لا تخالف سنة الحياة
بـــســـم الله الـــرحـــمـــن الـــرحـــيـــم ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعض الناس عنده مقدرة عجيبة في تكدير خاطره.. وجلب الهم والغم لنفسه..
ويجيد فن الخيالات الفاسدة لذهنه.. فكم يصفوا له من هذه الحياة إذا كان دائماً يتذكر الماضي بآلامه..
ويتوقع حوادث المستقبل.. وتمرضه كلمة مؤذية من حاسد
ويحقد على كثير ممن غمطوه حقه.. ويغضب على زوجته المسرفه..
ويثور على إبنه لمخالفته أمره.. ويحزن على ما سبق أن فقده؟!.. وهو لأنه يظن أن مرضا ما سوف يصيبه..
ويستمر في جمع هذه القائمة من الأحزان والمصائب.
إن تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره.. والحزن لمآسيه حمق وجنون..
وقتل للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة.. لأن ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى..
يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان.. يقيد بحبال قويه في سجن الإهمال.. فلا يخرج أبدا..
ويوصد عليه فلا يرى النور.. لأنه مضى وانتهى.. لا الحزن يعيده..
لا الهم يصلحه.. لا الغم يصححه.. لا الكدر يحييه.. لأنه عدم..
فلا تعش في كابوس الماضي.. وتحت مظلة الفائت.. أنقذ نفسك من شبح الماضي..
أتريد أن ترد النهر إلى مصبه.. والشمس إلى مطلعها.. والطفل إلى بطن أمه..
واللبن إلى الثدي.. والدمعة إلى العين! أن تفاعلك مع الماضي..
وقلقك منه.. واحتراقك بناره.. واطراحك على اعتابه وضع مآساوي رهيب مخيف مفزع..
وتمزيق للجهد.. ونسف للساعة الراهنة..
وقد ذكر الله الأمم وما فعلت ثم قال (تلك أمة قد خلت) (البقرة: 134).
انتهى الأمر وقُضي.. ولا طائل من تشريح جثث الزمان.. وإعادة عجلة التاريخ.
إن الذي يعود للماضي.. كالذي يطحن الطحين وهو مطحونٌ أصلاً.. وكالذي ينشر نشارة الخشب...
وقديماً قالو لمن يبكي على الماضي: لا تخرج الأموات من قبورهم..
وقد ذكر من يتحدث على السنة البهائم أنهم قالو للحمار: لما لا تجتر؟؟ فقال: أكره الكذب..!!
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا.. نهمل قصورنا الجميلة..
ونندب الأطلال البالية.. ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا..
لأن هذا المحال بعينه.
إن العقلاء لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف.. لأن الريح تتجه إلى الأمام..
والماء ينحدر إلى الأمام.. والقافلة تسير إلى الأمام.. فلا تخالف سنة الحياة.
فيا من أراد السعادة والراحة لا تقصر حياتك فهي قصيرة أصلاً.. عش في حدود يومك..
ولا تبك على ما فاتك.. واترك المستقبل حتى يأتي..
ولا تلق بالاً لكلام الحساد.. وتوكل على الله فهو حسبك..
وكفى هموماً وغموماً واحزاناً.
والـــســـلام عـــلـــيـــكـــم ورحـــمــــة الـــلـــه و بـــركـــاتـــه