الحياء من الإيمان والبذاء من الجفاء - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم

منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم كل ما يختص بمناقشة وطرح مواضيع نصرة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم و كذا مواضيع المقاومة و المقاطعة...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحياء من الإيمان والبذاء من الجفاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-02-20, 23:24   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










B9 الحياء من الإيمان والبذاء من الجفاء


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار...

1 - معنى الجفاء .
2- الصبر على جفاء الإخوان من شيم الصالحين .
3- جفاء القلب عن طاعة الله يدعو المسلم إلي تعلم عوامل الثبات على دين الله .
4- من الأدب ألا ينطق المسلم ببذاء ولا جفاء، ولا كلام فاحش ولو مازحاً .
5- صور من جفاء الأعراب وغيرهم وحلم النبي صلى الله عليه وسلم معهم .
6- دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه .
7- الجفاء مظهر من مظاهر سؤ الخلق .
8- الجفاء يورث التفرق والوحشة بين الناس .
9- من الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه .
10- الجفاء نتيجة حتمية لقلة العلم .
11- ما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الإحسان .

التعريف :الجفاء لغة:
الجفاء بالمدّ نقيض البرّ، وهو مأخوذ من مادّة (جفو) الّتي تدلّ على نبوّ الشّيء عن الشّيء، يقول ابن فارس: «الجيم والفاء والحرف المعتلّ يدلّ على أصل واحد: نبوّ الشّيء عن الشّيء، من ذلك جفوت الرّجل أجفوه، وهو ظاهر الجفوة، أي الجفاء» [الصحاح (1/ 465) ] .

ويقول الجوهريّ: وقد جفوت الرّجل أجفوه جفاء فهو مجفوّ، ولا تقل جفيت، ويقول الفيّوميّ: وجفوت الرّجل أجفوه، أعرضت عنه، وهو مأخوذ من جفاء السّيل وهو ما نفاه السّيل، وقد يكون مع بغض، وجفا الثّوب يجفو إذا غلظ فهو جاف، ومنه جفاء البدو، وهو غلظتهم، وفظاظتهم [المصباح المنير (1/ 304) ] .

ويقول ابن منظور: جفا الشّيء يجفو جفا، وتجافى: لم يلزم مكانه كالسّرج يجفو عن الظّهر، وكالجنب يجفو عن الفراش.
والجفاء: البعد. وأجفيته أنا: أنزلته عن مكانه. وجفا جنبه عن الفراش وتجافى: نبا عنه ولم يطمئنّ عليه. وفي التّنزيل: (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) [السجدة: 16]. قيل في تفسير هذه الآية: إنّهم كانوا يصلّون في اللّيل. وفي الحديث: أنّه كان صلّى اللّه عليه وسلّم يجافي عضديه عن جنبيه في السّجود، أي يباعدهما، وأجفاه إذا أبعده. ومنه الحديث: «اقرؤوا القرآن ولا تجفوا عنه». أي تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته، وفي الحديث أيضا: «غير الغالي فيه والجافي». وفي الحديث عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النّار». وفي الحديث الآخر: «من بدا جفا»، أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلّة مخالطة النّاس. والجفاء: غلظ الطّبع. قال اللّيث: الجفوة الزم في ترك الصّلة من الجفاء. والجفاء يكون في الخلقة والخلق. يقال رجل جافي الخلقة وجافي الخلق إذا كان كزّا غليظ العشرة والخرق في المعاملة والتّحامل عند الغضب والسّورة على الجليس. وقال هند بن أبي هالة وفي صفته صلّى اللّه عليه وسلّم: ليس بالجافي المهين، أي ليس بالغليظ الخلقة ولا الطّبع، أو ليس بالّذي يجفو أصحابه، ويقال: فلان ظاهر الجفوة بالكسر أي ظاهر الجفاء، ورجل فيه جفوة وجفوة، وإنّه لبيّن الجفوة بالكسر فإذا كان هو المجفوّ قيل: به جفوة [لسان العرب (14/ 147- 149) ] .

واصطلاحا:
قال المناويّ: الجفاء (بفتح الجيم) الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرّفق في الأمور (التوقيف 127)
من الآيات:
1- قول الله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 74] .
2- قوله تعالى: ( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [ آل عمران: 159] .
3- قوله تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22] .
4- قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [الحديد: 16] .
5- قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [ الحج: 52- 53] .

من الأحاديث:
1- عن أبي تميمة الهجيميّ- رضي اللّه عنه- قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو محتب بشملة له وقد وقع هدبها على قدميه، فقلت: أيّكم محمّد أو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فأومأ بيده إلى نفسه. فقلت: يا رسول اللّه، إنّي من أهل البادية وفيّ جفاؤهم فأوصني. فقال: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإنّه يكون لك أجره وعليه وزره، وإيّاك وإسبال الإزار؛ فإنّ إسبال الإزار من المخيلة، وإنّ اللّه عزّ وجلّ- لا يحبّ المخيلة، ولا تسبّنّ أحدا» فما سببت بعده أحدا ولا شاة ولا بعيرا.[رواه أحمد (5/ 64) واللفظ له، وأبو داود (4084) وقال الألباني (2/ 770): صحيح والترمذي (2692) وقال محقق جامع الأصول (11/ 746): إسناده صحيح ] .
2- عن أبي مسعود البدريّ- رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «الإيمان هاهنا- وأشار بيده إلى اليمن- والجفاء وغلظ القلوب في الفدّادين عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشّيطان ربيعة ومضر» [رواه البخاري- الفتح 7 (4387). ومسلم (53) نحوه ] .
3- عن أبي بكرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان. والإيمان في الجنّة. والبذاء من الجفاء والجفاء في النّار» [رواه ابن ماجة (4184) واللفظ له. والترمذي (2009) وقال: حديث حسن صحيح- صحيح الجامع الصغير (3194). وفي الزوائد: رواه ابن حبان في صحيحه ] .
4- عن البراء- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من بدا جفا» [رواه أحمد (2/ 371) واللفظ له. والترمذي (2256) وقال: حديث حسن صحيح غريب. وقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6123 في صحيح الجامع] .
5- عن عائشة- رضي اللّه عنها- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أبغض الرّجال إلى اللّه الألدّ الخصم» [رواه البخاري- الفتح 8 (4523) واللفظ له. ومسلم (2668) ].
6- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكلّ عبد لا يشرك باللّه شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا، أنظروا هذين حتّى يصطلحا، أنظروا هذين حتّى يصطلحا» [رواه مسلم (2565)] .
7- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تهجر امرأة فراش زوجها إلّا لعنتها ملائكة اللّه- عزّ وجلّ-»[رواه أحمد (2/ 348) وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 238): رواه البخاري ومسلم بلفظ قريب منه. ورواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ولفظه: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وفي رواية حتى ترجع»] .
8- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تهجّروا ، ولا تدابروا، ولا تحسّسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد اللّه إخوانا» [رواه مسلم (2563) ] .
9- عن سهل بن سعد- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» [رواه أحمد (5/ 335) واللفظ له، والهيثمي في المجمع في موضعين (8/ 87، 10/ 273). قال في الآخر: رواه أحمد والطبراني وإسناده جيد. وقال أيضا: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في سلسلة الصحيحة (1/ 711): هو صحيح على شرط مسلم ] .

آثار
1- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: إنّ من الجفاء أن تبول وأنت قائم. [الترمذي (1/ 28) ].
2- عن عبد الرّحمن بن أبزى قال: كان داود عليه السّلام- يقول: لا تعدنّ أخاك شيئا لا تنجزه له، فإنّ ذلك يورث بينك وبينه عداوة. [مكارم الأخلاق: (1/ 207) برقم (192) ] .

