أبو إسماعيل يعد واحدًا من أكثر النماذج غرابةً فى التاريخ السياسى.. فهو المرشح الوحيد الذى لا يملك أية وسيلة إعلامية تدافع عنه.. والكل ضده: الحكومة والإعلام والبرلمان.. ويخضع يوميًّا لحفلات تعذيب ليلية على فضائيات "الفلول".. وفى وقت كشف ترشح عمر سليمان أن الخارجية هى "خارجية مبارك" والداخلية "شرطة الهانم".. والإعلام الرسمى لا يزال يدين بالولاء لصفوت الشريف.. وحملت غالبية الأدوات الرسمية المناط بها إدارة انتخابات الرئاسة ذات جينات "لجان مبارك"، حين تحوَّلت إلى أداة بطش وعصا الطاغية الغليظة.
يوم أمس الأول كان واحدًا من أجمل أيام التاريخ المصرى، ليس انحيازًا لهذا المرشح أو ذاك، وإنما لأسباب أخرى تتعلق بعودة الأمل فى أن يحقق المصريون ـ بمُضى الوقت ـ أشواقهم وأحلامهم فى دولة "محترمة"؛ وذلك لأن حكم القضاء الإدارى يعد واحدًا من أهم الأحكام التى صدرت فى تاريخ القضاء المصرى، إذ صدر وسط حملات ترويع إعلامى ورسمى غير مسبوقة كلها استهدفت التأثير فى القاضى ودفْعه فى اتجاه النزول عند رأى "الفلول"، وليس عند "الحق"، غير أن محكمة وعدالتها كانت حقًّا تجسيدًا لشعارها المثبت على جدران المحاكم "عمياء" لا ترى ولا تدور إلا حيث كانت الحقوق.
ولو كان عند إعلامى "مبارك" ذرة إحساس أو وطنية لَسرَّهم الحكم مهما كان أبو إسماعيل مفزعًا ومخيفًا لهم؛ لأن المسألة لم تكن تتعلق بشخصه وإنما باختبار كبير للقضاء المصرى، وفى أجواء تعرّض فيها لحملات "إرهاب" انتزعت الثقة بعدالته قبل أن ينطق القاضى الجليل والكبير بحكمه الذى زلزل عروش سدَنة الإعلام المموّل بالمال الطائفى والتطبيعى والمنهوب من البنوك وودائع غلابة المصريين.
مبروك أيضًا لصحيفة "المصريون" ولكتيبة المقاتلين والمناضلين من صحفييها وكُتّابها الذين وقفوا وحدهم أمام هذه الموجات العاتية من معاول الهدم؛ وليدافعوا عن الحق، وليردوا المظالم إلى أهلها، ويحموا مصر ـ بعد الثورة ـ من "عصابة مبارك" ومرتزِقته المنتشرين على كل مؤسسات الدولة المالية والإعلامية والأمنية
مبروك لـ"أبو إسماعيل".. وللقضاء المصرى ولـ"المصريون" ولمصر كلها.