الدكتور سالم محمد مرشان عن نونية القحطاني
الرد الجلي علي ما أثاره القحطاني في نونيته من التهجم علي الأشعرية والإمام الأشعري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان،كتاباً دعا إلي التوحيد المطلق،والتنزيه الكامل لرب العالمين،كما دعا الناس إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،والصلاة والسلام علي رسول الله محمد بن عبدالله الذي وصفه ربه-سبحانه وتعالي-بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم،كما وصفه بأنه علي خلق عظيم،اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه وأزواجه وذريته ومن سار علي نهجه واتبع طريقه إلي يوم الدين ....اللهم آمين .
أما بعد
فلقد ساءني وأحزنني كثيرا حينما استمعت-ولأول مرة- القصيدة المسماة:"نونية القحطاني"،وهي منظومة طويلة جدا نسبت إلي القحطاني،يقال إنه من أهل الأندلس،واسمه أبو محمد عبدالله القحطاني،نشرت هذه المنظومة من قبل مكتبة الوادي للتوزيع-جدة .
هذه المنظومة الطويلة خص القحطاني منها الإمام الأشعري والأشعرية ما يقرب من ثمانين بيتاً،كلها ألفاظ جارحة،وكلها وعيد،وتخويف،وتحذير،وترهيب،وألفاظ سوقية لا يمكن أن تصدر عن عالم أو طالب علم مسلم يخاف الله،ويؤمن بأن هناك في اليوم الآخر حسابا بين يدي الواحد الأحد سبحانه وتعالي .
وقد ترددت أول الأمر هل ينبغي الرد علي هذه الأقاويل الزائفة والأكاذيب المرجفة التي أثارها الحاقدون علي أهل السنة والجماعة "الأشاعرة" وعلي جمهور الأمة الإسلامية باعتبارهم أشاعرة من حيث تفسير العقيدة الإسلامية ؟.
وعندما طالعت من جديد كتب ومؤلفات علمائنا الأعلام-رحمهم الله تعالي- وجدت شيخ الإسلام العالم التقي عز الدين بن عبدالسلام يقول في هذا المعني:إن البدع والآراء الفاسدة يجوز السكوت عنها مادامت خامدة ساكنة، فإن ظهرت وسارت وجب الابتدار إلي إنكارها وإبطالها،وتبيين الحق في ذلك،نصحا لدين الله،وعملا بكتاب الله تعالي،إذ يقول فيه:"ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"(سورة آل عمران الآية 104). وقد سار علي نهج العز بن عبدالسلام-رحمه الله تعالي- طائفة كبيرة من العلماء أيدوا آراء أهل السنة والجماعة في دفاعهم عن الدين بالمنقول والمعقول.
وبناء علي هذا فإني بمشيئة الله تعالي سأبين ما يظهر لي من خلال هذه المنظومة،وما فيها من آراء فاسدة لاتتفق مع قواعد الإسلام وشريعته السمحة،ولا مع سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي كلها دعوة بالحكمة،والقول اللين،والكلمة الطيبة،وكل ذلك بناء علي مصادر موثقة وأقوال كبار علماء المسلمين،وقبل الدخول في بيان بعض ما في هذه المنظومة من أقوال وأحكام فاسدة لابد لي من بيان من هو الأشعري؟ومن هم الأشاعرة؟ .
الأشعري:
اسمه ومولده : هو أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ينتمي إلي أسرة عربية نبيلة شريفة،ومن أجداده أبو موسي الأشعري الصحابي الجليل أحد الحكمين في صفين،ولد أبو الحسن بالبصرة نحو سنة 260هـ،له مؤلفات كثيرة منها:"الإبانة عن أصول الديانة،واللمع في الرد علي أهل الزيغ والبدع،ومقالات الإسلاميين،وغيرها من المصنفات المهمة في التوحيد وتفسير القرآن الكريم.