متفرقات
1- قال ابن حزم: الصّبر على الجفاء ينقسم ثلاثة أقسام: فصبر على من يقدر عليك ولا تقدر عليه، وصبر على من تقدر عليه ولا يقدر عليك، وصبر على من لا تقدر عليه ولا يقدر عليك. فالأوّل ذلّ ومهانة وليس من الفضائل، والثّاني فضل وبرّ وهو الحلم على الحقيقة وهو الّذي يوصف به الفضلاء، والثّالث: فيقسم قسمين: إمّا أن يكون الجفاء ممّن لم يقع منه إلّا على سبيل الغلط ويعلم قبح ما أتى به ويندم عليه. فالصّبر عليه فرض وفضل. وأمّا من كان لا يدري مقدار نفسه ويظنّ أنّ لها حقّا يستطيل به فلا يندم على ما سلف منه، فالصّبر عليه ذلّ للصّابر وإفساد للمصبور عليه، والمعارضة له سخف، والصّواب إعلامه بأنّه كان ممكنا أن ينتصر منه، وأنّه إنّما ترك ذلك استرذالا له فقط. (كتاب مداواة النفوس 2120) .









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-02-21, 14:55   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي


قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [ الحج: 52- 53] .









رد مع اقتباس
قديم 2014-02-21, 18:25   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الجليس الصلح
عضو ماسي
 
إحصائية العضو










افتراضي

صلى الله عليه وسلم سيد الخلق حبيب الله
شكرا على الموضوع بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2014-02-23, 02:50   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ابو يوسف1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2014-05-11, 12:57   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










B9 تَذكِيرُ الأَحيَاء-بِخُلُقِ الحَيَاءِ للرَّاجِي عَفوَ رَبِّهِ عبد الهادي بن حسن وهبي

بسم الله الرحمن الرحيم

المُقَدِّمَةُ
إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعدُ: فَإِنَّ خَيرَ الكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيرَ الهَديِ هَديُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا؛ وَكُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
إِنَّ العَينَ لَتَدمَعُ، وَإِنَّ القَلبَ لَيَحزَنُ، عَلَى قِلَّةِ الحَيَاءِ بَينَ العِبَادِ، فِي أَنحَاءِ البِلَادِ.
الحَيَاءُ خُلُقٌ رَفِيعٌ يَمنَعُ الإِنسَانَ عَنِ الِاتِّصَافِ بِالأَخلَاقِ السَّيِّئَةِ، وَالأَقوَالِ وَالأَفعَالِ القَبِيحَةِ.
الحَيَاءُ هُوَ أَسَاسُ مَكَارِمِ الأَخلَاقِ، وَمَنبَعُ كُلِّ فَضِيلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ القَولُ الطَّيِّبُ، وَالفِعلُ الحَسَنُ.
الحَيَاءُ دَلِيلُ الدِّينِ الصَّحِيحِ، وَسِمَةُ الصَّلَاحِ الشَّامِلِ، وَعُنوَانُ الفَلَاحِ الكَامِلِ.
يَأتِي الحَدِيثُ عَنِ الدُّرَّةِ النَّفِيسَةِ «الحَيَاءِ»، فِي وَقتٍ تُنحَرُ فِيهِ الفَضِيلَةُ، وَتُذبَحُ فِيهِ الأَخلَاقُ مِنَ الوَرِيدِ إِلَى الوَرِيدِ، عَبرَ أَجهِزَةِ الفَسَادِ السَّمعِيَّةِ مِنهَا وَالبَصَرِيَّةِ، الَّتِي تَنسِفُ الحَيَاءَ نَسفًا، وَتُدَمِّرُهُ تَدمِيرًا، فَلَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ.

تَعرِيفُ الحَيَاءِ
• الحَيَاءُ شَرعًا: خُلُقٌ يَكُفُّ العَبدَ عَنِ ارتِكَابِ القَبَائِحِ وَالرَّذَائِلِ، وَيَحُثُّهُ عَلَى فِعلِ الجَمِيلِ، وَيَمنَعُهُ مِنَ التَّقصِيرِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الحَقِّ، وَهُوَ مِن أَعلَى مَوَاهِبِ اللَّهِ لِلعَبدِ.

فَضَائِلُ الحَيَاءِ
أَوَّلًا: الحَيَاءُ مِفتَاحُ كُلِّ خَيرٍ:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» قَالَ: أَوْ قَالَ: «الـحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ» .وَهُوَ أَصلُ كُلِّ خَيرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الخَيرِ أَجمَعِهِ .
«لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَالِ الخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ المَعَاصِي، وَيَحُولُ بَيْنَ الـمَرْءِ وَالقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لَا يُنْتِجُ إِلَّا خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْلِ فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنَ ارْتِكَابِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ بِسَبٍّ وَشَتمٍ، فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الكَلَامِ المُحَرَّمِ، كَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ؛ فَالَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ» . وَلِـهَذَا كَانَ الحَيَاءُ خَيرًا كُلُّهُ، بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ.
عَنْ قُرَّةَ - ابنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ» . لِعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ، وَجَلِيلِ قَدْرِهِ، وَسُمُوِّ مَحَلِّهِ، وَرِفعَةِ شَأنِهِ، وَعَظِيمِ نَفعِهِ.

ثَانِيًا: الحَيَاءُ إِيمَانٌ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ» .
الحَيَاءُ وَالإِيمَانُ مَقرُونَانِ لَا يَفتَرِقَانِ إِلَّا جَمِيعًا؛ لِاستِوَائِهِمَا فِي الحَثِّ عَلَى كَثِيرٍ مِن أَعمَالِ البِرِّ وَالخَيرِ، وَالزَّجرِ عَن كُلِّ شَرٍّ وَقَبِيحٍ مِنَ الفُحشِ وَالفَوَاحِشِ، وَالكَذِبِ وَالفُجُورِ وَالآثَامِ. فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَرْءِ رُفِعَ مِنْهُ الْآخَرُ. وَهَذَا مُشعِرٌ بِعَظَمَةِ الحَيَاءِ، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالـحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» .
يَعْنِي: شُعْبَةً عَظِيْمَةً وَمُهِمَّةً مِنَ الإِيْمَانِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: التَّنْبِيْهُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِ بَقِيَّةِ الشُّعَبِ .
وَإِنَّمَا خَصَّهُ هُنَا بِالذِّكْرِ، «لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِثْلَ الإِيْمَانِ مِنَ ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ، وَمَا يُعَدُّ مِنَ الفُحْشِ وَالفَوَاحِشِ» .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «دَعْهُ، فَإِنَّ الـحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» .

ثَالِثًا: الحَيَاءُ أَبهَى زِينَةٍ:
إِنَّ الوَجْهَ المَصُوْنَ بِالحَيَاءِ، كَالجَوْهَرِ المَكْنُوْنِ فِي الوِعَاءِ، وَكَاللَّآلِئِ فِي البِحَارِ، وَكَاللُّبَابِ فِي الثِّمَارِ، وَلَنْ يَتَزَيَّنَ إِنْسَانٌ بِزِيْنَةٍ، هِيَ أَبْهَى وَلَا أَجْمَلُ مِنَ الحَيَاءِ.
عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ» .
فَلَا يَكُونُ فِي شَيءٍ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ، إِلَّا زَيَّنَهُ وَجَمَّلَهُ وَحَسَّنَهُ؛ وَلَا يُنزَعُ مِن شَيءٍ، إِلَّا شَانَهُ وَعَابَهُ وَقَبَّحَهُ، وَجَرَّ إِلَيهِ العَيْبَ وَالقُبْحَ.
الحَيَاءُ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ.وَالفُحشُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ.

