فتاوى فقهية متنوعة (الحلقة الأولى)
لفضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
السؤال : بعض الناس يقولون : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الشعر
لأنّ ذلك كان يليق بعصره ,والآن فمن العيب وأنّ ذلك من صفات النصارى ,
والمتخننثين ,فما رأيكم في هذا القول ؟
الجواب : هذا عادة من العادات ؛كان العرب يرسلون شعورهم ,ومنهم من يستخدم
وفرة ,ومنهم من يستخدم جُمّة ,ومنهم من يستخدم لمّةً ,هذا عادة من العادات ,
والرسول صلى الله عليه وسلم كان على عادة قومه في اللباس وفي الشعر ,
وجاء من سننه : نتف الإبط وقصّ الشارب وتوفير اللحية .
يعني هذه أشياء تدخلت الشريعة فيها وخالفت فيها العادات ؛عادات المشركين ,
عادات اليهود وعادات النصارى ,والرسول صلى الله عليه وسلم وصف
هذه الأشياء بأنّها من الفطرة .
قد يُماشي صلى الله عليه وسلم قومه في بعض الأشياء ,وأحيانا يُخالفهم
مثل هذه التي ذكرناها (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم )
(جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ,خالفوا المجوس ) (خالفوا المشركين
وفروا اللحى وأحفوا الشوارب ) . وهكذا عليه الصلاة والسلام ,فهناك
بعض الأمور يقصدها عليه الصلاة والسلام ,ويقصد فيها المخالفة بين المسلمين
وبين غيرهم ؛حتى قال اليهود : (ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا
إلا خالفنا فيه) فيما يتعلق بعشرة النساء ,فيما يتعلق بالمظهر ,فيما يتعلق
باللباس عليه الصلاة والسلام .
وبعض الأشياء تبقى على ما عليه الناس ؛أمور مشتركة بين المسلم وبين الكافر .
الكافر إذا لبس ثوبا لا نقول : نترك الثياب! إذا لبس عمّة ؛لا نقول: نترك العمّة ؟
بارك الله فيكم ,أشياء عُهِد عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وصحابته
نحافظ عليها ولو شاركنا الناس في ذلك .
لكن لا نطيل الشعر مثل النِّساء ! بعض الخنافس يطيلونه مثل النِّساء
ويتشبهون بالنساء! الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بالنساء ,
والعرب كانوا يفعلون هذا ويفرقون بين شعر المرأة وشعر الرجل في الطول ,
فالمرأة تطيل شعرها وهذا من محاسنها ,ومطلوب منها ,والرجل ليس كذلك
- بارك الله فيكم - ونحن إذا عندنا سنناً لا نلغيها من أجل أنّ الناس أخذوا بها !
إذا وفرّوا لحاهم مثلا نقول: خلاص نتركها ! - والله قالوها - ؛
قالها بعض السفهاء ! قالوا : الآن اليهود يوفرون لحاهم فنحن نحلق لحانا !
انظروا إلى هذا الكذب بارك الله فيكم .
السؤال : هل يُشرع التشبه بالنبي عليه الصلاة والسلام
في أموره العادية (السنّة العادية) ,وما ضابط ذلك ؟
الجواب : ضابط ذلك أنّ ما فعله للتشريع إن كان واجبا فنعتقد وجوبه ,
وإن كان مستحبا فنعتقد استحبابه ,وإن كان جائزا فنعتقد جوازه .
وبعض الناس يتعلقون بشيء من العادات ! نعم لو فعلها هكذا
ولم يَدْع إليها ,ولم يقل إنّها سنّة ,ولم يجعلها شعاراً ,فلا بأس ,
فإنّ بعض الناس يتعلقون ببعض الأمور الجائزة والعادات
التي كان يفعلها رسول الله على طريقة قومه عليه الصلاة والسلام
فيجعلونها من السنن ومن الشعائر ومن المزايا ,ويذهبون يتعالون
على الناس ,ويطعنون فيهم لأنّهم تركوا السنّة وأماتوها ,
فهذا من التنطع في الدين ومرفوض في الإسلام .
نعم ,الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبّ الدّباء ,فعن أنس بن مالك
رضي الله عنه: ( أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام
صنعه فذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ,فقرب خبز شعير ومرقا
فيه دباء وقديد ,فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء
من حوالي القصعة ,فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ ) .
