السلام عليكم و رحمة الله
اريد منكم تقييم لهاته المقالة بسرعة ارجوكم وهل هي جيدة لاحفظها و بارك الله فيكم
المقالة:
تعد الرياضيات من العلوم العقلية التي عرفها الإنسان قديما ، و هي عبارة عن علم برهاني مجرد يدرس الكم بنوعيه :المتصّل و المنفصل ، و ما يميز نتائجها الصدق والدقة و اليقين ، و هذا ما جعلها لغة يتطلع إلى اكتسابها كلّ تفكير علمي ناشئ ، لذلك اعتبرها أفلاطون شرطا لكلّ معرفة فقال : لا يطرق بابنا من لم يكن رياضيا ، لكن هناك من المفكرين من رأى بتراجع اليقين الرياضي بسبب تعدد أنساقها و نزول نتائجها إلى مستويات نسبية لاسيما بعد إقحام صيغها ومعادلاتها في أبحاث تجريبية ، و إزاء هذا الجدل حول مطلقية أو نسبية المعرفة الرياضية يطرح الإشكال على النحو التالي : هل للمعرفة الرياضية حدود ؟
2/ التوسيع : (محاولة حلّ المشكلة )
أـ عرض منطق الأطروحة :
لم تعد الحقائق الرياضية نموذجا للدقة و اليقين ، فقد آلت ـ مثل غيرها من العلوم ـ إلى التعدد والنسبية ، و مع ظهور أنظمة معاصرة مختلفة في الرياضيات أصبح أي بناء رياضي منظور إليه على أنه مجرد نسق " فرضي استنباطي " أي قائم على أسس افتراضية .
أ 1 الحجة :
و تراجع صفة اليقين في المعرفة الرياضية تؤكده حقيقة الأنظمة الهندسية المتعددة ، و التي بدّد ظهورُها ـ في العصر الحديث ـ الاعتقاد الذي كان شائعا حول مثالية الهندسة الإقليدية الكلاسيكية على أنها حقيقة لا مثيل لها ، لاسيما اعتقاد ديكارت . و أهم هذه الأنظمة :
هندسة العالم الرياضي الروسي " لوباتشفسكي " N.I.Lobatchevsky أقامها بناءً على تصوّر مقعر للمكان ، و تبعا لهذا التصور أصبح من نقطة خارج مستقيم يمر أكثر من مستقيم مواز له ، و أن مجموع زوايا المثلث أقل من 180 درجة ، بالاضافة إلى هندسة العالم الألماني ريمان B.Riemann و التي من مسلماتها : أنه ليس بالإمكان رسم أيّ مواز من نقطة خارج مستقيم ، و أنّ مجموع زوايا المثلث أكثر من 180 درجة ، ذلك أن المكان الذي يتصوّره هذا العالم هو مكان كروي ، و عن هذا التعدد في مجال الهندسة يقول بولغان : Bouligand :" إن كثرة تعدد الأنظمة في الهندسة ، لدليل على أن الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة "
كما أن دقة الرياضيات هي حالة لا تنطبق إلا على الصيغ و العلاقات المجردة المفارقة للواقع ، لكنها بمجرد ارتباطها بوقائع تطبيقية تنقلب إلى " تقريبيات " ، فالعدد π الذي يمثل القيمة 3.14 أي 22/7 هو في الحقيقة أكثر من قيمته التي وضعت له ، لأن هذه القيمة إذا ضربناها في العدد 7 لا تساوي 22 بل تساوي عددا لا يتناهى في الاقتراب من 22 ،
ولمّا كان الواقع هو مزاجا من مؤثرات فيزيائية و حيوية و إنسانية متغيرة ، فإن محاولة تحليل قضاياه تحليلا رياضيا تنزل دون مستوى الدقة المعهودة في الرياضيات المحضة . و بهذا الصدد يقول مالبرانش : " إن الطبيعة ليست مجردة أبدا "
أ2 نقد الحجة :
و عليه فاليقين الرياضي بالنسبة للمشككين فيه ، تقوّض مع ظهور الأنظمة المتعددة في الهندسات المعاصرة القائمة على انشاءات عقلية استنباطية (افتراضية) ، و أيضا تراجع على إثر إقحام مفاهيمها المجردة ضمن تطبيقات تجريبية واقعية .
غير أن هذا التعدد النسقي ليس مبررا لتراجع اليقين الرياضي ، فهو تعدد لا يقضي على يقين كل نسق من الأنساق على حدا ، فجميعها إنشاءات متسقة تخلو من أي تناقض داخلي .
و ارتباط الرياضيات بتطبيقات تجريبية ليس تقليل من يقينها بقدر ما هو تأكيد على دورها في تطوير كثير من العلوم التجريبية .
ب ـ نقيض القضية :
إذن الرياضيات هي علم متماسك في ذاته ، و هو نموذج للوضوح و اليقين ، و حقيقة مستقلة عن الظواهر الذاتية و الوقائع المعاشة ، و لعلّ ذلك هو السبب الذي جعلها أكثر العلوم تقدما .
ب 1ـ الحجة :
إن المفاهيم الرياضية واضحة بذاتها ، و إنشاءات عقلية مجردة لا تستند في بناء براهينها على معطيات الواقع التجريبي ، بل تستند على مبادئ أساسية تجريدية كالتعريفات و البديهيات والمصادرات ، فالتعاريفات في الرياضيات لا يجب تتناقض مع شكل نسقها الافتراضي مهما كان نوعه ، فإذا سلّمنا بأن السطح مستو ٍ ، و أن المكان يتمتع بأبعاد ثلاثة فإن تعريف المثلث و تعريف الزاوية و تعريف المستقيم ... سيتماهى و يتشكل بناءً على تصورنا للسطح ، و عن دقة هذه التعريفات يقول كانط : " إن الرياضيات تنفرد وحدها في امتلاك التعريفات و لا يمكن أبدا أن تخطئ "
و ليس غريبا أن تطمح جميع العلوم الناشئة في أن تكون نتائجها من حيث الدقة مماثلة لدقة نتائج الرياضيات ، و العلوم التجريبية كالفيزياء مثلا لم تصل إلى ما وصلت إليه الآن إلا بتطبيق المفاهيم الرياضية على قضاياها ، و هذا تأكيد على أن لغة العلم هي لغة الكم الرياضي ، و أن العلم ذاته ليس إلا تقدير كمّي للظواهر المادية . يقول هنري برغسون : " إن العلم الحديث وليد الرياضيات ، و أن أيّ علم ما كان لينشأ إلا يوم تمكّن الجبر من اصطياد حقائق العلم و إيقاعها في شباكه " و هنا إشارة واضحة إلى أن الفيزياء الرياضية و الكيمياء الرياضية قد تحوّلت من طور التجريب إلى طور التجريد بفضل المفاهيم الرياضية ، و أن العلم لا يتقدم إلا بشرط تكميم ظواهره ، و هذا الموقف هو بمثابة تأسيس جديد للمقولة الفيثاغورية القديمة التي ترى : " أن الأعداد تحكم العالم "
ب 2 ـ نقد الحجة :
و مما لاشك فيه أن ما تقدمه الرياضيات للعلم ، لا يمنحها فقط مرتبة الصدارة أمام أي علم ، بل استعارة مفاهيمها ـ بالنسبة لكل علم ـ هي شرط لتقدمه . لأن الأثر الأول للرياضيات يظهر في تحويل الكيفيات إلى كميّات .
غير أن المعرفة الرياضية بصورة خاصة لا تكتسي مواصفات يقينية مطلقة ، إلا في سياق منطلقاتها ومبادئها " أمّا إذا تمّ توظيفها تجريبيا ـ أي عندما تحتك ّ بالمتغيرات ـ تؤول إلى النسبية و الاحتمال .
ج ـ التركيب :
و عليه فإن الرياضيات ـ بالمقارنة مع العلوم الأخرى ـ ليس ليقينها حدود ، فهي علم يتصف بالصدق والثبات ، على الرغم من تعدد المنطلقات الافتراضية للأنساق الهندسية ، و لا يمكن أن نتصور تراجع هذا اليقين إلا حين يرتبط بالوقائع التجريبية ، لأن هذه الأخيرة تجبره بمتغيراتها على النزول عند مستوياتها النسبية .
3/ الخاتمة : (حلّ المشكلة )
و في الخلاصة يجب التأكيد على أن الرياضيات مهما تعددت أشكالها و أنساقها ، تبقى ذلك العلم الموثوق بنتائجه ، والمعصوم من أي تناقض داخلي أي في سياق براهينه ، و هذا ما جعل منها ـ بتعبير بوانكاريه ـ لغة يتكلم بها كل ّ من في العالم" و يطلع إلى اكتسابها كل معرفة ناشئة ، و بموجب وفائها المطلق لمبدأي الهوية وعدم التناقض تبقى الرياضيات " يقينا ليس له حدود "
و أيهما احسن هي ام هذه