رَابِعًا: الحَيَاءُ خُلُقٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
عَن أَشَجِّ عَبدِ القَيسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ [لِي] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَينِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» قُلتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الحِلمُ وَالحَيَاءُ» ... .
وَعَن يَعلَـى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رَأَى رَجُلًا يَغتَسِلُ بِالبَـرَازِ بِلَا إِزَارٍ، فَصَعِدَ الـمِنبَـرَ، فَحَـمِدَ اللَّـهَ، وَأَثنَى عَلَـيـهِ؛ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّـيـرٌ، يُـحِبُّ الـحَيَاءَ وَالسَّتـرَ، فَإِذَا اغتَسَلَ أَحَدُكُم فَلـيَستَتِـر» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَﮕ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَڬ... يُحِبُّ الْـحَيِيَّ الْعَفِيفَ الـْمُتَعَفِّفَ» .

خَامِسًا: الحَيَاءُ يَقُودُ إِلَى الجَنَّةِ:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ؛ وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ» .
* «الإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ»: هُوَ أَهلُ الإِيمَانِ فِي الجَنَّةِ. وَمَعنَى البَذَاءِ فِي النَّارِ: هُوَ أَهلُ البَذَاءِ فِي النَّارِ.
* «البَذَاءُ»: الفُحْشُ فِي القَوْلِ، وَالسُّوءُ فِي الخُلُقِ. وَالكَلَامُ البَذِيءُ: الكَلَامُ القَبِيحُ.
* «مِنَ الجَفَاءِ»: أَي أَهلُهُ التَّارِكُونَ لِلوَفَاءِ، الثَّابِتُونَ عَلَى غَلَاظَةِ الطَّبعِ وَقَسَاوَةِ القَلْبِ. وَهَذَا يُوْرِثُ تَرْكَ الصِّلَةِ وَالبِرِّ.

سَادِسًا: الحَيَاءُ خُلُقُ الإِسلَامِ:
الحَيَاءُ هُوَ مِن أَفضَلِ الأَخلَاقِ وَأَجَلِّهَا، وَأَعظَمِهَا قَدرًا، وَأَكثَرِهَا نَفعًا .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْـحَيَاءُ» .
وَمَعنَاهُ: أَنَّ كُلَّ دِينٍ لَهُ طَبعٌ وَسَجِيَّةٌ؛ وَإِنَّ طَبعَ هَذَا الدِّينِ، وَسَجِيَّتَهُ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ: الحَيَاءُ .
وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الإِسلَامِ حُسنُ الخُلُقِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَكمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا» .
إِذًا فَالحَيَاءُ تَركُ القَبَائِحِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَإِتيَانُ المَحَاسِنِ وَالخَيرَاتِ، وَهَذَا خُلُقُ الإِيمَانِ .
«وَلَولَا هَذَا الخُلُقُ لَم يُكرَمْ ضَيفٌ، وَلَم يُوفَ بِوَعدٍ، وَلَم تُؤَدَّ أَمَانَةٌ، وَلَم تُقْضَ حَاجَةٌ، وَلَم تُصَل رَحِمٌ؛ وَلَا بُرَّ وَالِدٌ، وَلَا رُحِمَ صَغِيرٌ، وَلَا وُقِّرَ كَبِيرٌ؛ وَلَا تَحَرَّى الرَّجُلُ الجَمِيلَ فَآثَرَهُ، وَالقَبِيحَ فَتَجَنَّبَهُ، وَلَا سَتَرَ لَهُ عَورَةً، وَلَا امتَنَعَ مِن فَاحِشَةٍ» .

سَابِعًا: الحَيَاءُ شَرِيعَةُ جَمِيعِ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ السَّلَام:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَع مَا شِئْتَ» .
رَفَعَ النَّبِيُّ عَلَيهِ السَّلَام قَدرَ هَذِهِ الكَلِمَةِ، وَأَجَلَّهَا، وَعَظَّمَ شَأنَهَا ؛ لَأِنَّهَا كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِخَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ .
فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّ الحَيَاءَ لَمْ يَزَل مُسْتَحْسَنًا فِيْ شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ الأَوَّلِيْنَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ وَلَمْ يُنْسَخْ فِيْ جُمْلَةِ مَا نَسَخَ اللَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ، بَل تَدَاوَلَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ، وَتَوَارَثُوهُ عَنْهُمْ، وَتَوَاصَوْا بِهِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.

ثَامِنًا: الحَيَاءُ مَانِعٌ مِن فِعلِ المَعَاصِي:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَع مَا شِئْتَ» .
وَالمَعْنَى: أَنَّ الرَّادِعَ عَنِ القَبِيحِ إِنَّمَا هُوَ الحَيَاءُ، وبِغِيَابِ الحَيَاءِ: تَتَدَمَّرُ الأَخْلَاقُ، وَتُرْتَكَبُ الفَوَاحِشُ وَالمُوْبِقَاتُ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ.
فَالحَيَاءُ هُوَ الحَائِلُ بَيْنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ وَالإِمْسَاكِ عَنْهَا، وَأَنَّهُ كَالسَّدِّ إِذَا تَحَطَّمَ انْهَمَرَ المَاءُ يُغْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ؛ فَالَّذِي لَا حَيَاءَ لَهُ لَا سَدَّ عِنْدَهُ، فَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ لِيَفْعَلَهَا، وَلَا يَرَى بِهَا بَأْسًا.
لِذَلِكَ تَرَاهُ يَرضَى بِتَبَرُّجِ زَوجَتِهِ وَابنَتِهِ وَأُختِهِ، وَمُخَالَطَتِهِنَّ لِلرِّجَالِ، وَدُخُولِهِنَّ عَلَيهِم، وَدُخُولِهِم عَلَيهِنَّ؛ حَتَّى عَظُمَ الشَّرُّ، وَعَظُمَ البَلَاءُ.
قَالَ القَائِلُ:
وَرُبَّ قَبِيْحَةٍ مَا حَـــالَ بَينِي --- وَبَيْنَ رُكُوْبِهَا إِلَّا الحَيَاءُ
فَكَانَ هُوَ الدَّوَاءَ لَهَا وَلَكِنْ --- إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ فَلَا دَوَاءُ

وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَــــالِي --- وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِيْ العَيْشِ خَيْــرٌ --- وَلَا الدُّنْــــــيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيْشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَى بِخَيْرٍ --- وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

يَبْقَى العُودُ غَضًّا طَرِيًّا مَا بَقِيَتِ القِشْرَةُ الخَضْرَاءُ، فَإِنْ سَقَطَتْ فَقَد آذَنَتْ حَيَاتُهُ بِالضُّمُورِ.
وَهَكَذَا النَّاسُ يَعِيْشُوْنَ فِي حَيَاةٍ وَسَعَادَةٍ، مَا دَامَ فِيْهِمْ خُلُقُ الحَيَاءِ؛ وَإِذَا فَقَدُوهُ فَقَدْ هَلَكُوْا، فَلَيْسَ فِيْهِمْ وَلَا فِي حَيَاتِهِمْ خَيْرٌ. فَلَا حَيَاةَ بِلَا حَيَاءٍ.