اتخذ الإمام أبو الحسن الأشعري موقفاً وسطاً في عقيدته بين أصحاب العقل،وأصحاب النص،وراح يناضل في سبيل آرائه المعتدلة،وأقواله السديدة إلي أن توفاه الله تعالي سنة 324هـ-رحمه الله تعالي.
صفاته:
كان أبو الحسن الأشعري ورعا تقياً زاهداً،حسن المعاشرة،فصيح اللسان،دامغ البرهان،حليما،جليداً علي العمل.
أما عبادته لربه-سبحانه-فحدث ولا حرج،فلقد روى لنا التاريخ أن الإمام أبا الحسن الأشعري ظل قريبا من عشرين سنة يصلي صلاة الصبح بوضوء العتمة،أي صلاة العشاء.
يقول ابن عساكر عن الأشعري: اتفق أصحاب الحديث أن الأشعري كان إماما من أئمة أصحاب الحديث،ومذهبه لا يخرج عن مذهب أهل الحديث .
الأشعرية :
ينسب مذهب الأشعرية إلي الإمام أبى الحسن الأشعري،ولكن الأشعرية ليست مذهباً جديداً،ولا مذهبا موازيا للاعتزال مثلا،ولكن الأشعرية رجوع إلي رأي أهل السنة والجماعة من المسلمين الأوائل-رحمهم الله تعالي .
أما العنصر المهم في الأشعرية فهو النظام الجدلي الذي استخدمه الأشعري وأتباعه في نصرة مذهب السنة؛إن مذهب الأشعرية في حقيقته مذهب وسط يأخذ مادته وأصوله من الإسلام،ويأخذ الحجاج والجدال والدفاع عن العقيدة من مقومات العقل،وأدوات الحوار .
إن القول الذي يقول به الإمام الأشعري وأتباعه،والديانة التي يدينون بها جميعا،هي التمسك بكتاب الله تعالي،وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم،وما روي عن الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان،وأئمة المسلمين من فقهاء ومُحَدِّثين،وهم بذلك معتصمون .
يقول الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه المهم:"الإبانة عن أصول الديانة"،"وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله،وبما جاءوا به من عند الله،وما رواه الثقاة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لانرد من ذلك شيئاً،وأن الله عز وجل إله واحد،لا إله إلا هو،فرد صمد،لم يتخذ صاحبة ولا ولدا،وأن محمداً عبده ورسوله،أرسله بالهدي ودين الحق،وأن الجنة حق،وأن النار حق،وأن الساعة آتية لاريب فيها،وأن الله يبعث من في القبور ".
وأن الله تعالي استوي علي العرش علي الوجه الذي قاله،وبالمعني الذي أراده،استواء منزها عن المماسة والاستقرار،والتمكن،والحلول،والانتقال،لا يحمله العرش،بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته،ومقهورون في قبضته،وهو فوق العرش،وفوق كل شئ إلي ثخوم الثرى،فوقية لا تزيده قربا إلي العرش والسماء،بل هو رفيع الدرجات عن العرش،كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى،وهو مع ذلك قريب من كل موجود،وهو أقرب إلي العبد من حبل الوريد وهو علي كل شئ شهيد .
وباختصار شديد فإن الأشاعرة المتقدمين منهم والمتأخرين ينزهون الله تعالي تنزيها كاملا،فالله جل وعلا ليس كمثله شئ ولا يحده مكان ولا زمان فهو خالق المكان والزمان،ولعل هذا هو سر بغض أولئك الحاقدين علي الأشعرية،لأن علماء المذهب الأشعري يخالفون الحشوية "المجسمة" والمشبهة وجهلة بعض المحدثين في نقطتين:
الأولي: أن الأشاعرة لا يؤمنون بالتشبيه والتجسيم في جانب المولي تبارك وتعالي،ولا يرفضون تأويل بعض الصفات في جانب الباري إذا كان ضروريا،أما الحشوية أي المجسمة والمشبهة ومن سار علي نهجهم فإنهم يشبهون الله تعالي بمخلوقاته،بل وبعضهم يجسمه تعالي الله عن ذلك علوا كبيراً،وأيضاً لا يؤولون لعدم قبول عقولهم بغير المحسوسات .
الثانية : علماء الأشاعرة استعملوا الأساليب العقلية للرد علي المبتدعة والمخالفين،أما مخالفوهم فيرفضون أسلوب علم الكلام،ويرونه بدعة محرمة لعدم فهمهم لمعني البدعة شرعاً !.
ومن هنا صارت آراء أهل السنة "الأشاعرة والماتريدية" هي الآراء المقبولة لدى الغالبية العظمي من الناس إلي وقتنا الحاضر،وبخاصة علماء الأمة الإسلامية الكبار من مشايخ الأزهر الشريف علي مر العصور،وعلماء جامع الزيتونة بتونس،وعلماء فاس بالمغرب،وعلماء جامع عبدالقادر بالجزائر وعلماء جامع عبدالسلام الأسمر بليبيا،وعلماء شنقيط بموريتانيا،وعلماء كثيرين من الدول الإسلامية في العالم .
فهل بعد هذا والأمر كما علمت أخي القارئ الكريم من ذلك الكم الهائل من العلماء الأكفاء الذين رضوا آراء الأشعرية عقيدة لهم مبنية علي كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم،هل بعد هذا يأتي أناس-قديما وحديثا- للنيل من الإمام الأشعري والأشعرية،ويتقولون عليهم،وينعتونهم بأوصاف لا تليق حتى بالمخالف في الدين،وكأن الأشعرية هي العدو الأول لهم ولا هم لهم إلا السب والشتم والتبديع في الأشعرية وإمامهم .
النونية..... وفقدان البصيرة
وصف القحطاني في النونية المنسوبة إليه أَهْلَ السُّنَّةِ:"الأشاعرة" بأنهم عَدَوْا مثل عدوان أهل السبت، أي أنه وصفهم باليهود،كما وصف آراءهم بأنها سحر،ووصفهم بأنهم لا يفقهون لأنهم لم يتصفوا بالحلم،ولا باتباع سنة الرسول صلي الله عليه وسلم،ولا بالتقوى،ولا بكف الأذي،ولا بفهم المعاني،وبأنهم آثروا الدنيا علي الدين،وغير ذلك من الأقاويل والافتراءات والأكاذيب التي غالبا ما تأتي علي ألسنة الشعراء الذين يتبعهم الغاوون،والذين يراهم الناس في كل واد يهيمون،أي في كل واد من أودية القيل والقال،وفي كل شعب من شعاب الوهم والخيال،وفي كل مسلك من مسالك الغي والضلال،يهيمون علي وجوههم لا يهتدون إلي سبيل معين من السبل،بل يتحيرون في فيافي الغواية والسفاهة،ويتيهون قي تيه المجون والوقاحة،دينهم تمزيق الأعراض المحمية،والقدح في الأنساب الطاهرة السنية,والغيبة في عباد الله الصالحين .
وليت صاحب هذا النظم –ولعله ليس القحطاني وإنما هو عنصر من عناصر بث الفرقة بين المسلمين-ليته كان من الذين استثناهم الله تعالي من جملة الشعراء،وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات-اقرأ الآية 227 من سورة الشعراء،فقد استثني الله تعالي الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون من ذكر الله تعالي،ويكون شعرهم في التوحيد،والثناء علي الله تعالي،والحث علي طاعته،والحكمة والموعظة،والزهد في الدنيا عن الركون إليها،وإلي الذين ظلموا.
وليته سار علي منهجية احترام الآخر المخالف له في الرأي،وعدم التعصب،وعدم الأنانية .
ولكن وللأسف الشديد لم نجد هذه المنهجية الراقية التي حددها القرآن الكريم،وبينها الرسول الأمين-صلي الله عليه وسلم-بل إننا نجد في أسلوب ومنهجية القحطاني،ومن سار علي طريقه ومن يؤيده التعنت،والتعصب،والغلو،والأنانية،وعدم احترام الآخرين،ويعتقدون في قرارة أنفسهم أن مذهبهم هو المذهب الوحيد-مذهب السلف الصالح-كما يزعمون-ومن أين يبدأ هذا المذهب إنه يبدأ من القرن السابع الهجري أي من ابن تيمية-رحمه الله تعالي-وابن القيم،ثم محمد عبدالوهاب،وابن عثيمين،وابن الباز!!.
أما ماقبل ابن تيمية فهذا تاريخ منسي،وتراث مهمل لدي المتعصبين،لقد نسي أو تناسي هؤلاء أن في هذا التاريخ الذي طمسوه،وهذا التراث الكبير الذي أخفوه الكثير من العلماء والفقهاء والمحدِّثين وعلماء العربية والأدب وغير ذلك هم أعلام وشموع مضيئة في سماء الإسلام في تلك القرون والعصور الزاهرة،إنها عصور الحضارة الإسلامية في أوج عظمتها .
إن الإنسان الباحث يصعب عليه إحصاء العلوم التي أتقنها شيوخ الإسلام،واستحقوا أن يوصفوا بوصف شيخ الإسلام أو حجة الإسلام .
ومن الجدير ذكره أن لقب شيخ الإسلام لا يطلق علي ابن تيمية-وحسب-ومع احترامنا وتقديرنا لابن تيمية-رحمه الله- فإن هناك الكثير ممن لقبوا بشيخ الإسلام في المذاهب الإسلامية المشهورة،وعلي سبيل المثال لا الحصر:شيخ الإسلام إبراهيم بن يعقوب ابن أبي نصر الكاشاني،وهو حنفي،ومن المالكية:شيخ الإسلام أبو عبدالله محمد بن محمد بن عرفة،ومن الشافعية:شيخ الإسلام عبدالعزيز بن عبدالسلام عز الدين الدمشقي،ومن الحنابلة: شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروى.
فهؤلاء العلماء المجتهدون،والمشايخ الفضلاء ساروا علي منهجية علمية غاية في الدقة حيث إنهم لم يسبوا الآخرين،ولم يبدعوهم،بل الاحترام هو السائد بينهم،وإذا حصل بينهم اختلاف مَّا في الأمور الفرعية الاجتهادية فالود بينهم قائم،ومحبة بعضهم بعضا موجودة .
ولكن هل طبق هذا المنهج العالي المغالون والمتشددون ؟........ يتبع
رد مع اقتباس رد مع اقتباس
23-12-2011, 15:46 #7 عبدالعزيز عبد الرحمن علي عبدالعزيز عبد الرحمن علي غير متواجد حالياً
طالب علم
تاريخ التسجيل
Apr 2010
المشاركات
754
اقرأ نونية القحطاني له أو لغيره،واستمع إلي ملقيها وهو يترنم بها في الفضائيات الإسلامية،وهو لايدري أو يدري وتعمَّد ذلك أن هذا سبٌّ لعباد الله الصالحين،وسباب المسلمين كفر كما ورد في السنة النبوية.استمعوا إليه وهو يوزع الألفاظ الجارحة بكل مفردات لغتنا العربية .
أخي القارئ وإن تعجب فعجب من الأساليب التي كلها وعيد وتحذير لا يمكن أن يصدقها ذوو العقول النيرة ...أما أن يصير الإنسان حية الوادي،وأفعة الصحراء،وأسد مجاهل إفريقيا،لينقضَّ علي خصمه!!،ومن هو خصمه؟!،إنه مسلم تقي نقي،يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بكل ما تعنيه هذه الشهادة الزاكية،ويؤدي كل مافرضه الله عليه،ويجتنب كل ما نهى الله عنه؛ويتبع سنة الحبيب المصطفى-صلي الله عليه وسلم-في كل أقواله وأفعاله،وتقريراته .
أما أن يصير المتعصب المتشدد الذي لايؤمن إلا بالمحسوس قرحةً قاتلةً في كبود الأشعرية !!.
أما أن يصير صاحب النونية،ومن علي شاكلته نازلا بصواعقه ونيرانه لحرق أكباد الأشعرية!!.
أما أن يصف القحطاني الأشعريَّةَ وأعْلاَمَها الكبار بأنهم أسفل الخلق،وبأنهم عمي وصم!!.
أما أن يتمنى صاحب هذه النونية لو كان أعمي حتي لايرى أي فرد من الأشاعرة،ويكون بذلك مسروراً!!.
فهذه اْلأَمَّاتُ كلُّها-إن صحت العبارة- لايمكن لذوي العقول النيرة،والقلوب الخاشعة تصديق ذلك بأي حال من الأحوال،ويقول العاقل الفطن:لا يمكن أن تصدر مثل تلك الأقاويل الزائفة عن مسلم يخاف الله تعالي،ويؤمن بيوم الحساب!!
ثم استمع أخي القارئ الفاهم إلي هذا الشاعر المغمور في هذه النونية الباهتة،وهو يقول في أحد أبياتها :
لَمْ أَدَّخِرْ عَمَلاً لِرَبيِّ صَالِحاً لَكِنْ بِإِسْخَاطِي لَكُمْ أَرْضَاني
فهو –بإقراره- لم يدَّخر عملاً صالحا ليوم لقاء الله تعالي،يوم لا ينفعه لا المذهب،ولا الفرقة،وإنما العمل الصالح الذي لم يدخر القحطاني منه شيئاً،ولكنه أوحي إليه أن الله أرضاه بسخطه علي الأشعرية وإمامهم!!إنه إيحاء شيطان الشعر !!.
يا الله!! ما أثقل هذا الكلام!! وما أصعبه علي النفس !!وما أبعده عن سماحة الإسلام،وجوامع كلمه-عليه الصلاة والسلام!!.
إن الإنسان الذي لديه مسكة من العقل لا يتصور أبدا أن يصل الغل،والحقد،والتعصب الأعمي بالإنسان المسلم إلي هذه الدرجة من الإسفاف ووصف إخوانه المسلمين من العلماء والأولياء والصالحين بألفاظ جارحة،ويتقول عليهم،ويسخر إمكاناته من النيل منهم،والطعن في أعراضهم،بدل احترامهم وتقديرهم،والوفاء لهم،والترحم عليهم،اقتداء بكتاب الله تعالي حيث يقول: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر الآية : 10].
بالله عليك-أخي القارئ الكريم-كيف تصدق تلك الأقاويل المبثوثة في ذلك النظم الباهت،أو في غيره من الأقاويل والمنشورات من أولئك الذين يزعمون أنهم سلفيون،والسلفية منهم براء؟!.
ثم بالله عليك مرة أخرى ما مدي تأثير مثل هذه المنشورات،وتلك المسموعات،والدعايات الفارغة ضد مذهب أهل السنة"الأشاعرة والماتريدية" في بعض القراء أو المستمعون-علي الأقل-؟.
ألا تكون مثل هذه الأقاويل المضللة سببا كبيرا للفرقة والتنازع بين المسلمين،وهذا ما يتمناه أعداء الإسلام والمسلمين.
ثم إن نشر مثل هذه النونية،وإذاعتها علي الناس في إذاعات وفضائيات عربية مسلمة ألا يكون سُّبة في جبين من نشرها،أو أعان علي نشرها،وعلي من يلقيها،ويترنم بها في صلت وتكبر !! ألا يخاف الله هؤلاء الذين رضوا بسب المسلمين،وشتمهم وغيبتهم،وهتك أعراضهم،ووضع الأكاذيب عليهم ومكَّنوا أصحاب العقول الفارغة،ففتحوا لهم أبواب قنواتهم الفضائية،وخصصوا لبرامجهم وقتا طويلا في تلك القنوات،واتخذوا مثل هذه النونية وردا يتلى علي الأسماع والأبصار بكرة وعشيًّا،وهم الذين ينكرون علي الصوفية المحمودة اجتماعهم من أجل الذكر وتسبيح الواحد الأحد ويعدون ذلك بدعة منكرة !!.
إنهم يصفون كثيرا من عباد الله بالبدعة،والشرك،والكفر،وغيرها من الألفاظ،ويوزعون ذلك بالجملة من غير قيد ولا شرط لا لشئ إلا لأنهم خالفوهم الرأي،ولم يسيروا علي مذهبهم الذي هو المذهب الذي لا مذهب بعده ولا قبله !!.
هذا ومن المفارقات العجيبة الغريبة أن بعض هذه الفضائيات من بني جلدتنا التي تقوم بمجهودات ممتازة من أجل الدفاع عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالي عنها،وعن أبيها،وعن كافة نساء النبئ-صلوات ربي وسلامه عليه-بسبب ما يصدر من المرجفين المزورين أعداء آل البيت عليهم السلام من أكاذيب وأراجيف عن السيدة الطاهرة حبيبة المصطفى صلي الله عليه وسلم،وأم المؤمنين-رضي الله عنها وأرضاها،وقد برأها الله في كتابه الكريم الذي يتلي إلي يوم الدين .
إن ما يصدر من الشيعة الاثني عشرية بخصوص صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ولعنهم وشتمهم كل ذلك مردود عليهم،وسيلقون يوم الحساب الأكبر ما يستحقونه من العذاب المهين بسبب مايتقولون به علي الصحابة الكرام-رضي الله عنهم جمعيا- وعلي أزواج رسول الله صلي الله عليه وسلم لأنهن من آل بيته عليه الصلاة والسلام .
قلت إن الشيعة الاثني عشرية أعداء آل البيت لأنهم فعلا أعداء لهم،وإلا فكيف تصدر منهم تلك الأقاويل الزائفة في حق الصحابة وأزواج الرسول صلي الله عليه وسلم،والرسول نفسه يحب صحابته ويبشرهم بالجنة،ويحب أزواجه،كما يحب فاطمة،والحسن والحسين،وعلي بن أبي طالب-رضي الله عنهم أجمعين .
إذن هم يبغضون الصحابة فهم علي غير منهج رسول الله صلي الله عليه وسلم.
إننا نحن -المسلمين- نحب الله تعالي،ونحب رسوله الأمين محمداً صلي الله عليه وسلم،أكثر بكثير من حبنا لأنفسنا وأهلينا وذرياتنا،ونحب آل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم جميعهم حمزة والعباس وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة الزهراء وخديجة،ونحب جميع نساء النبئ،ونحب ونجلُّ صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم أبا بكر الصديق،وعمر الفاروق،وعثمان بن عفان،وعلي بن أبي طالب،هؤلاء الخلفاء الأربعة المشهود لهم بالجنة،ونحب بقية الصحابة ممن شهدوا الغزوات مثل البدريين،والذين رضي الله عنهم المبايعين للرسول صلي الله عليه وسلم تحت الشجرة، وجميع المهاجرين والأنصار لأنهم نجوم مضيئة في تاريخ الإسلام-رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم .
أقول إن بعض الفضائيات العربية،وبلسان عربي قامت بتلك المجهودات ولا تزال من أجل الدفاع عن الصحابة،وعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.لكنها هي القناة نفسها التي تبث ما أشرت إليه سابقاً،من مثل تلك النونية وغيرها من التعرض للأشعرية والأشعري ووصفهم بأوصاف لا تليق بالمسلم، ألا يعد ذلك من قبيل المفارقات فعلا يبنون من جهة،ويهدمون من الجهة الأخرى،وهذا لا يتصور إلا من سفيه أو مجنون،وإلا فكيف يبدأ الإنسان في بناء بيت له ولأسرته،فإذا ما تم بناء جزء منه،وبدأ في الجزء الآخر يرجع إلي الجزء الأول لهدمه .
إن مثل تلك الفضائية-ولا داعي لذكرها فهي تعرف نفسها-بل وغيرها- تأتي بالليل لتقيم اتجاها معاكسا،للرد علي مفتريات الشيعة الاثني عشرية،وهذا منها شئ جميل وتشكر عليه،ويكتبه الله تعالي-إن شاء- في ميزان حسناتها،لكنها تأتي بالنهار،ويبدأ قارئ المنظومة النونية ليرتل ويتغني بالمقامات كلها وهو جذل فرحان لأنه –في نظره- أدي مهمة كبيرة وهي التعرض لأعراض إخوانه المسلمين أهل السنة والجماعة"الأشاعرة والماتريدية"، ولا يدري أنه ارتكب إثما عظيماً،وسبَّبَ شرخاً كبيرا في الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس !.
يضاف إلي ذلك فإن إعلام تلك الفضائية يوجه دعوة إلي جميع المسلمين ليسجلوا أسماءهم لدي المدافعين عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-.
يا للغرابة!! أنت بالنهار ترتل علينا في قناتك أن الأشعرية هم أسفل الخلق،وأنهم عمي وصم!!وتطلب منهم أن يكونوا معك؛هذا شئ غريب !.
ألا يدور بخلد هؤلاء وأولئك أن الأشعرية هم السواد الأعظم من المسلمين؟ألا يعلمون أن إفريقيا كلها أهلها يتبعون المدرسة الأشعرية في تفسير العقيدة الإسلامية؟وأن الكثير من دول آسيا الإسلامية هي تتبع المدرسة الأشعري ؟.
إن المذهب الأشعري بعلمائه وطلابه لم نسمع عنهم-حسب علمي- سبًّا،أو شتما،أو تكفيراً إلا بحقه لأصحاب المذاهب الأخري،فهم يحترمون كل العلماء المجتهدين علهم يكونون علي صواب.
وكان أسلوب الحوار والجدال الأحسن هو الذي يسود بينهم في مناظراتهم ومجادلاتهم حتى مع الزنادقة واليهود والنصارى،هكذا أفادتنا المدرسة الأشعرية بهذه المنهجية الراقية المبنية علي منهج القرآن الكريم وهدي الرسول الأمين صلي الله عليه وسلم،وهكذا علمنا أساتذتنا في الجامعات الإسلامية وفي الأزهر الشريف،علَّمونا الأدب،واحترام الآخرين،تعلَّمنا من هؤلاء الشيوخ الكرام شيوخ الجامعة الأزهرية من أمثال: الشيخ العالم التقي الدكتور عبدالحليم محمود-رحمه الله تعالي-والشيخ الدكتور علي جبر،والشيخ الدكتور عبدالعزيز عبدالله عبيد،والشيخ الدكتور عوض الله حجازي،والشيخ الدكتور موسى شاهين لاشين،والشيخ الدكتور مصطفى عمران،والشيخ الدكتور محمد شمس الدين،وغيرهم كثير-رحمهم الله جميعا-كل هؤلاء علموننا العلم مع المنهجية الصحيحة مع الآخرين .
أما علماء الأشعرية الأوائل متقدميهم ومتأخريهم فحدِّثْ عنهم ولا حرج،مصنفاتهم ومؤلفاتهم تشهد لهم بالعلم الغزير،والرأي السديد،والحكمة البالغة،ومن منَّا لا يعرف قدر إمام المذهب أبي الحسن الأشعري والباقلاني،والجويني،والغزالي،والنسفي،والرازي،والإي جي،وابن حجر،والنووي،والشاطبي،وكثير غيرهم فهم علماء أعلام،وأصحاب عقول نيرة،ونفوس زكية،قدموا لأنفسهم ومعاصريهم علوما مفيدة،وتركوا لنا تراثا خالدا لا يزال أفراد الأمة ينهلون منه،ويبنون تفكيرهم عليه،جزاهم الله عن العلم وأهله خير الجزاء .
إن الأمة الإسلامية في حاجة ماسة في هذا العصر بالذات إلي من يوحدها علي كلمة سواء،إنها في حاجة إلي منهجية القرآن الكريم:الحوار،والحكمة،والموعظة الحسنة،والجدال الأحسن،إنها في حاجة إلي أمثال علمائنا المعاصرين من أمثال: الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي،والشيخ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية،والشيخ الدكتور محمد عبدالفضيل القوضي،والشيخ الدكتور حسن الشافعي،والدكتور محمد عمارة،والدكتور محمد سليم العوا،والشيخ الدكتور محمد سعيد البوطي،والدكتور محمد عز الدين الغرياني،والدكتور فاتح زقلام،والدكتور عبدالسلام أبو ناجي والدكتور عمران العربي،والدكتور أحمد أبو حجر،والدكتور ضو محمد بوني،وغيرهم كثير ممن لم تحضرني أسماؤهم،من البلاد العربية والإسلامية .
بارك الله فيهم جميعا وأمدَّهم بعونه وتوفيقه،وأعانهم علي ما يبذلونه من جهد في سبيل الدفاع عن أهل السنة والجماعة"الأشاعرة" .
وفي الختام أقول إني العبد الضعيف الراجي عفو ربه ورحمته،فإني كتبت هذا من أجل بيان الحق والحقيقة حسب الطاقة البشرية،بعدما مضي من عمري أكثر من ستين سنة قضيتها في حفظ القرآن الكريم وطلب العلم وتدريسه،فقد درست في الجامعات المقررات الإسلامية من فقه،وحديث،وعلم توحيد،ومقارنة الأديان،وغيرها،وبخاصة فيما يتعلق بعلم العقيدة الإسلامية وما يتعلق بالفرق الإسلامية،وبعد رحلتي مع العلم في تلك المدة الطويلة رأيت من الواجب علي أن أقدم النصيحة لله ورسوله وعامة المسلمين وخاصتهم حسب خبرتي في هذه الحياة الدنيا،أقول والله شاهد علي ذلك أن دين الإسلام الذي رضيه الله تعالي للعالمين،وجعله خاتم الأديان،فلا دين بعد دين الإسلام،ولا رسول أو نبئ بعد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم .
وهذا الدين الخاتم إنما بني علي مصدرين أساسين مهمين،هما الكتاب والسنة،ففيهما صلاح الأمة ونجاة الإنسانية،من عمل بهما وسار علي نهجيهما فقد فاز،نؤمن إيمانا لايقبل الشك بكل الأصول والثوابت الواردة فيهما من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره وغيرها من الأصول الإسلامية .
أما ما يتعلق بالمسائل الفرعية التي هي محل الاجتهاد والنظر،فإننا نحترم كل الآراء الواردة فيها،ونصوِّبُ منها ما يكون قريبا من المصدرين المنوه عنهما .
وأقول إني مع فهم أولئك العلماء الأعلام في تفسير العقيدة،لأن مذهب الأشعري أو غيره إنما دوره هو التفسير والتوضيح،أما العقيدة الإسلامية نصا وروحا فهي من القرآن الكريم وسنة خير المرسلين فيكفي الإنسان أن يقول :"أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله مصدقا بها من قلبه،مؤمنا بكل ما علم من الدين بالضرورة،والمراد بالتصديق الإذعان والرضي والقبول والارتياح النفسي لهذه العقيدة عاملا بمقتضي هذه الشهادة،من حيث العمل بكل ما أمر الله به،واجتناب كل ما نهي الله عنه ".
اللهم اجعل خير عمرنا آخره،اللهم زدنا علما وتقوى،وأبعد عنا كل شر وبلاء،اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن،ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات،ونعوذ بك من فتنة القبر .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين
كتبه الأستاذ الدكتور / سالم محمد مرشان