الإيمان والإسلام إذا اجتمعا صار بينهما فرق في آية، أو حديث، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر دخل فيه الآخر.
ففي قوله*:*إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19] يدخل فيه الإيمان؛ لأن الإسلام إذا أطلق هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وهو أيضًا*الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا*رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وهو أيضًا*يدخل فيه الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وصدق الحديث، وإكرام الضيف، وإكرام الجار، وبر الوالدين، وصلة الرحم.. وغير هذا مما أمر الله به ورسوله، ويدخل في الإسلام أيضًا*ترك ما نهى الله عنه ورسوله، ويدخل في الإسلام أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
يعني: مرتبة الإحسان هذا عند الإطلاق*إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19] وهكذا قوله سبحانه:*الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3] يدخل فيه الإيمان، والإحسان عند الإطلاق، وهكذا قوله جل وعلا:*وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[آل عمران:85] يدخل فيه الإيمان، والإحسان، ويدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله، وترك كل ما نهى الله عنه ورسوله، كله داخل في الإسلام عند الإطلاق.
وهكذا الإيمان إذا أطلق دخل فيه جميع الأوامر، وترك جميع النواهي، إذا جاء مطلقًا*مثل:*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ[النساء:136] ومثل قوله جل وعلا:*فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا[التغابن:8] وهكذا ما أشبه من الآيات يدخل في ذلك جميع ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وهكذا الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ:*الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان*أخرجه البخاري و مسلم في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم رحمه الله، فقوله:*الإيمان بضع وسبعون شعبة، وفي اللفظ الآخر:*بضع وستون شعبة*يدخل فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا*رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وترك جميع المعاصي، ويدخل فيه الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
يدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عما كان فيما مضى من الزمان، وعما يأتي في آخر الزمان.
ويدخل فيه ما أخبر الله به عن القيامة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، كله داخل في قوله:*الإيمان بضع وسبعون شعبة.
أما إذا اجتمعا فالإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، كما في سؤال جبريل للنبي ﷺ عن الإسلام والإيمان فإن جبرائيل أتى النبي ﷺ في يوم من الأيام وهو جالس بين أصحابه في صورة إنسان غير معروف، وسأله عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، فقال له النبي ﷺ:*الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا*رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، قال: أخبرني عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، قال: أخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك*.
وكان يصدقه كل ما أخبر به قال: صدقت، يصدقه جبرائيل عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أنه أخبره عن الإسلام بالأعمال الظاهرة، وعن الإيمان بالأعمال القلبية، وعن الإحسان بشيء خاص من أعمال القلب وهو*أن تعبد الله كأنك تراه*تشاهده،*فإن لم تكن تراه فإنه يراك*يعني: على اعتقاد واستحضار أنه يراك، ويشاهدك*، وهذا أعلى مراتب الإسلام، والإيمان،*أن تعبد الله كأنك تراه.
وبهذا تعلم ويعلم كل من سمع هذه الكلمة الفرق بين الإيمان، والإسلام، والإحسان عند الاجتماع.
وأن الإسلام إذا انفرد دخلت فيه أعمال الإيمان، والإحسان، والإيمان إذا انفرد دخل فيه أعمال الإسلام، والإحسان.
أما إذا اجتمعت الثلاثة فالإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو أعمال القلب الباطنة، والإحسان هو عمل خاص من أعمال القلب وهو*أن تعبد الله كأنك تراه*الحديث، وفق الله الجميع. نعم.
المصدر : الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.