كَيفَ يَكُونُ الحَيَاءُ مِنَ اللَهِ تَعَالَى؟
عَن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «استَـحيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» قَالَ: قُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا نَستَـحْيِي وَالـحَـمدُ لِلَّـهِ؛ قَالَ: «لَـيسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِستِحيَاءَ مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ: أَن تَـحفَظَ الرَّأسَ وَمَـا وَعَى، وَالبَطنَ وَمَـا حَوَى، وَلتَذكُرِ الـمَوتَ وَالبِلَـى؛ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ، تَـرَكَ زَيـنَةَ الدُّنـيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ استَـحيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» .
نَعَمْ! هَذَا هُوَ الاِستِحيَاءُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ نَبِيُّ الإِسْلَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ الإِنْسَانُ حَوَاسَّهُ، يَحْفَظُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَى فُحْشٍ، وَغِنَاءٍ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِقَبِيْحٍ أَوْ مُنْكَرٍ؛ وَكَذَلِكَ يَحْفَظُ بَطْنَهُ فَلَا يُدْخِلُ إِلَيْهِ حَرَامًا، وَيَحْفَظُ فَرْجَهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فَاحِشَةً. وَيَذْكُرُ المَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَسْتَعِدُّ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَآثَرَ مَـا يَبقَى عَلَـى مَـا يَفنَى، فَآثَرَ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا. وَهَكَذَا يَكُونُ قَدْ تَحَقَّقَ بِمَعْنَى الاِستِحيَاءِ؛ الَّذِي هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الحَيَاءِ.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي؟ قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِـحًا مِنْ قَوْمِكَ» .
يَا لَهَا مِن وَصِيَّةٍ: مَا أَجَلَّهَا وَأَعْلَاهَا! لِمَن وُفِّقَ لِلعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا.
فَمِنْ وَقَارِ اللَّهِ: أَنْ يَسْتَحِيَ العَبْدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى «فِي الخَلوَةِ، أَعظَمَ مِمَّا يَستَحِي مِنْ أَكَابِرِ النَّاسِ» .
وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاظِرٌ إِلَيكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيكَ، فَقُل لِنَفسِكَ: لَو كَانَ رَجُلٌ مِنْ صَالِـحِي قَومِي يَـرَانِي، لَاستَـحَيْتُ مِنْهُ، فَكَيفَ لَا أَستَـحِي مِن رَبِّـي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ لَا آمَنُ تَعجِيلَ عُقُوبَتِـهِ وَكَشفَ سَتـرِهِ؟!
فَإِنَّ مَنْ عَلِـمَ أَنَّ اللَّـهَ يَـرَاهُ حَيثُ كَانَ، وَأَنَّـهُ مُطَّلِعٌ عَلَـى بَاطِنِـهِ وَظَاهِرِهِ وَسِـرِّهِ وَعَلَانِـيَتِـهِ، وَاستَـحضَـرَ ذَلِكَ فِـي خَلَوَاتِـهِ، أَوجَبَ لَـهُ ذَلِكَ تَـركَ الـمَعَاصِـي فِـي السِّـرِّ.
قَالَ القَحطَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَإِذَا خَلَوتَ بِـرِيبَةٍ فِـي ظُلـمَــــةٍ --- وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَـى الطُّغيَانِ
فَاستَـحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَـهَا --- إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَـرَانِـي

وَعَن مُعَاوِيَةَ بنِ حَيدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، عَورَاتُنَا مَـا نَأتِي مِنْهَا وَمَـا نَذَرُ؟ قَالَ: «احفَظْ عَورَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوجَتِكَ، أَو مَـا مَلَكَت يَمِيـنُكَ» قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِذَا كَانَ القَومُ بَعضُهُـم فِـي بَعضٍ؟ قَالَ: «إِنِ استَطَعتَ أَن لَا يَـرَيَنَّـهَا أَحَدٌ، فَلَا يَـرَيَنَّـهَا» قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِـيًا؟ قَالَ: «اللَّـهُ أَحَقُّ أَنْ يُستَـحيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» .
فَقَد أَمَرَ النَّبِـيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم الرَّجُلَ: أَن يَستُـرَ عَورَتَـهُ، وَإِن كَانَ خَالِيًا لَا يَـرَاهُ أَحَدٌ، تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاستِحيَاءً مِنهُ؛ فَكَيفَ يَنبَغِي أَن يَكُونَ حَيَاءُ الإِنسَانِ مِنهُ تَعَالَى، إِذَا رَآهُ حَيثُ نَهَاهُ؟!
«فَمَتَى كَمُلَ حَيَاءُ الإِنْسَانِ [مِنَ اللَّهِ تَعَالَى]، فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الخَيْرِ، وَانْتَفَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الشَّرِّ؛ وَصَارَ بِالفَضْلِ مَشْهُورًا، وَبِالجَمِيلِ مَذْكُورًا» . فَسَلِمَتْ أَفْعَالُهُ، وَتَهَذَّبَتْ أَخْلَاقُهُ، وَطَهُرَ سِرُّهُ، وَظَهَرَ بِرُّهُ، وَقَلَّ شَرُّهُ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ.

خَلوَةُ الَّذِينَ لَا يَستَحيُونَ مِنَ اللَهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
لَمَّا غَابَ الحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ، تَجَرَّؤُوا عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ.
عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ، بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُم لَنَا، جَلِّهِم لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؛ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُم إِخْوَانُكُم وَمِنْ جِلدَتِكُم، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُم أَقْوَامٌ، إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» .
فَهَؤُلَاءِ قَامُوا بِأَعمَالٍ ظَاهِرَةٍ، وَاعتَنَوا بِالمَظَاهِرِ، وَجَعَلُوهَا زَاهِيَةً؛ وَأَهمَلُوا سَرَائِرَهُم، وَبَوَاطِنَهُم، وَجَعَلُوهَا خَاوِيَةً، فَلَم يُرَاقِبُوا اللَّهَ فِي خَلَوَاتِهِم.
هَؤُلَاءِ يَنطَبِقُ عَلَيهِم قَولُ يَحْيَى بنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَظهَرَ بَينَ الخَلقِ إِحسَانَهُ --- وَخَالَفَ الرَّحمَنَ لَمَّا خَلَا
«يَستَـخِفُّ بِنَظَرِ اللَّـهِ إِلَـيـهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَـيـهِ: وَهُوَ فِـي قَبضَتِـهِ، وَنَاصِـيَتُـهُ بِـيَدِهِ، وَيُعَظِّمُ نَظَرَ الـمَـخلُوقِ إِلَـيـهِ، وَاطِّلَاعَهُ عَلَـيـهِ بِكُلِّ قَلبِـهِ وَجَوارِحِهِ؛ يَستَـحيِي مِنَ النَّاسِ وَلَا يَستَـحيِي مِنَ اللَّهِ، وَيُعَامِلُ الـخَلقَ بِأَفضَلَ مَـا يَقدِرُ عَلَـيـهِ، وَإِن عَامَلَ اللَّـهَ عَامَلَـهُ بِأَهوَنَ مَـا عِنْدَهُ وَأَحقَرَهُ؛ وَإِن قَامَ فِـي خِدمَةِ مَن يُـحِبُّهُ مِنَ البَشَـرِ، قَامَ بِالـجِدِّ وَالِاجتِـهَادِ وَبَذلِ النَّصِـيـحَةِ، وَقَدْ فَرَّغَ لَـهُ قَلبَـهُ وَجَوَارِحَهُ، وَقدَّمَهُ عَلَى كَثِيـرٍ مِن مَصَالِـحِهِ» .
«أَفَلَا يَستَحِي العَبدُ مِن رَبِّهِ وَمَولَاهُ وَمَعبُودِهِ أَن لَا يَكُونَ فِي عَمَلِهِ هَكَذَا؟! وَهُوَ يَرَى المُحِبِّينَ فِي أَشغَالِ مَحبُوبِيهِم مِنَ الخَلقِ كَيفَ يَجتَهِدُونَ فِي إِيقَاعِهَا عَلَى أَحسَنِ وَجهٍ وَأَكمَلِهِ، بَل هُوَ يَجِدُ مِن نَفسِهِ ذَلِكَ مَعَ مَن يُحِبُّهُ مِنَ الخَلقِ، فَلَا أَقَلَّ مِن أَن يَكُونَ مَعَ رَبِّهِ بِهَذِهِ المَنزِلَةِ» .
عَن أُسَامَةَ بنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَا كَرِهَ اللَّهُ مِنكَ شَيئًا، فَلَا تَفعَلهُ إِذَا خَلَوتَ» .
أَفَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ يَخلُونَ بِمَحَارِمِ اللَّهِ وَيَدخُلُونَ عَلَى المَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ، وَيُشَاهِدُونَ الأَفلَامَ الخَلِيعَةَ، أَن يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ: مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ تُبلَى فِيهِ السَّرَائِرُ، وَيُحَصَّلَ فِيهِ مَا فِي الصُّدُورِ. يَومَ يَدُومُ فِيهِ النَّدَمُ، لِمَن زَلَّت بِهِ القَدَمُ، قَبلَ أَنْ يَقُولَ المُذنِبُ: رَبِّ ارجِعُونِ. فَيُقَالَ لَهُ: هَيهَاتَ، فَاتَ مَا فَاتَ، وَكَانَ مَا كَانَ، وَأَتَى مَا هُوَ آتٍ، وَقَد بَعُدَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ المَسَافَاتُ.
قَالَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 99 - 100].
يَا مَن يُشَاهِدُ المَحَطَّاتِ المَاجِنَةَ، وَيَسمَعُ الأَصْوَاتَ الفَاجِرَةَ؛ الَّتِي تَعْمَلُ فِي القُلُوبِ، أَعْظَمَ مِنَ السُّمِّ فِي الأَبْدَانِ؛ اعلَمْ بِأَنَّ «مَنِ استَحيَى مِنَ اللَّهِ عِندَ مَعْصِيَتِهِ، اسَتَحيَى اللَّهُ مِن عُقُوبَتِهِ يَوْمَ يَلقَاهُ؛ وَمَن لَم يَستَحِ مِن مَعْصِيَتِهِ، لَمْ يَسْتَحِ مِن عُقُوبَتِهِ» .
وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:
يَا مُدمِنَ الذَّنبِ أَمَا تَستَحِي --- وَاللَّهُ فِـي الخَلوَةِ ثَانِيكَا
غَرَّكَ مِن ربِّكَ إِمهَالُـــــــــــهُ --- وَسَترُهُ طُولَ مَسَاوِيكَا