فلا بأس أن تحب الدباء ,لكن تقول : هو سنة وتدعو إليه ,وتتميز به
على الناس فهذا غلط .
كذلك رأى بعض الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وصدره مفتوح
فجعلوها سنّة وشعاراً يتميزون به على الناس ! وأبو بكر وعمر
لم يثبت عنهما هذا ! الصحابة الكبار لم يثبت عنهم هذا !
لو كان سنّة لسبقونا إليها .
يمكن الرسول صلى الله عليه وسلم فتح صدره بمناسبة حرّ أو نسي
أو شيئا ما ..أو..أو .. فلا نقول : إن هذا سنّة ثم نوالي ونعادي
عليه ونجعله شعارا ؛هذا غلط .
السؤال : هل يجوز طبخ أكل معين في عاشوراء ؟
الجواب : إذا كان عندهم عقيدة أنّه يُطبَخ في عاشوراء الأرز
الهندي أو البرّ الفلاني أو الحلوى الفلانية ويعتبرها من القُرَب إلى الله
عزّ وجلّ فهذه بدعة بارك الله فيكم .
السؤال : إذا دخل أحد في الإسلام هل نأمره بالصلاة وإذا صلى نأمره
بالزكاة وإذا زكى نأمره بالحج وهكذا ,أو نأمره بجميع الأركان ؟
الجواب : هو إذا دخل في الإسلام جاء أمر الصلاة ,وإذا كان عنده
مال عَلِّمه الزكاة وقل له : أنت عندك مال يجب أن تزكي ,
إذا لم يكن عنده علمه عموما وليس لازما أن يعطيك ,إذا أقام الصلاة
ليس لازما بعد الصلاة فورا تأمره بالزكاة ,وإنما على حسب الحاجة ؛
قد يقتضي الأمر أن تأمره فورا .
حضر عندي مثلا وقال: أنا التزمت بشهادة أن لا إله إلا الله وفي المجلس
نفسه قال : والتزمت بالصلاة ,وفي المجلس نفسه قال : هل علي شيء آخر؟
نقول له : نعم هناك حج ,هناك زكاة ,هناك أمور أخرى فقهيه تبينها له
على حسب الحاجة بارك الله فيكم .
السؤال : إذا كان الصحابة مجمعون على تكفير تارك الصلاة فكيف
يحق لمن بعدهم أن يخرقوا هذا الإجماع ؟
الجواب : والله يمكن لم يبلغهم الإجماع ويمكن ما فهموا من كلام عبد الله
بن شقيق أنه إجماع ولهذا لا يحكي ابن تيمية إجماع الصحابة على كفر
تارك الصلاة وإنما يحكي أن جمهورهم يكفر تارك الصلاة .
هل عبد الله ابن شقيق ذهب إلى الصحابة صحابيا صحابيا وكلهم
قال له هذا ؟! هذه احتمالات بارك الله فيكم .
لو كان هذا الإجماع ينقل جيلا عن جيل مثل نقل الإجماع على وجوب
الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تجد أحدا يخالفه إن شاء الله من هؤلاء .
السؤال: ما هو القول الراجح في تارك الصلاة، وما مدى صحة قول من يقول:
ومن لم يكفِّر تارك الصلاة فقد وقع في الإرجاء شعر أم لا،
فهل لهذا القول سلف أم لا ؟
الجواب: نحن لا نعترض على من يكفر تارك الصلاة، ولا نتهمه؛
بل نحترمه ونجله وله أدلته التي نقدرها بارك الله فيك، والذين لم يكفروه
نقدر فقههم ومكانتهم ومنزلتهم ولهم متعلقات من القرآن والسنة منها
قول الله تَبَارَكَ وتَعَالىٰ: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾[النساء: 48، 116]؛ ومنها أحاديث أخر، ومنها
أن الكفر هنا كفر دون كفر، كما قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ:
((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))
؛أطلق الكفر على من يرتكب بعض الكبائر ,وقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ ((لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم
وهو مؤمن))،
((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن))، قالوا: من يا رسول الله؟
قال: ((الذي لا يأمن جارُه بوائقه)).
فكما تُؤَوَّل هـٰذه النصوص باتفاق إخوانهم الآخرين الذين يكفرون، أيضا
تُؤوَّل النصوص الواردة في كفر تارك الصلاة ,هـٰذه وجهة نظر من لا يكفر،
ومنهم الشافعي ومنهم مالك، ومنهم أبو حنيفة، ومنهم عدد كبير من أتباع
هٰؤلاء ومن سلفهم لا يكفرون تارك الصلاة بناء على هـٰذه الأدلة التي
ترجح فيها عندهم عدم تكفير تارك الصلاة، وهم من أئمة الإسلام
ومن أئمة أهل السنة .
ومن قال : ( ومن لم يكفِّر تارك الصلاة فقد وقع في الإرجاء شعر أم لا ) !
هـٰذا غلط، وكلام فيه مجازفة وغلو وانحراف عن منهج أهل السنة والجماعة !!
فإننا إذا قلنا هـٰذا في أناس معاصرين فهو يتناول من باب أولى الأولين !
لأنهم هم سنوا هـٰذه السنة ؛مالك والشافعي وأحمد في قول له؛ بل حتى
إن ابن بطة وابن قدامة ينكرون أن الإمام أحمد يقول بكفر تارك الصلاة !
وكثير من الشافعية، إلا من ندر، المالكية والأحناف وفيهم علماء فحول،
الحنابلة فيهم علماء فحول لا يقولون بكفر تارك الصلاة، هل نقول هٰؤلاء
كلهم مرجئة أو وقعوا في الإرجاء ؟! هـٰذا من الجهل بأصول أهل السنة
والجماعة، ومن الجرأة التي تستخف بعض الناس، نسأل الله العافية .
السؤال: ما وجه التوفيق بين حديث النبي صلى الله عليه و سلم
( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة ) وحديث
( من قرأ آية الكرسي جعل الله له ملكان يحفظانه حتى يصبح)
أو كما قال صلى الله عليه و سلم .
الجواب : يمكن أن نقول إنّ الذي في بيته كلب أو صورة لا تدخله الملائكة
و لا يحفظ يحرم من هذه الفضيلة و من هذه النعمة لأنّه هو المتسبب
في هذا ! فليس هناك تعارض . أنت إذا جنبت بيتك و هيّأته لدخول
الملائكة وجنّبته الكلاب والصور فإنّ الملائكة تأتيك حتّى و لو لم تقرأ
آية الكرسيّ يمكن أن تدخل بيتك ما تهرب , ليس شرطا أن تقرأ آية الكرسيّ
لدخول الملائكة ؛يعني صلاتك وعبادتك وذكرك و كذا و كذا ..
قراءة آية الكرسيّ تزيدك تحصينا ,فالملائكة يدخلون بيوت المؤمنين
لا من أجل قراءة آية الكرسيّ فقط ! لا تدخل هذا البيت من أجل وجود موانع
وهي أن توجد فيه الكلاب أو الصور التي لعن الله من يصورها وتوعدهم
أشدّ العذاب ,فالملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ,ومن هنا حرّم النبي صلى الله
عليه وسلم اقتناء الكلاب إلاّ لصاحب الماشية أو الزرع ,لم يبح اقتناءه
إلاّ في حالة الضرورة ,وكذلك لا تدخل بيتا فيه صورة ,وقد كان جبريل
عليه السلام وعد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأت في موعده فتألّم النبي
صلى الله عليه و سلم وحزن لذلك وكانت الكآبة ترى عليه فسئل ,فقال :
والله لا يخلف الله الميعاد و لقد وعدني جبريل و هو لا يخلف الوعد
و ما جاءني , ثم ذهب يبحث فوجد جروا صغيرا ميّتا تحت سريره فأمر
بإخراجه وغسل موضعه فجاء جبريل , فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
لماذا تأخرت ؟ فقال : ما أخرني إلاّ أنّه كان في بيتك جرو (ينقل الحديث
بلفظه) . هذا بيت النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخله كلب لا يأتيه جبريل ,
يهرب منه , فكيف ببيتك أنت يا مسكين ؟! كذلك تأخر عن موعده بسبب
وجود صورة في بيته صلى الله عليه و سلم فقال له جبريل اقطعها حتى
تصير كالجذع . بارك الله فيكم .
الشاهد: إنّ الملائكة حتى و لو قرأت آية الكرسيّ وقرأت القرآن كلّه و في بيتك
كلب أو صورة لا تدخل لأنّ هذا مانع من الموانع , فإذا أردت أن يدخل
الملائكة بيتك حتى و لو لم تقرأ آية الكرسيّ فطهّر بيتك من هذه الأقذار .