في اللغة العربية: السَّلَف - بفتح السين واللام- يكشف عنها في مادة (س ل ف) وهو ما مضى وانقضى، والقوم السُّلاَّف: المتقدمون، وسلف الرجل: آباؤه المتقدمون. جمع سالف وهو كل مَن تقدمك من آبائك وذوي قرابتك في السن أو الفضل، وقالوا: إنَّه كل عمل صالح قدمته.[1]
أما مصطلح السلف الصالح فهو تعبير يُراد به المسلمون الأوائل من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام، جاء الثناء عليها عن رسول الإسلام محمد في قوله:
«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعد ذلك أناس يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويكون فيهم الكذب.[2]»
ويستثنى من ذلك أهل البدع كالخوارج، والمعتزلة، والقدرية، والجهمية، وغيرهم من الفرق حسب معتقد السلفية.
والمذهب أو المعتقد السلفي بحسب مفهومهم: هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة وعُرف عظم شأنه في الدين وتلقي الناس كلامهم خلفًا عن سلف. ومن هؤلاء الأئمة: الأئمة الأربعة وسفيان الثوري، والليث بن سعد وابن المبارك، وإبراهيم النخعي، والبخاري، ومسلم، وسائر أصحاب السنن.[3]
والسلفيون أو السلفية: يقدم السلفيون أنفسهم على أنهم هم الذين يعتقدون معتقد السلف الصالح، وينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب والسنة.[4]
نشأة السلفية
يعتقد السلفية أنهم امتداد لمدرسة أهل الحديث والأثر الذين برزوا في القرن الثالث الهجري في مواجهة المعتزلة في العصر العباسي تحت قيادة أحمد بن حنبل أحد أئمة السنة الأربعة، فكان المعتزلة يتخذون مناهج عقلية في قراءة النصوص وتأويلها واستمدوا أصولهم المنطقية من الحضارة الإغريقية عن طريق الترجمة والتعامل المباشر، ورأى أهل الحديث في هذه المناهج العقلية خطراً يهدد صفاء الإسلام ونقاءه وينذر بتفكك الأمة وانهيارها. وانتهى هذا النزاع حين تولى الخليفة المتوكل أمر الخلافة وأطلق سراح ابن حنبل وانتصر لمنهجه ومعتقده. يعتبر الكاتب حسن أبو هنية محنة ابن حنبل في فتنة خلق القرآن بأنه: «كان حاسما في بلورة وعي سلفي عمل على بلورة موقف سلفي واضح ومتميز لأول مرة».
يقول محمد أبو زهرة أنه في القرن الرابع هجريا ظهرت جماعة من أهل الحديث تنسب آرائها لابن حنبل في إثبات بعض صفات لله بدعوى أن الله أثبتها لنفسه في القرآن والسنة، وذلك الأخذ بظواهر النصوص ثم تفويض الكيف والوصف.[6] ثم أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية في زمن الخليفة القادر بالله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة وأمر أن يتلى في المساجد يوم الجمعة وأخذ عليه خطوط العلماء والفقهاء.[7] وبحسب ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم؛ فقد أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية عام 433 هـ في زمن الخليفة القائم بأمر الله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة القادر.
بعد ذلك شهدت السلفية انحسارا ملحوظا. إلى أن ظهر ابن تيمية في القرن السابع بالتزامن مع سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد على أيدي التتار سنة 656هـ؛ فعمل على إحياء الفكر السلفي، وقام بشن حملة على من اعتبرهم أهل البدع داعيا إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل تحقيق النهضة. ولقد أثارت دعوته جدلاً في الأوساط الإسلامية حينها، فاستجاب بعض العلماء وطلبة العلم لأفكاره مثل الذهبي وابن قيم الجوزية والمزي.
ومن أفراد الطبقة الحاكمة مثل الأمير المملوكي سلار نائب السلطنة.
ثم شهدت السلفية انحساراً كبيراً مرة أخرى بعد ذلك. لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية، والتي واكبت عصر انحطاط وأفول نجم الدولة العثمانية وصعود الاستعمار الغربي. وأحدثت هذه الدعوة تأثيرا كبيراً في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وأحدثت لغطاً كبيراً بين مؤيديها ومعارضيها.
والله اعلم