نَمَاذِجُ مُشرِقَةٌ مِنَ الحَيَاءِ

1- أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ! قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» .
يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، وَلَكِنَّهَا تَقُوْلُ: إِنَّ النِّسَاءَ لَا تُطِيْقُ هَذَا، لِأَنَّ أَقْدَامَهُنَّ سَتَنْكَشِفُ عِنْدَ المَشْيِ، فَلَمْ تَرْضَ أَنْ يُرْخَى الثَّوْبُ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِي الأَرْضِ؛ وَلَكِنَّ فَتَيَاتِ هَذَا الزَّمَانِ رَضِيْنَ بِهَذَا الشِّبْرِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِيْ الأَرْضِ، لَكِنَّهُ شِبْرٌ فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ.
الْمَرْأَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْحَيَاءِ، فَإِذَا فَقَدَتِ الْمَرْأَةُ حَيَاءَهَا؛ فَقَدَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَفَعَلَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَبَطنُ الأَرضِ خَيرٌ لَهَا مِن ظَهرِهَا.

2- المَرْأَةُ السَّودَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا:
عَنْ عَطَاءَ بنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: أَلَا أُرِيْكَ امرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّودَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ - الصَّرْعُ: عِلَّةٌ فِي الجِهَازِ العَصَبِيِّ تَصحَبُهَا غَيبُوبَةٌ وَتَشَنُّجٌ فِي العَضَلَاتِ، وَقَد تَكُونُ بِدُخُولِ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ المَصرُوعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُون إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: 275] -، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ - أَي: خَشِيَتْ أَن تَظهَرَ عَورَتُهَا وَهِيَ لَا تَشعُرُ -، فَادْعُ اللَّهَ لِي - أَي: بِالعَافِيَةِ مِن هَذَينِ الأَمرَينِ -؛ قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا .
حَرَصَتْ عَلَى عَدَمِ التَّكَشُّفِ وَسَترِ العَورَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ المَفَاسِدِ مَا لَا يَخفَى.
فَهَذِهِ المَرْأَةُ سَوْدَاءُ، لَكِنْ قَلبُهَا أَبْيَضُ. قَدْ تَصْبِرُ عَلَى المَرَضِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيْعُ الصَّبْرَ عَلَى خَدْشِ الحَيَاءِ، وَجَرْحِ العَفَافِ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِرَادَتِهَا.
أَلَمْ يَأْنِ لِلنِّسْوَةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ العَصِيبِ: أَنْ يَقْتَدِيْنَ بِهَذِهِ المَرْأَةِ، وَيَتَرَبَّيْنَ عَلَى العَفَافِ وَالحَيَاءِ؟!

مَظَاهِرُ قِلَّةَ الحَيَاءِ
• خُرُوجُ النِّسَاءِ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ... نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ... العَنُوهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ مَلعُونَاتٌ...» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ الـمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» .
يَا سُبحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ! أَينَ عُقُولُ هَؤُلَاءِ؟ أَعُمِّيَتْ أَبصَارُهُنَّ وَبَصَائِرُهُنَّ؟!
فَهَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ الفَاجِرَاتُ اللَّوَاتِي خَالَفْنَ تَعَالِيمَ الدِّيْنِ وَآدَابَ الإِسلَامِ، فَخْلَعَنَ مَلَابِسَهُنَّ، وَكَشَفْنَ عَنْ سَوَاعِدِهِنَّ، وَلَبِسْنَ المَلَابِسَ الرَّقِيْقَةَ الَّتِي لَا تَسْتُرُ جَسَدًا، وَلَا تُخْفِي عَوْرَةً؛ وَإِنَّمَا تَزِيْدُ فِي الفِتْنَةِ وَالإِغْرَاءِ، وَمَشَيْنَ مِشْيَةً، فِيْهَا لَفْتُ أَنْظَارِ الرِّجَالِ. «فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ بِالِاسمِ، عَارِيَاتٌ فِي الحَقِيقَةِ» . يَنْطَبِقُ عَلَيْهِنَّ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «... وَشَرُّ نِسَائِكُمُ المُتَبَرِّجَاتُ المُتَخَيِّلَاتُ، وَهُنَّ المُنَافِقَاتُ» .
وَلَقَدْ صَوَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ، وَهُنَّ يَتَبَخْتَرْنَ فِي الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ، ويَتسَكَّعْنَ فِي الأَسْوَاقِ وَالمُنْتَدَيَاتِ، صَوَّرَهُنَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ» أَيْ: أَنَّهُنَّ مَائِلَاتٌ فِي مِشْيَتِهِنَّ، مُمِيْلَاتٌ لِقُلُوْبِ الرِّجَالِ؛ ثُمَّ عَدَّدَ الرَّسُولُ الكَرِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مِنْ قَبَائِحِهِنَّ: بِأَنَّهُنَّ يُصَفِّفْنَ شُعُورَهُنَّ، حَتَّى يُصْبِحَ شَعْرُ الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ مِثْلَ سَنَامِ الجَمَلِ فِي الِارْتِفَاعِ، وَقَدْ وَضَعَتْ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الزِّيْنَةِ؛ وَصَبَغَتْهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الأَصْبَاغِ المُغْرِيَةِ، وَكَدَّسَتْهُ فَوْقَ رَأْسِهَا كَأَنَّهُ شَاهِقٌ مِنَ الجَبَلِ، أَوْ سَدٌّ عَالٍ مِنْ سُدُوْدِ الصِّيْنِ.
وَقَدْ خَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم هَذَا الحَدِيْثَ الشَّرِيفَ بِمَا يَفْزَعُ لَهُ قَلبُ الإِنْسَانِ، فَقَالَ: «لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا».
وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا العَذَابِ؟! أَنْ يُحْرَمَ الإِنسَانُ الجَنَّةَ وَنَعِيْمَهَا، وَأَلَّا يَجِدَ رِيحَهَا أَبَدًا، مَعَ أَنَّ رِيحَهَا يُوْجَدُ مِنْ مَسِيْرَةِ خَمْسِمِئَةِ عَامٍ؟!
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

• كَثرَةُ خُرُوجِ المَرأَةِ مِنَ البَيتِ:
عَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «إِنَّ المَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ؛ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا، وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا» .
قَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»؛ أَيْ: زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: أَي: نَظَرَ إِلَيْهَا، لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا .

• خُرُوجُ المَرأَةِ مُتَعَطِّرَةً:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيْبِ يَنْفَحُ، وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ - أَي: رِيحٌ تَرْتَفِعُ بِتُرَابٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَتَسْتَدِيرُ كَأَنَّهَا عَمُودٌ -، فَقَالَ: يَا أَمَةَ الجَبَّارِ - نَادَاهَا بِهَذَا الِاسْمِ تَخْوِيفًا لَهَا -، جِئْتِ مِنَ الـمَسْجِدِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي - أَيْ: مَحْبُوبِي - أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لاِمْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِـهَذَا المَسْجِدِ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ» - أَي: كَغُسْلِهَا مِنَ الجَنَابَةِ -.
هَذَا حُكمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِيمَن خَرَجَت إِلَى المَسجِدِ مُتَعَطِّرَةً. فَمَاذَا يَكُونُ حُكمُهُ فِيمَن تَخرُجُ إِلَى عُرسٍ وَنَحوِهِ مُتَعَطِّرَةً؟! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ.
وَعَنِ الأَشْعَرِيِّ (يَعنِي: أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ» .

• مَشيُ المَرأَةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ:
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ - وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الـمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم لِلنِّسَاءِ -: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». قَالَ: فَكَانَتِ الـمَرْأَةُ تَلتَصِقُ بِالجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ .
سُبْحَانَ اللَّهِ! بَادَرْنَ إِلَى تَنْفِيذِ أَمرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، بَلْ بَالَغْنَ فِي ذَلِكَ.
وَضعُ المَرأَةِ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوجِهَا:
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَتْ: خَرَجْتُ مِنَ الحَمَّامِ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ؟» قَالَتْ: مِنَ الحَمَّامِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا، فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، إِلَّا وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ» .
وَعَنْ أَبِي الـمَلِيحِ الهُذَلِيِّ: أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، دَخَلنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا، فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلنَ نِسَاؤُكُنَّ الحَمَّامَاتِ؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ أَثْيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا، إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا» .
فَيَحرُمُ عَلَى الـمَرأَةِ أَن تَخلَعَ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوجِهَا: كَالمَسَابِحِ، وَصَالُونَاتِ التَّجمِيلِ، وَالأَندِيَةِ الرِّيَاضِيَّةِ.
وَلتَتَأَمَّل كُلُّ مَنْ سَوَّلَتْ لَهَا نَفْسُهَا، وَأَمْلَى الشَّيْطَانُ لَهَا، بِخَلْعِ الحِجَابِ وَالحَيَاءِ، الحَدِيثَ التَّالِيَ:
عنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ... إِذْ قَالَ: «انْظُرُوا! هَلْ تَرَوْنَ شَيْئًا؟» فَقُلْنَا: نَرَى غِرْبَانًا فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فِي الغِرْبَانِ» .
الأَعْصَمُ: هُوَ أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قِلَّةِ مَنْ يَدخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ، لِأَنَّ هَذَا الوَصْفَ فِي الغِرْبَانِ عَزِيزٌ قَلِيلٌ.

صُوَرٌ مِنَ الحَيَاءِ المَذمُومِ
1- تَركُ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ: أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ، أَوْ شَهِدَهُ، أَوْ سَمِعَهُ» .
كَأَنْ يَأْكُلَ وَالِدٌ بِشِمَالِهِ، فَيَسْتَحِيَ الوَلَدُ مِن نَهيِ أَبِيهِ عَنِ الأَكْلِ بِالشِّمَالِ حَيَاءً مِنْهُ.
فَلَا يَنْبَغِيْ لَكَ أَنْ تَتْرُكَ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، حَيَاءً مِنَ النَّاسِ.

2- مُقَارَفَةُ الإِثْمِ اسْتِحيَاءً مِنَ النَّاسِ:
كَأَنْ تَمُدَّ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ يَدَهَا إِلَى رَجُلٍ فَيُصَافِحَهَا، وَيَزْعُمَ أَنَّهُ اسْتَحْيَا مِنْهَا؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «لَأَنْ يُطْعَنَ فِيْ رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيْدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» .
فَمَن صَافَحَ امرَأَةً أَجنَبِيَّةً حَيَاءً مِنهَا، فَليَتَذَكَّرِ الحَدِيثَ التَّالِيَ:
عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ؛ وَمَنِ التَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ» .
وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا رَضِيَ عَنِ العَبدِ، أَرضَى النَّاسَ عَنهُ؛ وَإِذَا سَخِطَ عَنِ العَبدِ، أَسخَطَ النَّاسَ عَلَيهِ.

3- تَركُ طَلَبِ العِلمِ:
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَتَعَلَّمُ العِلمَ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ .
وَلِهَذَا: فَإِنَّ الصَّحَابِيَّاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُنَّ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ مِنْ طَلَبِ العِلمِ الشَّرْعِيِّ.
قَالَت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: نِعمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنصَارِ، لَم يَكُن يَمنَعُهُنَّ الحَيَاءُ أَن يَتَفَقَّهنَ فِي الدِّينِ .
مِمَّ يَتَوَلَّدُ الحَيَاءُ؟
أولآ:اعْلَـمْ - بَارَكَ اللَّـهُ فِـيكَ - بِأَنَّ أَعظَمَ الـحَيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَـى، الَّذِي نَتَقَلَّبُ فِـي نِعَمِهِ وَإِحسَانِـهِ اللَّـيلَ وَالنَّـهَارَ، وَلَا نَستَغنِـي عَنْهُ طَرفَةَ عَيـنٍ؛ وَنَحنُ تَـحتَ سَمعِهِ وَبَصَـرِهِ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ حَالِنَا وَقَولِنَا وَفِعلِنَا شَـيءٌ. فَهُوَ الَّذِي خَلَقَنَا، وَهُوَ الَّذِي رَزَقَنَا، فَنَطْعَمُ مِنْ خَيـرِهِ، وَنَتَنَفَّسُ فِـي جَوِّهِ، وَنَعِيشُ عَلَـى أَرضِهِ، وَنَستَظِلُّ بِسَمَـائِهِ؛ وَآلَاؤُهُ غَمَرَتنَا مِنَ الـمَهْدِ إِلَـى اللَّحدِ، وَإِلَـى مَـا بَعدَ ذَلِكَ مِن خُلُودٍ طَوِيلٍ فِـي الـجَنَّةِ - إِن شَاءَ اللَّـهُ تَعَالَـى -. فَكَيفَ لَا نَستَـحِي مِنْهُ؟ وَكَيفَ نُقَابِلُ كُلَّ هَذِهِ النِّعَمِ بِالإِسَاءَةِ؟!
وَالعَجَبُ مِمَّن يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا بِهِ مِنَ النِّعَمِ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يَستَحِي مِنَ الِاستِعَانَةِ بِهَا عَلَى ارتِكَابِ مَا نَهَاهُ عَنهُ!

