قصة إبليس لعنه الله وابتداء أمره وإطغائه آدم عليه السلام
فأوّلهم وإمامهم ورئيسهم إبليس وكان الله تعالى قد حسّن خلقه وشرّفه وملّكه على سماء الدنيا والأرض فيما ذكر وجعله مع ذلك خازنًا من خُزّان الجنّة فاستكبر على ربّه وادّعى الربوبية ودعا من كان تحت يده إلى عبادته فمسخه الله تعالى شيطانًا رجيمًا وشوّه خلقه وسلبه ما كان خوله ولعنه وطرده عن سمواته في العاجل ثمّ جعل مسكنه ومسكن أتباعه في الآخرة نار جهنم نعوذ بالله تعالى من نار جهنم ونعوذ بالله تعالى من غضبه ومن الحور بعد الكور.
ونبدأ بذكر الأخبار عن السلف بما كان الله أعطاه من الكرامة وبادعائه ما لم يكن له ونتبع ذلك بذكر أحداث في سلطانه وملكه إلى حين زوال ذلك عنه والسبب الذي به زال عنه إن شاء الله تعالى.
ذكر الأخبار بما كان لإبليس لعنه الله من الملك
وذكر الأحداث في ملكه روي عن ابن عباس وابن مسعود أن إبليس كان له ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سمّوا الجنّ لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنًا قال ابن عبّاس: ثم إنه عصى الله تعالى فمسخه شيطانًا رجيمًا.
وروي عن قتادة في قوله تعالى: «ومن يقل منهم إني إله من دونه» «الأنبياء: 29» . إنما كانت هذه الآية في إبليس خاصة لما قال ما قال لعنه الله تعالى وجعله شيطانًا رجيمًا وقال: «فذلك نجزيه جهنَّم كذلك نجزي الظالمين» «الأنبياء: 29» . وروي عن ابن جريح مثله.وأما الأحداث التي كانت في ملكه وسلطانه فمنها ما روي عن الضحّاك عن ان عبّاس قال: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان خازنًا من خزّان الجنة قال: وخُلقت الملائكة من نور وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت وخلق الإنسان من طين فأوّل من سكن في الأرض الجن فاقتتلوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا قال: فبعث الله تعالى إليهم إبليس في جند من الملائكة وهم هذا الحيّ الذين يقال لهم الجن فقاتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلمّا فعل ذلك اغترّ في نفسه وقال: قد صنعتُ ما لم يصنعه أحد فاطّلع الله تعالى على ذلك من قلبه ولم يطلع عليه أحد من الملائكة الذين معه.
وروي عن أنس نحوه.
وروى أبو صالح عن ابن عبّاس ومُرّة الهمداني عن ابن مسعود أنهما قالا: لما فرغ الله تعالى من خلق ما أحبّ استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سمّوا الجن لأنهم من خزنة الجنّة وكان إبليس مع ملكه خازنًا فوقع في نفسه كبر وقال: ما أعطاني الله تعالى هذا الأمر إلاّ لمزية لي على الملائكة فاطلع الله على ذلك منه فقال: إني جاعل في الأرض خليفة قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل وكان من أشدّ الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا فدعاه ذلك إلى الكبر وهذا قولٌ ثالث في سبب كبره.
وروى عكرمة عن ابن عباس أن الله تعالى خلق خلقًا فقال: اسجدوا لآدم فقالوا: لا نفعل فبعث عليهم نارًا فأحرقتهم ثمّ خلق خلقًا آخر فقال: إني خالق بشرًا من طين فاسجدوا لآدم فأبوا فبعث الله تعالى عليهم نارًا فأحرقتهم ثمّ خلق هؤلاء الملائكة فقال: اسجدوا لآدم قالوا: نعم وكان إبليس من أولئك الذين لم يسجدوا.
وقال شهر بن حوشب: إن إبليس كان من الجن الذين سكنوا الأرض وطردهم الملائكة وأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء وروي عن سعيد بن مسعود نحو ذلك.
وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كما قال الله تعالى: «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه» «الكهف: 50» . وجائز أن يكون فسوقه من إعجابه بنفسه لكثرة عبادته واجتهاده وجائز أن يكون لكونه من الجن.
ومرّة الهمداني بسكون الميم والدال المهملة نسبة إلى همدان: قبيلة كبيرة من اليمن.