ردًّا على جوزيف بوريل وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي العُنصري

[سندباد علي بابا]

ردًّا على جوزيف بوريل وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي العُنصري: ليس نحن الوحوش الذين يُدمّرون حديقتكم الجميلة.. وإليْكُم خمسة أسباب تُؤكّد ما نقول


عبد الباري عطوان
من تابع تصريحات جوزيف بوريل وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي أمس الاثنين التي أثارت ضجّةً غير مسبوقة، وحالةً من الغضب والاستِياء في مُختلف أنحاء العالم والقارّتين الإفريقيّة والآسيويّة على وجْه الخُصوص، لِما اتّسمت به من نَزْعَةٍ عُنصريّةٍ استفزازيّةٍ يَخرُج بانطباعٍ مفاده أن مُعظم الزّعامات الأوروبيّة الحاليّة تعيش حالةً من “الخرف” وضياع البَوصِلة والارتباك سياسيًّا واقتصاديًّا بل وإنسانيًّا أيضًا في هذه الأيّام.


حتى لا نغرق في العُموميّات، نبدأ من الآخِر مثلما يقول الأشقّاء في مِصر، نقول إن المِستر بوريل صدَمنا، والملايين غيرنا، عندما يتكلّم أكثر المُتطرّفين العُنصريين عندما اتّهمنا نحن الجيران بالوحوش المُفترسة بقوله “إن أوروبا حديقة، ومُعظم العالم غابة يُمكن أن يغزو هذه الحديقة”، وأضاف “يجب أن يعتني البُستانيّون بالحديقة، لكنّهم لم يحموها ببناءِ الجُدران، حديقة جميلة صغيرة مُحاطة بجُدرانٍ عاليةٍ لمنع الغابة من الدّخول لديها قُدرة كبيرة على النموّ (أيّ الغابة)، ولن يكون الجدار عاليًا بما يكفي”، وتابع قائلًا وهذا المُهم “يجب أن يذهب البُستانيّون إلى الغابة، ويجب أن يكون الأوروبيّون أكثر انخِراطًا مع بقيّة العالم، وإلا فإنّ بقيّة العالم ستغزونا”.




هُناك عدّة رُدود لدينا على هذه التّصريحات التي تنضح عُنصريّةً وتتّسم بلهجةٍ استعماريّةٍ عفَا عليها الزّمن:
الأوّل: إذا كانت أوروبا حديقةً جميلةً، فإنّ هذا يعود بالدّرجة الأولى إلى غزوها للعالم وإفريقيا وآسيا على وجه الخُصوص، ونهب ثروات المُستعمرات وإذلال أهلها لعدّة قُرون، ومُعظم مصائب العالم الثالث، وعلى رأسها الفقر والجُوع والتخلّف فيعود إلى هذه السّياسات الاستعماريّة.


الثاني: إذا كان العالم الخارجي المُحيط بأوروبا بمثابةِ أدغالٍ مليئةٍ بالوحوش التي تستعدّ للانقِضاض عليها حسب ما فهمنا من تلك التّصريحات، فإنّ أوروبا المسؤولة بالدّرجة الأولى، رُغم اعتِراضنا على هذا التّوصيف، وهُناك دول تفوّقت على أوروبا الهرمة، حضاريًّا واقتصاديًّا، ونحن نتحدّث هُنا عن قِوى صاعدة مِثل الصين وروسيا والهند والبرازيل والقائمة تطول.


الثالث: عندما يقول بوريل إنه يجب أن يذهب البُستانيّون إلى الغابة، لأنّ الجُدران العالية لن تُوفّر الحِماية المطلوبة للحديقة الجميلة، فإنّ هذا يعني حسب فهمنا، هو الدّعوة للعودة إلى سِياسات الغزو العسكري مجددًا، لدول الجِوار غير الأوروبيّة وما بعدها، وخاصَّةً دول شِمال إفريقيا، وربّما تركيا وروسيا أيضًا، وما يجعلنا نلجأ إلى هذا التّفسير قوله “يجب أن يتخلّى الدبلوماسيّون الأوروبيّون عن اللّهجة “المُتحفّظة” التي يتّبعونها حاليًّا إزاء مسألة الحرب في أوكرانيا “بتحذير الجيش الروسي من أنه سيتم القضاء عليه إذا ما استخدمت موسكو السّلاح النووي”.


الرّابع: هذه الحديقة الأوروبيّة الغناء الجميلة التي يتحدّث عنها بوريل هي التي تُدمّر نفسها بنفسها بالانخِراط في حرب أوكرانيا بتحريضٍ وتخطيطٍ من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي استخدمها كمنصّة انطِلاق لخوض حرب استنزافٍ ضدّ روسيا (الأوروبيّة)، ودون أن يُرسِل جُنديًّا أمريكيًّا واحِدًا.


الخامس: بسبب الانجِرار خلف هذه الحرب الأمريكيّة التي ستُزعزِع استِقرار أوروبا وأمْنها، وربّما العالم بأسْره، ها هي الحديقة الأوروبيّة الجميلة تغرق في الأزمات الاقتصاديّة الطّاحنة، وانهيار عُملتها (اليورو والإسترليني) وارتفاع نسبة التضخّم وغلاء المعيشة بالتّالي، واليوم تشهد فرنسا وألمانيا مُظاهرات وإضرابات ضخمة احتِجاجًا على هذه الأوضاع المُتردّية، إنّ الانهِيار والتّدمير قد يأتي من الدّاخل وليس من وُحوشِ الغابة المُجاورة.


***
ما نُريد أن نَصرُخ به في أُذُن المِستر بوريل احتجاجًا، أن دمار الحديقة الأوروبيّة الجميلة لن يأتي من برابرة الأدغال المُحيطة بها، وإنّما من خِلال وجود أُناس فيها مِثله يُفكّرون بمِثل هذه المناهج العُنصريّة البغيضة، وعبر زعاماتها الجديدة التي أوصلتها إلى هذه النهاية المأساويّة بالعودة إلى لغة الحُروب، ونضرب مثلًا بالسيّدة ليز تراس رئيسة وزراء بريطانيا الأكثر عُنصريّة منه عندما هدّدت، وقبل أن تصل إلى السّلطة بالضّغط على الزّر النووي لتدمير روسيا، وتوعّدت بنقل السّفارة البريطانيّة إلى القدس المُحتلّة.


ما يحمي الحديقة الأوروبيّة الجميلة ويُحصّنها، هي قيم المُساواة والحريّة والعدالة والقضاء المُستقل والتّعايش، وتطبيق قوانين وقرارات الشرعيّة الدوليّة في حل أزمات “الغابة”، والتّوزيع العادل للثّروات، ومُحاربة جميع الأنظمة العُنصريّة، وضخّ مِئات المِليارات من الاستِثمارات في الدّول الفقيرة لخلق الوظائف للعاطلين عن العمل.


أوروبا التي نعيش فيها هذه الأيّام ليست أوروبا التي جئنا إليها قبل أربعين عامًا للاستِظلال بقضائها العادل وحُريّاتها العظيمة والنموذجيّة وانفِتاحها على الآخَر، وسبب هذا التّغيير وجود سياسيين عُنصريين مُتطرّفين يرفضون التّعايش حتى مع أبناء جِلدَتهم الأوروبيين (البريكس)، ناهِيك عن العِرقيّات الأُخرى، ويبنون حوائط العُزلة العالية، ويُشهرون سيف الحُروب في وجهه إذا ما تمسّك بسِيادته واستِقراره وحُقوقه وأرادَ أسعارًا عادلةً لثرواته، ولنا في العِراق وليبيا وسورية أحدث الأمثلة.