وَيَتَوَلَّدُ الـحَيَاءُ مِنَ «الـمَعرِفَةِ بِعَظَمَةِ اللَّـهِ وَجَلَالِـهِ وَقُدرَتِـهِ، لِأَنَّـهُ إِذَا ثَبَتَ تَعظِيمُ اللَّـهِ فِـي قَلبِ العَبدِ، أَورَثَهُ الـحَيَاءَ مِنَ اللَّـهِ وَالـهَيبَةَ لَـهُ، فَغَلَبَ عَلَـى قَلبِـهِ خَمسَةُ أُمُورٍ:
أَوَّلًا: ذِكرُ اطِّلاعِ اللَّـهِ العَظِيمِ إِلَـى مَـا فِـي قَلبِـهِ وَجَوَارِحِهِ. ﴿وَاللهُ يَعلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُم﴾.
ثَـانِــيًـا: وَذِكرُ الـمَقَامِ غَدًا بَـيـنَ يَدَيـهِ.
ثَالِـثًـا: وَسُؤَالُـهُ إِيَّاهُ عَنْ جَـمِيعِ أَعمَـالِ قَلبِـهِ وَجَوَارِحِهِ. ﴿إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَائِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولًا﴾ [الإسراء: 36].
رَابِـعًـا: وَذِكرُ دَوَامِ إِحسَانِـهِ إِلَـيـهِ، بِأَنوَاعِ الإِحسَانِ وَالإِنعَامِ وَالأَرزَاقِ وَالعَطَايَا، وَهُوَ سُبحَانَهُ كَثِيرُ الإِحسَانِ، فَلَا نِهَايَةَ لِإِحسَانِهِ. ﴿وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ [النحل: 53].
خَامِسًا: وَقِلَّةُ الشُّكرِ مِنْهُ لِرَبِّهِ. ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].
فَإِذَا غَلَبَ ذِكرُ هَذِهِ الأُمُورِ عَلَـى قَلبِـهِ، [انبَعَثَتْ] مِنَ العَبدِ قُوَّةُ الـحَيَاءِ مِنَ اللَّـهِ، فَاستَـحيَى مِنَ اللَّـهِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَـى قَلبِـهِ، وَهُوَ مُعتَقِدٌ لِشَـيءٍ مِـمَّـا يَكرَهُ؛ أَو عَلَـى جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، تَتَـحَرَّكُ بِمَـا يَكرَهُ، فَطَهَّرَ قَلبَـهُ مِنْ كُلِّ مَعصِـيَةٍ، وَمَنَعَ جَوَارِحَهُ مِنْ جَـمِيعِ مَعَاصِـيـهِ» .
فَيَستَحيِي مِن رَبِّهِ أَن يَرَاهُ عَلَى مَا يَكرَهُ، أَو يَسمَعَ مِنهُ مَا يَكرَهُ، أَو يُخفِيَ فِي سَرِيرَتِهِ مَا يَمقُتُهُ عَلَيهِ .

* * *
الخَاتِمَةُ
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَن تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَبَعْدُ:
إِنَّ الِاتِّصَافَ بِالحَيَاءِ مِنَ المَطَالِبِ العَالِيَةِ، وَالمَقَاصِدِ السَّامِيَةِ، وَالمَوَاهِبِ الغَالِيَةِ؛ وَأُمنِيَةٌ عَظِيمَةٌ، وَغَايَةٌ كَرِيمَةٌ، لَا تَصْلُحُ الأَحْوَالُ إِلَّا بِـهَا.
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ «الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالتَّوْفِيْقُ فِيْ الأَعْمَالِ، وَصَلَاحُ الْبَالِ، وَنَيْلُ الْمَطَالِبِ، وَتَحْقِيْقُ الْمَآرِبِ؛ وَفِي الآخِرَةِ أَجْرٌ عَظِيْمٌ، وَثَوَابٌ جَزِيْلٌ» . وَعَطَاءٌ جَسِيمٌ، وَخَيرٌ غَزِيرٌ، وَفَوْزٌ دَائِمٌ.
الحَيَاءُ جَوهَرَةٌ ثَمِينَةٌ، غَالِيَةُ القِيمَةِ، فَقَدَهُ السَّوَادُ الأَعظَمُ مِنَ النَّاسِ.
عَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ جَاهِدِيْنَ عَلَى إِحْيَاءِ خُلُقِ الْحَيَاءِ، الْخُلُقِ الرَّفِيْعِ فِي أَنْفُسِنَا، وَفِي الآخَرِيْنَ؛ خَاصَّةً عِنْدَ النِّسَاءِ، فِي زَمَنٍ ضَاعَ فِيْهِ الْحَيَاءُ.
وَاللَّهُ المُستَعَانُ، وَعَلَيهِ التُّكلَانُ، وَإِلَيهِ الرَّغبَةُ؛ وَهُوَ المَسْؤُولُ بِأَنْ يُوَفِّقَنَا، وَسَائِرَ إِخوَانِنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: لِتَحقِيقِهَا عِلمًا وَعَمَلًا، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالمَانُّ بِهِ، وَهُوَ حَسبُنَا وَنِعمَ الوَكِيلُ.









رد مع اقتباس
قديم 2014-05-11, 14:47   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
wassimw
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-19, 21:13   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
dzedu
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-23, 14:09   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي

خلق الحياء وأهميته في حياة المسلم---محمد محمود عبد الخالق

( الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة )
اعلم أن الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة كما قال سلم بن عمرو الشاعر:-
لا تسأل المرء عن خلائقه في وجهه شاهد من الخبر

فسمة الخير: الدعة والحياء, وسمة الشر: القحة والبذاء, وكفى بالحياء خيرا أن على الخير دليلا, وكفى بالقحة والبذاء شراً أن يكونا إلى الشر سبيلا, وقد روى حسان بن عطية عن أبي إمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحياء والعي شعبتان من الأيمان, والبذاء والبيان شعبتان من النفاق " أخرجه أحمد والترمذي والحاكم.
ويصد بالعي: سكون اللسان تحرزاً عن الوقوع في البهتان, والبذاء: ضد الحياء وهو فحش الكلام, والبيان: فصاحة اللسان والمراد به هنا ما يكون فيه أثما من الفصاحة كهجو أو مدح بغير حق, ويشبه أن يكون العي في معنى الصمت, والبيان في معنى التشدق, كما جاء في حديث آخر: " إن أبغضكم إلى الله الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ", وروى أبوسلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحياء من الأيمان والأيمان في الجنة, والبذاء من الجفاء والجفاء في النار " في معجم الطبراني, سنن البيهقي, وأخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح, وأخرجه البخاري في الأدب عن أبي بكرة.

( الحياء من الأيمان )
المسلم عفيف حييي والحياء خلق له, والحياء من الأيمان والأيمان عقيدة المسلم وقوام حياته فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الأيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الأيمان " رواه البخاري ومسلم, وسر كون الحياء من الأيمان أن كلا منهما داع إلى الخير صارف عن الشر مُبعد عنه, فالأيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي, والحياء يمنع صاحبه من التقصير في الشكر للمنعم ومن التفريط في حق ذي الحق كما يمنع الحيي من فعل القبيح أو قواه اتقاء للزم والملامة, ومن هنا كان الحياء خيراًَ, ولا يأتي إلا بخير كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله " الحياء لا يأتي إلا بخير " رواه البخاري ومسلم عن عمران بن حصين.

( أقوال في الحياء )
قال بعض الحكماء: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.
قال بعض البلغاء: حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائه.
قال بعض البلغاء العلماء: يا عجباًَ ! كيف لا تستحي من كثرة ما لا تستحي, وتتقي من طول مالا تتقي ؟!
وقال صالح بن عبد القدوس:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه *** ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك وإنما *** يدل على فعل الكريم حياؤه
قال الجنيد رحمه الله: الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء, وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح وبمنع من التفريط في حق صاحب الحق.
ومن كلام بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحى منه, وعمارة القلب: بالهيبة والحياء فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير.
قال الفضيل بن عياض: خمس علامات من الشقوة: القسوة في القلب, وجمود العين, وقلة الحياء, والرغبة في الدنيا, وطول الأمل.
وقال يحيى بن معاذ: من استحيا من الله مطيعا استحيا الله منه وهو مذنب.
وكان يحي بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبده ويستحي هو.

ومن الآثار الإلهية:-
* يقول الله عز وجل: [ ابن آدم.. إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك.. وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك.. ومحوت من أم الكتاب زلاتك.. وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة ]
* ويقول الله عز وجل: [ ما أنصفني عبدي.. يدعوني فأستحي أن أرده ويعصيني ولا يستحي مني ]

( الحرص على الحياء والدعوة إليه )
المسلم إذ يدعو إلى المحافظة على خلق الحياء في الناس وتنميته فيهم إنما يدعو إلى خير ويُرشد إلى بر؛ إذ الحياء من الأيمان والأيمان مجمع كل الفضائل وعنصر كل الخيرات, وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الأيمان ", فدعا بذلك إلى الإبقاء على الحياء في المسلم ونهى عن إزالته ولو منع صاحبه من استيفاء بعض حقوقه, إذ ضياع بعض حقوق المرء خير له من أن يفقد الحياء الذي هو جزء أيمانه وميزة إنسانيته ومعين خيرته, ورحم الله امرأة كانت قد فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها, فقال أحدهم تسأل عن ولدها وهي منتقبة فسمعته فقالت: لأن أرزأ في ولدي خير لي من أرزأ في حيائي أيها الرجل.

( ما لا يمنعه الحياء )
خلق الحياء في المسلم غير مانع له أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منـكر.
• فقد شفع مرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنع الحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأسامة في غضب: " أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فلانة لقطعت يدها ".
• ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هب احتلمت ؟ فيقول لها رسول الله _ ولم يمنعه الحياء _ " نعم إذا رأت الماء ".
• خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة فعرض لغلاء المهور فقالت له امرأة أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر ألم يقل الله (... وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاُ...), فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق نسائها, ولم يمنع عمر أن يقول معتذرا: كل الناس أفقه منك يا عمر.
• قال: مرة في المسلمين وعليه ثوبان فأمر بالسمع والطاعة فنطق أحد المسلمين قائلاً: فلا سمع ولا طاعة يا عمر عليك ثوبان وعلينا ثوب واحد, فنادى عمر بأعلى صوته: يا عبد الله ابن عمر فأجابه ولده: لبيك أبتاه فقال له: أنشدك الله أليس أحد ثوبي هو ثوبك أعطيتنيه ؟ قال : بلى والله , فقال الرجل : الآن نسمع ونطيع , فانظر كيف لم يمنع الحياء الرجل أن يقول , ولا عمر أن يعترف .

( معنى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )
روى شعبة عن منصور بن ربعي عن أبي منصور البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: يا ابن آدم إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "
وليس هذا القول إغراء بفعل المعاصي عن قلة الحياء كما توهمه بعض من جهل معاني الكلام ومواضعات الخطاب, وفي مثل هذا الخبر قول الشاعر:
إذا لم تخـشى عاقبـة الليالي *** ولم تستحي فاصنع ما تشـاء
فلا والله ما في العيش خيـر *** ولا الدنيا إذا ذهـب الحيـاء
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحـاء

واختلف أهل العلم في معنى هذا الخبر:
• فقال أبوبكر بن محمد الشاشي في أصول الفقه: - معنى هذا الحديث أن من لم يستحي دعاه ترك الحياء إلى أن يعمل ما يشاء لا يردعه عنه رادع, فليستحي المرء فإن الحياء يردعه.
• وقال أبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة أن المعنى فيه إذا عُرضت عليك أفعالك التي هممت بفعلها فلم تستحي منها لحسنها وجمالها فاصنع ما شئت منها فجعل الحياء حكماً على أفعاله وكلا القولين حسن والأول أشبه لأن الكلام خرج عن النبي صلى الله عليه وسلم مخرج الذم لا مخرج المدح, ولكن قد جاء حديث بما يضاهي الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أحببت أن تسمعه أذناك فائته وما كرهت أن تسمعه أذناك فاجتنبه "

( أنواع الحياء )
قال أبو الحسن الماوردي في كتابه " أدب الدنيا والدين ":-
والثاني:الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه: أحدها: حياؤه من الله تعالى. والثاني : حياؤه من الناس . والثالث: حياؤه من نفسه.
فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره... روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " استحيوا من الله عز وجل حق الحياء, فقيل يا رسول الله فكيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء ؟ قال: من حفظ الرأس وما وعى, والبطن وما حوى, وترك زينة الحياة الدنيا, وذكر الموت والبلى: فقد استحيا من الله عز وجل حق الحياء " وهذا الحديث من أبلغ الوصايا.
ويقول أبو الحسن الماوردي عن نفسه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ذات ليلة, فقلت يا رسول الله, أوصني, فقال: استحي من الله عز وجل حق الحياء... ثم قال: تغير الناس. قلت: وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال: كنت أنظر إلى الصبي, فأرى من وجهه البشر والحياء, وأنا أنظر إليه اليوم, فلا أرى ذلك في وجهه.
وأما حياؤه من الماس: فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح, وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تقوى الله اتقاء الناس " وروى أن حذيفة بن اليمان أتى الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا, فتنكب الطريق عن الناس, وقال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.
وأما حياؤه من نفسه, فيكون بالعفة وصيانة الخلوات..
وقال بعض الحكماء: ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك, وقال بعض الأدباء: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية, فليس لنفسه عنده قدر.

المصادر والمراجع: -
(1) أدب الدنيا والدين لأبي الحسن الماوردي.
(2) مدارج السالكين لابن القيم الجوزية.
(3) منهاج المسلم لأبي بكر جابر الجزائري.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-25, 19:33   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عبد الكريم امحمدي
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-26, 14:37   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










B4

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم امحمدي مشاهدة المشاركة









رد مع اقتباس
قديم 2015-01-01, 00:23   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
Business.pro2100
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

مفيد كل ما طرحت أخي بارك لله فيك.










رد مع اقتباس
قديم 2015-01-01, 05:03   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Business.pro2100 مشاهدة المشاركة
مفيد كل ما طرحت أخي بارك لله فيك.
جازاك الله بما تريد.........................











رد مع اقتباس
قديم 2015-01-02, 14:45   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راعي الخير مشاهدة المشاركة



شكرا.....................................











رد مع اقتباس
قديم 2015-01-08, 10:48   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
ساحرة قلوب البشر
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ساحرة قلوب البشر
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا وبارك الله فيك
صلى الله على سيدنا محمد










رد مع اقتباس
قديم 2015-01-08, 18:56   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
ام معاوية
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
اسال الله الكريم ان تكون المداخلة لوجه الله
عبارة ..مولد النور... شركية فالنور اسم من اسماء الله الحسنى و اما تاريخ مولده صل الله عليه و سلم غيرمضبوط و حتى و ان كان فاحتفال به منكرو بدعة حولية ابتلينا بها فلا نعرف الرسول صل الله عليه و سلم الا في الترف.
تبحثون عن 1000 مداخلة لنصرة رسول الله صل الله عليه و سلم و لا نرى هدا العدد في المساجد عند صلاة الفجر ليصلون لله .
لمادا هدا التناقض










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الجدال, الجفاء, الإيمان, والبذاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:18

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc