السؤال:
هل يصحُّ الوضوءُ إذا كان على اللحية أو على أحَدِ الأعضاءِ دُهْنٌ زيتيٌّ أو غراءٌ؟ أفتونا مأجورين.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالأصلُ في جميع الأعضاء المأمورِ بغَسْلها أو المسحِ عليها أَنْ يَتحقَّقَ وصولُ الماء إليها؛ الأمرُ الذي يستدعي إزالةَ ما يحول بينها وبين وصول الماء إلى البشرة؛ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ﴾ [المائدة: ٦].
والدُّهْنُ أو الغراءُ إِنْ كَوَّنَ كُلٌّ منهما طبقةً جامدةً على مَحَلِّ الوضوء والمسحِ فالواجبُ ـ لتصحيحِ الوضوء ـ إزالتُهُ؛ لأنه يمنع نفاذَ الماء إلى محلِّ الفرض.
أمَّا إذا بقي الدهنُ أو الغراءُ عالقًا بالعضو محلِّ الفرض، وشقَّ عليه إزالتُه وتَعذَّرَ في الحال، وخشي فواتَ الصلاة؛ فتصحُّ الطهارةُ عليه والصلاةُ به؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ولقوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ [التغابن: ١٦]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(١).
أمَّا إِنْ بقي أثرُ الدُّهْنِ أو الغراء خفيفًا لا يمنع مِنْ وصول الماء إلى البشرة فلا يَلْزَمُ إزالتُه لتصحيح الطهارة.
وتقريرُ هذا التفريقِ بِحَمْلِ أثرِ الدهن غيرِ المانع مِنْ وصول الماء على خاتم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث إنه لم يُنْقَلْ عنه أنه نَزَعَهُ عند الوضوء أو حرَّكهُ في أثنائه؛ فَعُلِمَ أنه لا يَلْزَمُ إزالةُ ما لا يَمْنَعُ مِنْ وصول الماء إلى مواضع الطهارة.
هذا، وتتميمًا للفائدة فإنه يُفَرَّقُ بين اللحية الكثيفة التي تستر البشرةَ وبين الخفيفةِ في الوضوء؛ فإنه لا يجب غَسْلُ اللحيةِ الكثيفة إلَّا ظاهِرَها فقط، بخلاف الخفيفة فإنه يجب غَسْلُها أو غَسْلُ ما تحتها.
وهذا التفريقُ غيرُ مُعْتَبَرٍ في الغُسْلِ مِنَ الجنابة فيجب فيها إيصالُ الطَّهور إلى ما تحت اللحية ولو اختلفَتْ صفتُها مِنْ كثيفةٍ أو خفيفةٍ.
أمَّا في طهارة التيمُّم فلا يجب إيصالُ الطَّهور إلى ما تحت الشَّعر ـ مطلقًا ـ خفيفًا كان أو كثيفًا.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٩ مِنْ ذي القعدة ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ ديسمبر ٢٠٠٦م
(١) هو جزءٌ مِنْ حديثٍ مُتَّفَقٍ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» باب الاقتداء بسنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٧٢٨٨)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٣٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
المصدر : موقع الشيخ فركوس