معنى اسم الله تعالي الرحمن و الرحيم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

معنى اسم الله تعالي الرحمن و الرحيم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-12-09, 17:46   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18 معنى اسم الله تعالي الرحمن و الرحيم

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

يا صفوة الطيبين
جعلكم ربي من المكرمين
ونظر إليكم نظرة رضا يوم الدين

.



اخوة الاسلام

تقدم شرح الاسماء التالية


معنى اسم الله : العزيز

معنى اسم الله تعالى. الحكيم

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأحد"

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأكرم"

كيف نعمل بمقتضى اسم الله الأول

كيف نعمل بمقتضى اسم الله الأعلى

معنى اسم الله عز وجل المقيت

معنى اسم الله عز وجل القدوس

معنى اسم الله عز وجل الواسع

معنى اسم الله عز وجل الوكيل

معنى اسم الله عز وجل الشهيد

معنى اسم الله عز وجل الملك

معنى اسم الله تعالى الجبار

معنى اسم الله تعالى السلام

معنى اسم الله عز وجل المؤمن

معنى اسم الله تعالى المهيمن

معنى اسم الله تعالى المتكبر والكبير

معنى اسم الله عز وجل الخالق

معني اسم الله تعالي البارئ

معني اسم الله عز وجل المصور

معنى اسم الله عز وجل الغفار

معني اسم الله تعالي القهار

معني اسم الله عز وجل الوهاب

معنى اسم الله تعالي الرزاق

معنى اسم الله تعالي الفتاح

معني اسم الله عز وجل العليم

معنى اسم الله تعالي الخافض و الرافع

معني اسم الله تعالي القابض و الباسط

اسم الله تعالي المعز و المذل




.








 


رد مع اقتباس
قديم 2019-12-09, 17:48   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

معني اسم الله تعالي الرحمن و الرحيم

النهج الأسمى (1/ 75 - 87)

النور الأسنى (1/ 46 - 68).

المعنى اللُّغويُّ:

الرَّحمةُ هي الرِّقَّةُ والتَّعطُّفُ

والاسمانِ مُشتقَّانِ من الرَّحمةِ على وَجْهِ المُبالغةِ.

و (رحمن) أشدُّ مبالغةً مِن (رحيم)؛

لأَنَّ بناءَ (فعلان) أشدُّ مبالغةً مِنْ (فعيل)

ونظيرُهما نديمٌ وندمَانُ.

وفي كلام ابنِ جريرٍ ما يُفهمُ منه حكايةُ الاتِّفاقِ على هذا

جامع البيان (1/ 43).

واتَّفق أكثرُ العلماءِ على أَنَّ اسمَ (الرحمن) عربيٌّ لفظُه.

وقال ابنُ الحصارِ بَعْدَ سرْدِهِ للحديث القدسيِّ:

"أَنَا الرَّحْمَنُ؛ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَها اسْمًا مِنِ اسْمِي...": "فقد دَلَّ هذا الحديثُ الصحيحُ على الاشتقاقِ، فلا معنى للمُخالفةِ والشِّقاقِ"

الكتاب الأسنى (ورقة 254 ب).

وقال ثعلبٌ:

"إِنَّه عِبْرانيُّ الأَصْلِ، وكان رخمانا بالخاءِ المُعجمة"

النهاية لابن الأثير (2/ 207)

ولسان العرب (3/ 1611).

أما إنكارُ كُفَّارِ قريشٍ يومَ الحُديبيةِ

لما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: "اكْتُبْ: بِسْمِ الِله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"

فقال سُهيل: أَمّا (الرحمن) فواللهِ ما أدري ما هي، ولكن اكتُبْ: باسمِكَ اللهُمَّ، كما كنتَ تكتبُ

رواه البخاري (2731، 2732)

والتصريح بأن الكاتبَ هو عليٌّ كرم الله وجهه جاء في روايةٍ أخرى للبخاري أيضًا برقم (2698).

وفي قولِه تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60].

فالظاهرُ: أَنَّه إنكارُ جحودٍ وعنادٍ وتعنُّتٍ، ومما يدُلُّ على أنهم كانوا يعرفون هذا الاسم

قوله تعالى حكاية عنهم: ﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ﴾ [الزخرف: 20].

وقَدْ جاءَ في بعضِ أشعارِ الجاهليةِ، كقول سلامة بن جندب الطهوي:

عَجِلْتُمْ عَلَيْنَا إِذْ عَجِلْنَا عَلَيْكُمُ ♦♦♦ وَمَا يَشَأِ الرَّحْمَنُ يَعْقِدْ ويُطْلِقِ

وقد ردَّ ابنُ جريرٍ بشدَّةٍ على مَنْ قال: إِنَّ العربَ كانت لا تعرِفُ (الرَّحمنَ)

فقال: "وقد زعمَ أهلُ الغباءِ أَنَّ العَربَ كانت لا تَعرِفُ الرحمنَ" اهـ، وبَيَّنَ أَنَّ ذلك كان جحُودًا

جامع البيان (1/ 44).


ورودُ الاسمَينِ في القرآنِ الكريمِ:

ذُكر (الرَّحمنُ) في القرآنِ سبعًا وخمسين مَرَّةً

منها قولُه تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].

وقوله سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 93].

وقوله: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5].

وقوله: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 26].


وأما اسمُه (الرَّحيمُ) فقد ذُكِرَ مائةً وأربعَ عَشْرةَ مرّةً منها:

قولُه تعالى: ﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 54].

وقولُه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].

وقولُه سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، وهو كثيرٌ في الكتاب

انظرْ مثلًا [البقرة: 173] [البقرة: 182] [البقرة: 199].

وقولُهُ تعالى: ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 129]

وقولُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39].

وقولُه تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90].

وقولُه: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ تردَّدَتْ مِرارًا في (الشعراء).

وقولُه: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28].

وقولُه: ﴿ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [الإسراء: 66].









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-09, 17:50   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


معنى الاسمَينِ في حقِّ اللهِ تعالى:

الاسمانِ كما قلنا مُشتقَّانِ مِنَ الرَّحمةِ و (الرَّحمنُ) أشدُّ مُبالغةً من (الرَّحيمِ)، ولكِنْ ما الفرقُ بينهما؟

هناك قولانِ في الفرقِ بين هذينِ الاسمينِ:

الأولُ: إِنَّ اسمَ (الرَّحمنِ): هو ذو الرَّحمةِ الشاملةِ لجميعِ الخلائقِ في الدُّنيا وللمؤمنينَ في الآخرةِ.

و(الرَّحيمُ): هو ذو الرحمةِ للمؤمنين يومَ القيامةِ، واستدلوا بقولِه تعالى: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ﴾ [الفرقان: 59].

وقوله: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، فذكَرَ الاستواءَ باسمِهِ (الرَّحمنِ) ليعُمَّ جميعَ خلقِهِ برحمتِهِ.

وقال: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، فخصَّ المؤمنين باسمه (الرَّحيم)

انظر: جامع البيان (1/ 43)

وقد ذكر أقوالًا أخرى، إن شئت فراجعها (ص: 44 - 45).

ولكِنْ يَشْكُلُ عليه

قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].

القولُ الثاني: هو أَنَّ (الرَّحمَن) دالٌّ على صفةٍ ذاتيةٍ و (الرَّحيمَ) دالٌّ على صفةٍ فعليةٍ.

قال ابنُ القيِّم رحمه الله: "إِنَّ (الرَّحمَن) دالٌّ على الصفةِ القائمةِ به سُبْحَانَهُ

و (الرَّحيمَ) دالٌّ على تعلُّقِها بالمَرْحُومِ، فكان الأولُ للوصفِ والثاني للفعلِ.

فالأولُّ دَالٌّ على أَنَّ الرَّحمَةَ صِفَتُه، والثاني دَالٌّ على أَنَّه يرحَمُ خَلْقَهُ برحمَتِهِ.

وإِذا أَردْتَ فَهْمَ هذا فتأمَّلْ قولَهُ: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]

﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]

ولم يَجِئْ قَطُّ "رحمنُ بهم" فعُلِمَ أَنَّ (رحمنَ) هو المَوصُوفُ بالرحمةِ و(رحيم) هو الرَّاحِمُ برحمتِه.

وهذه نُكتةٌ لا تكادُ تجدُها في كتابٍ وإِن تنفسْتَ عندها مرآةَ قَلبِك لم يَنْجَلِ لك صورتُها" اهـ

بدائع الفوائد (1/ 24).

و(الرَّحمنُ) من الأسماءِ التي مَنَعَ اللهُ من التسميةِ بها

كما قال: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]

فعادلَ به الاسمَ الذي لا يشركهُ فيه غيرُه وهو (الله).

وقال ابنُ أبي حاتمٍ:

"حدَّثنا أبو سعيدٍ يحيى بنُ سعيد القطّانُ، حدثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، حدثني أبو الأشهبِ، عن الحسن قال: (الرَّحمنُ) اسمٌ لا يستطيعُ الناسُ أن ينتحِلوه، تَسمَّى به تبارك وتعالى"

وأورده ابن كثير في تفسيره (1/ 21) وإسناده حسَن.

ولذا فلا يجوزُ أَنْ يُصْرَفَ للخلقِ.

وأما (الرَّحيمُ) فإِنَّه تعالى وَصَفَ به نبيَّه صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قال: ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، فيقالُ: رَجُلٌ رحيمٌ، ولا يقال: رَحْمَنُ.

قال ابنُ كثيرٍ:

"والحاصِلُ أَنَّ مِنْ أسمائِهِ تعالى ما يُسمَّى به غيرُه، ومنها ما لا يُسمَّى به غيرُه، كاسمِ اللهِ والرَّحمنِ والخالقِ والرازقِ ونحو ذلك؛ فلهذا بدأ باسمِ اللهِ ووصفَهُ بالرَّحمنِ

لأنه أخصُّ وأعرفُ من الرحيمِ؛ لأَنَّ التسميةَ أولًا تكونُ بأشرفِ الأسماءِ؛ فلهذا ابتدأَ بالأخصِّ فالأخص" اهـ

أورده ابن كثير في تفسيره (1/ 21)


إثباتُ صِفَةِ الرَّحمةِ للهِ ربِّ العالمين:

مِنْ صفاتِ الله الثابتةِ بالكتابِ والسُّنَّةِ "الرَّحمةُ"

وهي صفةُ كمالٍ لائقةٌ بذاتِهِ كسائرِ صفاتِهِ العُلى

لا يجوزُ لنا أَنْ ننْفِيَها أو نُعطِّلَها

لأَنَّ ذلك مِنَ الإِلحادِ في أسمائِهِ.

وأمَّا قولُ الزَّمخْشريِّ وأصحابِه

أَنَّ الرَّحمةَ مجازٌ في حَقِّ اللهِ تعالى

وأَنَّها عِبارةٌ عن إِنعامِهِ على عبادِهِ

انظر: الكشاف (1/ 45).

فهي نَزْعَةٌ اعتزاليّةٌ قد حَفِظَ اللهُ تعالى منها سلفَ المسلمين وأئمةَ الدِّينِ؛ فإنهم أقرُّوا ما وَرَدَ على ما وَرَدَ، وأثبَتوا للهِ تعالى ما أثبتَهُ له نبيُّه صلى الله عليه وسلم مِنْ غيرِ تَصَرُّفٍ بكنايةٍ أو مجازٍ

وقالوا: لسنا أغيرَ على اللهِ مِن رسولِه

انظر: روح المعاني (1/ 60).









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-09, 17:52   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

ولعظيمِ فائدتِها فإنا نسوقُها إليكَم باختصارٍ:

الرَّدُّ الأول: إِنَّ الإلحادَ إما أَنْ يكونَ بإنكارِ لفظِ الاسمِ، أو بإِنكارِ معناه، فإِنْ كانَ إِنكارُ لفظِهِ إلحادًا فمَنِ ادَّعى أنَّ (الرَّحمن) مجازٌ لا حقيقةَ فإِنَّه يجوّزُ إطلاقَ القولِ بنفيها فلا يَستنْكِفُ أَنْ يقولَ ليس بالرَّحمنِ ولا الرَّحيمِ

كما يصحُّ أَنْ يُقالَ للرَّجُلِ الشُّجاعِ ليس بأسدٍ على الحقيقةِ

وإِنْ قالوا: نتأدبُ في إطلاقِ هذا النفي فالأدبُ لا يمنعُ صِحَّةَ الإطلاقِ، وإنَّ الإلحادَ هو إنكارُ معاني أسمائِهِ وحقائِقِهَا، فقد أنكرتُم معانيها التي تدل عليها بإطلاقِها

وما صَرَفتموها إليه من المجازِ فنقيضُ معناها، أو لازمٌ مِنْ لوازمِ معناها، وليس هو الحقيقةَ ولهذا يصرِّحُ غلاتُهم بإنكارِ معانيها بالكليّةِ ويقولون: هي ألفاظٌ لا معانيَ لها.

الرَّدُّ الثاني: إِنَّ هذا الحامِلَ لكم على دَعْوى المجازِ في اسمِ الرَّحمنِ هو بعينِه موجودٌ في اسم العليمِ والقديرِ والسَّميعِ والبَصيرِ وسائرِ الأسماءِ.

فإِنَّ المَعْقولَ من العِلمِ صفةٌ عَرضِيَّةٌ تقومُ بالقلبِ إما ضروريّةٌ وإما نظريةٌ، والمعقولُ مِنَ الإِرادةِ حَرَكةُ النَّفسِ الناطقَةِ لجلبِ ما ينفعُها ودفْعِ ما يضرُّها، أو ينفعُ غيرَها أو يضرُّه.

والمعقولُ من القُدْرةِ القوَّةُ القائِمَةُ بجسمٍ تتأتى به الأفعالُ الاختياريةُ، فهل تجعلونَ إطلاقَ هذِه الأسماءِ والصِّفاتِ على اللهِ حقيقةً أَمْ مجازًا؟

فإِنْ قُلتُم: حقيقةً تناقَضتُم أقبحَ التناقضِ، إِذْ عَمِدْتُّم إلى صفاتِه سُبْحَانَهُ فجعلْتُم بعضَها حقيقةً وبعضَها مجازًا، مع وجودِ المحذورِ فيما جعلتموه حقيقةً.

وإِنْ قُلتُم: لا يستلزمُ ذلك محذورًا، فمِنْ أين استلزمَ اسمُ الرَّحمنِ المحذورَ؟

وإن قلتم الكلُّ مجازٌ، لم تُمكَّنوا بعد ذلك من إثباتِ حقيقةٍ لِله الْبتَّةَ، لا في أسمائِهِ ولا في الإِخبارِ عنه بأفعالِهِ وصفاتِهِ، وهذا انسلاخٌ من العقلِ والإِنسانيَّةِ.

الرَّدُّ الثالِثُ: إِنَّ نُفاةَ الصِّفاتِ يلزمُهم نفيُ الأسماءِ من جهةٍ أخرى، فإن العليمَ والقديرَ والسَّميعَ والبصيرَ

أسماءٌ تتضمَّنُ ثبوتَ الصفاتِ في اللُّغةِ فيمَنْ وُصِفَ بها، فاستعمالُها لغيرِ مَنْ وُصِفَ بها، استعمالٌ للاسم في غيرِ ما وُضِعَ له، فكما انتفَتْ عنه حقائِقُها فإنَّهُ تنتفي عنه أسماؤُها

فإِنَّ الاسمَ المشتقَّ تابعٌ للمشتَقِّ منه في النفي والإِثباتِ، فإذا انتفَتْ حقيقةُ الرحمةِ والعلمِ والقُدْرةِ والسَّمعِ والبَصَرِ انتفَت الأسماءُ المُشتقَّةُ منها عقلًا ولُغةً، فيلزمُ من نفي الحقيقةِ أن تنفيَ الصفةَ والاسمَ جميعًا.

الرَّدُّ الرابعُ: إِنَّه كيف يكونُ أظهرُ الأسماءِ التي افتتحَ اللهُ بها كتابَهُ في أمِّ القرآنِ، وهي مِنْ أظهَرِ شعارِ التوحيدِ

والكلمةُ الجاريةُ على ألسنةِ أهلِ الإِسلامِ وهي: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ التي هي مِفْتاحُ الطُّهورِ والصَّلاةِ وجميعِ الأفعالِ، فكيف يكونُ مجازًا؟

الرَّدُّ الخامسُ: قولُهم الرَّحمَةُ رِقَّةُ القَلْبِ، تريدون رَحمةَ المَخْلوقِ أم رحمةَ الخالقِ؟

أم كلَّ ما سُمِّيَ رحمةً شاهدًا أو غائبًا؟

فإِنْ قُلتُم بالأَوَّلِ صدقتُم ولم ينفعْكُم ذلك شيئًا، وإِنْ قُلتم بالثاني والثالثِ كُنتم قائلين غيرَ الحقِّ

فإِنَّ الرَّحمةَ صفةُ الرَّحيمِ وهي في كلِّ موصوفٍ بحسَبِهِ، فإِنْ كان الموصوفُ حيوانًا له قلبٌ فرحمتُه من جنسِهِ رِقَّةٌ قائمةٌ بقلبِهِ، وإن كان مَلَكًا فرحمتُه تناسِبُ ذاتَهُ.

فإذا اتصفَ أرحمُ الراحمينَ بالرَّحمةِ حقيقةً لم يلزمْ أَنْ تكونَ رحمتُه مِنْ جنس رحمةِ المخلوقِ لمخلوقٍ.

وهذا يطَّرِدُ في سائِرِ الصِّفاتِ كالعِلمِ والقُدرةِ والسَّمعِ والبَصرِ والإرادةِ إلزامًا ووجوبً

فكيف يكونُ رحمةُ أرحمِ الرَّاحمينَ مجازًا دون السَّميعِ العليمِ؟

الرَّدُّ السادسُ: إِنَّه مِنْ أعظمِ المُحالِ أَنْ تكونَ رحمةُ أرحمِ الراحمينَ التي وَسِعَتْ كلَّ شيْءٍ مجازًا

ورحمةُ العبدِ الضعيفةُ القاصرةُ المخلوقةُ المُستعارةُ من رَبِّه التي هي مِنْ آثارِ رحمتِهِ حقيقةً، وهل في قلبِ الحقائقِ أكثرُ من هذا؟

الرَّدُّ السابعُ: ما رواه أهلُ السُّنَنِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

أنه قال: "يقولُ اللهُ تعالى: أنا الرَّحمنُ خلقتُ الرَّحِمَ، وشققتُ لها اسمًا من اسمي، فمَن وَصَلها وصلتُه، ومَنْ قطعَها قطعتُه"


أخرجه الإمام أحمد (2/ 498)، والحاكم (4/ 157) عن يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل..."، فذكره

وهذا إسناد حسَن، محمد بن عمرٍو هو ابن وقاص الليثي صدوق له أوهام، وللحديث طُرُق أخرى؛ فقد أخرجه أبو داود (1694)، والترمذي (1972)

عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن بن عوف به، وقال الترمذي: صحيح، والحديث منقطع؛ فإن أبا سلمة لم يسمعْ مِن أبيه شيئًا.

وجاء من طريق أخرى موصولًا: فقد أخرج أحمد (1/ 194)، وأبو داود (1695)، وابن حبان (2033)، والحاكم (4/ 157) الحديث مِن طريق معمر

عن الزهري، ثني أبو سلمة؛ أن أبا الردَّاد الليثي أخبره، عن عبد الرحمن بن عوف به

وقد نَقَل الترمذيُّ عن البخاري قوله؛ أن هذا خطأ من معمر، ولكِنْ مَعْمَر لم يتفرَّدْ؛ فقد تابعه شُعيب بن أبي حمزة وهو مِن أثبتِ الناسِ في الزهري عند الإمام أحمد (1/ 191)

والحاكم (4/ 158)، ومتابعة أخرى عند الحاكم لسفيان بن عيينة (4/ 158)، وثالثة عند الحاكم أيضًا لمحمد بن أبي عتيق (4/ 158)، وأبو الردَّاد، وقيل: ردَّاد الليثي، قال الحافظ: مقبول.

وللحديث طريق أخرى عند أحمد (1/ 191) عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير

عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، أن أباه حدثه، أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف... فذكره، وعبد الله بن قارظ لا يُعرف، فالحديث بجملة هذه الطرق صحيح.


فهذا صريحٌ في أَنَّ اسمَ الرَّحمةِ مُشتَقٌّ مِن اسمِهِ (الرَّحمنِ) تعالى

فَدلَّ على أَنَّ رحمتَهُ لما كانت هي الأصلَ في المعنى كانت هي الأصلَ في اللفظِ

ومثلُ هذا قولُ حسَّانِ رضي الله عنه في النبي صلى الله عليه وسلم:

فَشَقَّ له مِن اسمِه لِيُجلَّهُ
فذُو العَرْشِ مَحمودٌ وهذا مُحمَّدُ

فإذا كانت أسماءُ الخَلْقِ الممدوحةُ مُشتقَّةً مِن أسماءِ الله الحُسنى

كانت أسماؤه يقينًا سَابِقةً، فيجبُ أَنْ تكونَ حقيقةً، لأَنَّها لو كانتْ مجازًا، لكانتِ الحقيقةُ سابقةً لها

فإِنَّ المجَازَ هو اللَّفظُ المستعملُ في غَيْرِ ما وُضِعَ له، فيكونُ اللفظُ قد سُمِّي به المخلوقُ، ثُمَّ نُقِلَ إلى الخالقِ، وهذا باطلٌ قطعًا.

الرَّدُّ الثامِنُ: ما في الصحيحين عن أبي هُريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ كِتابًا فهو مَوضوعٌ عنده فوقَ العَرشِ: إنَّ رحمتي سَبَقَت غَضَبي" وفي لفظ: "غلَبتْ".

وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54]، فوصَفَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بالرَّحمةِ، وتسمَّى بالرَّحمنِ قبل أَنْ يكونَ بنو آدمَ.

فادّعاءُ المدَّعِي أَنَّ وصفَهُ بالرَّحمنِ مجازٌ مِن أبطلِ الباطلِ.

الرَّدُّ التاسِعُ: إِنَّهُ مِن المعلومِ أَنَّ المعنى المُستعارَ يكونُ في المُستعارِ منه أكملَ في المستعارِ له

وأَنَّ المعنى الذي دَلَّ عليه اللفظُ بالحقيقةِ أكملُ من المعنى الذي دلَّ عليه بالمجازِ، وإنَّما يُستعارُ لتكميلِ المَعْنى المجازي تشبيهُهُ بالحقيقي، كما يُستعارُ الشمسُ والقمرُ والبحرُ للرَّجُلِ الشُّجاعِ والجميلِ والجَوادِ.

فإذا جُعِلَ الرَّحمنُ والرَّحيمُ والودودُ وغيرُهما مِن أسمائِهِ سُبْحَانَهُ حقيقةً في العبدِ، مجازًا في الرَّبِّ، لَزِمَ أَنْ تكونَ هذه الصفاتُ في العبد أكملَ منها في الربِّ تعالى.

الرَّدُّ العاشِرُ: إِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى فرَّقَ بين رحمتِهِ ورضْوانِهِ وثَوابِهِ المُنفصلِ فقال تعالى: ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 21].

فالرَّحمةُ والرِّضوانُ صفتُه، والجَنَّةُ ثوابُه، وهذا يُبطِلُ قولَ مَنْ جَعَلَ الرَّحمةَ والرِّضوانَ ثوابًا مُنفصِلًا مَخْلوقًا

وقولَ مَنْ قال: هي إرادتُه الإِحسانَ، فإِنَّ إرادَتَهُ الإِحسانَ هي مِنْ لوازمِ الرَّحمةِ، فإنَّه يلزمُ من الرَّحمةِ أَنْ يريدَ الإحسانَ إلى المرحومِ، فإذا انتفتْ حقيقةُ الرحمةِ انتفى لازِمُها وهو إِرادةُ الإِحسانِ

انظر: مختصر الصواعق المرسلة (2/ 112 - 126)

وبقِيَت بعضُ الردود على القائلين بالمجاز نستوفيها في الفقرات التالية إن شاء الله تعالى.









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-09, 17:54   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


ظُهور آثارِ رحمةِ اللهِ سُبْحَانَهُ على الخَلْقِ بجلاءٍ:

قال ابنُ القيِّمِ رحمه الله:

"إِنَّ ظهورَ هذه الصِّفةِ في الوجودِ كظهورِ أثرِ صفةِ الرّبوبيةِ والمِلْكِ والقُدرةِ، فإِنَّ ما للهِ على خَلْقِهِ من الإحسانِ والإِنعامِ شاهدٌ برحمةٍ تامةٍ وَسِعَتْ كلَّ شيْءٍ، كما أَنَّ الموجوداتِ كلَّها شاهِدةٌ له بالرّبوبيةِ التامةِ الكاملةِ.

وما في العالمِ مِنْ آثارِ التدبيرِ والتَّصريفِ الإلهيِّ شاهدٌ بمُلكِهِ سُبْحَانَهُ.

فجَعْلُ صفةِ الرَّحمةِ واسمِ الرَّحمةِ مجازًا كجعْلِ صفةِ المِلكِ والرُّبوبيةِ مجازًا ولا فرقَ بينهما في شرعٍ ولا عقلٍ ولا لُغةٍ.

وإذا أردْتَ أَنْ تعرِفَ بُطلانَ هذا القولِ، فانظرْ إلى ما في الوجودِ من آثارِ رحمتهِ الخاصَّةِ والعامَّةِ.

فبرحمتِهِ أرسلَ إلينا رسولَهُ صلى الله عليه وسلم، وأنزلَ علينا كتابَهُ وعلّمَنا مِن الجَهالَةِ، وهدانا مِن الضلالةِ، وبصَّرَنَا مِنَ العَمى، وأرشدَنَا من الغيِّ.

وبرحمتهِ عرَّفَنا مِن أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ ما عَرفْنَا به أَنَّه ربُّنا ومولانا، وبرحمته علَّمنا ما لم نكنْ نعلَمُ، وأرشدَنا لمصَالحِ دينِنا ودُنيانا.

وبرحمتِهِ أطلعَ الشَّمسَ والقمرَ، وجعلَ الليلَ والنهارَ، وبسطَ الأرضَ وجعلها مِهادًا وفِراشًا وقَرارًا وكِفاتًا للأَحياءِ والأَمواتِ.

وبرحمتِهِ أنشأَ السَّحابَ، وأمطرَ المطرَ، وأطلعَ الفواكِهَ والأقواتَ والمرْعَى.

ومِن رحمتِهِ سخَّر لنا الخيلَ والإِبلَ والأَنعامَ، وذلَّلها مُنقادةً للركوبِ والحَمْلِ والأكلِ والدَّرِّ.

وبرحمتِهِ وَضعَ الرَّحمةَ بين عبادِهِ ليتراحموا بها، وكذلك بين سائِرِ أنواعِ الحيوانِ

فهذا التراحمُ الذي بيْنهم بعضُ آثارِ الرَّحمةِ التي هي صفتُه ونعمتُه، واشتقَّ لنفسِهِ منها اسمَ (الرَّحمنِ الرَّحيمِ)، وأوصلَ إلى خلْقِهِ معانيَ خطابِهِ برحمتِهِ، وبصَّرَهُم ومكَّنَ لهم أسبابَ مصالِحهم برحمتِهِ.

وأوسعُ المخلوقاتِ عَرْشُه، وأوسعُ الصِّفاتِ رحمتُه، فاستوى على عرشِهِ الذي وَسِعَ المخلوقاتِ بصفةِ رحمتِهِ التي وَسِعَتْ كلَّ شيْءٍ.

ولما استوى على عرشِهِ بهذا الاسمِ الذي اشتقَّه مِن صفتِه وتسمَّى به دُونَ خلْقِهِ، كتبَ مقتَضاه على نفسِه يومَ استوائِهِ على عرشِهِ حين قَضَى الخَلْقَ كتابًا فهو عندَهُ وضعَهُ على عرشِهِ: "إِنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ"

وكان هذا الكتابُ العظيمُ الشأْنِ كالعهدِ منه سُبْحَانَهُ للخليقَةِ كلِّها بالرَّحمةِ لهم، والعفْوِ عنه

والصَّفْحِ عنهم والمغفرةِ والتجاوزِ والسّترِ والإِمهالِ والحِلْمِ والأَناةِ، فكان قيامُ العالمِ العُلويِّ والسُّفليِّ بمضمونِ هذا الكتابِ، الذي لولاه لكان للخلقِ شأنٌ آخرُ.

وكان عن صفةِ الرَّحمةِ الجَنَّةُ وسكَّانُها وأعمالُهم، فبرحمتِه خُلقَتْ، وبرحمتِهِ عَمَرَتْ بأهلِها، وبرحمتِه وصلوا إليها، وبرحمتِه طابَ عيشُهم فيها.

وبرحمتِه احتجبَ عن خلقِه بالنّورِ، ولو كشَفَ ذلك الحجابَ لأَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجهِهِ ما انتهى إليه بصرُه مِن خلقِهِ.

ومِنْ رحمتِه أَنَّه يُعيذُ مِنْ سَخْطِه برضَاه، ومِنْ عُقوبَتِهِ بعفوهِ، ومِنْ نفسِهِ بنفسِهِ.

ومِنْ رحمتِه أَنْ خلقَ للذَّكَرِ منَ الحيوانِ أُنثى مِن جنْسِهِ، وأَلقى بينهما المحبةَ والرَّحمةَ، ليقعَ بينهما التواصلُ الذي به دوامُ التناسلِ وانتفاعُ الزوجين، ويُمتعُ كلَّ واحدٍ منهما بصاحبِه.

ومِنْ رحمتِه أَحْوجَ الخلْقَ بعضَهُمْ إلى بَعْضٍ لتتمَّ مصالِحُهم، ولو أغنى بعضَهم عن بعضٍ لتعطَّلَتْ مصالِحُهم

وانحلَّ نظامُهم، وكان مِنْ تمامِ رحمتِه بهم أَنْ جعل فيهم الغنيَّ والفقيرَ، والعزيزَ والذَّليلَ، والعاجِزَ والقادِرَ، والراعيَ والمرعيَّ، ثم أفقرَ الجميعَ إِليه، ثُمَّ عمَّ الجميعَ برحمتِهِ.

ومِنْ رحمتِه أَنَّه خلقَ مائَة رحمةٍ كلَّ رحمةٍ منها طِباقُ ما بين السَّماءِ والأرضِ

فأنزل منها إلى الأرضِ رحمةً واحدةً نشرها بين الخَليقةِ ليتراحموا بها، فبها تعطفُ الوالدةُ على ولدِها والطيرُ والوحْشُ والبهائمُ، وبهذه الرَّحمةِ قِوامُ العالمِ ونِظَامُه.

وتأملْ قولَهُ تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4]

كيف جعلَ الخَلْقَ والتعليمَ ناشِئًا عن صفةِ الرَّحمةِ، متعلقًا باسم (الرَّحمن)، وجعل معانيَ السورةِ مرتبطةً بهذا الاسمِ، وختَمَها بقولِهِ: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 78]

فالاسمُ الذي تبارك هو الاسمُ الذي افتتحَ به السُّورةَ، إِذْ مجيءُ البركَةِ كلِّها منه، وبه وُضِعَتِ البركةُ في كلِّ مُبَارَكٍ فكلُّ ما ذُكِرَ عليه بُورِكَ فيه، وكلُّ ما أُخْلِي منه نُزِعَتْ منه البركةُ" اهـ

مختصر الصواعق (2/ 121 - 124).

ولذلك قال ابنُ القيِّم رحمه الله عن اسم "الرَّحمن": ولما كان هذا الاسمُ مختصًّا به تعالى

حَسُنَ مجيئُه مفردًا غيرَ تابعٍ كمجيءِ اسمِ اللهِ كذلك، ولم يَجِئْ قطُّ تابعًا لغيرِه بل متبوعًا وهذا بخلافِ العليمِ، والقديرِ، والسّميعِ، والبصيرِ، ونحوِها، ولهذا لا تَجِيْءُ هذه مفردةً بل تابعةً، فتأملْ هذه النُّكْتةَ البديعةَ

بدائع الفوائد (1/ 24).


ربُّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ

النور الأسنى (1/ 46 - 68) للأنصاري.

قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]

وقال تعالى إخبارًا عن حَملةِ العَرْشِ

ومَنْ حَوْله أَنَّهم يقولون: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7].


رحمةُ اللهِ تغلبُ غضَبَهُ:

قال تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54].

قال ابنُ كثيرٍ

في هذه الآية: أوجبَها على نفسِه الكريمةِ تفضُّلًا منه وإحسانًا وامتنانًا

تفسير ابن كثير (2/ 130).

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال

: "إِنَّ اللهَ لما قَضَى الخلْقَ كتبَ عندَهُ فوقَ عرشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"

وفي رواية: "لمَّا خلقَ اللهُ الخلقَ كتبَ في كتابِهِ وهو يكتبُ على نفسِه، وهو وضْعٌ عنده على العرشِ: إِنَّ رحمتي تَغْلِبُ غَضَبِي"

رواه البخاري (7404، 7453، 7553، 7554)، ومسلم (2751).


إِنَّ للهِ مائةَ رحمةٍ:

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِنَّ للهِ مائةَ رحمةٍ أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجنِّ والإنسِ والبهائمِ والهوامِّ، فبها يَتَعَاطَفُونَ، وبها يَتَرَاحَمُونَ

وبها تعطِفُ الوحشُ على ولدِها"، وفي روايةٍ: "حتى تَرفعَ الدَّابةُ حافِرَها عن ولدِها خشيةَ أن تُصيبَه

وأخَّر اللُه تسعًا وتسعين رحمةً يَرحمُ بها عبادَهُ يومَ القيامةِ"

وفي رواية: "إِنَّ الله خلقَ الرَّحمةَ يومَ خلقها مائةَ رحمةٍ"، وفي رواية: "كلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السماءِ والأرضِ، فأمسَكَ عنده تسعًا وتسعين رحمةً، وأرسلَ في خلقِهِ كلِّهم رحمةً واحدةً

رواه البخاري (9469)، ومسلم (2752/ 18 - 19، 2753/ 21).

هذه رحمةُ اللهِ المخلوقَةُ، فكيف برحمةِ اللهِ التي هي مِن صفاتِهِ وليستْ مخلوقَةً ولا تنفَدُ أبدًا وليس لها حدٌّ

ولا نهايةٌ

قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]

ولذلك فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو يَعلمُ الكافرُ ما عند الله مِن الرَّحمةِ ما قَنطَ من جنَّتِه أحدٌ"

أخرجه مسلم (2755).

إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى بيده الرَّحمةُ وَحْدَهُ:

ومِنْ رحمتِهِ: أَنَّ أحدًا مِن خلْقِهِ لا يستطيعُ أن يحجُبَ رحمتَه أو يمنعَها عن أحبابِهِ

قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2].

فرحمةُ اللهِ لا تعزُّ على طالبٍ في أي زمانٍ أو مكانٍ: وجدَها إبراهيمُ وَسْطَ ألْسنةِ النَّارِ، ووجدها يوسفُ في غيابةِ الجُبِّ وغياهبِ السِّجنِ

ووجدها إسماعيلُ وأمُّه هاجرُ في صحراءَ جرداءَ لا زرعَ فيها ولا ماءَ، ووجدها يونسُ في بطنِ الحوتِ، ووجدها موسى في اليمِّ وهو طفلٌ وفي قصرِ فرعونَ وهو مُترَبِّصٌ به

ووجدها أصحابُ الكهفِ حين افتقدوها في القصورِ بين أقوامِهم، ووجدَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصاحِبُه في الغارِ وهما مطاردانِ

من كتاب: "لهذا أحب ربي"، للدكتور خالد أبو شادي.


اللهُ أرحمُ بعبادِهِ من الأمِّ بولدِهَا:

وذلك لأنَّ رحمةَ والديك بِكَ مهما بلغَتْ فهي جزءٌ مِن جزءٍ مِن المائةِ جُزءٍ التي خلقَها اللهُ

فكيف برحمتِه هو الواسعةِ جلَّ جلالُه وتقدست أسماؤه، عن عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه؛ أنه قال: قدِم على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بسَبْيٍ، فإذا امرأةٌ مِن السَّبْي تبتغي -

وفي رواية البخاري: تسعى إذا وجدَتْ صبيًّا في السَّبْي أخذتْه فألصقتْهُ ببطنها وأرضعتْه

فقال لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أترَوْنَ هذه المرأةَ طارحةً وَلَدَها في النار؟" قلنا: لا والله، وهي تقْدِر على أَنْ لا تَطْرحَهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الُله أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"

أخرجه البخاري (5999)، ومسلم (2754)

وقال حمَّادُ بنُ سلمة: "ما يسُرُّني أَنَّ أمْري يومَ القيامةِ صارَ إلى والديَّ؛ إنَّ ربي أرحمُ بي مِن والديَّ".


صُورٌ مِن رحمةِ اللهِ بخلقِهِ:

إِنَّ آثارَ وعلاماتِ رحمةِ اللهِ أظهَرُ مِنْ أَنْ تُبيَّنَ

وأكثرُ مِن أَنْ تُحْصَى

قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]

ففي كلِّ نعمةٍ رحمةٌ يستَدِلُّ عليها كلُّ ذي عقلٍ صحيحٍ، ويعرِفُها كلُّ ذي قلبٍ سليمٍ، ولا يُنكِرُها إلا كلُّ ظلومٍ كَفَّارٍ، وهذا أمرٌ لا يحتاج إلى دليلٍ، كما قال الشاعرُ:

وكيف يَصحُّ في الأذهانِ شَيْءٌ
إذا احتاجَ النَّهارُ إلى دَليلِ









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-09, 17:55   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


وقد اخترنا بعضَ هذه الآثارِ على سبيلِ المثالِ

فمِنْ ذلك:


1- خَلْقُ الإِنسانِ:

فمِنْ رحمةِ اللهِ تعالى أنه خَلقَ الإنسانَ مِن عَدَمٍ

وأنشأَهُ وجعلَ له السَّمْعَ والبصَرَ والفؤادَ والعقلَ

كلُّ هذا من ترابٍ، فأيُّ فضلٍ وأيُّ نِعْمةٍ بعد اصطفاءِ اللهِ لبعضِ التُّرابِ والطينِ ليجعلَهُ إنسانًا يعقِلُ ويشعُر ويؤمِنُ ثم يدخله الجَنَّةَ، فسُبْحانَ اللهِ وبحمدِه

قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4].


2- النّبوَّةُ والرِّسالَةُ رحمةٌ:

فقد سُمِّيتِ النبوةُ والوحيُ رحمةً

كما في قوله تعالى مُخبِرًا عن نوحٍ: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾ [هود: 28].

قال ابنُ كثيرٍ في هذه الآية:

"أي على يقينٍ وأمرٍ جليٍّ، ونبوَّةٍ صادقةٍ وهي الرَّحمةُ العظيمةُ مِنَ اللهِ بِهِ وبِهِمْ"

تفسير ابن كثير (2/ 427).


3- إِرْسالُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:

قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً"

رواه مسلم (2599).


4- نزول القرآن:


قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

5- أَنْ جعلَكَ مُسلمًا:

قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

قال ابنُ كثيرٍ:

"أيْ: بهذا الذي جاءهم مِن الهدى ودينِ الحقِّ فليفرحوا فإِنَّه أولى ما يفرحون به"

تفسير ابن كثير (2/ 406).

وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الذي أُمِرَ فيه بالفَرحِ.


6- نداؤه في الثلثِ الأخيرِ من اللَّيلِ ليرحمَ عبادَهُ:

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم

قال: "يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟

مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟"

أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).

وفي حديثٍ آخرَ: "مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُني أرْزُقْه؟ مَنْ ذا الذي يَسْتَكْشِفُ الضرَّ أكْشِفْه"، حتى ينفجرَ الفَجْرُ

حسَن: أخرجه أحمد (2/ 521).

وفي حديثٍ آخرَ: "ينزلُ اللهُ إلى السماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ حين يمضي ثُلثُ الليلِ الأولُ، فيقولُ: أنا الملكُ، أنا الملكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي..."

أخرجه مسلم (758).

باللهِ عليك لو أَنَّ أميرَ بلدِكَ، أو رئيسَ دولتِكَ بعثَ إليك أَنَّهُ سوف يأتي إليك ليحقِّقَ لك ما تتمنَّى منه، ألا يجعلُك هذا له مُحبًّا وإلى لقائِهِ متشوِّقًا؟

هل كُنتَ تنامُ وتتركُه؟ أو تنسَى موعِدَه؟ وهل ستكونُ موقِنًا بتنفيذ ما تتمنى أم لا؟

هذا مِنْ بشَرٍ ضعيفٍ لا يَمْلِكُ لَكَ ولا لنفسِهِ نفعًا ولا ضرًّا، فكيف برَبِّ العالمين ؟!


7- تقرُّبُه إلى خَلْقِهِ:

سُبْحانَ اللهِ يتقرَّبُ من خلقِه وهو غَنيٌّ عنهم، ويتودَّدَ إليهم وهم لا يملكون له نفعًا ولا ضرًّا، ولكِنْ نعمةً منه وفضلًا ورحمةً وإحسانًا.

وانظرْ أخي الكريمَ، وتأمَّلْ هذا الحديثَ الذي تنفطرُ له القلوبُ وتدمعُ له العيونُ، فعن أبي هريرةَ

قال: رُبَّما ذكرَ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: إذا تَقَرَّبَ العبدُ منِّي شِبْرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا، وإذا تقرَّب مني ذراعًا تقربتُ منه باعًا أو بوعًا"

أخرجه البخاري (7537)، ومسلم (2675)، باعًا: مسافة ما بين الكفين إذا بسطتهما.

يا اللهُ، يا اللهُ، مَنْ يتقرَّبُ إلى مَنْ؟

ومَنْ يُهرول إلى مَنْ؟

يتقرَّبُ الخالِقُ إلى المخلوقِ ويُهروِلُ ملِكُ الملوكِ إلى عبدٍ فقيرٍ صُعلوكٍ، سُبْحانَ الله ما أرحمَهُ وما أكرَمَهُ.


8- ذكرهُ لعبادِهِ الصالحين:

وعن أنسٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنْ ذَكَرْتَنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُك فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُك فِي مَلَأٍ مِنَ المَلَائِكَةِ

أَوْ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا دَنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا، وَإِنْ أَتَيْتَنِي تَمْشِي أَتَيْتُكَ أُهَرْوِلُ".

قال قتادة:

"فالله عز وجل أسرعُ بالمغفرةِ"[

صحيح: أخرجه أحمد (12405) بسند صحيح على شرط الشيخين.

أخوة الاسلام

هل تصوَّرتَوا كيف يَذكُرُكم ربُّكم؟

هل تَخَيَّلْتَ أَنْ يَذكرَكم اللهُ باسمائكم؟

نَعَمْ يَذكرُكم أنتَم باسمِائكم بين ملائكتِه في الملأِ الأعلى

مَنِ الذي يَذكُركَم؟

اللهُ الذي يَذْكُركم

فيا له مِنْ عظيمِ شَرفٍ وكبيرِ قَدْرٍ لا يعرِفُه إلا مَنْ عَرَفَ ربَّه وأحبَّه

فانظرْوا إلى واحدٍ مِنْ هؤلاءِ؛ وهو أُبيُّ بنُ كعبٍ رضي الله عنه حين عَلِمَ أَنَّ الله تبارك وتعالى قد ذكَره باسمِه، وكيف هَطَلتْ عيناه دمعَ الفرحِ والحنينِ إلى أرحمِ الراحمين.

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأُبيِّ بنِ كعبٍ: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾"

قال: وسمَّاني لك؟ قال: "نَعَمْ"، فبكى، وَفِي رِوايَةٍ للبُخَارِيِّ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العَالِمينَ، قال: "نَعَمْ"، فذرفت عيناه

أخرجه البخاري (4691)، ومسلم (799).

قال يحيى بنُ معاذٍ الرازيُّ: يا غفولُ يا جهولُ لو سَمِعْتَ صريرَ الأقلامِ وهي تكتبُ اسمَك عند ذكرِك لمولاك لمتَّ شَوقًا إلى مولاك.

فليس العجبُ مِن قوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾، ولكِنَّ العجبَ كلَّ العجبِ

من قوله: ﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾، فليس العجبُ أَنْ يذكرَ الضعيفُ القويَّ، أو يذكرَ الفقيرُ الغنيَّ، أو يذكرَ الذليلُ العزيزَ، إنما العجبُ أن يذكرَ القويُّ الضعيفَ، والغنيُّ الفقيرَ، والعزيزُ الذليلَ.


9- صبرُ الله جل جلاله وتباركت أسماؤه على الأذى مِن خلقه:

فسُبْحانَ اللهِ ما أحلَمَهُ، وما أكرمَهُ وما أرحمَهُ، يَخْلقُ ويُعْبَدُ غيرُه، ويَرْزُقُ ويُشْكرُ سِواه، خيرُه إلى العبادِ نازِلٌ وشرُّهم إليه صاعِدٌ مِنَ الذين يدَّعون له الولدَ، يَصبرُ على أذاهم

ويَبعثُ إليهم بأرزاقِهم، عسى أنْ يُصادِفَ هذا الكرمُ عقلًا ذاكيًا أو قلبًا واعيًا أو نفسًا طيبةً أو فِطرةً سليمةً تُفيقُ مِنْ غفوتِها وترجعُ عن ضلالتِها، تعرِفُ ربَّها فتعبدُه وَحْدَهُ وتحبُّه وَحْدَه سبحانه وتعالى.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ؛ يَدْعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ"

رواه البخاري (6099، 7378)، ومسلم (2804).

هذه رحمتُه سُبْحَانَهُ بمَنْ أشركَ به، فكيف رحمتُه بمَنْ وحَّدَه وعبدَه وأطاعَهُ وأحبَّه وأحبَّ رسولَهُ وجاهدَ في سبيلِهِ؟


10- رحمته بالتائبين:

فإِنَّ التائبين قد انكسَرَتْ قلوبُهم لعظَمتِه، وذلَّتْ جباهُهم لعزَّتِهِ، وأَتَوْه راجين رحمتَه ويخافون عذابَه، فما عسى أَنْ تكونَ رحمةُ الله بهم؟

فإليك شيئًا منها:

أولاً: يَغفرُ الذنوبَ مهما عَظُمَتْ:

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "

قَالَ اللُه تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي

يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"

رواه الترمذي (3540) وقال: حديث حسَن غريب، وصحَّحه الألباني، عنان السماء: قيل هو السحاب، وقيل: هو ما عَنَّ لك منها؛ أي: ظهر، وقراب الأرض: هو ما يُقارب مِلْأَها.

ثانيًا: ويبسطُ يدَهُ للتائبين ليلاً ونهارًا:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"

رواه مسلم (2759).

ثالثًا: ويفرح بتوبةِ عبدِهِ:

ومع هذا فقد فَرِحَ بها فرحًا هو أشدُّ من فرحةِ رَجُلٍ وَجَدَ حياتَه بعد ما عدَّ نفسَهُ من الأمواتِ، وهي فرحةُ إِحسانٍ وبِرٍّ ولُطفٍ، لا فرحةَ مُحتاجٍ إلى توبةِ عبدِهِ منتفعٍ بها.

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ"

متفق عليه: أخرجه البخاري (6308)، ومسلم (2744).

وفي رواية: "للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا

وَقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ"

رواه مسلم، الخطام بكسر الخاء "الحبْل" الذي تُقاد به الدابة.

ففي هذا الحديثِ دليلٌ على فرحِ الله عز وجل بالتوبةِ مِن عبدِه إذا تابَ إليه، وأنه يحبُّ ذلك سبحانه وتعالى محبةً عظيمةً.

ولكن لا لأجْل حاجتِه إلى أعمالنا وتوبتنَا، فاللهُ غنيٌّ عنَّا، ولكِنْ لمحبتِهِ سُبْحَانَهُ للكرمِ فإنَّه يُحِبُّ أن يَغفرَ، وأَنْ يغفِرَ أحبُّ إليه من أَنْ ينتقِمَ ويؤاخِذَ، ولهذا يفرحُ بتوبةِ الإِنسانِ

شرْح كتاب رياض الصالحين (1/ 89، 90)

باب: التوبة، شرح شيخنا العلَّامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله.

رابعًا: ويبدِّل السيئاتِ حسناتٍ:

قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].

وقال الحسنُ البصريُّ:

"أبدَلَهم اللهُ العملَ السَّيءَ العملَ الصَّالحَ، وأبدلَهُم بالشِّركِ إِخلاصًا، وأبدلَهُم بالفجورِ إحصَانًا، وأبدلَهُم بالكُفْرِ إسلامًا"

تفسير ابن كثير (3/ 311).









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-09, 17:57   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

11- صَلاتُه جل جلاله وتقدَّست أسماؤه على المؤمنين:

قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

قال ابنُ كثيرٍ:

"والصلاةُ مِن الله ثناؤه على العبدِ عِنْدَ الملائِكَةِ، حكاه البخاري عن أبي العاليةَ... وقال غيرُه: "الصلاةُ من اللِه عز وجل الرَّحمةُ.

وقد يُقالُ: لا منافاةَ بين القولين، والله أعلمُ"

تفسير ابن كثير (3/ 465).


12- مضاعفةُ الحسناتِ والأجورِ:

فمِنْ رحمتِه سُبْحَانَهُ مضاعفَةُ الحسناتِ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يضاعِفُ الحسنَةَ بعشرِ أمثالها، إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ"

أخرجه مسلم (1151).

ومن الأعمالِ ما يُنمِّيها اللهُ حتى يجعلَها كالجبلِ، فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ"

رواه البخاري (1410)، ومسلم (1014)

وأحمد، والفَلُوُّ: هو المُهْرُ، ويقال بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو.


13- رحمةُ اللهِ تبارك وتعالى بقلوب عبادِهِ:

فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "القُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقْلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ"

أخرجه أحمد (3/ 112)، والترمذي (2140)، وابن ماجه (3834)

من حديث أنس رضي الله عنه

وانظر: صحيح ابن ماجه (3092).

1- فإذا شاء اللهُ لعبدٍ الهُدى شرَحَ قَلْبَهُ للإسلام

قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125].

2- وإذا أراد بعبد رشادًا حبَّبَ إليه الإيمانَ وزيَّنه في قلبِهِ؛ فعاشَ بالإِيمانِ سعيدًا، وعن الكفرِ والعصيانِ بعيدًا

قال تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ﴾ [الحجرات: 7، 8].

3- ويُسعد المؤمنين بحُبِّهم له ولرسولِه وحُبِّ المؤمنين في اللهِ؛ فيشعُر بحلاوةِ الإيمانِ ولذَّةِ القُربِ من الرَّحمنِ جل جلاله وتباركت أسماؤه، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللُه مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"

أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43).

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]

وذلك بعكس الطغاةِ والعُصاةِ أمثالِ المشركين من أهلِ الكتابِ

فقد قال تعالى في النصارى: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: 14].


14- الجَنَّة مِن رحمة الله عز وجل:


عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْثُ بِالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ

قَالَ اللُه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي"

رواه البخاري (4850)، ومسلم (2846).


15- دخول الجَنَّة برحمة الله عز وجل:


قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُدْخِلُ أحدًا الجَنَّةَ عملُه"، قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِمَغْفِرَةٍ مِنْهُ وَرَحْمَةٍ"

أخرجه البخاري (6463، 6467)، ومسلم (2816، 2818) مِن حديث أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما.

16- شفاعة أرحم الراحمين في أهل النار:

فما مِنْ أحدٍ يملِكُ لغيرِهِ شفاعةً في الدنيا ولا في الآخرة إلا بَعْدَ أن يأْذَنَ اللهُ لمن يشاءُ ويرضى

قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 44].

وسيجعلُ اللُه درجاتٍ للشفاعةِ والشافعين، فهناك شفاعةٌ للأنبياءِ والمرسلين، وشفاعةٌ للصدِّيقين، وشفاعةُ الشهداءِ فيُشَفِّعُهم اللهُ عز وجل، ثم بعد ذلك يشفع هو - سُبْحَانَهُ وبحمدِه -

شفاعةً فيُخرِجُ أضعافَ ما أخرجه كلُّ هؤلاءِ حتى يَعْجَبَ أهلُ الجَنَّةِ من ذلك، وإليك صُوَرًا مِن شفاعةِ أرحمِ الرَّاحمين:

شفاعته عز وجل في الموحِّدين:

عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال في حديثِ الشَّفاعةِ الطويلِ: "ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ، فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الأَنْبِيَاءَ"

قَالَ: "فَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ العِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ، فَيَشْفَعُونَ لمَنْ أَرَادُوا"، وَقَالَ: "فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ"

قال: "يَقُولُ الُله عز وجل: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا"، قَالَ: "فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ"

صحيح: أخرجه أحمد (ج 1/ 15)، وابن حبان (589 - موارد)، وأبو عوانة (ج 1 ص 175)

وفي حديثٍ آخرَ: "فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الُله"

أخرجه البخاري (13/ 7510)، ومسلم (ج 1 - إيمان 326).

وفي روايةٍ: أَنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقولُ للرُّسلِ: "اذْهَبُوا، أَوِ انْطَلِقُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ"، ثم يقولُ الله عز وجل: "أَنَا الْآنُ أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَرَحْمَتِي"

فيُخرجُ أضعافَ ما أُخْرِجُوا وأضعافَهُ فيُكتبُ في رقابِهم عتقاءُ اللهِ عز وجل، ثم يُدْخَلون الجَنَّةَ

صحيح: أخرجه أحمد (3/ 325).


17- رحمتُه بالنمل، سبحان الله وبحمده:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْك نملةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ اللهَ!"

رواه البخاري (6/ 154) (رقم الحديث 3019)، ومسلم (ج 4 - السلام - 148)، وغيرهما.

وفي رواية: "فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً!"

أخرجه البخاري (6/ 3319)

ومسلم (ج 4 - السلام - 150).

فسبحانَ مَنْ لم تمنعْهُ عظمتُه وكبرياؤه مِن رحمةِ الضَّعيفِ الصَّغيرِ مِن خلْقِهِ حتى يُعاتِبَ نبيًّا له مِن أجْلِ نملٍ، لا حولَ له ولا قوَّة إلا برَبِّهِ.

ثالثًا: ليس كمثله شَيْءٌ في رحمتِهِ:

وذلك من عِدَّةِ أوجهٍ:

أولًا: رحمةُ الخلْقِ مخلوقةٌ فتوجَدُ بوجودِهم وتَفْنى بفنائِهم، أما رحمَةُ اللهِ عز وجل فإنها صفةٌ ذاتيةٌ له لا تَفْنَى ولا تبيدُ،

قال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].

ثانيًا: رحمةُ الخلْقِ قليلَةٌ محدودَةٌ، أما رحمةُ اللهِ فقد وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ، فكلٌّ يَرْحَمُ بقدْرِ قُدْرَتِهِ، فالناسُ يَرحمونَ في حالٍ دُونَ آخرَ، فيَرحمون القريبَ دون الغريبِ، ويَرحمون الحبيبَ دون العدوِّ

أما رحمةُ اللهِ عز وجل فقد عمَّتِ الخلْقَ جميعًا، قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].

ثالثًا: رحمةُ الناسِ تختلِطُ باللَّهفَةِ والضَّعفِ لمن يَرْحَمُ، فالأم إذا مَرِضَ ولدُها تحزنُ

وإذا غابَ عنها تقلقُ وإذا مات هلعتْ، وذلك مِن حُبِّها له ورحمتها عليه، وقد بكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عند موتِ ابنِه إبراهيمَ، وحَزِنَ عليه، وذلك من رحمتِه به صلى الله عليه وسلم.

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دخلَ على ابنِه إبراهيمَ رضي الله عنه وهو يجودُ بنفسِهِ، فجعلتْ عينا رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تذرِفانِ

فقال له عبدُ الرحمنِ بن عوفٍ: وأنتَ يا رسولَ اللهِ؟ فقال: "يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ"، ثم أتْبَعَها بأخرى، فقال: "إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا لِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لمَحْزُونُونَ"

رواه البخاري، وروى بعضه مسلم.

ولكِنَّ اللهَ عز وجل لا يحزَنُ ولا يتألمُ ولا يبكي ولا يقلَقُ، ولا يتلهَّفُ

وهكذا ما لهذه الصفاتِ مِن نقصٍ وضعفٍ لا يَخْفى على كلِّ عاقِلٍ أن هذا لا يليقُ بالله سُبْحَانَهُ وبحمده، إنما يَرحمُ مِنْ قوةٍ، ويَعفو مِنْ قُدرةٍ، ويَغفر في عزَّة، ولا يُسأل عما يفعلُ وهم يُسألون.

رابعًا: لا تقنطوا مِن رحمة الله:

قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ العُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ"

رواه مسلم (4/ 2755) عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة.

ولذا فإنَّ القُنوطَ مِن رحمةِ اللهِ مِن علاماتِ الكُفرِ والضَّلالِ، وما يقنَطُ من رحمةِ الله عز وجل إلا رجلٌ مِن اثنين: ضالٌّ، أو كافرٌ

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].

وقد نصَحَ يعقوبُ؛ بنيه بألا ييأسوا من رَوْحِ اللهِ أبدًا

وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

عن جُندَب؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللِه لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ

وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ"[54].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد قال لضمضمِ بنِ جوسٍ اليمامي: يا يمامي لا تقولنَّ لرجُلٍ: واللهِ لا يغفرُ اللهُ لك، أو لا يُدْخِلُك اللهُ الجَنَّةَ أبدًا، فقال له: يا أبا هُريرةَ، إِنَّ هذه الكلمةَ يقولُها أحدُنا لأخيه وصاحبِه إذا غَضِبَ

قال أبو هريرة: فلا تَقُلْها، فإني سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلَانِ، كَانَ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدًا فِي العِبَادَةِ، وَكَانَ الآخَرُ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَا مُتَآخِيَيْنِ

فَكَانَ المُجْتَهِدُ لَا يَزَالُ يَرَى الآخَرَ عَلَى ذَنْبٍ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا أَقْصِرْ، فَيَقُولُ: خَلَّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟"

قَالَ: "إِلَى أَنْ رَآهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ أَقْصِرْ، قَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عليَّ رَقِيبًا؟

" قال: "فَقَالَ: وَالِله لَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ"، أَوْ "لَا يُدْخِلُكَ اللهُ الجَنَّةَ أَبَدًا، قَالَ أَحَدُهُمَا" قَالَ: "فَبَعَثَ الُله إِلَيْهِمَا مَلَكًا فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا وَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِي

وَقَالَ لِلْآخَرَ: أَكُنْتَ بِي عَالمًا؟ أَكُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي خَازِنًا؟ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ"، قال: فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي القَاسِمِ بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ

أخرجه مسلم (4/ 137)، البِرُّ والصِّلة.



اخوة الاسلام

و اكتفي بهذا القدر علي امل اللقاء قريبا

باذن الله تعالي لمن يريد الاستزاده









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-10, 16:00   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

يا صفوة الطيبين
جعلكم ربي من المكرمين
ونظر إليكم نظرة رضا يوم الدين

.

المحرومون من رحمةِ اللهِ:


فبالرغم مِنْ سَعةِ رحمةِ الله وعظَمتِها

إلَّا أنَّ هناك مِنَ الناسِ مَنْ حَرموا أنفسَهُم منها بذنوبِهم

وسنذكر فيما يلي جانبًا منهم:

أولًا: مَن لا يَرحم لا يُرحم:

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قَبَّلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحسَنَ بنَ عليٍّ وعنده الأقرعُ بنُ حابسٍ التميمي جالسًا، فقال الأقرعُ: إِنَّ لي عشرةً مِن الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ثُمَّ قال: "مَنْ لا يَرْحَمُ، لا يُرْحَم"[56]، ولِمَ يَرحمُ اللهُ مَنْ لم يرحَمْ عبادَهُ الذين خلقَهُم بيدِه ونفَخَ فيهم مِنْ رُوحِهِ؟ وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ"

رواه البخاري (7376)، ومسلم (2319).

ثانيًا: تعذيبُ النَّاسِ:

فعنْ أبي مسعودٍ البدريّ رضي الله عنه قال: كنتُ أَضْرِبُ غلامًا لي بالسَّوطِ، فسَمعتُ صوتًا مِن خلفِي: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلَامِ"

فقلتُ: لا أضربُ مملوكًا بعده أبدًا، وفي رواية: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، هو حرٌّ لوجهِ اللهِ، فقال: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ"، أَوْ "لَمَسَّتْكَ النارُ"

رواه مسلم (1659).

وعن هشامٍ بن حكيمٍ بنِ حزامٍ رضي الله عنهما قال: أشهدُ لسَمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ اللهَ يُعذِّبُ الذين يُعذّبون النَّاسَ في الدُّنيا"

رواه مسلم (2613).

ثالثًا: تعذيبُ الحيوانات:

فقد حرَّم اللهُ تعذيبَ الحيوانِ والحشراتِ، ويُعاقِبُ مَنْ فَعَلَ ذلك، فعن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما

أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبَتِ امْرَأةٌ فِي هِرَّةٍ: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ"

رواه البخاري (2365)، مسلم (2242)، وخشاش الأرض: هوامها وحشراتها.

رابعًا: الاختلافُ والفُرقةُ:

وكفى بنَزْعِ الرَّحمةِ عن المختلفين ثلاثةَ أُمورٍ كلٌّ منها أشدُّ مِنَ الأخرى.

الأولى: حِرمانُ المغفرةِ:

عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الخَمِيسِ فيُغفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكْ بِاللِه شَيْئًا؛ إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ

فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"

رواه مسلم (2565)، والشحناء: هي العداوة، وأنْظِروا، أي: أخِّرُوا.

الثانية: ضَياعُ الهُدى:

عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: لما حُضِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي البيتِ رجالٌ فيهم عمرُ بن الخطاب، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَلُمَّ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ"

فقال عُمَرُ: إِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد غَلَبَ عليه الوجَعُ، وعندكم القرآنُ، حسْبُنَا كتابُ اللهِ، فاختلفَ أهلُ البيتِ فاختصَموا، منهم مَنْ

يقولُ: قرِّبُوا يكتبْ لكم النبيُّ صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلُّوا بعدَهُ، ومنهم مَنْ يقولُ ما قال عمرُ رضي الله عنه: فلما أكثَروا اللَّغوَ والاختلافَ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

"قُومُوا عَنِّي"، وكان ابنُ عباس يقول: إِنَّ الرَّزيةَ ما حال بين رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبين أَنْ يكتُبَ لهم ذلك الكِتابَ مِن اختلافِهم ولغطِهم

رواه البخاري (5669) - كتاب المرض، وكتاب العلم.

الثالثة: إِخفاءُ ليلةِ القَدْرِ عن المسلمين:

عن عُبادةَ بنِ الصَّامتِ قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليخبرَنا بليلةِ القَدْرِ، فتلاحَى رجُلانِ مِن المسلمين، فقال: "خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ..."

رواه البخاري (49).









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-10, 16:01   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

الفائزون برحمَةِ اللهِ:

1- طاعة اللهِ ورسولِهِ:

فكلَّما كان العبدُ أكثرَ طاعةً للهِ تبارك وتعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلم كُلَّما كان أكثرَ استحقاقًا لرحمةِ الله عز وجل

قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132]

وقال عز وجل: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام: 155].

2- الإحسانُ:

قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56]

وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ..."

رواه مسلم (1955)، والترمذي (1409) واللفظ له، وقال: حسن صحيح.

3- تقوى الله تبارك وتعالى:

فإن كانتْ رحمةُ اللهِ قد وسعتْ كلَّ شيءٍ وشَمِلتْ البَرَّ والفاجِرَ، والمسلمَ والكافرَ، فما من أحدٍ إلا وهو يتقلَّبُ في رحمةِ اللهِ آناءَ الليلِ وأطرافَ النَّهارِ وهذا في الدُّنيا وتلك هي الرحمةُ العامةُ.

أما الرَّحمةُ الخاصَّةُ بدخولِ الجَنَّةِ في الآخرةِ فهي للمؤمنين والمتقين وَحْدَهُم

قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 156].

4- صلةُ الرَّحِمِ:

عن عبد الرحمن بن عوفِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَالَ اللهُ: أَنَا اللهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَها اسْمًا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُه، وَمَنْ قَطَعَهَا بتَتُّهُ"

وبَتَتُّه أي: قطعتُه.

صحيح: أخرجه الترمذي (4/ 1907)، وأحمد (3/ 1686)، وأبو داود (2/ 1694)، والحميدي (1/ 65).

فانظرْ أخي الكريمَ إلى هذه الشكوى المرَّة مِن الرَّحمِ المقطوعةِ إلى اللهِ، وانظُرْ أتُحِبُّ أَنْ تكونَ مِن الواصلين للرَّحمِ أَمْ مِنَ القاطعين.

وعن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "إِنَّ الرَّحِمَ مشْجَنَةٌ من الرَّحمنِ، تقولُ: يا ربِّ، إِنِّي قُطِعْتُ

يَا رَبِّ إِنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ إِنِّي أُسِيْءَ إِلَيَّ، يَا رَبِّ، يا ربِّ، فيُجِيبُها ربُّها عز وجل، فيقولُ: أما تَرْضَيْنَ أن أصِل مَنْ وصَلكِ وأقطعَ مَنْ قطعَكِ؟"

صحيح: أخرجه أحمد (19/ 9871)، والبخاري في الأدب المفرد (ص: 35 - 36)، والحاكم (4/ 162)، وابن حبان.

وفي رواية: "أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ"

قال أبو هُريرة: اقرؤوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد: 22]

أخرجه البخاري (8/ 4830)، ومسلم (ج 4 - البِرِّ والصِّلة - 16) وغيرهما.

5- التماسُ مرضاةِ اللهِ:

عن ثوبانَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ العبدَ ليلتمسُ مرضاةَ اللهِ، ولا يزالُ بذلكَ، فيقولُ اللهُ عز وجل لجبريلَ: إِنَّ فلانًا عَبْدِي يَلْتَمِسُ أَنْ يُرضيَني

أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَى فُلَانٍ، وَيَقُولُها حَمَلَةُ العَرْشِ، وَيَقُولُها مَنْ حَوْلَهم حَتَّى يَقُولَها أَهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ إِلَى الأَرْضِ"

صحيح: أخرجه أحمد (5/ 279).

6- الصبر على الابتلاء:

قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155 - 157].

قال ابن كثير:

ï´؟ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ï´¾؛ أي: ثناءٌ عليهم، وقال سعيدُ بن جبير: أي أمَنَةٌ من العذابِ

تفسير ابن كثير (1/ 188).

ومِنْ رحمةِ اللهِ بمَنِ استرجع عند المصيبةِ أنه يُخْلِفُ له خيرًا منها، عن أمِّ سَلمةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا"، قالتْ: فلما تُوفِّيَ أبو سَلمةَ قلتُ كما أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف اللهُ لي خيرًا منه، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

أخرجه مسلم (918).

فيا لسعادَةِ أمِّ سَلمةَ، فقد تزوَّجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بصَبْرِهَا.

7- رحمةُ الناس:

فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال وهو على المنبرِ: "ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ"

أخرجه أحمد (2/ 165، 219)، والبخاري في الأدب المفرد (380)، وانظر: الصحيحة (480).

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه؛ أن صبيًّا قد رُفع في حِجْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونفسُه تقعقِعُ ففاضَتْ عينا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال له سَعْدٌ: ما هذا يا رسولَ الله؟

قال: "هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ".

وفي رواية: "إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ"

أخرجه البخاري: (1284، 5655، 6602، 6655، 7377، 7448)، ومسلم (923)، وتقعقع: أي في سكرات الموت.

"مَنْ رَحِمَ رُحِمَ ومَنْ تَجاوَزَ تَجاوَزَ اللهُ عنه" والجزاءُ من جنسِ العملِ.

فعن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حُوسِبَ رجلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا

فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ المُعْسِرِ"، قَالَ: "قَالَ الُله عز وجل: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ"

أخرجه مسلم (ج 3 - المساقاة - 30)، والبخاري في الأدب المفرد (293)، والترمذي (ج 3/ 1307)، وأحمد (ج 4/ 118).

قد يعجَبُ المرءُ مِن رحمةِ اللهِ بعبدٍ تجاوزَ عن فقيرٍ فيكافِئُه بالنَّجاةِ من النَّارِ والخلودِ في الجَنَّةِ، ولكنه يكونُ أكثرَ عجبًا حين يرحمُ اللهُ امرأةً مِنَ البغايا ويغفرُ لها مِن أجلِ شَربة ِماءٍ سَقَتْها لكلبٍ...

فما أرحمَ اللهَ! وما أكرمَهُ! وما أعظمَهُ!

فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يَطِيفُ برَكِيَّةٍ، قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَـشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيـلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَها بِهِ"

متفق عليه: يطيف: يدُور، "حول رَكِيَّة": وهي البئر.

8- الجماعةُ رحمةٌ:

قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود: 118، 119]

قيل في هذه الآية المرحومون لا يختلفون.

وقد جاء في بعضِ الحديث: "الجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالفُرْقَةُ عَذَابٌ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ".

ويقصِدُ بالجماعةِ: أي جماعةَ المسلمين والرُّفقةَ الصالحةَ فإِنَّ لزومَهُم كلَّه خيرٌ؛ فإنهم يذكِّرونك إِنْ غَفَلْتَ، ويعلمونَك إن جَهلْتَ، ويُواسُونَكَ إِنْ أُصِبْتَ.

فعَنْ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: "عليك بإخوانِ الصدق تَعِشْ في أكنافهم فإنَّهم زينةٌ في الرَّخاءِ، وعُدَّةٌ في البلاءِ، ولا تصاحِبْ إلا الأمينَ، ولا أمينَ إلا مَنْ يخشى الله عز وجل، ولا تصاحبِ الفاجرَ فتتعلمَ من فجورِهِ".









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-12-10 في 16:35.
رد مع اقتباس
قديم 2019-12-10, 16:45   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

صفةُ الرَّحمةِ:

الشرْح:

هذه آياتٌ في إثباتِ صفةِ الرَّحمةِ:

الآية الأولى: قولُه: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30].

هذه آيةٌ أتى بها المؤلِّفُ ليثبتَ حُكمًا، وليستْ مُقدِّمةً لما بعدها، وقد سبق لنا شرحُ البسملة، فلا حاجةَ إلى إعادتِه.

وفيها من أسماءِ اللهِ ثلاثةٌ: اللهُ، الرَّحمنُ، الرَّحيمُ، ومِنْ صفاتِهِ: الألوهيَّةُ، والرَّحمةُ.

الآية الثانية: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7]

هذا يقوله الملائكة: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7].

ما أعظمَ الإِيمانَ! وأعظمَ فائِدتَهُ!

الملائكةُ حولَ العرشِ يحملونَهُ، يَدْعُون اللهَ للمؤمنِ.

وقولُه: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾: يدلُّ على أَنَّ كلَّ شيءٍ وصلَهُ علمُ اللهِ، وهو واصلٌ لكلِّ شيءٍ، فإِنَّ رحمَتَهُ وَصَلَتْ إليه؛ لأنَّ اللهَ قرنَ بينهما في الحُكمِ ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾.

وهذه هي الرَّحمةُ العامَّةُ التي تشملُ جميعَ المَخْلوقاتِ، حتى الكفارَ؛ لأنَّ اللهَ قرنَ الرَّحمةَ هذه مع العلمِ، فكلُّ ما بلغه علمُ اللهِ - وعِلمُ اللهِ بالغٌ لكلِّ شيءٍ - فقد بلغتْهُ رحمتُه، فكما يَعْلَمُ الكافِرَ، يرحمُ الكافِرَ أيضًا.

لكِنَّ رحمتَهُ للكافرِ رحمةٌ جسديَّةٌ بدنيةٌ دنيويةٌ قاصِرةٌ غايةَ القُصورِ بالنسبةِ لرحمةِ المؤمنِ، فالذي يَرزقُ الكافرَ هو اللهُ الذي يَرزقُه بالطعامِ والشَّرابِ واللباسِ والمَسكنِ والمَنْكَحِ وغيرِ ذلك.

أما المؤمنون، فرحمتُهم رحمةٌ أخصُّ مِن هذه وأعظمُ؛ لأنها رحمةٌ إيمانيَّةٌ دينيةٌ دنيويّةٌ.

ولهذا تجدُ المؤمِنَ أحسنَ حالًا من الكافرِ، حتَّى في أُمورِ الدُّنيا؛ لأَنَّ الله يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]: الحياةُ الطيبةُ هذه مفقودَةٌ بالنسبةِ للكفارِ

حياتُهم كحَياةِ البهائِمِ، إذا شَبِعَ رَاثَ، وإذا لم يشبَعْ جلسَ يصرخُ، هكذا هؤلاءِ الكفارُ

إن شبعوا بَطروا، وإلا جلسوا يصرخُون، ولا يستفيدون مِنْ دُنياهم، لكنَّ المؤمنَ إِنْ أصابته ضرَّاءُ صبَر واحتسبَ الأجرَ على اللهِ عز وجل، وإن أصابتْهُ سرَّاءُ شكرَ، فهو في خيرٍ في هذا وفي هذا

وقلبُه منشرِحٌ مطمئِنٌّ ماشٍ مع القضاءِ والقَدَرِ، لا جزعَ عند البلاءِ، ولا بطرَ عند النعماءِ، بل هو متوازنٌ مستقيمٌ معتدلٌ.

فهذا فرقٌ ما بين الرَّحمةِ هذه وهذه.

لكِنْ مع الأسفِ الشَّديدِ أيُّها الإخوةُ: إِنَّ مِنَّا أُناسًا آلافًا يُريدون أنْ يلحقوا بركبِ الكفَّارِ في الدُّنيا، حتى جعلوا الدُّنيا هي همَّهم، إِنْ أُعطوا رَضُوا، وإِنْ لم يُعطَوا إذا هم يَسْخَطون

هؤلاءِ مهما بلغُوا في الرَّفاهيةِ الدنيويَّةِ فهم في جحيمٍ، لم يَذوقوا لذَّةَ الدُّنيا أبدًا، إنما ذَاقَهَا مَنْ آمنَ باللهِ وعَمِلَ صالحًا.

ولهذا قال بعضُ السلف:

واللهِ، لو يعلمُ الملوكُ وأبناءُ الملوكِ ما نحنُ فيه لجالدونا عليه بالسيوفِ"

لأنه حالَ بينهم وبين هذا النعيمِ ما هُمْ عليه من الفُسوقِ والعصيانِ والرّكونِ إلى الدُّنيا وأنها أكبرُ همِّهم ومبلغُ علمِهم.

قوله: ﴿ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾: ﴿ رَحْمَةً ﴾: تمييزٌ محوَّلٌ عن الفاعلِ، وكذلك ﴿ وَعِلْمًا ﴾؛ لأَنَّ الأصلَ: ربَّنا وَسِعَتْ رحمتُك وعلمُك كلَّ شيءٍ.

وفي الآية مِنْ صفاتِ اللهِ: الرُّبوبيَّةُ، وعمومُ الرَّحمةِ، والعلمُ.

الآية الثالثة: قوله: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأحزاب: 43]: متعلقٌ بـ (رحيمٍ)، وتقديرُ المعمولِ يَدُلُّ على الحَصْرِ، فيكونُ معنى الآيةِ: وكان بالمؤمنينَ لا غيرِهم رحيمًا.

ولكن كيف نجمعُ بين هذه الآيةِ والتي قَبْلَها: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7]؟

نقولُ: الرَّحمةُ التي هُنا غيرُ الرَّحمةِ التي هُناك، هذه رحمةٌ خاصَّةٌ متصِلَةٌ برحمةِ الآخرةِ لا ينالُها الكفارُ، بخلافِ الأُولى، هذا هو الجمعُ بينهما، وإلا فكلٌّ مرحومٌ، لكِنْ فَرْقٌ بين الرَّحمةِ الخاصَّةِ والرَّحمةِ العامَّةِ.

وفي الآية من الصفات: الرَّحمةُ.

ومن الناحية المَسْلكيَّةِ: الترغيبُ في الإيمانِ.

الآية الرابعة: قوله: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]:

يقولُ جل جلاله وتباركت أسماؤه متمدحًا مُثنيًا على نفسِه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، فأثنى على نفسِه عز وجل بأنَّ رحمتَهُ وسِعَتْ كلَّ شيءٍ مِن أهلِ السماءِ ومِنْ أهلِ الأرضِ.

ونقولُ فيها ما قلنا في الآية الثانية، فليُرجَعْ إليه.

الآية الخامسة: قوله: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54]:

﴿ كَتَبَ ﴾: بمعنى: أوجبَ على نفسِه الرَّحمةَ، فاللهُ عز وجل لكرمِهِ وفضلِه وجُودِهِ أوجبَ على نفسِه الرَّحمةَ

وجعلَ رحمتَهُ سابقةً لغضبه، ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [فاطر: 45]،

لكِنْ حلمُه ورحمتُه أوجبَتْ أَنْ يَبْقى الخلْقُ إلى أجلٍ مُسمًّى.

ومِنْ رحمَتِهِ ما ذكَرَهُ بقوله: ﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54]: هذه مِنْ رحمتِه.

﴿ سُوءًا ﴾: نَكِرَةٌ في سياقِ الشَّرطِ، فتعمُّ كلَّ سُوءٍ، حتى الشِّركَ.

﴿ بِجَهَالَةٍ ﴾: يعني: بسَفَهٍ، وليس المرادُ بها عدمَ العلمِ، والسَّفَهُ عدمُ الحِكمةِ؛ لأنَّ كلَّ مَنْ عصى اللهَ، فقد عصاهُ بجهالةٍ وسَفَهٍ وعدمِ حكمةٍ.

﴿ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾: فيغفرُ ذَنْبَهُ ويرحمُه.

ولم يختمِ الآيةَ بهذا، إلا سينالُ التائبُ المغفرةَ والرَّحمةَ، هذا مِنْ رحمتِه التي كتبها على نفسِه، وإلا لكان مقتضى العَدْلِ أَنْ يُؤاخِذَه على ذنبهِ، ويجزيَهُ على عملِه الصالحِ.

فلو أَنَّ رجلًا أذنبَ خمسين يومًا، ثم تاب وأصلحَ خمسينَ يومًا، فالعدلُ أنْ نُعذِّبَه عن خمسينَ يومًا، ونجازيَه بالثوابِ عن خمسينَ يومًا، لكنَّ اللهَ عز وجل كتبَ على نفسِه الرَّحمةَ

فكلُّ الخمسين يومًا التي ذهبَتْ من السُّوءِ تُمحى وتزولُ بساعةٍ، وزِدْ على ذلكَ: ﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ [الفرقان: 70]

السيئاتُ الماضيةُ تكونُ حسناتٍ؛ لأنَّ كلَّ حسنةٍ عنها توبةٌ، وكلَّ توبةٍ فيها أجرٌ.

فظهرَ بهذا أثرُ قولِه تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾.

وفي الآيةِ مِنْ صِفاتِ اللهِ: الرُّبوبيةُ، والإِيجابُ، والرَّحمةُ.

الآية السادسة: قوله: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].

الله عز وجل هو الغفورُ الرَّحيمُ، جمعَ عز وجل بين هذين الاسمين؛ لأَنَّ بالمغفرةِ سقوطَ عقوبةِ الذُّنوبِ

وبالرَّحمةِ حُصولَ المطلوبِ، والإنسانُ مفتقرٌ إلى هذا وهذا: مفتقرٌ إلى مغفرةٍ ينجو بها من آثامِهِ، ومفتقرٌ إلى رحمةٍ يسعد بها بحُصولِ مطلوبِهِ.

فـ ﴿ الْغَفُورُ ﴾: صيغةُ مبالغةٍ مأخوذةٌ من الغَفْرِ، وهو السَّتْرُ مع الوقايةِ؛ لأنه مأخوذٌ من المِغْفَرِ، والمِغْفَرُ شيءٌ يُوضعُ على الرأسِ في القتالِ يَقِي من السِّهامِ، وهذا المِغْفَرُ تحصُلُ به فائدتانِ هما: سترُ الرأس، والوقايةُ.

فـ ﴿ الْغَفُورُ ﴾: الذي يسترُ ذنوبَ عبادِهِ، ويَقِيهم آثامَها بالعفوِ عنها.

ويدلُّ على هذا ما ثبتَ في الصحيح: "أَنَّ اللهَ عز وجل يخلو يومَ القيامة بعبدِهِ، ويقرُّرُهُ بذنوبِه، يقولُ: عَمِلْتَ كذا، وعَمِلْتَ كذا... حتى يُقرَّ، فيقولُ اللهُ عز وجل: قد سترتُها عليك في الدُّنيا، وأنا أغفرُها لك اليوم"

لما رواه البخاري (2441)، ومسلم (2768)

عن ابن عمر قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم

يقول: "إنَّ الله يُدني المؤمنَ فيضعُ عليه كنفَهُ ويستُره فيقول: أتعرِفُ ذنبَ كذا، أتعرِفُ ذنبَ كذا، فيقول: نعم أيْ ربِّ، حتى إذا أَقْرَره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هَلَكَ قال: سترتُها عليك في الدُّنيا، وأنا أغفرُها لك اليوم".

أما ﴿ الرَّحِيمُ ﴾، فهو ذو الرَّحمةِ الشاملةِ، وسَبقَ الكلامُ في ذلك.

وفي الآية من الأسماء: الغفورُ، والرَّحيمُ، ومن الصفاتِ: المغفِرَةُ، والرَّحمةُ.

الآية السابعة: قوله: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].

قالها يعقوبُ حين أَرْسَلَ مع أبنائِه أخَا يُوسفَ الشقيقَ؛ لأَنَّ يُوسفَ عليه الصلاةُ والسلامُ قال: لا كيلَ لكم إِذا رجعتُم إلا إذا أتيتُم بأخيكم، فبلَّغوا والِدَهم هذه الرسالةَ، ومِنْ أجل الحاجةِ أرسلَهُ معَهُم

وقال لهم عِنْدَ وداعِهِ: ﴿ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]

يعني: لَنْ تحفظوه، ولكنَّ اللهَ هو الذي يحفظُه.

﴿ خَيْرٌ حَافِظًا ﴾: ﴿ حَافِظًا ﴾: قال العلماءُ: إنها تمييزٌ، كقولِ العَربِ: للهِ درُّه فارسًا، وقيل: إِنَّها حالٌ من فاعلِ {خَيْرٌ} في قوله: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ ﴾؛ أي: حالَ كونِه حافظًا.

الشاهد مِنَ الآيةِ هُنا قولُه: ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾، حيثُ أثبتَ للهِ عز وجل الرَّحمةَ، بل بيَّن أَنَّه أرحمُ الراحمينَ، لو جُمِعَتْ رحمةُ الخلْقِ كلِّهم، بل رحماتُ الخلْقِ كلِّهم، لكانتْ رحمةُ اللهِ أشدَّ وأعظمَ.

أرحمُ ما يكونُ مِن الخلْقِ بالخلْقِ رحمةُ الأمِّ ولدَها، فإِنَّ رحمةَ الأمِّ ولدَها لا يُساويها شيءٌ مِن رحمةِ النَّاسِ أبدًا، حتى الأبُ لا يَرحمُ أولادَه مثلَ أمِّهم في الغالبِ.

جاءتْ امرأةٌ في السَّبْي تطلبُ ولدَها وتبحثُ عنه، فلما رأتْهُ، أخذَتْهُ بشفقةٍ وضمَّتهُ إلى صَدْرِها أمامَ النَّاسِ وأمامَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَتَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ المَرْأَةَ طَارِحَةٌ وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟"

قالوا: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: "للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"

رواه البخاري (5999)، ومسلم (2754) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

جلَّ جلالُه، وعزَّ ملكُه وسلطانُه.

كلُّ الراحمين، إذا جُمِعَتْ رحمَاتُهم كلِّهم، فليستْ بشيءٍ عندَ رحمةِ اللهِ.

ويدلُّكَ على هذا أَنَّ اللهَ عز وجل خلقَ مائةَ رحمةٍ، وَضَعَ منها رحمةً واحدةً يتراحمُ بها الخلائقُ في الدُّنيا

لما رواه البخاري (6000)، ومسلم (2752)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جعل الله الرحمةَ مائةَ جُزءٍ

فأَمسَكَ عنده تسعةً وتسعين رحمةً، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمِن ذلك الجزءِ تتراحمُ الخلائقُ، حتى ترفعَ الدابةُ حافِرَها عن ولدِها خشيةَ أن تصيبَه".

كلُّ الخلائقِ تتراحمُ: البهائمُ والعقلاءُ، ولهذا تجدُ البعيرَ الجموحَ الرَّموحَ تَرفع رجلها عن ولدِها مخافةَ أن تُصيبَه عندما يرضَعُ حتى يرضَعَ بسهولةٍ ويُسرٍ

وكذلك تجدُ السِّباعَ الشَّرسَةَ تجدُها تحِنُّ على ولدِها وإذا جاءها أحدٌ في جُحْرِها مع أولادِها، ترمي نفسَها عليه، فتدافعُ عنهم، حتى تردَّهُ عن أولادِها.

وقد دَلَّ على ثُبوتِ رحمةِ اللهِ تعالى: الكتابُ، والسُّنةُ، والإجماعُ، والعقلُ:

فأما الكتابُ، فجاءَ به إثباتُ الرَّحمةِ على وجوهٍ متنوعةٍ: تارةً بالاسمِ،

كقولِه: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107]

وتارةً بالصفةِ، كقولِه: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الكهف: 58]

وتارةً بالفعلِ، كقولِه: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [العنكبوت: 21]

وتارةً باسمِ التفضيلِ، كقولِه: ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].

وبمثلِ هذه الوجوهِ جاءَتِ السُّنَّةُ.

وأما الأدلةُ العقليةُ على ثُبوتِ الرَّحمةِ للهِ تعالى، فمنها ما نَرى مِنَ الخيراتِ الكثيرةِ التي تحصلُ بأمرِ اللهِ عز وجل، ومنها ما نَرى مِنَ النِّقم الكثيرةِ التي تندفِعُ بأمرِ اللهِ، كلُّه دالٌّ على إثباتِ الرحمةِ عقلًا.

فالناسُ في جَدْبٍ وفي قَحْطٍ، الأرضُ مُجدِبَةٌ، والسَّماءُ قاحِطَةٌ، لا مطرَ، ولا نباتَ، فيُنزِلُ اللهُ المطرَ، وتنبتُ الأرضُ، وتشبعُ الأنعامُ، ويسقى الناسُ... حتى العامِّيَّ الذي لم يدرسْ، لو سألتَهُ وقلتَ: هذا مِنْ أي شيءٍ؟

فسيقول: هذا مِنْ رحمةِ اللهِ ولا يشكُّ أحدٌ في هذا أبدًا.

فرحمةُ اللهِ عز وجل ثابتةٌ بالدَّليلِ السَّمعيِّ والدَّليلِ العقليِّ.


ما نستفيدُه من الناحيةِ المَسْلكيةِ في هذه الآياتِ:

الأمرُ المَسْلكيُّ: هو أنَّ الإنسانَ ما دامَ يعرِفُ أَنَّ الله تعالى رحيمٌ، فسوف يتعلَّقُ برحمةِ اللهِ، ويكون منتظرًا لها، فيحملُه هذا الاعتقادُ على فعلِ كلِّ سببٍ يُوصلُ إلى الرَّحمةِ، مثل: الإحسان

قال الله تعالى فيه: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]

والتقوى

قال تعالى: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156]

والإيمان

فإنَّه من أسبابِ رحمةِ اللهِ

كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]

وكلما كان الإيمانُ أقوى، كانتِ الرَّحمةُ إلى صاحبِه أقربَ بإِذنِ اللهِ عز وجل.









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-10, 17:21   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18

اخوة الاسلام

و الان مع طريق اخر في قمة الاهمية

تكرر اسم الله "الرحمن" مع آيات القيامة

أما الآية التي ذكرت

فهي قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) طه/ 108.

و"الرحمن" اسم عظيم من أسماء الله تعالى الحسنى، وهذا الاسم الكريم خاص بالله تعالى يدل على الكثرة والامتلاء وهو مشتق من الرحمة، ويعني هذا أنه يشتمل على رحمة واسعة.

ويزيد هذا الاسمَ الكريم ، كمالًا وحسنًا وفائدة : مجيئُه مقرونًا باسم "الرحيم" ، كإتيانه في البسملة، والتفريق بينهما هو الصواب فـ"الرحمن أبلغ من الرحيم؛ لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى،

كما في قطَع - بالتخفيف - وقطَّع - بالتشديد - "،

تفسير السراج المنير، للشربيني (1/ 13)

وقال الزمخشري:

"وفي ( الرَّحْمَنُ ) من المبالغة ما ليس في ( الرَّحِيمُ ) "

تفسير الكشاف: (1/ 49-50).

وقال ابن القيم:

" فالرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم الراحم لعباده؛

ولهذا يقول تعالى: ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) [الأحزاب: 43]، ( إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 117] .

ولم يجيء رحمن بعباده ، ولا رحمن بالمؤمنين، مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف ، وثبوت جميع معناه الموصوف به، ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا

وندمان وحيران وسكران ولهفان ، لمن ملئ بذلك ؟

فبناء فعلان للسعة والشمول؛ ولهذا يقرن استواؤه على العرش بهذا الاسم كثيرًا

كقوله تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5]

( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) [الفرقان: 59]

فاستوى على عرشه باسم الرحمن؛ لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم

كما قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [الأعراف: 156]

فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات؛ فلذلك وسعت رحمته كل شيء .

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي، وفي لفظ: (فهو عنده على العرش).

فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش، وطابق بين ذلك وبين قوله: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5]

وقوله: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) [الفرقان: 59]، ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم"

انتهى، من مدارج السالكين (1/ 33 - 34).

وقال السهيلي:

" وفائدة الجمع بين الصفتين: الرحمن والرحيم: الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلة ، وخاصة وعامة".

قال ابن القيم –

بعد كلام السهيلي السابق -:

" وأما الجمع بين الرحمن الرحيم : ففيه معنى هو أحسن من المعنيين اللذين ذكرهما ، وهو: أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل

فالأول دال أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته

وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) [الأحزاب: 43]، ( إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 117]

ولم يجيء قط رحمن بهم، فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته .."

انتهى، من بدائع الفوائد (1/ 28).

ولعلنا من خلال الكلام السابق نخلص إلى ميزات اختص بها اسم الله "الرحمن" فمنها: مجيئ هذا الاسم على صيغة تدل على المبالغة والامتلاء، واشتماله على رحمة واسعة وعامة، وأنه اسم خاص بالله تعالى ...

ومن أجل هذه الميزات التي تميز بها اسم " الرحمن " تكرر ذكره مع الآيات الخاصة بالحديث عن يوم القيامة أكثر من اسم الله " الرحيم " :

فلا ملك يوم القيامة إلا لله الواحد القهار ، فناسب ظهور تفرده بالملك ، والحكم ، والأمر : أن يذكر اسم الرحمن ، الخاص بالله جل جلاله ، لم يسم به أحد سواه .

ولما دل عليه بناء "الرحمن" من السعة ، والامتلاء ، والشمول : ناسب ذكره مع الآيات الخاصة بيوم القيامة ، لعظم حاجة العباد إلى رحمة أرحم الراحمين ، في ذلك اليوم ، أكثر من أي زمان مضى .

ولهذا جاء في الحديث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

رواه البخاري (6469) ومسلم (2752) ، واللفظ له .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-10, 17:22   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


اسم الرحمن

ودلالاته السياقية والمعنوية في سورة مريم


اسم الله الرحمن: معناه وآثاره:

الرحمن اسم عظيم من أسماء الله تعالى الحسنى ثبت في القرآن والسنة

قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]

ونحوها من الآيات، وعن عبد الرحمن بن عوف رضي

الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم شققت لها اسمًا من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته)

رواه أحمد (1/ 191)، والبخاري في الأدب المفرد (ص: 33)، والحاكم/المستدرك (4/ 173)

والبيهقي/السنن الكبرى (7/ 26)، وأبو داود/سنن أبي داود (2/ 60)، وابن حبان(2/ 186)

والطبراني/ المعجم الأوسط (5/ 37)، والبزار (3/ 205)، وأبو يعلى (2/ 155)، وصححه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 19).

وغيره من الأحاديث.

وهذا الاسم الكريم خاص بالله تعالى يدل على الكثرة والامتلاء وهو مشتق من الرحمة، ويعني هذا أنه يشتمل على رحمة واسعة

ينظر: الصحاح للجوهري (6/ 207)

وتهذيب اللغة للأزهري (5/ 33)

والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/ 504).

قال أبو حيان:

" الرحمن: فعلان من الرحمة، وأصل بنائه من اللازم من المبالغة، وشذ من المتعدي، وأل فيه للغلبة كهي في الصعق، فهو وصف لم يستعمل في غير الله كما لم يستعمل اسمه في غيره...

ووصف غير الله به من تعنت الملحدين"

تفسير البحر المحيط (1/ 125).

وقال السهيلي:

" الرحمن من أبنية المبالغة كغضبان ونحوه، وإنما دخله معنى المبالغة من حيث كان في آخره ألف ونون كالتثنية

فإن التثنية في الحقيقة تضعيف وكذلك هذه الصفة، فكأن غضبان وسكران كامل لضعفين من الغضب والسكر فكان اللفظ مضارعًا للفظ التثنية؛ لأن التثنية ضعفان في الحقيقة

ألا ترى أنهم أيضًا قد شبهوا التثنية بهذا البناء إذا كانت لشيئين متلازمين فقالوا: الحكمان والعلمان، وأعربوا النون كأنه اسم لشي

واحد فقالوا: اشترك باب فعلان وباب التثنية، ومنه قول فاطمة: يا حسنانُ يا حسينانُ -برفع النون لابنيها- ولمضارعة التثنية امتنع جمعه فلا يقال: غضابين

وامتنع تأنيثه فلا يقال: غضبانة، وامتنع تنوينه كما لا تنون نون المثنى، فجرت عليه كثير من أحكام التثنية؛ لمضارعته إياها لفظًا ومعنى"

نقله ابن القيم عنه في: بدائع الفوائد (1/ 27-28).

وقد اشتمل اسم الرحمن على صفة الرحمة من غير تنافٍ بين الاسم والصفة؛ ولذلك جاء ذكره في القرآن تابعًا للفظ الجلالة كما في البسملة

وجاء اسمًا غير تابع كما في المواضع الأخرى التي ذكر فيها

قال ابن القيم:

" فالرحمن اسمه تعالى ووصفه لا تنافي اسميتُه وصفيتَه، فمن حيث هو صفة جرى تابعًا على اسم الله، ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع

بل ورود الاسم العلم، ولما كان هذا الاسم مختصًا به تعالى حسنَ مجيئه مفرداً غير تابع كمجيء اسم الله كذلك، وهذا لا ينافي دلالته على صفة الرحمن كاسم الله تعالى

فإنه دال على صفة الألوهية ولم يجيء قط تابعًا لغيره، بل متبوعًا، وهذا بخلاف العليم والقدير والسميع والبصير ونحوها؛ ولهذا لا تجيء هذه مفردة بل تابعة.

فتأمل هذه النكتة البديعة يظهر لك بها أن الرحمن اسم وصفة لا ينافي أحدهما الآخر، وجاء استعمال القرآن بالأمرين جميعا"

بدائع الفوائد (1/ 28)

ويزيد هذا الاسمَ الكريم كمالاً وحسنًا وفائدة مجيئُه مقرونًا باسم "الرحيم" كإتيانه في البسملة

ومثل قوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]

وقد حصل خلاف بين العلماء في الاسمين الكريمين: هل هما متفقان أو مفترقان؟

قال الثعلبي:

" قال قوم: هما بمعنى واحد، مثل "ندمان ونديم" و"سلمان وسليم" و"هوان وهوين"..

.وفرق الآخرون بينهما فقال: بعضهم: الرحمن على زنة فعلان وهو لا يقع إلا على مبالغة القول. وقولك: رجل غضبان للممتلئ غضبًا، وسكران لمن غلب عليه الشراب، فمعنى "الرحمن"

: الذي وسعت رحمته كل شيء. وقال بعضهم: "الرحمن" العاطف على جميع خلقه: كافرهم ومؤمنهم برهم وفاجرهم بأن خلقهم ورزقهم

قال الله تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]

و ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]

بالمؤمنين خاصة بالهداية والتوفيق في الدنيا والجنة والرؤية في العقبى

قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]

فـ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ [البقرة: 163]

خاص اللفظ عام المعنى، و ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]

عام اللفظ خاص المعنى. و﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ [البقرة: 163]

خاص من حيث إنه لا يجوز أن يسمى به أحد إلا الله تعالى، عام من حيث إنه يشمل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع و﴿ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]

عام من حيث اشتراك المخلوقين في المسمى به، خاص من طريق المعنى

لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق"

الكشف والبيان (1/ 98).

. والتفريق بينهما هو الصواب فـ"الرحمن أبلغ من الرحيم؛ لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى، كما في قطَع - بالتخفيف- وقطّع - بالتشديد-"

تفسير السراج المنير، للشربيني (1/ 13).

وقال الزمخشري:

"وفي ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ [البقرة: 163] من المبالغة ما ليس في ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]

ولذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى"

تفسير الكشاف (1/ 49-50).

وقال ابن القيم:

" فالرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم الراحم لعباده

ولهذا يقول تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]

﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]

ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين، مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به

ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن ملئ بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول؛ ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيراً

كقوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]

﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الفرقان: 59]

فاستوى على عرشه باسم الرحمن؛ لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم

كما قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]

فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات؛ فلذلك وسعت رحمته كل شيء

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي

رواه مسلم (4/ 2107).

وفي لفظ: (فهو عنده على العرش

رواه البخاري (6/ 2694)، ومسلم (4/ 2107).

فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش

وطابق بين ذلك وبين قوله: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]

وقوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 59]

ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم"

مدارج السالكين (1/ 33-34).









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-10, 17:24   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

وقال السهيلي:

" وفائدة الجمع بين الصفتين: الرحمن والرحيم: الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلة وخاصة وعامة"

بدائع الفوائد (1/ 28).

قال ابن القيم-عقب كلام السهيلي السابق-:

" وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ففيه معنى هو أحسن من المعنيين اللذين ذكرهما وهو: أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل

فالأول دال أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]

﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]

ولم يجيء قط رحمن بهم، فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته، وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب وإن تنفست عندها مرآة قلبك لم تنجل لك صورتها"

بدائع الفوائد (1/ 28).

ولعلنا من خلال الكلام السابق نخلص إلى ميزات اختص بها اسم الله "الرحمن" فمنها: مجيئ هذا الاسم على صيغة تدل على المبالغة والامتلاء

واشتماله على رحمة واسعة وعامة، وأنه اسم خاص بالله تعالى، لا يجوز أن يسمى به أحد غيره

وأنه لا يذكَّر ولا يؤنث ولا يجمع، وأنه اسم مستقل لم يرد تابعًا في القرآن إلا للفظ الجلالة، وأنه لم يرد تعلقه بخصوص عباده كالرحيم، وأنه قُرن بأوسع المخلوقات وهو العرش.

هذا وقد أنكر العرب المشركون هذا الاسم العظيم؛ إما لجهلهم بالله وبما وجب له"

كما قال القرطبي

تفسير القرطبي (1/ 104).

وإما لجحودهم فتظاهروا بجهله منزلين المعلوم مقام غيره

كما قال الشنقيطي

عند قوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]:

وقد بين جل وعلا في غير هذا الموضع أنهم تجاهلوا اسم الرحمن في قوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60]،

وبين لهم بعض أفعال الرحمن جل وعلا في قوله: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4]

ولذا قال بعض العلماء: إن قوله : ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ [الرحمن: 1]

جواب لقولهم: ﴿ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ [الفرقان: 60]

وهم يعلمون أن الرحمن هو اللَّه، وأن تجاهلهم له تجاهل عارف

أضواء البيان(3/ 189) (6/ 70)، بتصرف.

فما أجمل افتتاحَ سورة من سور القرآن الكريم بهذا الاسم العظيم؛ لتكون كلمة الرحمن أول ما يقرع أسماعهم من السورة، ولينتظروا خبر هذا الاسم فيما يتلوه من جمل الكلام.

إن اسم" الرحمن" له آثار ظهرت بين عباد الله، فالنعم التي ينعمون بها

والنقم التي تصرف عنهم هي أثر من آثار رحمة الله تعالى الواسعة، قال ابن تيمية: " و﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1] وصف بالرحمة المتضمنة لإحسانه إلى العباد بمشيئته وقدرته

مجموع الفتاوى(6/ 266).

وقال ابن القيم -

وهو يتحدث عن تضمن سورة الفاتحة لإثبات النبوات من جهات عديدة-:" الموضع الثالث: من اسمه "الرحمن"

فإن رحمته تمنع إهمال عباده وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم، فمن أعطى اسم الرحمن حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل

وإنزال الكتب أعظم من تضمنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ وإخراج الحب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح

لكنِ المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب، وأدرك منه أولو الألباب أمراً وراء ذلك"

مدارج السالكين (1/ 8).

سورة مريم وتجلّيات الرحمة فيها:

سورة مريم سورة مكية بإجماع -كما صرح القرطبي-

تفسير القرطبي (11/ 72).

وقد سميت بهذا الاسم لكونها بسطت فيها قصة مريم وابنها وأهلها قبل أن تفصل في غيرها

التحرير والتنوير (16/ 5).

تحدثت هذا السورة الكريمة عن موضوعات في العقيدة الإسلامية تناولتها من طرق شتى، لكن الذي يدعو إلى الوقوف والتأمل في هذه السورة حديثُها المسهب عن الرحمة تصريحًا وتلميحاً

ففي حديث التصريح ذُكِرت الرحمة مصدراً في أربع آيات

وهي قوله تعالى: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾ [مريم: 2]

وقوله: ﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 21]

وقوله: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم: 50]

وقوله: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 53].وذكرت الرحمة اسمًا هو الرحمن في ستة عشر موضعًا-كما سيأتي-.

قال ابن عاشور:

"وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمن ست عشرة مرة، وذكر اسم الرحمة أربع مرات، فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمن. والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف

كما حكى الله تعالى عنهم في قوله في سورة الفرقان: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60] "

لتحرير والتنوير (16/ 7).

وفي حديث التلميح يرى الناظر حضورَ الرحمة في كثير من مشاهدها وأشخاصها الذين ذكروا فيها، ففيها ظهور رحمة الله في زكريا وزوجه برزقهما بيحيى على حين حاجة، ورحمة الله في يحيى بإعطائه ما أعطاه من النعم

ورحمة الله مريمَ باصطفائها ورفع منزلتها وإبعادها عن قومها حتى ولدت، وتسهيل رزقها عند ولادتها، وإظهار براءة ساحتها، ورحمته في عيسى بجعله رسولاً له

والإنعام عليه بنعم عاجلة وآجلة، ورحمته بني إسرائيل بإرسال عيسى إليهم، ورحمته تعالى في بيان توحيده لعباده، وإنذارهم بلقائه حتى يستعدوا له، ورحمته إبراهيمَ بجعله صديقا نبياً

وإنجائه من كيد قومه، ورزقه بإسماعيل وإسحاق ويعقوب، والإنعام عليه بالذكر الحسن من الأمم، ورحمته موسى بتصييره مخلَصا ورسولاً، وتأييده بأخيه هارون

ورحمته هارون بجعله نبيًا، ورحمته إسماعيل بجعله صادق الوعد ورسولاً، ورحمته إدريس بجعله صديقا نبيًا ورفعه مكانًا عليًا، ورحمته النبيين ومن تلاهم في الذكر بالاجتباء والرفعة

وظهور رحمته بالتوبة على عباده، وإثابة صالحي عباده بالجنة وإنجائهم من النار وزيادة المهتدين منهم هدى، وجعل المحبة والقبول لهم في قلوب عباده الصالحين

ورحمته عباده بإنزال الوحي الذي يتضمن الخير الكثير لهم، ورحمته خلقه ببعثهم بعد موتهم؛ لينال كل عامل جزاء ما عمل

ورحمته في إمهاله العاصين وحلمه عليهم، ورحمته رسولَه محمداً عليه الصلاة والسلام بإنزال القرآن عليه، ورحمته صالحي عباده بإهلاك المكذبين للرسل عقوبة لهم، وإنجاء المؤمنين، وجعل ذلك عبرة للمعتبرين من بعدهم.

فحقًا إن هذه السورة الكريمة سورة رحمة تجلّت فيها رحمة الله تعالى بمعناها العام والخاص.

مواضع ذكر اسم الرحمن في سورة مريم ودلالاته السياقية والمعنوية فيها:

لا شك أن كل حرف وكل كلمة وكل جملة في القرآن الكريم جاءت في موضعها المناسب لها، فالجملة تعانق الجملة، والكلمة تلازم الكلمة، والحرف يتصل بالحرف ولا ينبو عنه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.

والمتتبع لكلام المفسرين يجد أن بعضهم أعمل نظره في التماس مناسبة مجيء جملة قرآنية أو كلمة أو حرف في الموضع الذي ورد فيه ذاكراً الحِكم من ذلك

وهذا الاجتهاد المحمود المنضبط يكشف أسراراً قرآنية تزيد القرآن تعظيمًا، والمسلمَ إيمانًا ويقيناً، وتدعو غير المسلم للإقرار بإعجاز هذا الكتاب العظيم والإيمان بمنزله وبمن نزل عليه.



اخوة الاسلام

و اكتفي بهذا القدر علي امل اللقاء قريبا

باذن الله تعالي لمن يريد مزيد من الاستزاده









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-11, 06:33   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

يا صفوة الطيبين
جعلكم ربي من المكرمين
ونظر إليكم نظرة رضا يوم الدين

.

وعلى المنوال نفسه سنسير هنا للبحث عن الأسرار في ورود اسم" الرحمن" في مواضعه من سورة مريم، من كلام أهل العلم، والله هو المستعان به وحده.

1- قال تعالى: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18].

تباعدت مريم العفيفة عليها السلام مما يلي الشرق عن أهلها فجاء إليها جبريل عليه السلام بالبشرى

وحينما كانت في ذلك المكان وحيدة ضعيفة استعاذت باسم الله الرحمن دون سواه؛ ليرحم ضعفها فينجيها من هذا الطارق الغريب عليها، وهذا سر من أسرار اختيارها اسم الرحمن، وبهذا قال بعض المفسرين:

قال القشيري:

" ومعنى قولها: ﴿ بِالرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 18] ولم تقل: "بالله" أي: بالذي يرحمني فيحفظني منك

تفسير القشيري (4/ 415).

وقال أبو السعود:

"وذكره تعالى بعنوان الرحمانية للمبالغة في العياذ به تعالى، واستجلاب آثار الرحمة الخاصة التي هي العصمة مما دهمها"

تفسير أبي السعود (5/ 260)

وينظر: البحر المديد (4/ 310).

وقال البقاعي:

"ولما كان على أنهى ما يكون من الجمال والخلال الصالحة والكمال، فكان بحيث يستبعد غاية الاستبعاد أن يتعوذ منه أكدت فقالت: ﴿ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 18]

ربي الذي رحمته عامة لجميع عباده في الدنيا والآخرة، وله بنا خصوصية في إسباغ الرحمة وإتمام النعمة"

نظم الدرر (4/ 527).

وقال ابن عاشور:

" وذكرها صفة ﴿ الرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 18] دون غيرها من صفات الله لأنها أرادت أن يرحمها الله بدفع من حسبته داعراً عليها

التحرير والتنوير (16/ 22).

وقال أبو زهرة:

" وذكرت الله تعالى بوصف الرحمن كأنها تستغيث من الناس برحمة الله تعالى، وأنها في هذه الساعة تلجأ إلى رحمة الرحمن الرحيم، ثم تتجه إلى الذى دنا منها مستنجدة بتقواه

فتقول: (إن كنت تقياً طاهراً متصوناً مرجواً تخاف الله تعالى وتخشاه، فهي تلجأ إلى الرحمن، وتحثه على أن يخافه ويتقيه، ويكون امرأً يخاف عذابه ويرجو ثوابه"

زهرة التفاسير (ص: 4622).

وقال أبو بكر الجزائري:

" ﴿ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]

أي: أحتمي بالرحمن الذي يرحم الضعيفات مثلي، إن كنت مؤمناً تقياً فاذهب عني"

أيسر التفاسير (3/ 299).

2- قال تعالى: ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26].

عادت مريم عليها السلام بمولودها إلى قومها وهي على يقين مما سيرميها قومها به، فأوجبت على نفسها سكوتًا عن الكلام حتى يتولى الجواب عنها وليدُها؛ فيكون بذلك معجزة تبرئ ساحتها من التهمة.

وقد خصت مريم اسم الرحمن هنا؛ لما يتضمنه من الرحمة الواسعة التي تحفظها من أذى قومها، وتخرجها من غمها، وتتقرب إليه بنذرها، فإنه قد رحمها فخصها بهذه الكرامات دون بقية نساء قومها.

قال البقاعي

: " ﴿ إني نذرت للرحمن ﴾ أي: الذي عمت رحمته فأدخلني فيها على ضعفي، وخصني بما رأيت من الخوارق"

نظم الدرر (4/ 530).

3- قال تعالى: ﴿ يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ [مريم: 44]

لقد دعا إبراهيم عليه السلام أباه إلى الإسلام برفق ولين، فحذره من عبادة الشيطان وذلك آتٍ بعبادة الأصنام والأوثان، وعلل ذلك بأن الشيطان كان عاصيًا لله تعالى

وهنا جاء الاختيار لاسم الرحمن في هذا الموضع؛ تنبيهًا على أن الشيطان يأمر بما ينافي الرحمة، ولبيان شناعة عصيان مَن هو عظيم الرحمة الذي يمهل من عصاه ولا يهمله

وللإشارة إلى أن عبادة الشيطان تفضي إلى الغضب الذي يبعد الإنسان عن الرحمة، وللتلميح إلى أن المعاصي تغلق عن العبد باب الرحمة، فمن عصا الشيطان فقد رحم نفسه، ومن أطاعه فقد ساق إليها النقمة.

قال أبو السعود:

" والتعرض لعنوان الرحمانية لإظهار كمال شناعة عصيانه"

تفسير أبي السعود (5/ 267).

وقال القمي:

" نبهه بهذه النصيحة على وجود الرحمن، ثم على وجود الشيطان، وأن الرحمن مصدر كل خير، والشيطان مظهر كل شر بدلالة الموضوع اللغوي، وهذا القدر كافٍ من التنبيه لمن تأمل وأنصف"

غرائب القرآن ورغائب الفرقان (4/ 491).

وقال البقاعي:

" ﴿ كَانَ لِلرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 44] المنعم بجميع النعم القادر على سلبها، ولم يقل: للجبار؛ لئلا يتوهم أنه ما أملى لعاصيه مع جبروته إلا للعجز عنه"

نظم الدرر (4/ 537).

وقال الألوسي:

" وقوله: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ [مريم: 44] تعليل لموجب النهي، وتأكيد له ببيان أنه مستعصٍ على من شملتك رحمته وعمتك نعمته، ولا ريب في أن المطيع للعاصي عاصٍ

وكل من هو عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه، وللإشارة إلى هذا المعنى جيء بالرحمن، وفيه أيضًا إشارة إلى كمال شناعة عصيانه"

روح المعاني (16/ 97).

وقال السعدي:

" وفي ذكر إضافة العصيان إلى اسم الرحمن إشارة إلى أن المعاصي تمنع العبد من رحمة الله، وتغلق عليه أبوابها، كما أن الطاعة أكبر الأسباب لنيل رحمته"

تفسير السعدي (ص: 494).

وقال ابن عاشور:

" وذكر وصف ﴿ عَصِيًّا ﴾ [مريم: 44] الذي هو من صيغ المبالغة في العصيان مع زيادة فعل ﴿ كَانَ ﴾ [مريم: 44] للدلالة على أنه لا يفارق عصيان ربه وأنه متمكن منه، فلا جرم أنه لا يأمر إلا بما ينافي الرحمة

أي: بما يفضي إلى النقمة؛ ولذلك اختير وصف الرحمن من بين صفات الله تعالى؛ تنبيهًا على أن عبادة الأصنام توجب غضب الله فتفضي إلى الحرمان من رحمته، فمن كان هذا حاله فهو جدير بأن لا يتبع"

التحرير والتنوير (16/ 47).

وقال أبو زهرة:

" وعبر عن الذات العلية بـ ﴿ لِلرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 44] للإشارة إلى أن عصيان الشيطان رحمة، وطاعته نقمة، فمن عصاه فقد رحِم، ومن أطاعه ألقى بنفسه في وهدة الشقوة، وبعُد عن السعادة ورحمة الرحمن"

زهرة التفاسير (ص: 4649).

4- قال تعالى: ﴿ يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 45]

استمر خليل الرحمن في وعظه الرقيق لأبيه المعرضِ عن الحق حتى أظهر له خوفه عليه من عذاب الله تعالى، ومن أن يكون قرينَ الشيطان في ذلك العذاب في النار

وفي هذا المقام انتقى اسمَ الرحمن ترحمًّا بوالده، وترغيبًا له في نيل رحمة الرحمن الذي يقبل توبة عباده، وللإشارة إلى أن رحمة الله لا تمنع تعذيب من عصاه بعد الإعذار

ولبيان أن من صفته الرحمة الواسعة لا يعذب أحداً إلا لعظم جريرته، حتى لم يجد ذلك المعذَّب مدخلاً لنفسه إلى رحمة الرحمن لتنجيه من العذاب.

قال أبو السعود:

" وإظهار الرحمن للإشعار بأن وصف الرحمانية لا يدفع حلول العذاب، كما في قوله عز وجل: ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6]

تفسير أبي السعود (5/ 267)

وينظر: البحر المديد (4/ 326).

5- وقال الألوسي: وتنوين: ﴿ عَذَابٌ ﴾ [مريم: 45] -

على ما اختاره السعد في المطول - يحتمل التعظيم والتقليل، أي: عذاب هائل، أو أدنى شيء منه، وقال: لا دلالة للفظ المس، وإضافة العذاب إلى الرحمن على ترجيح الثاني-كما ذكره بعضهم-

لقوله تعالى: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14]، ولأن العقوبة من الكريم الحليم أشد

واختار أبو السعود أنه للتعظيم وقال: كلمة "من" متعلقة بمضمر وقع صفة للعذاب مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، وإظهار ﴿ الرحمن ﴾ [مريم: 45]

للأشعار بأن وصف الرحمانية لا يدفع حلول العذاب، كما في قوله عز و جل: ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6]

انتهى، وفي الكشف: أن الحمل على التفخيم في ﴿ عَذَابٌ ﴾ [مريم: 45]

- كما جوزه صاحب المفتاح - مما يأباه المقام أي: لأنه مقام إظهار مزيد الشفقة ومراعاة الأدب وحسن المعاملة، وإنما قال: ﴿ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 45]









رد مع اقتباس
قديم 2019-12-11, 06:34   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


1- لقوله أولاً: ﴿ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ [مريم: 44]، وللدلالة على أنه ليس على وجه الانتقام، بل ذلك أيضًا رحمة من الله تعالى على عباده، وتنبيه على سبق الرحمة الغضب، وأن الرحمانية لا تنافي العذاب"

روح المعاني (16/ 97-98).

وقال ابن عاشور:

" لا جرم أنه لما قرر أن عبادته الأصنام اتباع لأمر الشيطانِ عصيِّ الرحمن انتقل إلى توقع حرمانه من رحمة الله بأن يحل به عذاب من الله

فحذره من عاقبة أن يصير من أولياء الشيطان الذين لا يختلف البشر في مذمتهم وسوء عاقبتهم، ولكنهم يندمجون فيهم عن ضلال بمآل حالهم. وللإشارة إلى أن أصل حلول العذاب بمن يحل به هو الحرمان من الرحمة في تلك الحالة

عبر عن الجلالة بوصف الرحمن للإشارة إلى أن حلول العذاب ممن شأنه أن يرحم إنما يكون لفظاعة جرمه إلى حد أن يحرمه من رحمته مَن شأنه سعة الرحمة"

التحرير والتنوير (16/ 47).

2- قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58]

تتحدث الآية الكريمة عن حال أولئك الذين اصطفاهم الله تعالى للنبوة وحملِ الرسالة إلى الخلق التي يحصل لهم بها نيل رحمة الله أن هؤلاء المصطفَين إذا تتلى عليهم آيات الله خروا لله سجداً، استكانة له وتذللاً

وخضوعاً لأمره وانقياداً. وقد أضيفت الآيات إلى اسم الرحمن لكون تنزلها رحمة عظيمة على عباده؛ لأنها تنير لهم الطريق إلى الله حتى يصلوا إلى رضوانه ودار رحمته

ولهذا وصف الله تعالى القرآن الكريم بأنه رحمة في آيات متعددة منها: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل: 77]

وقوله:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82] وقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].

3- قال تعالى: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ [مريم: 61]

يخبرنا ربنا تبارك وتعالى أنه أعد لعباده الصالحين جنات إقامة، ووعدهم بها قبل أن يروها، وكان وعده متحققًا غير متخلف

وهنا نسب تعالى هذا الوعد الأكيد إلى اسمه الرحمن نسبة الفعل إلى الفاعل؛ إشارة إلى أن وعده بذلك مظهر من مظاهر رحمته بهم؛ ليستعدوا لها بالإيمان والعمل الصالح

وهو عز وجل يعلم حاجة عباده إلى ما وعدهم به فوفى لهم بما وعد؛ رحمةً بهم؛ لسعة رحمته التي لا يغيضها ذلك الوفاء

ولكون المشركين يكفرون بالرحمن أخبر تعالى عما يلقاه عباده المؤمنون بالرحمن من الخير الذي يغدقه عليهم رحمة منه يوم يلقونه أكثرَ مما كانوا عليه في الدنيا، وهذا غاية الإكرام.

قال أبو السعود:

"والتعرض لعنوان الرحمة للإيذان بأن وعده وإنجازه لكمال سعة رحمته"

تفسير أبي السعود (5/ 272).

وقال أبو زهرة:

" وذكر الله تعالى في وصف الجنة أنها التي ﴿ وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ ﴾ [مريم: 61]

للإشارة إلى أنها من فضله ورحمته بعباده الذين يريد منهم الرشاد، ولا يرضى لهم الكفر والانحراف عن طريق الإيمان"

زهرة التفاسير (ص: 4666).

وفي قول الله تعالى: ﴿ قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 52].

قال السعدي:

" ولا تحسب أن ذكر الرحمن في هذا الموضع، لمجرد الخبر عن وعده، وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم، سيرون من رحمته ما لا يخطر على الظنون، ولا حسب به الحاسبون

كقوله: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ﴾ [الفرقان: 26] ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ﴾ [طه: 108] ونحو ذلك، مما يذكر اسمه الرحمن، في هذا"

تفسير السعدي (ص: 697).

وقال ابن عاشور:

" وأتوا في التعبير عن اسم الجلالة بصفة الرحمن؛ إكمالاً للتحسر على تكذيبهم بالبعث بذكر ما كان مقارنًا للبعث في تكذيبهم وهو إنكار هذا الاسم كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ [الفرقان: 60]

التحرير والتنوير (22/ 246).

4- قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 69].

يحشر الله تعالى الناسَ إلى عرصات القيامة لفصل القضاء فيقضي بين عباده بالحق فيميز أهل النار عن غيرهم فيأمر بهم أن يساقوا إلى جهنم مبتدِأً بالأكابر قبل الأصاغر

وبأشدّ المجرمين قبل أخفّهم، وقد خص تعالى من أسمائه هنا اسمَ الرحمن؛ لبيان شدة عتوِّ هؤلاء المأخوذين الذين لم يقابلوا رحمته الواسعة التي غمرتهم بالشكر والإيمان، فدل ذلك على أنهم لا يستحقون أدنى رحمة.

قال ابن عاشور:

" أيهم هو أشد عتيًا على الرحمن. وذكر صفة الرحمن هنا؛ لتفظيع عتوهم؛ لأن شديد الرحمة بالخلق حقيق بالشكر له والإحسان لا بالكفر به والطغيان"

التحرير والتنوير (16/ 69).

وقال أبو زهرة:

" أي: الذى يقال فيهم: ﴿ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 69]، أي: أجرأ في الباطل والظلم والاستكبار

وقيل: أشد على الرحمن عتيًا؛ لأنه إذا كان عاتيا على الرحمن جريئا عليه، فهو ممعن في الشر إمعانًا، إذ هو غير شاكر للرحمة؛ لأنه ممعن في الاستكبار على مصدرها ومرسلها"

زهرة التفاسير (ص: 4675).

5- قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴾ [مريم: 75].

في هذه الآية الكريمة يخبر عز وجل عن سنته في أهل الضلال وهي الإمهال حتى يأتيهم العذاب العاجل أو الآجل وحينذاك سيعلمون الأمور على حقيقتها، فيعلمون قوة الله وضعفهم

ورفعة المؤمنين وضعتهم، وفي هذا النص المشرق جعل تعالى المدَّ منسوبًا لاسمه الرحمن ليُعلِم بذلك عبادَه أنه واسع الرحمة حتى شملت رحمته مَن عصاه إذ أمهله ولم يعاجله بالعقوبة

بل سخر له من طيبات الدنيا الحسية ما يتمتع به.

قال أبو السعود:

"والتعرض لعنوان الرحمانية؛ لما أن المد من أحكام الرحمة الدنيوية"

تفسير أبي السعود (5/ 278)

وينظر: روح المعاني (16/ 127).

وقال ابن عجيبة:

" والتعرّض لعنوان الرحمانية؛ لبيان أن أفعالهم من مقتضيات الرحمة مع استحقاقهم تعجيل الهلاك"

البحر المديد (4/ 355).

وقال أبو زهرة:

" وأسند سبحانه وتعالى المد إلى الرحمن وذلك لإفادة أن من رحمة الله بعباده أن يمكن كلاًّ ما يحب، ثم يحاسب كلاًّ على ما فعل من خير أو شر، فيكافئ كلاً بما فعل: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر"

زهرة التفاسير (ص: 4680).

6- قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ﴾ [مريم: 77 - 80].

يحكي الله تعالى مقالة الكافر المستهزئ بيوم القيامة وهو العاص بن وائل ودعواه أنه سيكون له يوم القيامة مالٌ وولد لو حصل ذلك الموعود، فردّ الله عليه: ألَهُ من الله تعالى عهد بذلك حتى يقول هذه المقالة؟!

إن الأمر ليس كما زعم، بل سيكتب الله عليه كذبه وافتراءه ويزيده من العقوبات، ويموت ويترك المال والولد، ويلقى ربه منفرداً عن ماله وولده.

في الآية الثانية من هذه الآيات حصلت إضافة العهد إلى الرحمن؛ تنبيهًا على أن الرحمة الواسعة تقتضي الوفاء، ودوام العطاء، وأن من صفته الرحمة فإنه يحفظ العهد، وينجز الوعد.

قال أبو السعود:

"والتعرض لعنوان الرحمانية للإشعار بعلّية الرحمة لإيتاء ما يدعيه"

تفسير أبي السعود (5/ 279).

وقال ابن عجيبة:

"والتعرض لعنوان الرحمانية للإشعار بِعِلِّية الرحمة للإيتاء؛ فإن الرحمة تقتضي الإعطاء على الدوام"

البحر المديد (4/ 359).

وقال الشعراوي:

"واختار هنا اسم الرحمن لما فيه من صفة الرحمانية التي تناسب المعونة على الوفاء"

تفسير الشعراوي (ص: 2312).

7- قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [مريم: 85، 86].

8- يخبر سبحانه وتعالى أنه يجمع عباده المتقين إليه يوم القيامة وفوداً مكرمين، ويسوق الكافرين به سوقًا شديداً إلى جهنم عطشى مهانين

وفي حشر المتقين إلى الله تعالى خص صفة الرحمة الواسعة التي يشتمل عليها اسم الرحمن؛ ليكون الجمع المكرم متجهًا إليه تعالى

وهذا الاختصاص يشير إلى أن هذا الإكرام الذي ناله المتقون إنما كان برحمة واسعة من الله تعالى حينما عملوا بأسباب نيلها في الدنيا، فدخلوا الجنة برحمة من الله وفضل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله، قالوا: يا رسول الله، ولا أنت؟

قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل

رواه البخاري (5/ 2373)، ومسلم (4/ 2169).

وهذا المصير يشوق المتقين ويطمئنهم؛ لأن مآلهم إلى من وسعت رحمته كل شيء وقد كتبها للمتقين. وأما المجرمون فمحرِمون من هذه الرحمة عندما حادوا عن عبادة الرحمن.

وقال ابن عاشور:

" وذكر صفة ﴿ الرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 85] هنا واضحة المناسبة للوفد"

التحرير والتنوير (16/ 83).

قال أبو زهرة:

" أي: أن الحشر إلى الرحمن الرحيم الذى يرحم عباده المؤمنين بجنة أورثوها بعملهم الطيب"

زهرة التفاسير (ص: 4687).

9- قال تعالى: ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: 87].

المعنى: أن هؤلاء المجرمين لا يشفعون لأحد، ولا يشفع فيهم أحد؛ لعدم إيمانهم، بخلاف المتقين الذين يشفعون في غيرهم ويشفع غيرهم فيهم

قال البقاعي:

" ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ ﴾ [مريم: 87]

أي: لا يملك أحد من القسمين أن يَشفَع ولا أن يشفَّع فيه ﴿ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ ﴾ [مريم: 87]

أي: كلف نفسه واجتهد في أن أخذ ﴿ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: 87] بما وفقه له من الإيمان والطاعة التي وعده عليها أن يشفع أو أن يشفع فيه. فالآية من الاحتباك: ذكرَ الرحمن أولاً دليلاً على المنتقم ثانياً

وجهنم ثانياً دليلاً على حذف الجنة أولاً"

ظم الدرر (4/ 558).

ومناسبة ذكر الرحمن مضافًا إلى العهد: أن الله تعالى تفضل برحمته الغزيرة على المتقين بالشفاعة شافعين ومشفَّعين، ولم ينالوا ذلك باستحقاقهم، بل برحمة الرحمن

وأما المجرمون فلم ينالوها؛ لبعدهم عن الرحمة بسبب سوء أعمالهم، والله أعلم.









رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:55

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc