وأتباعه .)) شرح العقيدة الطحاوية .
يعني: إذا كان لا داعي لاستشهاد العقول واستشهاد الفطر التي من غيرنا وغيركم بالمرة، فإن قولكم يبطل بالكلية، فإذا قلنا: إن العقل والفطرة محايدان، لا يصح الاحتجاج بهما لا لنا ولا لكم، فنحن عندنا غيرهما؛ عندنا الكتاب والسنة وإجماع السلف ، وأنتم لا دليل لكم إلا ما أبطلتموه، مع أن كل خلق الله إذا دعوا الله يرفعون أيديهم إلى جهة العلو، وإذا سئلوا؟ قالوا: إن الله في السماء.
وقد أقررتم أن تلك الأقوال العقلية إنما تبنى على المقدمات الفطرية المشتركة بيننا وبينكم، فإذا ألغيتم أنتم هذه الفطرة؛ فإن الأدلة العقلية تكون باطلة؛ لأن الأدلة العقلية إنما تبنى في الأصل على مقدمات فطرية بدهية، فإذا ألغيت الفطر ألغيت البدائه تبعاً لها الأحكام العقلية، وإذا ألغينا ذلك فإنه يبطل كلامكم كله، لأنه مركب على العقل، وتبطل عقلياتنا أيضاً، فبطل العقل عندنا وعندكم، وكان الدليل السمعي من الوحي الذي جاءت به الأنبياء معنا لا معكم، قال: "فنحن مختصون بالسمع دونكم" أي: بالأدلة السمعية (القرآن والسنة)، أما أنتم فلا دليل على الإطلاق يدل على قولكم من كتاب أو سنة.
وإلا فإن أكثر العقلاء في الدنيا على إثبات علو الله سبحانه وتعالى ليسوا معكم، فإن الصحابة الذين هم أعقل الناس معنا وكبار المتكلمين ؛ هم معنا، مثل: أبي الحسن الأشعري كما في الإبانة ؛ فقد صرح بإثبات الاستواء والعلو، وكذلك النظار الكبار، مثل الرازي ، وهو أعظم من ألف في إبطال عقيدة السلف ، وتقرير عقيدة الخلف في كتاب أساس التقديس ، ثم رجع في آخر الأمر إذاً لا أحد معكم؛ فمن أنكر علو الله فهو متبع لفرعون وهامان ، حين جحدوا الله وفطرهم تُقِرُّ به، والمؤمن بعلو الله سبحانه وتعالى متبع لموسى وهارون ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه، والقضية واضحة ليس فيها مجال للمماحكة.

بل إن فرعون طلب من هامان أن يبني له صرحاً: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [غافر:36-37] فكأنه يقول: لو كان إله موسى حقاً لكان في الأعلى.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى -الأجزاء الثالث والرابع والخامس- بعض النصوص الواردة في الكتب السابقة، مما يدل على علو الله سبحانه وتعالى، وما يزال اليهود والنصارى يقرءون ذلك إلى اليوم.
فتبين من هذا: أن قول المتكلمين : (إن أكثر العقلاء هم معنا لا معكم) قول باطل، وليس معهم إلا شواذ الفلاسفة ، أما أهل الملل والأديان والفطر السليمة، فهم معنا وليسوا معهم، فبطل بذلك اعتراضهم على الدليل العقلي.