أباطيل تتعلق بسلطة الوحي وسلطة العقل - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها ..

قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أباطيل تتعلق بسلطة الوحي وسلطة العقل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-04-21, 15:34   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










Hourse أباطيل تتعلق بسلطة الوحي وسلطة العقل

أباطيل تتعلق بسلطة الوحي وسلطة العقل:

من أهم مباحث كتاب (وقفات مع أدعياء العقلانية)

للدكتور
خالد كبير علال

وأعتذر عن إصراري على نقله رغم طوله - نسبيا -



نخصص هذا المبحث لطائفة من الأباطيل تتعلق بسلطة الوحي وسلطة العقل، قال بها الباحث المصري نصر حامد أبو زيد نذكرها من خلال المواقف الآتية : أولها يتمثل في أن الرجل زعم أن « النصوص في ذاتها لا تمتلك أي سلطة اللهم إلا السلطة المعرفية التي يحاول كل نص –بما هو نص – ممارستها في المجال المعرفي الذي ينتمي إليه » . وهذه السلطة – أي المعرفية – لا تتحول إلى سلطة ثقافية اجتماعية إلا بفعل الجماعة التي تتبنى النص وتحوله إلى إطار مرجعي ،وأما السلطة التي تتمتع بها النصوص فيُضفيها« عليها العقل الإنساني ، ولا تنبع من النص ذاته » .

وردا عليه أقول: إن قوله هذا غير صحيح في معظمه ، وفيه تغليط وتدليس وتحريف للشرع . لأنه أولا إن النصوص لها سلطة حقيقية من جهتين ، هما : من جهة قائلها ومن جهة مضمونها، لكن الرجل اغفل سلطة القائل، وحرّف سلطة المضمون، وذلك عندما حدد سلطة المضمون في السلطة المعرفية فقط. وهذا لا يصح لأن سلطة النص ذاتية يحدد نوعها المضمون الذي يحمله ، فقد يكون النص غير معرفي فيكون سلطة أمر ونهي، أو سلطة تحذير و وعظ، أو سلطة تبليغ وإعلان ، أو سلطة شرح وبيان ،أو سلطة ترغيب وترهيب ،أو سلطة إعلان حرب .

وبما أن كل نص له سلطتان : سلطة القائل وسلطة المضمون فإن قوة النص تختلف من نص إلى أخر، حسب قوة القائل والمضمون . فإذا كتب عالم فيزيائي بارع متخصص مقالا في موضوع مُحدد من علم الفيزياء، ثم كتب عالم فيزيائي آخر مبتدئ مقالا في نفس الموضوع الأول، فإن الغالب الأعم هو أن مقال الأول له سلطة أقوى من سلطة الثاني . لأن المقال الأول اخذ قوته من مكانة كاتبه ،ومن المادة العلمية التي كتبها هذا المتخصص المتمهر في تخصصه .

وإذا أصدر كل من الوالي والوزير ورئيس الجمهورية أمرا حول موضوع واحد ،فلا شك أن لكل نص قوته وسلطته التنفيذية، لكن كل منها يختلف عن الآخر، من حيث درجة القوة والفاعلية والتنفيذ ، بسبب اختلاف مكانة صاحب النص، مع أن الموضوع واحد .

وبذلك يتبين أن ما زعمه الرجل لا يصح ، وأن كل نص يملك سلطة ذاتية تتفاوت قوتها ونفوذها وفاعليتها حسب قائلها ومضمونها . وهذا يصدق على كل نصوص البشر و يصدق من باب أولى على نصوص الشرع، التي هي أقوى من كل النصوص بالضرورة الشرعية والعقلية معا. وهل يُعقل أن يكون كلام الله ورسوله ليس له قوة وسلطة عملية في الواقع ، في حين أن كلام البشر له ذلك ؟!.
و ثانيا إننا إذا رجعنا إلى النصوص الشرعية نجدها مملوءة بالتأكيد على سلطة قائلها ومضمونها ، فهي قد نصت صراحة على أن الله تعالى هو الحَكَم و الحاكم ، والآمر والناهي ولا معقب لحكمه ، وأنه تعالى فرض على الإنسان عبادة ربه ،و أوجبها عليه من جهة ،وأمره بطاعة خالقه ونهاه عن مخالفته، وحذره و خوفه من سوء العاقبة إن هو لم يلتزم بشرعه من جهة أخرى . وهذا يستلزم بالضرورة أن النصوص الشرعية لها سلطة ذاتية تشريعية آمرة ناهية لا تدانيها سلطة أخرى أبدا .لأنه لا يصح شرعا ولا عقلا القول بوجود سلطة أقوى من سلطة الوحي الإلهي. والشاهد على ذلك نصوص كثيرة جدا ، منها قوله تعالى :« إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »-سورة النحل:90-، و« أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ»-سورة النساء:59-،و«ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ »-سورة الجاثية:18-فمن ينكر سلطة الشرع الآمرة الناهية المغيرة للواقع فهو متعصب أعمى، ومعاند منحرف ،ومغالط مدلس صاحب هوى ينكر الشمس في رابعة النهار.

فسلطة النصوص الشرعية سلطة ذاتية لا تدانيها سلطة أي نصوص أخرى . علما بأن كل نص إلا وله سلطة تناسبه حسب قائله ومضمونه من جهة، كما أن الغريب في الأمر أن الرجل نفى عن الوحي سلطة الأمر والنهي والتقرير، ولم ينف عن نصوصه – التي دونها في كتبه – سلطة الحكم والتقرير من جهة أخرى . فنفى بها ما قرره الله تعالى في كتابه وأكد عليه ، فهذا تغليط وتحريف وتدليس على القراء، وافتراء على الشرع وتعطيل له . فهل يُعقل أن يكون كلام المخلوق له سلطة ذاتية وكلام الخالق لا سلطة ذاتية له ؟! .

والشاهد العلمي على بطلان زعمه هو أنه لو لم يكن للوحي سلطة ذاتية عملية تغييرية للواقع ، ما استطاع الإسلام أن يهدم المجتمع الجاهلي ويبني المجتمع الإسلامي، فقد حقق ذلك بأوامره ونواهيه. و لو لم يكن كذلك ما استجاب المسلمون لأداء فريضة الصلاة والجهاد,والصيام والحج, ومختلف الأوامر والنواهي الشرعية . فالإسلام كان ثورة عملية على الواقع الجاهلي والعالمي معا، على كل المستويات الفكرية منها والسلوكية . وهل يعقل أن يُقال: إن المسلمين أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ،وانتهوا عن شرب الخمر ،وامتنعوا من التعامل بالربا من عند أنفسهم، ومن دون أوامر ونواهٍ شرعية ? ، وأنهم لم يفهموا منها الالتزام والتطبيق الضروري، وإنما فعلوا ذك من عند أنفسهم .إن من يقول ذلك مخالف للشرع والتاريخ والعقل، وهو متعصب أعمى مفترٍ متبع لهواه .

وثالثا إن ما قاله الرجل عن دور الجماعة التي تتبنى النص وتحوله من سلطة معرفية إلى سلطة ثقافية اجتماعية واقعية . هو قول ناقص لأن النص الشرعي له سلطة ذاتية آمرة ناهيه حاكمة، وليست مقتصرة على السلطة المعرفية كما زعم الرجل . و قد جاء دور الجماعة المطبقة للشرع ليس لإعطائه السلطة وإنما جاء استجابة وتطبيقا لسلطة النص الآمرة الناهية والحاكمة . فليست الجماعة هي التي شرعت وأمرت ونهت، وإنما هي استجابت والتزمت وطبقت الشرع، حسب قدراتها وظروفها. وبذلك أصبح للشرع سلطتان: سلطة ذاتية تشريعية آمرة ناهية ،وسلطة عملية تنفيذية لسلطة الشرع الذاتية . فلولا سلطة النص الذاتية ما وجدت سلطته العملية على أيدي المؤمنين .

وذلك ليس خاصا بالشرع فقط، وإنما هو ينطبق أيضا كل القوانين التي تحكم دول العالم . فهي كقوانين لها سلطة ذاتية تشريعية أمرية تقريرية من جهة، ولها أيضا سلطة تنفيذية تتولى تطبيقها على أرض الواقع من جهة أخرى . وبذلك تتكامل وتتقوى السلطتان في الواقع العملي . فلماذا تكون لأوامر ونواهي الوالي والوزير والرئيس سلطة ذاتية تشريعية وتنفيذية ،ولا تكون لأوامر الشرع ونواهيه مثل تلك السلطة التي لهؤلاء ؟!. واضح من ذلك أن الرجل ليس عنده دليل ضعيف ولا صحيح يؤيد به زعمه الباطل، و إنما قال بذلك لغايات في نفسه خطط لها مسبقا ستظهر لاحقا إن شاء الله تعالى .

ورابعا إن الرجل بلغ به تعصبه لمذهبيته وأهوائه إلى تحريف الشرع وإنكار ما هو معروف منه بالضرورة . و ذلك عندما زعم أن النص لا يمتلك سلطة ذاتية – إلا المعرفية – وإنما الفكر والعقل هما اللذان يضفيان عليه السلطة التي يُعرف بها. وهذا تحريف وتغليط ، وتدليس على القراء ، واستهزاء بهم ،لأن النصوص الشرعية شاهدة على نفسها بأنها تمتلك سلطات ذاتية تتناسب مع قائلها ومضمونها، تعطيها قوة وفاعلية ، وتأثيرا واقعيا. ولو كان الأمر كما زعم الرجل لأمكن تحويل كل النصوص التي في العالم إلى نص واحد . وهذا مستحيل لأن كل نص له ذاتيته وقوته وسلطته حسب قائله ومضمونه . وإذا كان الأمر كما زعم الرجل فلا معنى من الإكثار من النصوص وتنويعها !!.

وإذا أخذنا بما زعمه حامد أبو زيد يكون الرجل قد هدم نصوصه بنفسه ، وذلك بما أن النصوص ليس لها سلطة ذاتية، ونصوص حامد أبي زيد منها ، فتكون ما تضمنته نصوصه من أحكام ومواقف وأفكار ليست أصلية ولا ذاتية ولا سلطة فيها، وإنما فكر الرجل هو الذي أضفاها عليها . ومن ثم يحق لمن يقرأ نصوصه أن ينزع عنها ذلك ، ويضفي عليها فكرا آخر قد يناقض ما أضفاه عليها حامد أبو زيد . ومن ثم تفقد نصوص حامد أبي زيد كل قوتها وسلطتها !! فهل يرضى الرجل بذلك ؟! وإذا زعم أن نصوص البشر لا تخضع لما زعمه، فهذا تبرير لا يصح لأن النصوص كلها لها سلطة ذاتية من قائلها ومضمونها ولا فرق في ذلك بين نصوص الوحي ولا نصوص البشر .

والحقيقة هي أن الأمر ليس كما زعم الرجل ، وإنما هو أن دور العقل في التعامل مع النصوص الشرعية والبشرية ،هو الفهم الصحيح لها، وليس التدخل في تحريفها ، وتغيير معانيها ، فهذا فعل من عمل الهوى والتعصب وليس من عمل العقل الصريح ، ولا الفكر الموضوعي الحيادي النزيه . و لا يصح ولا يحق للعقل أن يُغير معاني النصوص، ولا أن يتسلط عليها، ولا أن يحرفها ، ولا يُحمّلها ما لا تحتمل، ولا يقولها ما لم تقل. وعليه أن يلتزم بمعانيها التي تتضمنها وكل عمل يخالف ذلك ، فهو ليس من الشرع ،ولا من العقل، ولا من العلم ،ولا من الموضوعية في شيء ، وإنما هو تحريف متعمد للنص واعتداء عليه . وفي هذه الحالة توجد لدينا سلطتان ، هما : سلطة النص وسلطة الشارح والمفسر – هي سلطة العقل - وعلى الثاني أن يحترم سلطة النص ويلتزم بالمنهج العلمي الصحيح في فهم النصوص والتعامل معها . فإذا ما حاول العقل – أي المفسر – أن يُغير مضمون النص ويحرّفه يكون قد انحرف وجانب الصواب. وإنما عليه أن يستخدم سلطته لفهم النص فهما صحيحا ،وليس لنفي سلطته الذاتية، ثم يفهمه هو على هواه . لأنه لا تناقض بين السلطتين ولا تنافر بينهما، فتكون سلطة العقل خادمة وشارحة لسلطة نصوص الوحي، وهنا تجتمع السلطتان : سلطة النص الشرعي وسلطة العقل الشارح . الأولى هي التي تعرض نفسها وتفرض سلطتها ،والثانية تفهمه وتحلله وتكشف عن معانيه و مقاصده وأسراره .

ومن ذلك يتبين أن ما زعمه حامد أبو زيد من أن أتباع النصوص هم الذين أعطوا للنصوص سلطتها هو زعم باطل مردود عليه . و لا يقول به إلا المحرّفون للنصوص الذين في قلوبهم زيغ و يشترون بآيات الله ثمنا قليلا . وقد أشار إليهم القرآن الكريم وذمهم في قوله تعالى : {اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }-سورة التوبة:9- ،و « َأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ »-سورة آل عمران:7- . وحتى في هذه الحالة فهؤلاء لم يغيروا ولا أزالوا سلطة الوحي الذاتية ،وإنما حرفوا النصوص بأهوائهم وظنونهم ومصالحهم، وحملوها أفكارا باطلة لا تحتملها . و مع هذا التحريف فإن نصوص الوحي لم تذهب سلطتها الذاتية ،ولن تذهب لأن كلام الله تعالى مُحكم مُفصل لا يأتيه الباطل أبدا ،ويفسر بعضه بعضا، ويكشف كل محاولات التحريف ،والتغليط ،والتدليس، ويفضح ألاعيب أصحابها من أدعياء العقلانية وأمثالهم من المحرّفين والمخرّفين .

وأما قوله بأن الفكر هو الذي يضفي على النصوص الشمولية والهيمنة ،فهذا قول لا يصح تعميمه . لأن ذلك قد يحدث و قد لا يحدث ، فالأمر مرتبط بطبيعة النص ، فالنص هو الحَكَم فإذا كان لا يحتمل ذلك ثم جاء مفسر و حرفه بتحميله ما لا يحتمل، وتقويله ما لم يقل، وجعله نصا شموليا مهيمنا ؛ فهذا تحريف وإفساد للنص. لكن إذا كانت النصوص الشرعية صرحت بأنها شاملة ومهيمنة وفصلت ذلك فهنا على الفكر الموضوعي أن يبين المعنى الحقيقي لها ولا ينفي عنها شموليتها وهيمنتها،ولا يقلل من خصائص ومدى اتصافها بذلك. و إن حاول -في هذه الحالة – تحريفها فإن عمله سينكشف بالوحي و العقل معا. علما بأن شمولية دين الإسلام للدين والدنيا وهيمنته على كل الأديان والمذاهب ليس ذلك أمرا أضفاه العقل على الإسلام ، وإنما هو أمر ثابت من دين الإسلام بالضرورة لقوله سبحانه :«مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ »-سورة المائدة:48-،و« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ »-سورة المائدة:3-،و«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ »-سورة الأنبياء:107-،و«تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»-سورة النحل:89-،و«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ »-سورة آل عمران:19-« وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ »-سورة آل عمران:85- .

وبذلك يتبين أن الرجل افترى على الإسلام عندما نفى عنه الشمولية والهيمنة ،وهما من خصائصه وليسا ما أضفاه المفسرون على الإسلام عبر التاريخ الإسلامي. فهذا افتراء مكشوف وتجاوز للأدلة الشرعية، وتمسك بالأهواء والظنون ،والمصالح المذهبية للوصول إلى تقزيم دين الإسلام ، وإحلال العلمانية محله، وهذا أمر سنتوسع فيه في الفصل الأخير، ونكشف فيه أباطيل الرجل وخلفياته ،و مفترياته على الإسلام في نفيه لشموليته وهيمنته .

و خامسا إن الرجل متناقض مع نفسه ، وقد نقض زعمه في مواضع كثيرة من كتبه ،وهذا التناقض لابد أن يقع فيه كل ما قال بما زعمه نصر أبو زيد والشواهد الآتية تثبت ذلك :

أولها إنه زعم أن العلاقة بين النص والمفسر هي علاقة جدلية تقوم على التأثير المتبادل بينهما .وهذا اعتراف منه بأن للنص سلطة التأثير وبمعنى آخر أن للنص قوة التأثير في القارئ والمفسر حسب مضمونها، ومن ثم فهي لها سلطة مؤثرة متنوعة حسب محتواها .

والشاهد الثاني مفاده هو أن الرجل ذكر أن خصومه اتهموه بأنه يقول بوجوب التحرر من سلطة نصوص القرآن والسنة في دعوته إلى التحرر من سلطة النصوص. فبين أن سلطة النصوص التي يقصدها هي سلطة النصوص الشارحة ،وليست سلطة نصوص الكتاب والسنة . ومعنى كلامه هذا أنه يثبت سلطتين : الأولى سلطة الوحي ، والثانية سلطة النُصوص الشارحة.وهذا نقض لما كان قد زعمه سابقا من أن النصوص الشرعية لا سلطة ذاتية لها.

وأما إذا قال :إن السلطة التي أثبتها هنا،هي السلطة المعرفية ،التي سبق أن ذكرنا أنه أثبتها .فنقول :إن قوله الذي قاله هنا هو قول عام غير مخصص أثبت به سلطة غير محددة للنصوص . وحتى إذا أخذنا برأيه هذا جدلا ،فإن موقفه هذا غير صحيح ،وفيه تناقض أيضا لأنه لا يصح القول :إن نصوص الوحي كلها تتضمن سلطة معرفية. لأن الواقع شاهد على خلاف ذلك ويكذبه. فالنصوص الشرعية هي أمامنا شاهدة على أنها تتضمن سلطات كثيرة ومتنوعة ،منها المعرفية،والإخبارية ،والوعظية، والتربوية،و الأمرية ،والناهية ،والمنطقية، والاستدلالية، والمفهومية ،والعقدية. فعلى أي أساس وعلى أي دليل اعتمد الرجل في زعمه بأن للنصوص المعرفية سلطة معرفية ،وأن النصوص الأخرى -غير المعرفية- ليس لها سلطة تتفق مع مضمونها غير المعرفي؟!. فزعم الرجل فيه تناقض وعناد و تعتمد في الإصرار على التحريف لغايات في نفسه .

والنصوص الشرعية شاهدة على تنوع سلطتها المتنية-المضمون- و وحدة سلطة القائل. وهي سلطة الله تعالى كقائل ،وسلطة دينه كمضمون .من ذلك قوله سبحانه :« سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنه الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ »- سورة فصلت:53-« إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ }-سورة البقرة:282-،و«وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ »-سورة البقرة:43-،و«وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا »-سورة النساء:58-،و«إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »-سورة النحل:90- فسلطة القائل واحدة ،وسلطة المضمون متنوعة حسب تنوع كلام القائل.

والشاهد الثالث مفاده هو أن الرجل قال:« إنها السلطة التي يضفيها الفكر الديني على النصوص وليس من الضروري أن تكون نابعة منها » .واضح من كلامه أنه توجد سلطتان:سلطة النصوص الذاتية،وسلطة الفكر الشارح الذاتية.وقد يحدث تطابق بين السلطتين وقد لا يحدث ،وهذا نقض لزعمه بأن النصوص الشرعية لا سلطة لها إلا المعرفية .

وأما الشاهد الرابع فمفاده أن الرجل عندما كان يرد على منتقديه –في اعتماده على بعض الآيات –رد عليه بقوله: « إنه لو كان يحسن قراءة كلام الله تعالى ،لأدرك السياق ومناط المديح في النصوص القرآنية كلها » .ومعنى كلامه هذا هو أن لنصوص القرآن سلطة ذاتية هي الحَكَم عند الاختلاف، وهي واضحة عند من يحسن قراءتها، لذا جعلها حامد أبو زيد هي الحكم والفصل بينه وبين الذين انتقدوه. وهذا نقض لزعمه السابق بأن الوحي لا سلطة ذاتية له .

والشاهد الخامس يتمثل في أن كتب نصر حامد أبي زيد مملوءة بالاحتجاج بالنصوص الشرعية استخدمها مع منتقديه في تفسير النصوص وتوجيهها حسب ما يتفق مع مذهبيته . فواضح من ذلك أن النصوص الشرعية التي احتج بها لها سلطة ذاتية متنوعة ،وإلا ما احتج بها ،ولا صح ذلك عنده عندما رد بها على مخالفيه.

والشاهد السادس مفاده هو أن الرجل نصّ على أن الإسلام جعل العلاقة بين السماء والأرض–أي بين الله و الإنسان - تتم عن طريق التوجيهات والإرشادات المُضمنة في القرآن الكريم، وسنة الوحي الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .وهذا اعتراف صريح منه ونقض لزعمه السابق بأن النصوص الشرعية لا سلطة ذاتية لها إلا المعرفية . وهو هنا قد جعل لها سلطة التوجيه والإرشاد وهي ليست من السلطة المعرفية بل هي سلطة عملية واسعة ومتنوعة تتمثل في سلطة التغيير و تشمل كل مجالات الحياة .

والشاهد الأخير-السابع- يتمثل في أن الرجل قال عن نفسه أنه:يدعو إلى الدراسة "العلمية" التي تُحدد مجال «فعالية النصوص تحديدا دقيقا بعيدا عن الاستشهاد العشوائي بها خارج السياق المحدد لها» . وقوله هذا اعتراف منه بأن النصوص الشرعية لها فاعليتها على الواقع ، بمعني أن لها قوتها وسلطتها ومجال نشاطها في الواقع وهذا نقض لزعمه السابق.

علما بأن تحديد مجال فاعلية النصوص الشرعية لا يحدده العقل، وإنما الله تعالى هو الذي يحدد مجال فاعليه الشرع .وما على الإنسان إلا الاستجابة: فهماً وتطبيقاً ، واكتشافاً لأسراره وحِكَمه .ولا يحق له أن يقلصه ،ولا أن يجمده، ولا أن يعطله . فكل عمل من هذا القبيل هو تحريف للشرع واعتداء عليه وتصرف مرفوض شرعا وعقلا .

وأما الموقف الثاني فمفاده أن نصر حامد أبا زيد زعم أن سلطة العقل هي الأصل التي يتأسس عليها الوحي ذاته .ومع أنها قابلة للخطأ فإنها قادرة على تصويب أخطائها وهي ضد «الأحكام النهائية والقطعية واليقينية الحاسمة...» .

وأقول :إن كلامه هذا هو نفس كلام حسن حنفي الذي سبق أن أبطلناه فيما تقدم من كتابنا هذا .لكننا نضيف هنا ما يأتي :إنه ليس صحيحا أن سلطة الوحي تتأسس على سلطة العقل، بمعنى : أسبقية سلطة العقل على سلطة الوحي وتبعية الوحي له. فهذا لا يصح لأن العقل والإنسان ككل من مخلوقات الله تعالى والوحي من كلامه سبحانه، ولا شك أن كلام الله أولى وأسبق من أفعال مخلوقاته كالنشاط العقلي عند الإنسان . وعليه فإن الوحي يمثل سلطة وقوة وفاعلية وله الأولوية و الولاية على العقل.وهي سلطة نصّ عليها الشرع الصحيح ، و يقول بها العقل الصريح الذي لا يقول أبدا عن نفسه بأنه أسبق من كلام الله، ولا أنه الأساس الذي يقوم عليه الوحي . و إنما يقرر أن العقل هو وسيلة لمعرفة الوحي وفهمه ، واكتشاف أسراره وحِكَمه . ولا يقول بأنه هو الذي جاء بالوحي ولا أنه بإمكانه الإتيان بمثله ، ولا أنه من حقه التقدم عليه و مزاحمته و مساواته . فالوحي مكتفٍ بذاته: تأسيسا وقوة ، سلطة وفاعلية . فهذه هي مكانته وخصائصه ، حتى وإن لم يتعرف عليه العقل أو أنكرها . فإن هذا لن يغير من حقيقة الوحي شيئا .

وأما قول الرجل بأن سلطة العقل ضد الأحكام النهائية والقطعية اليقينية الحاسمة. فهذا كلام لا يصح على إطلاقه ، وكلامه هذا هو نفسه شاهد على نقض حكمه هذا الذي أصدره . لأنه طرح كلامه هذا على أنه حُكم مطلق حاسم نفى به عن العقل تلك الأحكام ، فوقع فيما أراد نفيه . و الحقيقة هي أن العقل في مقدوره أن يصدر أحكاما قطعية في المواقف والقضايا الواضحة التي قام الدليل على صحتها وصدقها ،أو التي هي استنتاجات صحيحة من مقومات بديهية يقينية ، وهذا كثير جدا في حياة الإنسان. وفي كل العلوم توجد يقينيات وقطعيات مقابل ظنيات واحتمالات .وحياة الإنسان تقوم أساسا على اليقينيات العقلية والعملية المتعلقة بحياته العادية .وكل أصحاب العقائد الدينية والمذاهب الفكرية يقولون بأنهم أقاموا عقائدهم وتصوراتهم على حقائق ويقينيات ، بغض النظر عن مدى صدق ذلك من كذبه. المهم أنهم يعتقدون بذلك ،وهذا خلاف ما أراد أن يوهمنا به الرجل في زعمه بأن العقل ضد الأحكام القطعية واليقينية فالواقع يخالف ذلك الزعم .

وأشير هنا إلى أن حسن حنفي كان قد زعم أن العقل موطن اليقين والبداهة ،وأن حججه صادقة ، وأنه قادر على الوصول إلى اليقين وأحكامه قطعية .وهذا خلاف ما قاله حامد أبو زيد عندما نفى عن العقل قوله بالأحكام النهائية والقطعية واليقينية الحاسمة . فالرجلان مختلفان في موقفهما من أحكام العقل وقدرته من جهة. و متفقان على أن كلا مهما اصدر حُكما قطعيا من جهة أخرى .الأول –أن حسن حنفي-عظّم العقل واعتقد فيه العصمة لكي يصل إلى الزعم بأن العقل مكتفٍ بنفسه، وأحكامه يقينية ، ومن ثم فهو أسبق من الشرع الظني،وليس في حاجة إليه. و الثاني – حامد أبو زيد- استهجن و رفض الأحكام القطعية و اليقينية ليصل إلى الطعن في أحكام الشرع القطعية الثابتة اليقينية . فهو لا يريد أن يكون ذلك في الشرع لكي يتمكن من التلاعب بالشرع ويتجاوزه ، و لهذا نفى عنه السلطة الذاتية ، و أوّل الشرع تأويلا تحريفيا .

و الحقيقة هي أنه ليس عيبا أن يصدر العقل أحكاما قطعية يقينية بطريقة صحيحة و تكون في مكانها المناسب . و ليس عيبا أن يصدر العقل أحكاما ظنية احتمالية بناءا على المعطيات التي أمامه. والواجب على العقل أن يصدر النوعين من الأحكام بطريقة صحيحة ، وحسب طبيعة الأدلة المتوفرة . فيجزم في مواضع اليقين ،ويرجح في مواضع الظن والاحتمال ، ويتوقف في مواضع لا يستطيع التأكد أو التثبيت منها ، أو الترجيح فيها . وهذا هو الصواب في أحكام العقل خلاف ما زعمه حامد أبو زيد وأراد أن يوهمنا به ، محاولة منه لنفي قطعيات الشرع وثوابته ،بدعوى أن نصوص الشرع ظنيات، ولا سلطة ذاتية لها من جهة ، ويطرح علينا قطعياته المزعومة من جهة أخرى .

والموقف الثالث مفاده هو أن حامد أبا زيد زعم أن مبدأ تحكيم النصوص يؤدي إلى القضاء على استقلال العقل، بتحويله إلى تابع يقتات بالنصوص، ويلوذ ويحتمي بها .

وردا عليه أقول:

إن قوله هذا زعم باطل ، و فيه رعونة نفس و غرور ،وفيه افتراء على الشرع والعقل معا،وهو هنا ردد ما قاله حسن حنفي وأمثاله من أدعياء العقلانية في تقزيمهم للوحي ،ومبالغتهم في تعظيمهم للعقل . وقد سبق وأن بينا بطلان هذا الزعم فلا نعيده هنا. لكننا مع ذلك نقول:أولا إن العقل في أصله ليس مستقلا حتى يقال:إن مبدأ تحكيم النصوص يؤدي إلى القضاء على استقلال العقل. فهذا افتراء على الشرع والعقل والواقع ، لأن العقل قوة وغريزة في الإنسان من ضمن باقي قِوى الإنسان وغرائزه ، ومهما بالغنا في تعظيمه ووصف قدراته ، فهو في النهاية مخلوق لله تعالى ناقص محدود القدرات أحكامه نسبية ،لن يستطيع الخروج من ذلك . والذين يزعمون خلاف ذلك فنحن نتحداهم بأن يثبتوا زعمهم ، وإنتاجهم الفكري شاهد على عجزهم ، فليس عندهم في تعظيمهم للعقل إلا المبالغات ورعونات النفس، والغلو والمجازفات . وإنتاجهم الفكري شاهد ضدهم ، فهو عادي للغاية ، بل هزيل في كثير من جوانبه، وكتابنا هذا اظهر جانبا كبيرا من هزالة وضعف إنتاجهم ، وبطلان كثير مما فيه . فأين ثمار ونتاج غلوهم في تعظيمهم للعقل ؟. لذا فلا معنى ولا داعٍ لمثل تلك المبالغات والمغالطات التي يتظاهر بها أدعياء العقلانية كحسن حنفي ونصر حامد أبي زيد .

و الصواب في ذلك هو أن العقل الإنساني له الاستقلالية لكنها نسبية –أي غير مطلقة-لن يستطيع تجاوزها بحكم طبيعته لأنه مخلوق لله تعالى ، وهذا لا ينزع عنه مكانته المرموقة ، ولا يحرمه استقلاليته النسبية . و إنما علينا أن نضعه في الموضع الصحيح الذي يناسبه بلا إفراط ولا تفريط.
علما بأن ما زعمه الرجل يؤدي إلى افتقاد الوحي الصحيح لاستقلاليته المطلقة من جهة ، ويحط من قيمته ومكانته ويجعله أسيراً تابعا لأهواء وظنون البشر من جهة أخرى . بدعوى أسبقية العقل وحريته ، و هذا لا يصح ، لأنه ليس من الشرع ولا من العقل أن يكون الخالق تابعا لمخلوقه ،و الصواب هو أن يحدث العكس . لكن الرجل قزّم المطلق وآخره ، وعظّم النسبي وقدمه على المطلق ،بمعنى أنه قدم المخلوق على خالقه!!.

و ثانيا إنه لا يصح شرعا ولا عقلا أن يقال: إن تحكيم الوحي يُحوّل العقل إلى تابع له يقتات بنصوصه، ويلوذ ويحتمي به. فهذا غرور و رعونة نفسي، وتكبر على الحق وجهل بحقيقة الشرع والعقل معا. لأنه ليس عيبا ولا نقصا في أن يعبد الإنسان خالقه ، و يخضع له في فكره ومشاعره وسلوكه. بل إن هذا هو المطلوب شرعا وعقلا ،و به يحدث التطابق و التكامل بين الجانب المُسيّر من الإنسان مع الجانب المُخيّر فيه . لأن الجانب الأول خاضع فيه الإنسان لخالقه بالضرورة و ليس في مقدوره تغييره و لا الانفلات منه،و الجانب الثاني هو الذي للإنسان فيه حرية التصرف . فإذا عبد الإنسان خالقه وفق شرعه يحدث ذلك الاتفاق والتطابق ،والتكامل والانسجام في حياة الإنسان . وهنا تكمن سعادة الإنسان فيعيش سعيدا في الدنيا والآخرة، وهذه العلاقة الصحيحة بين الخالق والمخلوق هي التي يسعى أدعياء العقلانية إلى نفيها وتعطيلها وإنكارها و الافتراء- بسببها- على الشرع والعقل معا.

ولا يصح شرعا ولا عقلا وصف التزام العقل بالوحي بأنه يقتات بالنصوص ، فهذا زعم باطل لا يقوله عاقل يعي ما يقول.لأن الوحي هو كلام الله تعالى فيه الحق والنور، و الهداية و العلم . و الإيمان إذا أخذه الإنسان بإخلاص وعزم ، و ثقة وعلم ، وحكمة وقوة ، فإنه يصبح إنسانا آخر. فيزداد إيمانا و شجاعة ،علما وحكمة .....وما أسعد الإنسان الذي يفوز بذلك القرب من خالقه، وما أتعس الذي يفوته ذلك!! . لذا من يعرض عن وحي ربه فإنه ُيقبل بالضرورة على الظلام و التيه ، و يقتات على ظلاميات وأباطيل وخرافات البشر.و الذي يُقبل على وحي ربه لا يصح وصفه بأنه يقتات عليه ، فهذا جهل وضلال. لكن الذي يترك وحي ربه، ويقبل على أفكار البشر هو الذي يقتات على أهواء البشر و أوساخ عقولهم وضلالاتهم .

وليس عيبا ولا نقصا أن يحتمي العقل بالوحي ويلوذ به ، فهذا أمر مطلوب شرعا وعقلا ، فالمخلوق يحتمي بخالقه ،والضعيف يلوذ بالقوي ،والجاهل يلجأ إلى العالم ، والنسبي يلوذ بالمطلق . وإذا احتمى الإنسان بالوحي يكون احتمى بخالقه ولاذ به. وهنا تكمن حريته وسعادته، إنه سيسعد في الدنيا والآخرة ويتحرر من كل قيود وشبهات ،وأباطيل وخرافات الأهواء والعصبيات والمذاهب. فلا يخضع إلا لخالقه ،ولا يخاف إلا منه . فالاحتماء بالوحي شجاعة وعقلانية، تحرر و تحدٍ ، وخلاف ذلك هو جبن وغرور، استكبار وجهل , رعونة نفس وعبودية لغير الله تعالى .

وأما الموقف الرابع فمفاده أن الرجل قال:إنه لا يوجد تصادم بين العقل و النص،و إنما نشأ التصادم بين العقل وسلطة النصوص حين« تتحول النصوص إلى سلطة مطلقة و مرجعية شاملة بفعل الفكر الديني . ثم ذكر أن سلطة العقل هي السلطة الوحيدة التي تُفهم على أساسها النصوص الدينية ،ومن ثم يصبح التقليل من شأن العقل مؤديا إلى إلغاء النصوص » . وقال أيضا:إن أتباع النقل هم الذين أضفوا على النصوص سلطتها ، وأنه لا تصادم بين « العقل والنقل لسبب بديهي وبسيط هو أن العقل هو الأداة الوحيدة الممكنة لفهم النص وشرحه وتفسيره.و ليدلنا هؤلاء المدافعون عن النقل بتشويه العقل والتقليل من شأنه كيف يتلقى الإنسان الوحي ويتفاعل معه» . وزعم أيضا أن الخطاب الديني سعى لتكريس سلطة النصوص الدينية ولتكريس شموليتها، مع أن الواقع هو تكريس سلطة عقول أصحابه وممثليه على باقي العقول .

وقوله هذا غير صحيح في معظمه ، لأنه أولا لا يصح إصدار حكم عام بأنه لا يوجد تصادم بين العقل والنص دون تحديد و وضع شروط لصحة ذلك . لأن الواقع شاهد على وجود تناقضات كثيرة بين العقل و نصوص البشر. و بين العقل و نصوص دينية كثيرة نجدها في كتب الديانات الباطلة والمحرفة . كما أنه قد توجد تناقضات وتصادمات بين العقل الصريح و الوحي الصحيح إذا انحرف العقل عن المنهج الصحيح ،أو أخطأ في فهمه ، أُو خرج من كونه وسيلة لفهم النص إلى كونه مزاحما له ، أو مساويا له ، أو متقدما عليه . فهنا يحدث تصادم بين العقل والوحي الصحيح . أما تصادمه مع الأديان الباطلة والمحرفة فهو طبيعي وعادي بل وضروري ، وعلى العقل أن يتمرد عليها ويتقدمها ويرفضها . لكن لا يحدث للعقل تصادم مع الوحي الحق في حالتين : الأولى هي الحالة النظرية التجريدية المبدئية ، فهي على مستوى الفكر المجرد لا يمكن تصوّر حدوث تصادم أو تناقض بين الوحي الصحيح والعقل الصريح ولا بينه وبين العلم الصحيح . و الحالة الثانية هي الحالة الواقعية المتمثلة في وجود الدين الحق على الواقع ، فإذا وُجد هذا الدين فإنه لا يمكن أن يحدث بينه وبين العقل الصريح تصادم أبدا.
وليس صحيحا أن التصادم يحدث بين العقل وسلطة النصوص عندما تتحول إلى سلطة مطلقة ومرجعية شاملة بفعل الفكر الديني المفسر لها. فهذا لا يصح لأن سبب حدوث التصادم سبق أن ذكرناه أعلاه من جهة ، كما أن التصادم ليس سببه –بالضرورة- الفكر الديني، ولا القول بسلطة الوحي المطلقة ومرجعيته الشاملة من جهة أخرى . فهذا لا يؤدي بالضرورة إلى ذلك التصادم ، كما أراد أن يوهمنا به حامد أبو زيد . فذلك قد يحدث إذا اخطأ الفكر الديني في الفهم ،أو حمّل النصوص الشرعية ما لا تحتمل وقوّلها ما لم تقل. فإذا كانت –مثلا- لا تحتمل الشمولية و الحاكمية المطلقة وحملها ذلك ، هنا يكون الفكر المفسر لها قد أخطأ واحدث تصادما بينها وبين العقل . لكنها إذا كانت تنص صراحة على الشمولية والهيمنة، والحاكمية المطلقة دينا ودنيا ثم جاء الفكر الديني واظهر ذلك وشرحه ، فهنا لم يحدث تحريف للشرع ،ولا جناية على العقل و لا حدث تصادم بينها ، ولن يحدث ذلك ابدأ . لذا فإن الرجل مُغالط ومُحرف ومُدلس على القراء ، لأنه عندما أراد أن ينفي عن الشرع شموليته وكماله وهيمنته وجمعه للدين والدنيا، زعم أن الفكر الديني هو الذي أضفى على الشرع ذلك ليدافع الرجل عن فكره العلماني،و يُقزّم الشرع الإسلامي ،ويعطله عن توجيه الدين والدنيا معا .وهذا سيتضح أكثر فيما يأتي لاحقا من كتابنا هذا بحول الله تعالى .

والرجل صب جام غضبه على الفكر الديني وكأن هذا الفكر لا صواب له في فهم الشرع ،وأن دوره هو التحريف لا الفهم الصحيح له من جهة ، وطرح الرجل فهمه للدين على أنه فهم صحيح له ،و مدافع عنه. مع أن حقيقة فكره أنه خصم عنيد للدين ، ومحرف له عن سبق إصرار وترصد ، بلا دليل صحيح من الشرع ولا من العقل . علما بأن الفكر الديني إذا التزم المنهج الشرعي الصحيح في فهم الوحي سيكون صوابه كثيرا وخطؤه قليلا . و يحدث العكس إذا انحرف منهجيا في فهمه للوحي . فسبب التصادم ليس هو السلطة المطلقة للشرع ،ولا شموليته ،ولا هيمنته ،ولا فهم الفكر الديني للوحي ، وإنما سببه هو الانحراف في منهج فهم الشرع أصولا وتطبيقا . وهذا ينطبق على نصر حامد أبي زيد ، فهو بما أنه علماني متعصب نظر لدين الإسلام بنظرة مذهبية علمانية متعصبة ، فوجده يتناقض مع علمانيته ولا مكان لها في دين الإسلام . لأن الإسلام دين و دولة، ودنيا و آخرة و العلمانية دنيا بلا آخرة،و دين بلا إله ،فوجد الرجل نفسه بين: إما الكفر بالعلمانية والإيمان بالإسلام دنيا و آخرة ، وإما الإيمان بالعلمانية دينا دنيويا بلا آخرة .فاختار الطريق الثاني ،واخذ على نفسه العمل على تحريف دين الإسلام ،و تقزيمه و علمنته بكل ما يستطيع . وهذا طريق مرفوض شرعا وعقلا،وحتى علمانيا.لأن العلماني الصادق الموضوعي مع نفسه ،لا يفعل ذلك، وإنما بما أنه اختار العلمانية دينا له ، فليترك دين الإسلام أو غيره لحاله ولا يعمل على تحريفه وتطويعه وتعطيله .

وثانيا إن قوله بأن العقل هو السلطة الوحيدة التي تُفهم على أساسها النصوص الدينية ، هو قول فيه حق وباطل ،لأن الرجل هنا ذكر سلطة العقل واغفل سلطة الشرع الذاتية . وهذا أمر سبق أن ناقشناه وبينا بطلان ما زعمه الرجل حوله ، وأثبتنا أن لها سلطة ذاتية هي أصل الفهم وأساسه . ومن ثم فإن عملية الفهم لا تتم بطريقة صحيحة شرعا وعقلا وعلما ،إلا إذا تمت على أساس سلطة الشرع أولا ،ثم سلطة العقل ثانيا وعليه لا يصح أبدا الزعم بأن عملية فهم الوحي ،لا تتم إلا بسلطة العقل وعلى أساسه فقط.

علما بأن حقيقة دور العقل هي أنه وسيلة للفهم ،وطرف في العملية وليس على أساسه تفهم النصوص الشرعية –وكل النصوص أيضا- وإنما تُفهم أولا على أساس سلطتها الذاتية . بمعنى أنها تُفهم على أساس مضمونها ،وشرحها الداخلي الذاتي،لأن وحي الله تعالى كتاب مُحكم ،و مُفصل ،ومشروح من داخله.ولا يقبل أي تدخل خارجي مخالفا لمضمونه ومنهج فهمه، قصد تحريفه والتلاعب به . فهو يأبى ذلك، و يرد على كل من يحاول تحريفه وإفساده بالتأويل التحريفي الذي يمارسه الذين في قلوبهم زيغ.

وبما أن الشرع كذلك فإن العقل هو وسيلة للفهم ،وطرف في فهم النصوص الشرعية .وكثيرا ما يكون دوره -في تعامله مع الوحي- دور القارئ والناقل عندما يتعامل مع النصوص الواضحة المحكمة والمشروحة بالنصوص نفسها . و مثال ذلك قوله تعالى:« وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أنه عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ »-سورة التوبة:114-. وإذا أردنا معرفة معنى الأهل والآل في القرآن واللغة نجمع الآيات التي ورد فيها اللفظان ، فنجدها تشرح نفسها بنفسها وتُحدد لنا المعنى الصحيح للأهل والآل .

وأما إذا كان النص متشابها أو صعب الفهم، فعلى العقل أن يفهم النص الشرعي جيدا ،و يُفسره بالمنهج الشرعي في التفسير .وفي هذه الحالة فإن العقل لا ينفرد بالفهم والشرح حسب هواه. و إنما هو محكوم بمحكمات الشرع، ومعطيات النصوص، وحقائق العقل والعلم .و بذلك يتبين أن العقل وسيلة وطرف في فهم الشرع ، وليس كما زعم نصر أبو زيد بأن العقل هو الطرف الوحيد في فهمه . و قولنا هذا ليس تقليلا من شأن العقل ، ولا تقزيما له،و إنما هو اعتراف بالحقيقة الموضوعية ،و وضع العقل في مكانه الصحيح، بلا إفراط و لا تفريط .

لكن الرجل هو المُغالط و المُبالغ في موقفه من العقل، لأن نسبية العقل و محدوديته أمر ثابت شرعا وعقلا ،علما واقعا كما سبق أن بيناه . لكن الرجل لا يبالي بذلك لتحقيق غايات في نفسه خطط لها سلفا انطلاقا من علمانيته التحريفية المتعصبة . ومؤلفات الرجل -وأمثاله من أدعياء العقلانية- شاهدة على محدودية العقل ونسبيته ،وكثرة أخطائه ونقائصه، فهي مملوءة بالانحرافات المنهجية ،والأخطاء الشرعية والتاريخية والعلمية،سبق أن ذكرنا طرفا منها ،وسيأتي مزيد منها فيما يأتي من كتابنا هذا . فلو كان العقل كما يزعم هؤلاء لتميزت كتبهم بالعبقرية والإبداع و العصمة ، وهذا لا وجود له في كتبهم، وخلافه هو الموجود .

و ليس صحيحا أن تقديم الشرع على العقل هو تقليل من شأن العقل الأمر الذي يؤدي إلى إلغاء النص أيضا . فهذا الزعم باطل لأن الصواب هو أن زعمه هو الذي يؤدي إلى تعطيل الشرع وتحريفه والطعن فيه . لأن القول بأن العقل -المحدود الناقص- أسبق من كلام الله تعلى وأحكم منه هو طعن في الشرع والعقل معا . و هو الذي أوقع الرجل في الغلو في موقفه من العقل من جهة .وتعطيل الشرع من جهة أخرى. فخالف بذلك العقل والشرع ،وطعن فيهما معا.

و ثالثا إن الرجل اشتد في نقد الفكر الديني في تفسيره للنصوص الشرعية، وحمّله مسؤولية حدوث تصادم بين العقل والوحي . وعمله هذا هو محاولة منه لتحريف الشرع من جهة ، وتحميل الفكر الديني مسؤولية حدوث ذلك التصادم من جهة أخرى .و هذا باطل مردود عليه ، لأن سلطة الوحي ذاتية وليست من إضفاء الفكر الديني. فنفى عن الشرع شموليته و حاكميته وهيمنته بدعوى أن الفكر الديني هو الذي أضفى ذلك عليه . و هذا افتراء على الشرع والفكر الديني معا.لأن الشرع شاهد بذاته وعلى نفسه بأنه يمتلك سلطته الذاتية التي من خصائصها الشمولية والحاكمية والهيمنة. و للفكر الديني أيضا سلطته في الفهم والتفسير، فإذا ما التزم بالمنهج الشرعي الصحيح في الفهم والتفسير يكون فهمه صحيحا موافقا للشرع والعقل معا ، و إذا اخطأ في ذلك يكون هو المخطئ ويبقى الشرع محتفظا بسلطته وشموليته و حاكميته .

والغريب في الأمر أن حامد أبا زيد اتهم الفكر الديني بتحريفه للشرع وتحميله ما لا يحتمل ، لكنه نسي أو تناسى نفسه أنه هو شخصيا يمارس نفس العمل بطريقة مخالفة للشرع والعقل معا. وذلك أنه تعمد التحريف عندما نفى عن الشرع سلطته من جهة ، ونسب إلى المفسرين سلطة سماها سلطة النصوص حرفوا بها الشرع حسب زعمه من جهة ثابتة، وطرح لنا فهمه للشرع كسلطة جديدة هي سلطة فكر نصر حامد أبي زيد في فهمه للشرع من جهة ثالثة. فعمله هذا هو اخطر مما نسبه إلى الفكر الديني لأنه –أي حامد أبي زيد – يتعمد التحريف والافتراء على الشرع والعقل والاعتداء عليهما معا. فهو يعمل على تكريس سلطة فكره العلماني عن طريق الطعن في الشرع والفكر الديني معا بطريقة غير علمية مخالفة للشرع والعقل معا .

والموقف الخامس مفاده أن نصر حامد أبا زيد زعم أن العلاقة بين المفسر والنص هي علاقة تفاعل جدلية لكن هذا لا يدعو إلى إلغاء الوجود التاريخي للنص ولا إلى إلغاء ذاتية المفسر. وهذه العلاقة تثير معضلات على المستويين الوجودي والمعرفي .وزعم أيضا أن المفسرين جعلوا النصوص ناطقة خارج زمانها ومكانها ، و ظروفها وملابستها . و زعم أيضا أن عقل الرجال ومستوى معرفتهم وفهمهم هو الذي يحدد الدلالة ويصوغ المعنى .

و ردا عليه أقول:إن قوله هذا غير صحيح في معظمه، لأنه أولا ليس صحيحا أن العلاقة بين التفسير والنص هي علاقة تفاعل جدلي ،بمعنى أنها ليست علاقة تأثير متبادل بينهما. لكن الرجل أراد أن يوهمنا بأن العلاقة بينهما هي علاقة تأثير متبادل، ونسي أو تناسى أن هذا النوع من العلاقة لا يمكن أن يحدث إلا بين كلامين مباشرين، بمعنى أنه لا يحدث إلا بين شخصين متناظرين متجادلين. وهذا لا يمكن أن يوجد بين المفسر، والنص المكتوب.وفي هذه الحالة- أي حاله المفسر والنص المدون- توجد علاقة تأثير غير متبادل ،بمعنى أن النص يُؤثر في المفسر، فيتأثر به، لكنه لا يستطيع التأثير في النص كما تأثر هو به. فالتفاعل هنا هو تفاعل من جهة واحدة ،وليس من جهتين. فالنص يُؤثر ولا يتأثر ،والمفسر يتأثر بالنص ولا يؤثر فيه .

وكلامنا هذا هو من البديهيات المعروفة من الواقع الملموس بالضرورة. لكن الرجل خالف ذلك بلا دليل لغايات مذهبية في نفسه يريد الوصول إليها و الانتصار لها، ولو بإنكار بديهيات الشرع والواقع . وهذا أمر كشفنا جانبا منه هنا ،وسينكشف المزيد منه لاحقا إن شاء الله تعالى .
و مما يبطل زعمه أيضا أننا درسنا نصوص نصر حامد أبي زيد ، فلم تتغير و لا أثرنا فيها ،و لم تتفاعل معنا ،ولا كان في مقدورنا فعل ذلك فيها ، فهذا لم يحدث ولن يحدث .و حتى الرجل نفسه لا يقبل أن يحدث ذلك لكلامه، و لو حدث ذلك فرضا ،لاتهم من فعله بتحريف كلامه والاعتداء عليه. لكنه زعم أن ذلك يحدث لنصوص الشرع عندما يتعامل معها المفسرون!!.

و أشير هنا إلى أن النص إذا كان مُحكما ،فإنه لا يحتمل إلا معنى واحدا ،و لن يستطيع العقل التلاعب به. وإذا ما أصر على ذلك ،فإنه سيحرّفه ،ويقع في تناقض مع النص نفسه، ومع النصوص الشرعية المُحكمة الأخرى ، ومع روح الشرع ومقاصده أيضا. فيكون تفسيره باطلا مرفوضا شرعا ،وعقلا،و واقعا. لأنه قام بعملية تحريف للنص ولم يقم بتفسيره بطريقة صحيحة. فانكشف عمله التحريفي .

وأما إذا كان النص الشرعي متشابها يحتمل عدة أوجه ، فإنه –مع ذلك- يبقى محافظا على ذاتيتة العامة، و معناه الإجمالي غير المتناقض .لأنه- في هذه الحالة- يكون يحتمل تفسيرات متنوعة ضمن اختلاف التنوع لا التناقض. لكنها إذا تناقضت فهذا يعني أنه يوجد خلل وانحراف في التفسير أدى إلى تناقض النص مع نفسه ، بمعنى أنه تعرض لتفسير غير صحيح. لأن النص المتشابهه يحتمل اختلاف التنوع ،ولا يحتمل اختلاف التناقض. لأن الوحي كتاب إلهي مُحكم مُفصل لا يأتيه الباطل أبدا.

و من حق المفسر أن يقرأ النص المتشابهه من معناه الظاهر والخفي إن كان يقبل ذلك. فيقرأ ما فوق السطور،وما تحتها ،وما بينها ، بطريقة علمية صحيحة على أساس من الشرع ،والعقل معا . ولا يحق له أن يُحمّل النص ما لا يحتمل ،و يقوّله ما لم يقل . وإذا ما حمّله ذلك فإنه سيقع في تناقض بين تفسيراته المحتملة من جهة ، و بينها وبين النصوص الشرعية المُحكمة التي لا تقبل التناقض من جهة أخرى . و إن هو أصر على تفسيراته التحريفية ،فإن عمله سيكون باطلا ،و لا قيمة له شرعا ولا عقلا. ولن يستطيع الخروج من التناقض الذي وقع فيه.، ويبقى عمله مرفوضا من جهة ، ولن يستطيع التأثير في النصوص وتغيير معانيها من جهة أخرى . فلا هو خرج من التناقض ولا هو قدم تفسيرا صحيحا موافقا للشرع والعقل معا.

و ثانيا إن قوله بأن العلاقة الجدلية بين النص والمفسر ،لا تدعو إلى إلغاء الوجود التاريخي للنص ،هو قول فيه تغليط، وتدليس، وتعطيل للشرع . لأن الرجل نفى عن الشرع سلطته الذاتية ،و من ثم ألغى مضمونه الداخلي وتأثيره في الواقع ، فأصبح نصا معطلا، له وجود تاريخي وليس له تأثير واقعي عملي حقيقي يفرضه من ذاته على الواقع. وهذا زعم باطلا لأن النصوص الشرعية كما أنها تحمل جانبها التاريخي فإنها أيضا تحمل جانبها العملي المستمر بالضرورة ، فقوله تعالى :« إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا »-سورة النساء:103- يثبت الجانبين التاريخي و التطبيق العملي المستمر .
علما بأن قول الرجل بالعلاقة الجدلية بين المفسر والنص أوقعه في تناقضين : الأول هو أن القول بالعلاقة الجدلية يستلزم أن يكون النص له سلطة ذاتية ، كان الرجل قد نفاها عنه .لأن النص إذا كانت له علاقة جدلية فهو بالضرورة له سلطة ذاتية . والثاني هو أن القول بالعلاقة الجدلية يستلزم أن النص له تأثير فكري وعملي في المفسر ،و الرجل قد نفى ذلك عنه ،عندما زعم أن قول الرجال وقدراتهم هي التي تحدد الدلالات وتصوغ المعاني. فأغفل سلطة النص ،وتأثيره في تحديد المعنى . فالرجل متناقض ولا مخرج له منه إلا بالفهم الصحيح للوحي وفق المنهج الشرعي الذي اقره الشرع بنفسه .
و ثالثا ليس صحيحا ما زعمه الرجل بأن المفسرين هم الذي جعلوا النصوص الشرعية ناطقة خارج زمانها ومكانها وظروفها التي ظهرت فيها. فهو يريد أن يقول:إن القول بصلاحية دين الإسلام لكل زمان ومكان ،هو مما أضفاه المفسرون على دين الإسلام ،وليس هو منه. وهذا افتراء على الشرع والمفسرين معا. لأن القول بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان هو أمر معروف من دين الإسلام بالضرورة . بدليل الشواهد الآتية :أولها إن ختم النبوة بمحمد- عليه الصلاة والسلام- وإرساله إلى الإنس والجن كافة يستلزم أن يكون الإسلام صالحا لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

والثاني هو أن قوله تعالى :« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا »سورة المائدة:3-. يعني أن الدين كامل تام ارتضاه الله لنا دينا ، و هذا يعني أنه لا دين بعده ،وأنه دين صالح لكل زمان ومكان.

والشاهد الثالث مفاده هو أن الله تعالى نصّ صراحة على أن الدين عنده هو الإسلام ولا يقبل دينا غيره ، لقوله سبحانه :« إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ »-سورة آل عمران:19-، و« وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ »-سورة آل عمران:85- . وهذا يستلزم أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ،وإلا ما جعله الله حجة على البشر ،وما اتخذه دينا له ،وما أمر الناس بعبادته على أساس دين الإسلام .

وهو قد بنى زعمه هذا على قوله الباطل في إنكار بأن يكون للوحي سلطته الذاتية ،وتحميل الفكر الديني بأنه هو الذي أضفى على الشرع سلطته وشموليته وحاكميته . وهذا الزعم سبق أن ناقشناه فيه وأبطلناه .و هو هدم للوحي أقامه صاحبه على إنكار ضروريات الشرع ،بلا دليل صحيح ولا ضعيف ،وإنما أقامه على مذهبيته العلمانية المتعصبة والمحرفة للنصوص ليصل إلى الزعم بأن الشرع هو وليد زمانه الذي ظهر فيه ، وهو اليوم قد تجاوزه الزمن ولا يصلح لنا ولا لزماننا .وزعمه هذا مخالف للشرع والعقل معا ، قد سبق أن بينا ذلك مرارا.

و أما قوله بأن العلاقة بين المفسر والنص تثير معضلات على المستويين الوجودي والمعرفي. فهو اعتراف خطير وهام جدا ،اعترف فيه الرجل بما يثيره منهجه التحريفي من معضلات وإشكالات في تفسيره للوحي. فلو كان منهجا صحيحا سليما موافقا للشرع والعقل ما أثار ذلك . و السبب الأساسي في ذلك ، هو نفي الرجل لسلطة الوحي الذاتية من جهة ، وتقديم العقل على الشرع من جهة أخرى . فالعيب ليس في الشرع الصحيح ولا في العقل الصريح ،وإنما العيب في العقل التحريفي المتعصب ، وفي المنهج التفسيري المعوج .

و فيما يخص زعمه الأخير بأن العقول بفهمها ومستواها المعرفي هي التي تحدد دلالة النصوص و تصوغ معانيها ، فهو زعم باطل يعبر عن مزاعمه السابقة ، ويحمل نفس الانحراف في المنهج والتطبيق. لأن عملية فهم الوحي وتفسيره لا يمكن أن تتم إلا بسلطتين هما: سلطة الوحي التي تحدد المعنى الداخلي للنص ، وسلطة العقل التي تحاول فهم النص وشرحه واكتشاف أسراره وحِكَمه من خلال سلطة النص الذاتية أولا ، ثم قدرات ومعارف سلطة العقل ثانيا. و لن تستطيع سلطة العقل التأثير في سلطة الوحي والتدخل فيها أبدا حتى وإن حاولت ذلك بالتلاعب والتحريف لأن تفسيرها لن يكون صحيحا ،ولا منسجما مع الوحي الحق ، ولا مع العقل الصريح ، ولا مع العلم الصحيح .لأن للوحي سلطة ذاتية هي الأصل التي تفشل أمامها كل محاولات التأويل التحريفي التي يمارسها الذين في قلوبهم زيغ من أدعياء العقلانية وأمثالهم .

وأما محاولات العقل في فهم النصوص ، فهو قد يفهم النص فهما صحيحا وقد يخطئ في فهمه له .وهذا لا يُغير من الأصل شيئا .لأن المعيار في معرفة الصواب من الخطأ هو الوحي أولا وليس العقل .لأنه –أي العقل- ليس هو الذي يحدد الدلالة الصحيحة للنص ،وإنما هو يسعى لفهمها فهما صحيحا، وذلك بعرضها على النص نفسه أولا، ثم على النصوص الشرعية الأخرى ثانيا ،ثم على المعطيات الصحيحة الأخرى المأخوذة من العقل والعلم ثالثا. وفي كل الحالات يبقى الوحي الصحيح هو المرجع الأول ،ولا يكون تابعا للعقل ،ولا لأي مرجع آخر.و بذلك تبقى فُهوم البشر فُهوماً نسبية لا يمكنها أن تكون حَكَما على الوحي الصحيح .لكن يمكنها أن تكون فاهمة وشارحة وموافقة وخادمة له، إذا التزمت بالمنهج العلمي الصحيح في فهمه وتفسيره . والفهوم قد تتعدد حول النص الواحد ، لكن التأكد من صحتها وصوابها لا يتم بالرجوع إليها ،وإنما يتم بإرجاعها إلى الوحي أولا ،ثم إلى حقائق العقل والواقع والعلم ثانيا.

وأما الموقف الأخير – السادس – فيتعلق بمقصود الرجل من نفيه سلطة الشرع ، وإصراره على القول بسلطة العقل وأسبقيته على الشرع من جهة ،ودعوته إلى التحرر من سلطة الشرع من جهة أخرى . و هو قد أفصح عن ذلك صراحة عندما ذكر أن مقصوده من دعوته إلى التحرر من سلطة النصوص هو التحرر من مفاهيم الهيمنة والشمول التي يضفيها بعضهم عليها. و هم يطرحون تأويلاتهم هم ، و تفسيراتهم وحدها .

و ذكر أيضا أن دعوته إلى التحرر من سلطة النصوص لا تعني التحرر من نصوص القرآن والسنة ،وإنما المقصود من ذلك هو التحرر من النصوص الشارحة لنصوص الشرع . و زعم أيضا أن ما يدعو إليه من نفي لسلطة الشرع و شموليته ليس "اعتداء على العقيدة ،أو استبعادا للدين" .

و زعم أيضا أن دعوته ليست تعطيلا للنصوص ،وإنما هي ممارسة للاجتهاد. ثم قارنها ببعض اجتهادات الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، فذكر أن الخليفة عمر بن الخطاب لم ينصاع لبعض أوامر القرآن والسنة النبوية في إعطاء المؤلفة قلوبهم نصيبهم من الزكاة المذكور في القرآن بنص «لا يحتمل التأويل» . والمثال الثاني على ذلك هو أن عمر بن الخطاب لم يُقِم حد السرقة -عام الرمادة -المنصوص عليه في القرآن بنص لا يحتمل التأويل أيضا . ثم تساءل الرجل: هل كان عمر ينكر النصوص ؟ ولماذا لم ينكر عليه الصحابة ذلك الفعل ؟ فيكفرونه بدعوى تعطيل النصوص . ثم أشار إلى أن خصومه –الذين اتهموه بتعطيل الشرع- ليس أمامهم –في أغلب الظن-إلا التسليم بحق الاجتهاد مع تغيرات الزمان والمكان ، وما يترتب على ذلك من أن «سلطة النصوص مضفاة وليست سلطة ذاتية» . وهل عندما لم يحكم عمر بمنطوق الشرع في قطع يد السارق كان يخالف الإسلام، ويطالب بالتحرر من النصوص ؟ إنه قطعا ليس كذلك لأنه كان يدرك سياق النصوص ولم يكن يتعامل مع أحكامها على أنها تمثل سلطة مطلقة .

وردا عليه أقول:

إن قوله هذا غير صحيح في معظمه ، وفيه تغليط وتدليس، وتحريف للشرع وتلاعب به . لأنه أولا إن الرجل لم يكن موضوعيا ودقيقا ولا واضحا ولا صريحا في استخدامه لمصطلح : سلطة النص التي نفاها ودعا إلى التحرر منها أيضا. فظاهر كلامه هو الدعوة إلى التخلص من نصوص الشرع .وهذا أمر واضح ومفهوم من كلامه دون لُبس ولا غموض. ثم أنه عندما أُنكر ذلك عليه و نُسب إلى أنه يدعوا إلى تعطيل الشرع تظاهر بأنه يدعو إلى التحرر من سلطة شُراح و مُفسري النصوص لكن الرجل- بعد ذلك- استمر في استخدام نفس المصطلح وهو: التحرر من سلطة النصوص . وتعبيره هذا واضح مُحكم ليس متشابها ،و عليه فلا يقال: إنه يحتمل معنيين أو أكثر. فهو واضح وشاهد على أن الرجل يقصد بذلك نصوص الشرع . لذا فإن ما قاله الرجل في شرح مقصوده يبقى ناقصا ، لأنه لا يرفع المعنى الظاهر والمفهوم من عبارة : التحرر من سلطة النصوص. لذا فيحق لنا أن نتهمه بأنه يتعمد التظليل والتلاعب والتدليس .لأنه لو كان فعلا يقصد من كلامه الشرح الذي ذكره ، لكان عليه أن يفرق بين نصوص الشرع ونصوص البشر.كأن يقول: سلطة النصوص الشرعية ، أو سلطة نصوص الوحي ، مقابل : سلطة نصوص البشر ، أو سلطة شروح المفسرين . لكنه لم يفعل ذلك ، وظل يستخدم ذلك التعبير الذي ينفي فيه سلطة الشرع من جهة، ويطعن في الشرع نفسه من جهة أخرى .

فلماذا هذا الإصرار على ذلك ، مع أنه تعبير يضر صاحبه ،و يفضحه وحجة عليه ؟!. واضح من ذلك أن الرجل كان يعبر عن موقفه بصراحة من الشرع ، فإذا انتقده خصومه في ذلك زعم وتظاهر أنه يقصد بذلك نصوص الشراح والمفسرين ولا يقصد الشرع نفسه. مع أن الواجب عليه شرعا وعقلا وعلما أن يكون دقيقا في ألفاظه وتبريراته . وعليه فإن إصرار الرجل على استخدام ذلك التعبير دليل دامغ على أنه يسعى فعلا إلى تعطيل الشرع وتحجيمه ،لتحل العلمانية محله كبديل لدين الإسلام . فالرجل داعية علماني متطرف متعصب محرف، قال بتلك المزاعم بعدما تبين له أنه لا مكان لعلمانيته إلا بنفي سلطة الشرع وشموليته بالتحريف والافتراء والتغليط والعناد .

وهو نفسه أعلن صراحة أن هدفه مما يدعوا إليه هو التخلص من فكرة هيمنة الدين وشموليته لكل جوانب الحياة .و لكي يصل إلى ذلك نفى سلطة الشرع الذاتية وجعله هلاميا لا أصالة له ، ولا ثوابت، ولا محكمات . و إنما هو عجينة تشكله العقول حسب أهوائها ومصالحها، وزمانها ومكانها، وهذه المزاعم سبق أن ناقشناها وبينا بطلانها . وهي شاهدة على أن الرجل مزدوج الخطاب: خطابه الأول هو الخطاب العلماني التحريفي للشرع الذي عبر عنه بصراحة في نفيه لسلطة الشرع . و خطابه الثاني هو أن الرجل عندما يحاصره منتقدوه وتنكشف نواياه وخططه لتعطيل الشرع ، يتظاهر بأنه لا يقصد ذلك، وإنما يقصد الفكر الديني المحرف للشرع حسب زعمه .

و ثانيا إنه يُلاحظ على الرجل أنه اتخذ أربع خطوات للوصول إلى ما خطط له سلفا: الأولى نفى فيها سلطة الشرع الذاتية الآمرة والناهية من دون أي دليل صحيح ولا ضعيف من الشرع ولا من العقل . والثانية زعم فيها أن العقل هو الأصل الذي يتأسس عليه الشرع ويُفهم أيضا . و الخطوة الثالثة اتهم فيها الفكر الإسلامي الشارح للنصوص بأنه حمّل الشرع ما لا يحتمل، وقوّله ما لم يقل ، و إنما هو الذي أضفى على الدين سلطته وشموليته ،وهيمنته وصلاحيته لكل زمان ومكان. والخطوة الأخيرة – الرابعة – هي نتيجة ضرورية للخطوات السابقة ومفادها أنه بما أن الشرع لا سلطة ذاتية له ، وأن العقل هو أساس الشرع وأسبق منه ، وأن المفسرين هم الذين يضفون على الشرع ما يريدونه منه وما ليس منه . فإنه –بناء على ذلك- فمن حق حامد أبي زيد أن يفسره وفق فكره ومذهبيته ليتفق مع قناعاته ،وأهدافه ومصالحه !!. فنفى عنه سلطته وشموليته، وصلاحيته لكل زمان ومكان. وبذلك عطله وقزّمه ، وحصره في زاوية ضيقة لتحل محله علمانيته التي يؤمن بها وينتصر لها ويبشر بها.

ونحن هنا قد كشفنا خطة الرجل التحريفية للشرع ، وقد سبق أن أبطلنا مزاعمه التي اعتمد عليها ؛ ليتبين للقارئ أن الرجل كان يعمل على هدم دين الإسلام وتعطيله. وأنه لم يكن صادقا عندما زعم بأنه لا يعمل على تعطيل الشرع . علما بأنه –لتحقيق خطته- افترى على الشرع والعقل والفكر الديني وممثليه ،ولم يجد في ذلك حرجا ، ما دام يُحقق له ما خطط له سلفا . فالغاية تبرر الوسيلة !.

و ثالثا إن الرجل لا يبالي بأخطائه وتناقضاته من أجل تحقيق أهدافه. فمن ذلك أنه نفى أن تكون للشرع سلطة ذاتية فاعلة في الواقع مع أن زعمه هذا مخالف للشرع جملة وتفصيلا من جهة، ومخالف لما هو معروف من دين الإسلام بالضرورة من جهة أخرى . و منها أيضا أنه اتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمخالفة النص الصريح الذي لا يحتمل التأويل عندما منع المؤلفة قلوبهم من أخذ نصيبهم من الزكاة ،وعندما أوقف قطع يد السارق في مجاعة عام الرمادة . فهذا تناقض مع زعمه السابق في نفيه لسلطة الشرع ونسف له من جهة ،واعتراف منه بأن النص الشرعي له سلطة ذاتية متنوعة وفاعلة تتعلق بالواقع من جهة ثانية . و للنصوص الشرعية أحكام مُحكمة لا تقبل التأويل ولا تحتمله من جهة ثالثة . وأنها ليست تابعة لفُهوم البشر حسب أهوائهم ومصالحهم ،وإنما هي نابعة من سلطتها الذاتية وافقت إرادة البشر أم خالفتها. فالرجل –باعترافه هذا- يكون قد هدم كل ما بناه و دافع عنه ، لكنه- مع ذلك- لا يبالي بما وقع فيه ، لأن له غايات مسبقة يعمل على تحقيقها حتى وإن خالف الشرع والعقل والعلم ، وتناقض مع نفسه .؛ لأن هواه ليس في ذلك، وإنما هو في الغايات التي يعمل على تحقيقها !!.

وأما ما قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو ليس كما وجهه حامد أبو زيد وأراد أن يوهمنا به . و إنما هو اجتهاد منه في تعامله مع الشرع ،وليس تعطيلا لشرع ومخالفة له، ولا أنه أبى الانصياع له . فهو اجتهد في تطبيق الشرع حسب الظروف المستجدة في زمانه ، معتمدا على روح الشريعة ومقاصدها ، و مصالح المسلمين بجلب المصالح ودرء المفاسد . كل هذا تم على أساس سلطة الشرع المهيمنة الشاملة للدين والدنيا معا. ولم يكن عمر ينظر إلى الشرع على أنه لا سلطة له كما هو حال حامد أبي زيد . لذا فلا مجال للمقارنة بين عمل الرجلين، لكن حامد أبا زيد مغالط ومدلس ومحرف للنصوص . لأن الخليفة عمر بن الخطاب مارس الاجتهاد انطلاقا من الشرع ومن أجله، وذلك أنه عندما أبى أن يعطي بعض الذين ألف النبي –عليه الصلاة والسلام – قلوبهم بالعطاء قال لهم هذا شيء كان النبي –عليه الصلاة والسلام –يعطيكموه تأليفا لكم على الإسلام ، واغني عنكم ، فإن ثبتم على الإسلام ، وإلا فبيننا وبينكم السيف) . فهو هنا لم ينكر سهم المؤلفة قلوبهم ، ولا عطله كلية وإنما منع جماعة من العطاء كانت تأخذه زمن رسول الله –عليه الصلاة والسلام – وعلل موقفه هذا بما قاله لهم .فهو مجتهد في الالتزام بالشرع انطلاقا منه ومن أجله خدمة لمصالح الشرع والمسلمين معا. ولم ينكر عليه الصحابة و لا عارضوه ،ولا عابوا تصرفه ،ولا اتهموه بأنه خالف الشرع ،ولا أنه يعمل على تعطيله ، ولا أنه أنكر سلطة الشرع الذاتية .

وأما عدم تطبيق عمر لحد السرقة في مجاعة عام الرمادة، فهو أمر عادي وطبيعي موافق للشرع والعقل معا . وليس ذلك تعطيلا للشرع ،ولا هدرا ،ولا نفيا له .وإنما هو اجتهاد منه انطلاقا من الشرع ومن أجله، بل هو تطبيق للشرع من جهة أخرى . لأن الشرع الذي أمر بقطع يد السارق بشروط ، هو نفسه أمرنا بدرء الحدود بالشبهات ونص على أن الضرورات تبيح المحظورات ،وان المُكرَه والمُضطر رُفع عنهما القلم . فالخليفة عمر أوقف حكما شرعيا بنصوص شرعية ، وطبق مكانه أمرا شرعيا بنصوص شرعية أخرى أيضا. وهذا خلاف ما فعله حامد أبو زيد الذي نفى سلطة الشرع الذاتية بلا دليل من الشرع ،ولا من العقل من أجل تعطيل الشرع وهدمه، وإحلال العلمانية محله.

و بذلك يتبين أن مقارنة حامد أبي زيد لعمله بعمل عمر ابن الخطاب هو عمل في غير محله،وهو من التحريف والتدليس والتغليط . لأنه لا مجال للمقارنة بين عمل الرجلين من ثلاثة أوجه أساسية: أولها هو أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – لم ينكر نصا ولا حكما، وإنما أوقف تطبيق بعض الأحكام الشرعية بالاعتماد على الشرع نفسه . بمعنى أنه أوقف نصا وطبق غيره . لكن حامد أبا زيد أنكر أمورا معروفة من الإسلام بالضرورة كنفيه لسلطة الشرع وشموليته بلا دليل . والوجه الثاني هو أن اجتهاد ابن الخطاب كان من أخل تطبيق الشرع لا من اجل تعطيله . لكن أبا زيد "اجتهد" لإنكار ضروريات الشرع وتقزيمه وتعطيله ، لتحل العلمانية محله . والوجه الأخير- الثالث- مفاده هو أن عمر بن الخطاب اجتهد انطلاقا من الشرع نفسه ، لكن أبا زيد "اجتهد" انطلاقا من مذهبيته العلمانية المتعصبة للباطل والمحرفة للشرع .

وبذلك يتضح جليا أن ما قاله نصر حامد أبو زيد حول سلطة النص والعقل غير صحيح في معظمه . وأنه تعمد الافتراء على الشرع عندما نفى عنه سلطته الذاتية المفروضة شرعا ،والمعروفة بالضرورة من دين الإسلام . فعل ذك طعنا في الدين، وتحريفا له ، وانتصارا لعلمانيته المحرفة للشرع .

وختاما لهذا الفصل – الأول – يتبين أن ما أثاره بعض أدعياء العقلانية من مغالطات وشبهات ، وما طرحوه من تحريفات وتدليسات تتعلق بالوحي والعقل، والعلاقة بينهما وسلطة كل منهما، ما هي إلا أباطيل ومفتريات ، ناقشناهم فيها وبينا تهافتها وبطلانها بدليل الشرع الصحيح، والعقل الصريح. والعلم الصحيح.









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-06-06, 16:03   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

يرجى قراءته بتأنٍ و تدبّر










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-07, 14:25   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

أخى ناقل الموضوع لغير قسمه : أيّ علاقة بين لموضوع فكري يردّ على الحداثيين وبين قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها ؟ !!
ألا ترى بأنّ هذا قد يبطل الحكمة من نشره ؟ !










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-07, 17:43   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
fairo
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية fairo
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جزيلا لك










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-07, 17:45   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
fairo
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية fairo
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

على المعلومات القيمة










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-12, 10:28   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أم الفضل1
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

أرى والله أعلم أن الكاتب مع حسن ردوه في معظمها إلا أنه :
1- أغفل موضوعا مهما كان لابد من تبيانه قبل الخوض في ردوده وذلك أن يبن ما المقصود بالسلطة
في كلام المردود عليه فالقول بأن "النصوص الشرعية لها سلطة"كلام عام وقد يؤدي إلى مغالطات كبيرة
فكان الأجدر تبيان ما نوع السلطة التى المقصودة:
-هل سلطة النصوص الشرعية هي سلطة قهرية جبرية وما هي الأدلة وكيف نفهم كلام الله تعالى:
{
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} وقوله تعالى:{ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}
-أم هي سلطة الحجة: وما هي الأدلة قال تعالى:{
أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} الروم
2- يفتقر هذا التحليل وهذه الردود إلى عنصر آخر جد مهم وهو الأدلة الشرعية المؤيدة لما ذهب إليه الكاتب
وإلا سقط فيما حذر منه وهو تقديم العقل على النقل ويصير الكلام رأي مقابل راي..والأراء تختلف باختلاف
الأشخاص وبختلاف ثقافاتهم..وكان يجب عليه أن يعطي الحكم الفصل للنصوص الشرعية..وحينها سيبرهن
فعلا أن اعتماد الانسان على عقله وحده في كل شيء مظنة للزلل والإنحراف










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-12, 16:05   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

[b]

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم الفضل1 مشاهدة المشاركة
أرى والله أعلم أن الكاتب مع حسن ردوه في معظمها إلا أنه :
1- أغفل موضوعا مهما كان لابد من تبيانه قبل الخوض في ردوده وذلك أن يبن ما المقصود بالسلطة
في كلام المردود عليه فالقول بأن "النصوص الشرعية لها سلطة"كلام عام وقد يؤدي إلى مغالطات كبيرة
فكان الأجدر تبيان ما نوع السلطة التى المقصودة:
-هل سلطة النصوص الشرعية هي سلطة قهرية جبرية وما هي الأدلة وكيف نفهم كلام الله تعالى:
{
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} وقوله تعالى:{ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}
-أم هي سلطة الحجة: وما هي الأدلة قال تعالى:{
أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} الروم
2- يفتقر هذا التحليل وهذه الردود إلى عنصر آخر جد مهم وهو الأدلة الشرعية المؤيدة لما ذهب إليه الكاتب
وإلا سقط فيما حذر منه وهو تقديم العقل على النقل ويصير الكلام رأي مقابل راي..والأراء تختلف باختلاف
الأشخاص وبختلاف ثقافاتهم..وكان يجب عليه أن يعطي الحكم الفصل للنصوص الشرعية..وحينها سيبرهن
فعلا أن اعتماد الانسان على عقله وحده في كل شيء مظنة للزلل والإنحراف


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد : ردا على ما تفضّلت به أقول :

1 - هذا الفصل مستلّ من كتاب ذكرت رسمه في عنوانه المقال فالدكتور لم يحرّر كتابه لبيان وجه العلاقة بين النصّ والمعنى ولا بين العقل والوحي ولا بين النقل والرأي فهذا ميدانه البحوث العقدية والكلامية التقريرية لكنّه بناه وفق منهج تحليلي نقدي يدخل تحت مسمى جدلي ولغة دفاعية هدفها بيان مدى الخلل المنهجي والمعرفي عند دعاة الحداثة ولهذا قد ترى الفاضلة - أمّ الفضل - أنّ الدكتور قد أخلّ بمنهجية الطرح الأكاديمي مع أنّ غيرها قد يرى أنّ الدكتور حاول الدخول في الموضوع المقصود مباشرة بالنظر لمدى خطورة المسألة محلّ البحث مع تقيّده بالمنهجية التي بسطها في مقدمة الكتاب فطريقة العرض تخضع لهدف الكتابة وغرض الكاتب والجمهور المتلقي وهي محددات تحكم أيّ كتابة من هذا النوع

- ليس صحيحا أنّ الدكتور لم يحدد مقصوده بالسلطة بدليل أنه قدّم قول حامد أبو زيد المنتقد وأطنب في تشريحه وبيان وجه المغالطة والخلل في تركيبه فالمساجلة لم تنطلق من مساحة نظرية خيالية بل هي مساجلة موضوعية صرفة تتحدث عن حقيقة وجودية لها وزنها على الساحتين التاريخية والثقافية والدخول في تفاصيل مفهوم النصّ وتحليل الخطاب قد يقود القاريء لدوامة معرفية تعصف بالغاية المرجوة من وراء الكتاب وتقودنا لمباحث فلسفية لا يصلها إدراك كثير من القرّاء فأرجو من الفاضلة - أمّ الفضل - تأمّل هذا المعنى

- قولك - رعاك الله - "النصوص الشرعية لها سلطة"كلام عام وقد يؤدي إلى مغالطات كبيرة " هو كلام غير صحيح فالدكتور لم يطلق هذه العبارة من فراغ بل قالها نقضا لمل قرره حامد أبو زيد من افتقار النصّ لأيّ سلطة غير السلطة المعرفية مما يعني أنّ النصوص الشرعية وأقصد هنا النصّ القرآني وما صحّ من الأحاديث النبوية هو مجرّد أحرف متراصة لا معاني لها يمكن لأيّ كان تسليط قراءته التأويلية عليها وتفجير دلالاتها وبالتالي توجيهها لخدمة ما يريد ومن يريد كما يريد وهذا فيه قدح في الكتاب والسنة وردّ لقوله عزّ وجل : ( ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ( 89 ) ) [ قال ابن مسعود : [ و ] قد بين لنا في هذا القرآن كل علم ، وكل شيء .

وقال مجاهد : كل حلال وحرام .

وقول ابن مسعود أعم وأشمل ; فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق ، وعلم ما سيأتي ، وحكم كل حلال وحرام ، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم ، ومعاشهم [ ص: 595 ] ومعادهم
] ( تفسير ابن كثير ) فهذا الذي قاله حامد أبو زيد فيه تعطيل لبيان القرآن وتعطيل لدلالات النصوص على المعاني فلتتأمل الفاضلة أم الفضل هذا المعنى فالخطاب موجه للدائرة الإسلامية التي تؤمن بالكتاب والسنة وأنهما وحي من الله


2 - الموضوع مليء بالأدلة الشرعية فالأدلة الشرعية تنقسم إلى :

1 - أدلة سمعية

2 - أدلة عقلية


وقد أخطأ من جرّد الدليل الشرعي من بعده العقلي

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 11 / 358 ) : " وكذلك كثير من أهل الحديث والسنة قد ينفي حصول العلم لأحد بغير الطريق التي يعرفها حتى ينفي أكثر الدلالات العقلية من غير حجة على ذلك ... "
وقال رحمه الله في " الفتاوى الكبرى " ( 1 / 129 ) : " وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان ذلك من كان ناقصا في عقله وسمعه ... وإن كان ذلك كثيرا في كثير من المتفلسفة والمتكلمة، وجهال أهل الحديث والمتفقهة والمتصوفة " .
وقال أيضا : في " مجموع الفتاوى " ( 19 / 160 ) : " ومع هذا فالرسول بين الأدلة العقلية الدالة عليها؛ فجمع بين الطريقين: السمعي؛ والعقلي ، وبينا أن دلالة الكتاب والسنة على أصول الدين ليست بمجرد الخبر؛ كما تظنه طائفة من الغالطين من أهل الكلام والحديث والفقهاء والصوفية وغيرهم "

وقد بيّن رحمه الله مراد السلف بذم اللكلام الفاسد فقال في " مجموع الفتاوى " ( 1 / 136- 137 ) : " مراد السلف والأئمة بذم الكلام وأهله، إذ ذلك يتناول لمن استدل بالأدلة الفاسدة، أو استدل على المقالات الباطلة، فأما من قال الحق الذي أذن الله فيه حكما ودليلا فهو من أهل العلم والإيمان، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل .. فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة، كلفظ الجوهر والعرض والجسم وغير ذلك؛ بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه " .

فالحاصل أنّ العلاقة بين العقل والنقل لها مفهوم مضبوط واضح عند أهل السنة بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب كبير سمّاه "درء التعارض العقل والنقل " ومما جاء فيه : [
................... أن قوله : إذا تعارض النقل والعقل إما أن يريد به القطعيين، فلا نسلم إمكان التعارض حينئذ.
وإما أن يريد به الظنيين، فالمقدم هو الراجح مطلقاً.وأما أن يريد به ما أحدهما قطعي، فالقطعي هو المقدم مطلقاً، وإذا قدر أن العقلي هو القطعي كان تقديمه لكونه قطعياً، لا لكونه عقلياً.
فعلم أن تقديم العقلي مطلقاً خطأ، كما أن جعل جهة الترجيح كونه عقلياً خطأ
] .

وقد بين رحمه الله قصد من أطلق تقديم النصّ على العقل فقال في منهاج السنة النبوية الجزء الثامن صفحة 218 : [ لكن معلوم وجوب تقديم النص على الرأي والشرع على الهوى، فالأصل الذي افترق فيه المؤمنون بالرسل والمخالفون لهم تقديم نصوصهم على الآراء وشرعهم على الأهواء وأصل الشر من تقديم الرأي على النص، والهوى على الشرع، فمن نور الله قلبه فرأى ما في النص والشرع من الصلاح والخير وإلا فعليه الانقياد لنص رسول الله وشرعه وليس له معارضته برأيه وهواه . ] ( وقد استفدت هذه النقول من أحد الأفاضل جزاه الله خيرا )

هذا ما تيسر لي بيانه ساعتي هذه وأعتذر عن مواصلة الحوار وذلك لسببين :

1 - لست أهلا للمناظرة والجدل
2 - لا أملك الوقت الكافي للمتابعة


فكلّ ما أكتبه وأنقله فهو من باب الفائدة لا غير وربّ حامل فقه ليس بفقيه[
]









رد مع اقتباس
قديم 2015-06-19, 10:09   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

هل الإلزام بأحكام الإسلام يؤدي إلى النفاق؟
فهد بن صالح العجلان

في أكثر من لقاء قضائي.
وفي إشارات قليلة في بعض المؤلفات المعاصرة.
وفي كلام كثير في الشبكات الاجتماعية.

يتردد الحديث بأن تحكيم الشريعة يؤدّي إلى النفاق، وأن الشريعة لا تلزم الناس بأحكامها لأن ذلك سيخلق مجتمعاً منافقاً، ولهذا كان من دلائل الشريعة أن (لا إكراه في الدين).

فهل الإلزام بالشريعة أو ببعض أحكامها يؤدّي للنفاق؟


يقول لك حامل هذا الاستشكال: إنه لا يمكن الإلزام بأحكام الشريعة لأنه يورث النفاق، فالناس حين لا تقتنع بالحكم فإنها ستمارسه في الخفاء، فالمطلوب هو غرس القيم الإيمانية وتعزيز انتماء الناس لدينهم وهويتهم، والاجتهاد في نصحهم ووعظهم حتى يقوموا بالدين من ذات أنفسهم، وأما مع الإلزام فهو إكراه ينافي الإسلام ويؤدي للنفاق.

وثم تفاوت في إعمال هذا الكلام:
فبعضهم: ينفي بسبب هذا عن الإسلام أي إلزام، ويجعله مجرد رسالة روحية فردية بين العبد وبين ربه ولا علاقة له بنظام ولا حكم لأن حين يرتبط بالدولة يتحوّل من رسالة هداية إلى وسيلة قمع، وهؤلاء هم العلمانيون الخلّص.
وبعضهم: يأتي بمثل هذا الكلام لكن في جانب معين من الدين وهو ما يتعلّق بالرأي، فما كان رأياً ليس فيه أي اعتداء فلا إلزام ولا منع له لأن منعه سيعزز النفاق.
وبعضهم: يأتي به ليعلّق الإلزام بالشريعة والحكم بها بطريقة معينة معاصرة، طريقة الدساتير والاختيار بطريقة محددة معروفة، فإذا اختار الناس الإلزام بهذه الطريقة فلا بأس، وإلا فهو مرفوض، ولا يمكن تطبيق الشريعة بغير هذه الطريقة لأن هذا حق من حقوق الأمة.
فهذه اتجاهات مختلفة كلّها تستدل – بشكل أو بآخر- بشبهة ترتب النفاق على الإلزام بالشريعة.

إذن: الحديث هنا ليس عن الإيمان بالحكم الشرعي، بل عن مستوى الإلزام.

لا حاجة هنا أن يعترض أحد فيقول (إن صاحب هذا الاستشكال لا يؤمن بالنص ولا بحكمه) لأن هذا ليس محلّ السؤال، الحديث تحديداً عن الإلزام بالحكم.
ولا حاجة لصاحب السؤال بأن يجيب ( بأنه مؤمن بالنص)، لأن الخلاف تحديداً عن الإلزام بالنص وليس عن مجرد الإيمان به.

هذا هو تفصيل السؤال، وهو يحمل في طياته خللاً بينا وتصوّرا خاطئاً وإشكالات مركّبة، ستظهر بإذن الله من خلال تفكيك هذا السؤال ومناقشة مقدماته وإظهار مخفياته.

فهذا السؤال يحمل ثلاث إشكالات رئيسية:
الأول: إلغاء وصف (الإلزام) في الشريعة تصريحاً أو مآلاً.
الثاني: الخلل في فهم النفاق ومعرفة أسبابه.
الثالث: الخلل في تصوّر الإلزام وأثره.

وحجم هذه الإشكالات يتضح – بإذن الله- مع استعراض هذه العناصر:

(1)
يجب التفريق – أولاً- بين ترك الإلزام بالشريعة في ظرف ما، أو مكان ما، أو لسبب ما، وبين التأصيل الكلّي العام الذي يعود على مفاهيم الشريعة بالنقض والتحريف.
فهذا التأصيل - بجعل الإلزام يؤدي للنفاق- يرجع على أصل الإلزام بالشريعة بالنقض.
فإذا كان الإلزام بالشريعة يؤدي إلى النفاق فمعناه أن الشريعة يجب أن لا يكون فيها إلزام، ولو وجد فيها إلزام فهو مفسدة ظاهرة تؤدي للنفاق ولا فائدة منها ويجب تبرئة الشريعة من هذه النقيصة، وهذا هو لازم مؤدٍ للوقع في الفكرة العلمانية الصريحة التي غمرتها الأمة كرهاً ونفرة.

وهنا تكمن المشكلة:

فالإلزام ببعض أحكام الشريعة قد لا يكون ممكناً في بلد ما، أو يترتب عليه مفاسد أعظم في حالة ما، الخ هذه الأسباب التي يجب مراعاته عند تطبيق الأحكام الشرعية، فالموقف الصحيح حينها أنه واجب شرعي يسقط لعدم القدرة، وهذا أصل شرعي محكم (فاتقوا الله ما استطعتم) (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وقاعدة السياسة في الإسلام تقوم على الأخذ بأرجح المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين، فالإلزام ليس فرضاً في كل زمان ومكان وحال وشخص ونظام، بل قد يسقط أو يؤجل لاعتبارات عدة، وكلنا نتفهم مثلاً: موقف (حركة النهضة) التونسية في عدم الإلزام بالأحكام الشرعية فليست الخلاف في عدم تطبيقها، ولا محلّ الخلاف هنا ( هل يجب عليهم أن يلزموا الناس الآن بالشريعة).

إذن أين المشكلة؟

المشكلة أن يتحول الاستثناء إلى أصل، وتترحّل الضرورة إلى أصل ثابت وأساس محكم، فالقول بأن النفاق تابع وأثر للإلزام يعني أن أصل الإلزام كله مرفوض مطلقاً، وأن الشريعة ليس فيها إلزام، وهذا تجاوز وحذف لأصل شرعي ثابت ومجمع عليه ولا يمكن إنكاره، وكون الإنسان لا يستطيع تنفيذه أو يرى أن ثم ما هو أولى منه أو يرى أن تنفيذه سيثير مفاسد معينة، كلّ هذا لا يعني أن يلغي المفهوم.

فالإنسان قد يضطر لشرب الخمر مثلاً، وهو شيء مقبول، بل ويجب عليه أن يشربه، ولو قال إن الخمر شراب من ضمن الأشربة ولا تشددوا على الناس لعد قوله منكراً شنيعاً ولو كان مضطراً، لأن الضرورة في الشرب وليس في تغيير الحكم الشرعي.
فالإشكال ليس في (التطبيق) الذي سيجري في تونس أو في تركيا أو في غيرها، بل في (المفهوم الشرعي).
حينها فلا معنى لما يكرره كثير من الفضلاء من أنكم لا تدركون ولا تفقهون الواقع في تلك البلاد.
فأياً ما كان مستوى فقه العلماء لذلك الواقع، لا علاقة بهذا بأساس الخلل.
القضية متعلقة بمفهوم شرعي، وليس بتطبيق معين في أي بلد، فالقضية علم بأحكام شرعية ثابتة وليس علم بواقع مجتمع معين.

فكون البلد يعاني من مشكلات معينة، ويجد الدعاة فيه إشكالات وإحراجات كثيرة، كلّ هذا لا يجيز تحريف الأحكام الشرعية أو تغيير مفاهيمها، فهذا دين وشرع من عند الله، الحديث فيه قول على الله، والقول على الله بلا علم مزلق عظيم (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) فحاجة المجتمع والمتغيرات التي يعيشها ليست عذراً لأحد في حذف شيء من الشريعة أو إدخال شيء فيها، والعناية بهذا الموضوع ليس ترفاً علمياً أو سجالاً جدلياً بل هو من بيان أحكام الشرع، وحفظ المفهوم الشرعي مطلب بحدّ ذاته من جهة، ومن جهة أخرى: فوضوحه للناس سبب لأن يتمسكوا به ويطالبوا به حتى يستطيعوا تحكيمه فيما بعد، ومن جهة ثالثة: أن حاجة المجتمعات تختلف فإذا لم يستطع بلد أن يطبق بعض أحكام الشريعة فثم مجتمعات تستطيع أن تطبقه، فيجب أن تكون الحكم الشرعي بيناً لا تختلط فيه صورة الأصل مع الضرورة.

(2)
ومن يلتزم بهذه الشبهة سيقع في إشكال عميق مع قائمة طويلة من الأحكام الشرعية، وسيطول عليه أساليب التأويل والتحريف والتغيير.
فالقضية ليست نصاً جزئياً يمكن أن يتأول أو يكون ضعيفاً.

الإلزام أصل شرعي محكم يقوم على نصوص وأحكام وقواعد لا تحصر، وسأعدد سريعاً – لتوضيح حجم هذا الأصل بعض هذه الأحكام :
-الحدود الشرعية، ففي القرآن حد السرقة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وحد الزنا (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وفي السنة حد شرب الخمر، فهذه ليست إلزامات فقط، بل عقوبات على هذه الجرائم، وعقوبات صريحة وصحيحة وواضحة، تعني تجريم الفعل وتحديد عقوبة معينة عليه، فهو إلزام بترك الفعل، وإلزام بعقاب معين، فهل نتعامل مع هذه الحدود على مبدأ (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) أم على مبدأ إن الإلزام يؤدي للنفاق؟

-تغيير المنكر، الثابت شرعاً، كقول النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) فالتغيير باليد يعني منعاً وإزالة، وهو إلزام على التزام أحكام الشريعة، وهو خطاب لعموم الناس وليس خاصاً فقط بالنظام، فهل الواجب تغيير المنكر أم هو داع للنفاق؟

- التحاكم إلى الشرع، فقد أمر الله بالتحاكم إلى كتابه فقال سبحانه (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وقال تعالى (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين، وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) وقوله تعالى (الم ترا إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) فهذه آيات صريحة على وجوب التحاكم إلى الشريعة، ولو لم يكن في الشريعة إلزام ومنع وفرض لما كان للتحاكم أي معنى؟ فيتحاكمون لأي شيء ما دام أنه حكمه غير ملزم؟
وقد قال الله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) فالمؤمن ليس له خيار في الالتزام بالشريعة وأحكامها، كيف توفّق بين الإيمان بهذه الآية وبين القول بأنه لا إلزام في الشريعة؟ كيف لا يكون له خيار، لكنه في نفس الوقت ليس ملزماً؟! هذه معادلة معقّدة جداً!

-الجهاد في سبيل الله، ففي نصوص القرآن والسنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين وأصحابه منها ما هو شائع مشهور، فإذا لم يكن في الشريعة إلزام فعلى أي شيء كان كل هذا الجهد والجهاد؟
حتى على التفسير العصري المحدث القائل إن الجهاد في الإسلام كان لردّ العدوان ولدفع المعتدي فقط، فحتى على هذا التفسير يبقى موضوع الإلزام مشكلاً، لأن الصحابة لما جاهدوا وقاتلوا لم يدفعوا العدوان ويسلموا البلد لأهلها ثم يعودون، بل حكموا البلد بالإسلام وأقاموا شعائره وألزموهم بنظام الإسلام، فهل كانوا دعاةً إلى الإسلام نشروا شعائره في الخافقين أم أنهم كانوا يغرسون النفاق في جذور المجتمع وهم لا يشعرون؟
وسيرة الخلفاء الراشدين ظاهرة في الأخذ بالإسلام ونشره وإقامة شعائره، وأحكامهم مع أهل الذمة لا تخفى على أحد، فبغضّ النظر عن تأويل أو حكم هذه الأفعال، هل أدّى هذا الإلزام للنفاق أم كان سبباً لنشر الإسلام وتقويته وتوسيع دائرة أوطانه؟

-نصوص العقاب والإهلاك: ففي القرآن والسنة نصوص عدة أن المنكر إذا ظهر وفشا كان عاقبته الهلاك (وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش وقد سألته أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث، فكثرة الخبث مؤذنة بالهلاك، وهذا يعني أنه يجب منع هذا الخبث حتى لا على المسلمين في الهلاك.

-تطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم وتطبيقات صحابته وخلفائه رضي الله عنهم في الأخذ بالشريعة والإلزام بها، فقد حد النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر، ورجم في الزنا في عدة وقائع، وهم بتحريق بيوت تاركي الصلاة في المساجد، وعاقب من تخلّف عن الجهاد معه، وقام بجباية الزكاة، وأسقط الزيادة في الديون الربوية، وأخذ الجزية من أهل نجران، وجلد في القذف، وأخذ الناس بأحكام الجنايات والديات والبيوع والأسرة، وقام بالفصل بين الخصومات الخ الخ
وأما نصوص الصحابة فحدث ولا حرج، فقد قاتلوا المرتدين، وجبوا الزكاة، وحكموا بين الناس في كافة قضاياهم، وطبّقوا أحكام أهل الذمة، وأقاموا الجهاد، والحدود، والعقوبات التعزيزية على المعاصي، الخ.

بصراحة أجد أن تعداد هذا ترف علمي لا حاجة له، لأنه من البدهيات التي يعرفها كل الناس، فلم يكن سؤال (الإلزام) بالشريعة مطروحاً في تلك العصور أصلاً، لأنه بدهي وضروري من أحكام الإسلام، إنما طرح هذا الموضوع بسبب ضغط مفاهيم الثقافة العلمانية المعاصرة فتتحرك معها محاولات التوفيق والتلفيق والموائمة.

-قول النبي صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) وقال (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وذكر منها التارك لدينه المفارق للجماعة) وقد اعتضد هذا الحكم بعدة تطبيقات عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وابن مسعود وابن عباس وغيرهم، وانعقدت عليه كلمة عامة فقهاء الإسلام.
أعرف جيداً أن لبعض المعاصرين تفسيراً مختلفاً للحكم في قول لا يعرف له قائل من قبلهم.
لكن بغض النظر عن صحة قولهم أو فساده، ما تفسيرهم لاتفاق كافة الفقهاء على هذا القول؟ هل كانوا يطبقون أحكام الإسلام أم يزرعون النفاق في مجتمعاتهم وهم لا يشعرون؟؟
وعلى فرض أن بعض الفقهاء لا يقولون بحدّ الردة، فإنهم كانوا يقولون بسجنه أو استتابته الخ، يعني في النهاية هو منع وإلزام وليس فيها حرية مطلقة للردة.
مع ملاحظة أن دافع النفاق هنا قوي جداً، لأنك أمام شخص أعلن كفره، ثم يوقف على القضاء حتى يتراجع وإلا عوقب، فاتجاهه للنفاق حتى يسلم بنفسه سلوك طبيعي جداً، ومع هذا فلم يكن أحد من الفقهاء بتاتاً يقول اتركوه حتى لا يكون منافقاً، بل يلزم بقانون الإسلام وباحترام نظامه وآدابه، ولو نافق مثله فهو خير من الإضرار بعموم المجتمع.
فإذا كان مثل هذه الصورة المؤدية فعلاً للنفاق غير معتبرة عند أحد من فقهاء الإسلام، فكيف يكون الخشية من النفاق مؤثرة في قضايا لا يمكن بتاتاً أن تكون سبباً للنفاق؟

(3)
هل من يثير هذا السؤال يتصوّر حالة المنافقين في عصر الرسالة؟

النفاق وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرهم الله في القرآن وحذر منهم وبيّن صفاتهم، ولم ينبت النفاق في المدينة إلا بعد أن قوي الإسلام واشتد عوده وظهرت شعائره، فوجودهم حالة طبيعية ملازمة لتطبيق الشريعة وقوتها وظهورها وليس عيباً على الشريعة، فالنفاق لا يخرج إلا في المجتمع الإسلامي القوي، حين تظهر شعائره وتعظم حرماته فيضطر البعض لسلوك النفاق لأنه لا يستطيع أن يمارس فساده وانحرافه، فهذا علامة قوّة وصحة للمجتمع، فوجود النفاق لا يؤدي لإلغاء الإلزام بالحكم الشرعي وإلا لكان هذا طعناً وانتقاصاً من سنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن قوّة الشريعة وظهورها على يده هو الذي أنبت المنافقين ولم يكونوا موجودين قبل ذلك لما كان الإسلام ضعيفاً في مكة.

فالحديث بطريقة: أن الإلزام يؤدي للنفاق، وبالتالي فلا إلزام، خلل وتركيب خاطئ للموضوع.
بل وجود النفاق مع الإلزام ظاهرة صحية شرعية طبيعية، فلا يتعطل أصل شرعي من أجله.
النفاق لا يوجد إلا مع قوة الإسلام، ولن يذهب إلا مع ضعف الإسلام، فإذا كان الهدف هو إزالة النفاق فالحل إذن هو في إضعاف الإسلام حتى لا يحتاج أحد للنفاق.
أما حين يذهب الدعاة والعلماء والفضلاء لتقوية الإسلام وأحكامه وقيمه ومبادئه في نفوس الناس وإشاعته ونشره فإن هذا سيؤدي بداهة لوجود المنافقين الذين يضطرون لمسايرة هذا الواقع والاستفادة من منجزاته، فوجود النفاق دليل على قوة الإسلام وإيجابيته وفاعليته وليس ضعفه.
فالإلزام لا يُترك خشية النفاق، بل الإلزام يلحق حتى المنافقين، فقد كان يتهرّبون من حكم الإسلام (ألم ترا إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت).
فهم يرفضون التحاكم، والله يذمهم ويعيبهم على تركهم للتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فترك التحاكم إلى الشريعة والابتعاد عن الإلزام بها هو صفة المنافقين، وليس هو سبب للنفاق.

فالتصوّر الشرعي: هو دعوة المنافقين للتحاكم وإلزامهم به.
أما أن يترك الإلزام لأجل أن لا يكون منافقين فهو بعثرة للصورة بالكامل.
وإذا كان هذا في المنافق غير المؤمن من الأساس فكيف بالمؤمن المسلم المنقاد؟

(4)
إن هذا يدعوني للسؤال عن مفهوم النفاق وتعريفه لدى صاحب هذا الاستشكال.
فما هو مفهوم النفاق؟
لأن كل المعطيات السابقة والآتية تثبت أن المسلمين يتحولون إلى هذا النفاق بسبب إنكار المنكر ولا بتطبيق الشريعة بتاتاً، فهو غير مؤدٍ للنفاق، فالنفاق أن يسر الإنسان بالكفر ويظهر الإيمان، فما علاقة هذا بإنكار المنكرات أو تحكيم الشريعة؟
نعم، هذا سيكون في بعض الأحكام الشرعية ومن فئة قليلة لديها موقف سلبي من الدين نفسه وتريد الطعن في الإسلام لكنها لا تستطيع خشية العقاب فتلجأ إلى النفاق، وهذا موقف صحي وقوي، فخير من أن يظهر كفره واعتدائه يتخفى به ويستتر.
فالنفاق لا يكون بالإلزام.
بل الواقع أن النفاق إنما يكون حين يضعف الإلزام.
فالمنافقون يخفون غيظهم وحنقهم على الإسلام والمسلمين، وإذا وجدوا فرصة أو مجالاً استغلوه وأظهروا الرجف والتشكيك، لهذا كان علاجهم القرآني بالتهديد والوعيد (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً) فالقوة والإلزام هي التي تحمي المجتمعات من المنافقين، وتركه هو الذي يجرئهم ويغريهم، لهذا جاء الخطاب القرآني (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم)،
فهذه هو علاج القرآن للمنافقين، ولم يكن علاجهم بأن يقال لهم ( تفضّلوا خذوا راحتكم، واعلنوا كفركم وأنتم في حلّ من الشريعة، أهم شيء لا تصيرون منافقين)!!.

النفاق لا يستقر في النفوس بسبب الشعائر، الشعائر والإلزام بركة وديانة وتقوى لله، هذا يحبب النفوس للدين ويجعلها تألفه وتحبه وتعتاده، النفاق لا ينشأ بسبب هذا، إنما ينشأ بأسباب أخرى، من أعظمها شيوع الشبهات والتشكيكات في الدين ونشر كل ما يمس الدين ويقدح فيه، فهذا من أعظم أسباب النفاق لأنه يهز اليقين في نفوس بعض الناس ويدخلهم في الحيرة والشكوك، فهذه منابت النفاق التي يجب الحرص عليها لمن كان صادقاً فعلاً على علاج النفاق ومتألماً منه.
فتعريف النفاق في السؤال قائم على نفاق آخر ليس هو النفاق الذي يعرفه الناس.

(5)
أن إخفاء المعاصي والمنكرات خير من إظهارها وإشهارها، فعلى أسوء الاحتمالات فلو أن المنع لم يفد شيئاً وأصبح الناس يمارسون ذات المنكرات في الخفاء فإخفاؤها خير بلا مقارنة من إظهارها وإشاعتها، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فالمجاهرة بالذنب شر وأقبح من الإسرار به، وما دام المنكر سراً فلا يحاسب عليه المجتمع ولا يؤاخذ به، إنما المحاسبة على المنكر حين يشيع ويظهر.

(6)
ثم إن التخفي بالمعصية ليس نفاقاً، فإذا منع المسلم من شرب الخمر فشربه سراً فهذا خير له وأخف شراً وليس نفاقاً.
فما أدري لماذا يفترض السؤال أن المسلم إما يشرب الخمر جهراً ويفعل الفاحشة جهراً وإما يكون منافقاً يشربه سراً؟
هل الإسرار بالمعصية نفاق؟
لا يقول هذا عالم ، فالإسرار بالمعصية أولى من الجهر بها، فهو شرعاً أفضل وأهون، فلا أدري على أي اعتبار صار منافقاً؟
حتى ولو بحث المسلم عن المعصية واجتهد في الوصول إليها ولم يجدها فهذا ليس نفاقاً ولا علاقة له بالنفاق بتاتاً.

(7)
هذا السؤال يمارس تصويراً مغلوطاً فاحشاً، فهو يفترض أن المسلم حين يمنع من الحرام فإنه سيفعله في السر، وكأنه لا وجود لخيار ثالث هو الأكثر والأشهر والأبرز، وهو أن عامة المسلمين حين يمنعون من الحرام فإنهم سيتركونه لما في نفوسهم من تعظيم الشرع وميل لتطبيقه أحكامه ما استطاعوا، وإنما تبقى قلة تمارسه في الخفاء.
فإشاعة الحرام يجرئ على فعله ويكثر من مرتاديه، واعتقاد أن منعه لن يؤثر في مضايقته وإبعاد الناس عنه تصور بعيد جداً عن الواقع، ولهذا جاءت الشريعة بالحث على التستر بالمعاصي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله) وهو شيء بدهي يفهمه عامة الناس فتراه يرددون: إذا بليتم فاستتروا.
وقد قال ربنا جل وعلا: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) فالمنكر الظاهر يجرئ الناس ويوسع الفساد فإذا لم يظهر غفل عنه الناس وتركوه.

(8)
وهذا الإلزام لا يخلو منه أي قانون ولا نظام معاصر، فكل الأنظمة المعاصرة تقوم على قوانين وأنظمة ملزمة في كافة شؤون حياة الناس ودقائق تفاصيلهم، والالتزام بها ضرورة، حتى ولو خالفها البعض فلا يتصور أن يخطر ببال أحد أن مخالفة البعض تعني أن القانون لم يعد له أهمية فإما أن تلتزم به أدبياً أو لا حاجة له؟
لا أحد يفكر بهذا لأن هذا شأن معيشي بدهي، والناس يعرفون أن القانون إذا قوي ولزم وعم زادت قناعة الناس به ورضوا به مع كونهم في الأصل مكرهين عليه وملزمين به.

(9)
ثم إن خطاب الشريعة في القرآن والسنة، القائم على أوامر ونواهٍ، هل هو خطاب للفرد فقط، أم للفرد والمجتمع؟
حين نقرأ في القرآن مثلاً (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا)
فمباشرة سيفهم منه المسلم أنه خطاب للفرد بأن يترك الربا امتثالاً لأمر الله، وللمجتمع المسلم بأن يترك الربا، وللدولة المسلمة التي تقوم على سياسة هذا المجتمع أن تترك الربا.
وهذا يعني أن الإلزام جزء أساسي من الحكم الشرعي.

أما اعتقاد أن النص يدل على تحريمه على الفرد، أما تحريمه نظاماً وقانوناً فهو شيء آخر، فهو تفكير جديد، يناسب تفكير الفئة المتأثرة بالثقافة العلمانية حين تجعل الدين شأناً فردياً وخطابه متجه للفرد ولا يمسّ النظام والدولة.

ثم إن المسلم حين يدخل في الإسلام فإنه تلقائياً يكون مسلماً ومنقاداً لحكم الإسلام، فالإسلام نظام شامل، لا يوجد في الفكر الإسلامي أن يسلّم المسلم فيدخل في الدين، ثم يسلم فيوافق على حكم الشريعة، هذه درجتا فهم تناسب الدين النصراني والثقافة العلمانية لأن الدين لديهم علاقة روحية لا تمس الحكم، فيختار الحكم الذي يريد بغض النظر عن دينه، أما المسلم فإنه حين رضي بالإسلام فقد رضي به حكماً بداهة ولزوماً ضرورياً لدينه، وحينها فالإلزام بأحكام الإسلام ليس شيئاً طارئاً وجسماً غريباً نبحث له عن سبب ومشروعية وطريقة معينة، هو أصل وفرض لازم وبدهي ما دام أن الناس مسلمين، وهذه مجتمعات مسلمين قامت في أرضها دول إسلامية خلال عشرات القرون، لم تعرف غير حكم الإسلام وإلزامه، فلا يجوز أن نتعامل مع حكم الإسلام وكأنه جسد غريب على تلك المجتمعات.

(10)
أن المطالبة الشرعية تتجه للظاهر لا الباطن، فلست مسؤولاً عما في بواطن الناس وخفايا قلوبهم فأمرهم إلى الله، فما دام أنه في خفايا قلبه فهو خاص بصاحبه ولا يضر إلا نفسه، ولا يعد منكراً في الشريعة يجب إنكاره لأنك لا تدري عنه.

فمن المفارقات أن يُترك الداعية المنكر الظاهر الذي يجب عليه، خشية من منكر خفي لا يعلم عنه وهو غير واجب عليه!
فالشريعة تأمره بالمنكر الظاهر، فيتركه، خشية من منكر ليس بواجب عليه؟
ويترك منكراً معلوماً، خشية من منكر غير معلوم ولا يمكن الكشف عنه؟
ويترك منكراً متيقناً خشية من منكر موهوم لا يجزم به؟
ثمّ إن بعض النفوس فيها من الشر والسوء والكره للإسلام وأهله، فهل نتيح لهم الفرصة ليعبّروا عن مشاعرهم ويسيئوا للإسلام وأهله حتى لا يتحولوا لمنافقين؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول 3/939
(فإن الكلمة الواحدة من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحتمل بإسلام ألوف من الكفار ولأن يظهر دين الله ظهوراً يمنع أحداً أن ينطق فيه بطعنٍ أحب إلى الله ورسوله من أن يدخل فيه أقوام وهو منتهك مستعان).
هذا هو التفكير الإسلامي البدهي الذي تجده في عموم المسلمين فلا يفكرون بطريقة (بل اجعلهم يظهرون ويمارسون فسادهم وانحرافهم حتى لا يتحولوا إلى منافقين)!!

(11)
أن الصلاح الظاهر وشيوع الشعائر يؤثر على صلاح الناس، كما أن شيوع المنكرات تؤثر على فساد الناس، فالمنكر إذا انتشر أثر في الناس وزاد ضرره وكثر مرتاديه، فالقضية ليست خاصة بمن يريد المنكر ويبحث عنه، بل إن المنكر إذا شاع سهل في النفوس وخف أثره وجرأ الناس عليه، ولهذا كان من حكمة الشريعة في إنكار المنكر إضعافه وتقليله لئلا يؤثر على الباقين، فالمنكر يؤثر على الصالحين، وليست الصورة أنه منكر متجذر في نفوس الناس بدأ معهم فطرة، بل إن تركه وطول العهد به هو الذي جعله منتشرا وتقبله النفوس وإذا حورب وضيق عليه قل أثره وضرره.

(12)
إذا كان الإلزام سيؤدي إلى النفاق، فحتى النصيحة والموعظة ستؤدي إلى النفاق كذلك، لأن أكثر الناس يستجيبون للنصح والوعظ وإن كان قد يمارسها في الخفاء، فهل يكون مثل هذا منافقاً؟
فعلى طريقة تفكير السؤال يجب أن يكون حكم النصيحة كحكم الإلزام لأنها تجعل الشخص يستحي منك ويترك المنكر حياء ويفعله سراً فيكون منافقاً؟
بل إن أثر الحياء من المجتمع في ترك المنكر أقوى بكثير من أثر الإلزام، فالإنسان يراعي الناس وأعرافهم، ويمارس معهم من الحياء والمداراة ما هو أعظم بكثير من مراعاته لمجرد الإلزام القانوني، فإذا كان الإلزام يؤدي للنفاق؟ فالحياء من المجتمع نفاق أيضاً؟

ثم إن الواقع أن الإنسان يلجأ إلى النفاق ليس من أجل الإكراه، بل لدوافع مصلحية متعلقة بالجاه والمال والمكانة وتحقيق المصالح الذاتية من المجتمع، فهو يراعي الناس أكثر من مراعاته للنظام، فارتباط مصالحه للناس أضعاف ارتباطه بالنظام، وحينها فحتى لو زال الإلزام فسيبقى النفاق ما دام في الناس اعتزاز بدينهم وهويتهم يجعلهم ينقصون مقدار من يخالف الإسلام فيضطر للنفاق مسايرة لهم.

لهذا نجد في سيرة المنافق عبد الله بن أبي أنه كان يقف أمام منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة ويقول: أيها الناس هذا رسول الله فوقروه وعظموه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس.

فواضح جداً أنه لا إكراه في الموضوع بتاتاً، إنما هو بحث عن مصالح ومكانة وقيمة اجتماعية من خلال هذا النفاق.

(13)
ثم إن هذا الإلزام بأحكام الشريعة هل سيأتي من خلال البرلمان واختيار الناس أم لا؟
هل ستمنع الخمور والقمار وبقية المنكرات وتطبق أحكام الشريعة لو أتيحت الفرصة من خلال اختيار الأكثرية؟
هل سيكون فرض للشريعة وأحكامها حين يكون نصاً دستورياً؟

إن كان بالإيجاب فإن هذا سيؤدي للنفاق وهي ذات المشكلة التي كان يتحدث عنها؟
فهل سيزول النفاق وتنتهي المشكلة بمجرد أن يصدر قرارا برلمانيا بذلك؟
أو يكون نصاً دستورياً؟

إذا كان الإلزام إكراه في الدين ولا يمكن أن يلتزم به الإنسان إلا برضاه، فلا يجوز إذن إلزامه ابتداءً ولا بقانون ولا برأي أكثرية، لأن ذات المشكلة لم تتغير.

(14)
يسوق هذا السؤال جزئية: (أن المطلوب هو تزكية النفوس وتطهيرها لا إلزامها بما لا تريد).
والحقيقة أن الإلزام جزء من تزكية الناس وتطهيرها.
فجعل المسألة: إما إلزام للشخص وإما أن يقوم بها من نفسه وضميره، قسمة غير عادلة ولا منصفة.
بل الإلزام يتكامل مع مراقبة المسلم وإيمانه ودافعه الذاتي، فهما متكاملان لا ضدان، كون الشريعة جاءت بالإلزام لا يعني أنها لا تأتي بالدافع الذاتي، بل كلاهما واجبان شرعيان وطريقان صحيحان لتزكية النفس وتطهيرها ودفعها نحو طاعة الله وعبادته.
ثم إن الإلزام بالشريعة هو سبب لتطهير النفس وتزكيتها من الأمراض والأهواء وتصحيح مسارها وتقوية مراقبتها لله.
فالله تعالى يقول (ويقولون آمنا بالله وبالرسول واطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين).
فترك التزامه بالتحاكم ينفي عنه صفة الإيمان، فالإلزام جزء من الإيمان، وقد أثنى الله عليهم (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) فالالزام فلاح ونجاة وهذا معنى عظيم من معاني التزكية.

فالتزكية إنما تكون بالقيام بأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وترك نواهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ليست التزكية حالة روحانية شعورية خارجة عن الشريعة، فبقدر ما يلتزم بالعبادة والطاعة - والتي منها الإلزام- بقدر ما تحصل التزكية، وبقدر ما يبتعد عنها تضعف التزكية، فالتزكية غاية شرعية تقوم على وسائلها الشرعية.

التصنيف: السياسة الشرعية
المصدر: موقع صيد الفوائد
تاريخ النشر: 29 ربيع الآخر 1436 (18‏/2‏/2015)










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-27, 02:38   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
keidk
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-27, 02:39   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
keidk
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شرح جميل وشكررررا ثانية










رد مع اقتباس
قديم 2015-07-03, 14:22   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
المتفائل جدا
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

مشكور على هذه المساهمة الطيبة










رد مع اقتباس
قديم 2015-07-09, 01:01   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
lalmaspaul
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2015-07-09, 11:23   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
محمد بوشمال
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فييييييييك










رد مع اقتباس
قديم 2015-07-09, 12:00   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
hakoua3
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااااااااااااااااااااااااااا










رد مع اقتباس
قديم 2015-07-09, 17:47   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
salaheddine211
بائع مسجل (ج)
 
الصورة الرمزية salaheddine211
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اللهم صلى و سلم على نبينا محمد عليه افضل الصلاة و اتم التسليم










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أباطيل, العقم, الوحي, تتعلق, بسلطة, وسلطة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:41

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc