آداب الطلب - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم البرامج الإسلامية

قسم البرامج الإسلامية يعنى بجمع البرامج الإسلامية كالأقراص الاسلامية لتعليم القرآن و برامج الأذان ...وكذا تفريغ الخطب والمحاضرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

آداب الطلب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-10-23, 18:34   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B18 آداب الطلب

https://benaa.islamacademy.net/files...-talab/001.mp3


https://benaa.islamacademy.net/files...-talab/002.mp3


https://benaa.islamacademy.net/files...-talab/003.mp3


https://benaa.islamacademy.net/files...-talab/004.mp3









 


رد مع اقتباس
قديم 2019-10-23, 18:40   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمه الله و بركاتة

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-10-23 في 18:41.
رد مع اقتباس
قديم 2019-10-23, 18:47   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

أمــــــــــــــــــــــــــــــين










رد مع اقتباس
قديم 2019-10-23, 18:55   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

آداب الطلب
الدرس الأول
معالي فضيلة الشيخ/ د. سعد بن ناصر الشثري

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحب بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وفي مطلع هذا الفصل المبارك أرحبُ بمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، فأهلًا وسهلًا بكم معالي الشيخ}.
حيَّاكَ الله، وأهلًا وسهلًا، أرحبُ بك وأُرحبُ بأحبَّتي من طلبة العلم الذين ثد سجَّلوا في الأكاديمية، وأسأل الله -جلَّ وعَلا- لهم رضًا من الرحمن، ورفعة درجة في الجنان، كما أسأله سبحانه أن يُصلح القلوب، وأن يجعلها مستشعرة لاطلاع علَّام الغيوب.
{في أولى حلقات سلسلتنا "آداب الطلب" نستمع وإيَّاكم لمعالي الشيخ يُحدِّثنا عن قيمة طلب العلم}.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين.
أمَّا بعد؛ فإنَّ طلب العلم الشَّرعي عبادة يُتقرَّب بها إلى الله -سبحانه وتعالى- وهي من أفضل الأعمال، وتدور بين فرض الكفاية وفرض العين، وقد تواترت النُّصوص ببيان مزيَّة هذه العبادة، كما في قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ» .
وإذا علم العبدُ أنَّ أيَّ أمرٍ قرآنيٍّ من كلام ربِّ العزَّة والجلال نزل على العباد كان في وسيلة من وسائل طلب العلم، كما في قوله تعالى: ï´؟اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَï´¾ [العلق:1]، ولذلك لابدَّ أن نستشعر القيمة العظيمة لطلب العلم.
وينبغي بنا أن نفرق بين طلب العلم وبين التعليم والفتوى:
- فطلب العلم عبادة مُستقلَّةٌ، حتَّى ولو كانَ الإنسانُ قليلَ فهمٍ، أو كانَ لا يظنُّ أنَّه سيدرك الشَّيءَ الكثير، فإنَّ هذه الأمور لا ينبغي أن تكون صادَّة له عن طلب العلم.
وهكذا أيضًا كون الإنسان لديه أعمال وأشغال لا تعني أن ينصرف عن طلبِ العلم، فذلك المهندس وذلك الطَّبيب، وذلك العامل في قيادة سيَّارت الأجرة، أو الموظف الإداري، أو في أي مجالٍ من مجالات الحياة؛ لا يعني انخراطه في هذه المجالات أن يترك طلبَ العلم.
وكما تقدَّم أنَّ طلب العلم عبادة مُستقلَّة، ولذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خيرُكم مَن تعلَّمَ القُرْآنَ وعلَّمَه» ، وتعلُّم القرآن ليس للحروف فقط وإنَّما لحروفه ولأحكامه، ومنها أحكام الفقه، والأحاديث النبويَّة التي هي بيانٌ لكتابِ ربِّ العزَّة والجلال، كما قال تعالى: ï´؟وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْï´¾ [النحل: 44]، وإذا كان كذلك؛ فإنَّ هذه العبادة لابدَّ أن نجعلها في اهتماماتنا اليوميَّة كلٌّ بحسبه.
ونعلم أيضًا أن الإعراض عن التَّعلُّم فيه خطورة كبيرة، ولذا ورد في الحديث أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في المسجد في حلقة مع أصحابه فقدم ثلاثة نفرٍ، فجلس أحدهما في أثناء الحلقة، والثاني جلس خلفها، والثالث خرج من المسجد -ولى معرضًا- فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ» ، وقد قال تعالى: ï´؟سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَï´¾ [الأنعام: 157]، ولذلك على العبد أن يتقرب إلى الله بتعلم العلم وبسماعه.
وفي يومنا الحاضر وُجدت وسائل كثيرة يتمكَّن الإنسان فيها من طلب العلم، ومن تلك الوسائل:
ïƒک الوسائل الفنيَّة والتِّقنيَّة.
ïƒک الوسائل الإعلاميَّة.
وحينئذٍ نعلم قيمة هذه الوسائل، ومن أمثلة هذه الوسائل هذا البرنامج العلمي الذي نشارك فيه في الأكاديمية الإسلامية، وهكذا في برنامج جامعة المعرفة الذي أُشرِفُ عليه، وهكذا المواقع ووسائل التواصل بحسابتها المعهودة الموثوقة. وسنأتي -إن شاء الله- إلى بحث أدب طلب العلم في هذه المواقع في موطنه.
ومن خلال حديثي هنا أُذكِّر بقيمة العلماء وبمنزلتهم، فإنَّ النُّصوص قد جاءت بتقديرهم وبمعرفة منزلتهم، وبوجوب الرجوع إليهم، كما قال تعالى: ï´؟قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِï´¾ [الزمر: 9].
وقد أرجع الله العبادَ إليهم في مواطن، حتى في مرتكز دين الإسلام، ألا وهو شهادة التَّوحيد، كما في قوله تعالى: ï´؟شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُï´¾ [آل عمران: 18].
وانظر إلى أثرِ العلماءِ في مجتمعاتهم من خلال دراسة القصص القرآني، مثلًا في قصَّة قارون ذكر الله -جلَّ وعَلا- أنَّ قارون خرج على قومه في زينته: ï´؟فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍï´¾ [القصص: 79]، فردَّ عليهم العلماء: ï´؟وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَï´¾ [القصص: 80]، ثم بعد ذلك جاءت العقوبة ï´؟فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَï´¾ [القصص: 81]؛ وحينئذٍ عُلم مكانة العلماء وأثرهم.
وهذا يُستشهَد به على مقولةٍ نسمعها كثيرًا، ألا وهي أنَّ الفتن إذا أقبلت لم يعرفها إلَّا العلماء، وإذا أدبرَت عرفها كلُّ أحدٍ، ومن هذا المنطلق أمر الله -جلَّ وعَلا- بالرُّجوعِ إليهم، كما في قوله تعالى: ï´؟فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَï´¾ [النحل: 43]، وكما في قوله سبحانه: ï´؟وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْï´¾ [النساء: 83]، يعني: العلماء، قال تعالى: ï´؟وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًاï´¾ [النساء: 83]، يعني: لتركتم اتِّباع العلماء واتَّبعتُم الشَّياطين.
ومن هنا لابدَّ أن يُعلَم أنَّ علماء الشَّريعة لهم المكانة والتَّعزيز، وأنَّه يجب حفظ منزلتهم، وأن يُعرَف أثرهم الجميل في مجتمعاتهم، وبالتَّالي يُؤخَذ عنهم العلم، ويُرجَعُ إليهم، ويقي الله -جلَّ وعَلا- الأمَّة بهم الشرَّ والسُّوءَ، ويكونوا من أسباب ورود الخير على العباد بفضل ربِّ العزَّة والجلال، وستأتي معنا صفات العلماء الرَّبَّانيين؛ لأنَّ هناك مَن يتزيَّى بزيِّ العلماء، يأخذ شهادة، أو ينتسب إلى مؤسسة علميَّة، يخرج في وسائل إعلام؛ كل هذه الأمور لا تدل على أنَّ الشَّخص من العلماء، حتى ولو وجدنا أنَّ الناس يرجعون إليه، فكم انخدع الخلق بمَن يُظهر نفسه على أنَّه من أهل العلم، وهو ليس منهم في شيء!
وزُبدة المواصفات -وإن كنَّا سنأتي بتفاصيلها فيما يأتي: أن يكون الشَّخصُ يستنبط الأحكام من الكتاب والسُّنَّة بدون تحيُّزٍ لنصٍّ دونَ نصٍّ، ولذا قال تعالى في الآية السابقة: ï´؟لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْï´¾، يعني: يستخرجون الحكم من أدلته كتابًا وسنَّةً.
ولذلك نعلم خطورة تلك الهجمات التي تكون على علماء الشَّريعة، وهذا ليس أمرًا جديدًا، فأنبياء الله وأتباعهم قد نالهم ما نالهم من مثل ذلك، وبهذا نفهم قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ، فوراثة العلماء للأنبياء لا تقتصر على العلم فقط؛ بل سينالهم من البلاء وسينالهم من الحملات الإعلاميَّة المغرضة، كما قالوا للنبي: ساحرٌ ومجنونٌ وكاهنٌ وشاعر...، وكانوا يحذِّرون منه ويتكلمون عنه من أجل أن يحذره الناس؛ فهكذا أتباع الأنبياء عليهم السلام.
وإذا كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يؤمن معه إلَّا القليل في سنوات بعثته الأولى مع أنَّه ليس عنده من التَّكاليف شيء إلَّا التَّوحيد، فالصَّلاة لم تُفرَض إلَّا في السَّنة العاشرة، التَّوحيد البيِّن الواضح الذي يُناقض الطَّريقة الجاهلية بالتَّذلل والخضوع لصنمٍ يصنعونه، ومع ذلك لم يستجب له إلا أفراد قلائل، حتى أظهرَ اللهُ الأمرَ وتمَّ حكمه -جلَّ وعَلا- في العباد.
فالمقصود: أنَّ العلماء سيتعرَّضونَ لمثل ما تعرَّض له أنبياء الله، كما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا سئل أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ» ، فالعلماء من الأمثل.
ومن هنا فإنَّه لابد من تعزيز مكانة العلماء، ولابدَّ من إخراج علماء في الأمَّة يكون لهم أثرهم الجميل، ولابدَّ من أن نبذل الأسباب المؤدِّية لذلك، ولو علم الملوك والأمراء ورؤساء الدُّول بالأثر الجميل للعلماء الحقيقيين في الأمَّة لكانَ ذلك من أسباب سعيهم الحثيث إلى تكثير العلماء.
والعلماء لهم أثرهم الجميل في حياة الأمَّة، سواء في حل مشاكلهم الاقتصاديَّة، أو النَّفسيَّة، أو الأسريَّة، أو الاجتماعيَّة، أو الماليَّة، إلى غير ذلك من مجالات الحياة، وكما تقدَّم أنَّ المراد هم العُلماء الحقيقيُّونَ الذين يسيرون على المنهج الصحيح المبني على الكتاب والسُّنَّة، ولا يكون كالأعور لا يرى إلَّا جزءًا من الأدلَّة بما يوافق هواه، أو يُركِّب مدلول الأدلَّة على ما يتوافق على تصوُّراته المجرَّدة؛ بل يبني تصوُّراته وأحكامه على كتاب الله -جلَّ وعَلا- وسنَّة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالتَّالي يُخاطب كلَّ واحدٍ من الناس بما يتناسب من عمله، فليس من شأنِ العالم أن يُخاطب عامَّة النَّاس بواجبات الدَّولة، ولا يُخاطب مسؤولي الدولة بواجبات أفراد الناس! فهذه خاصيَّة أخرى، وبالتالي يُخاطب كل واحدٍ بما يتناسب مع حاله وعمله.
وهكذا يسعى إلى تحبيب الناس بعضهم في بعضٍ، ما يزرع قنابل في النَّاس ويتعادون ويتقاتلون! وإنَّما يجعل الناس يُحبُّ بعضهم بعضًا، ويصبر بعضُهم على بعضهم الآخر، لن تستقيم حياةٌ إلَّا بالصَّبر، فيصبر النَّاسُ بعضهم على بعضٍ، ويُحبُّ بعضُهم الخير لبعضهم الآخر، فعلماء الشَّريعة هم الذين يقومون بذلك.
{أحسن الله إليكم، ذكرتم فضل العلم والعلماء، هل هذا ينطبق على من يشتغل بالطِّب أو الهندسة؟
وثمة سؤال آخر متعلق به: هل من يشتغلون بالطب والهندسة مُؤهلين للاستنباط من أحكام الشَّريعة؟}.
سيأتي معنا أنَّ الاستنباط وظيفة كبيرة تحتاج إلى أربعة مُؤهلات، مَن لم توجد هذه المؤهلات فيه فإنه لا يجوز له أن يدخل باب الاستنباط، ولا يجوز له أن يجتهد، ولا يجوز له أن يحكم بحكم شرعي على النوازل والوقائع، وإنَّما ينقل فتوى مَن هو مُعتبرٌ في هذا الباب، فهذه هي المواصفات:
ïƒک استيعاب الأدلة الواردة في المسألة.
ïƒک القدرة على فهم النُّصوص من خلال معرفة قواعد الفهم والاستنباط، والقدرة على تطبيقها.
ïƒک معرفة مواطن الإجماع والخلاف.
ïƒک معرفة لغة العرب بما يُمكِّنه من فهم مدلول اللفظ العربي الوارد في الكتاب والسُّنَّة.
وسيأتي -إن شاء الله- تفصيل ذلك في محلِّه.
إذن؛ لابد أن نحافظ على مكانتهم، ولابدَّ أن نسعى إلى تدعيم منزلتهم، ولابدَّ أن نعرف أنَّ لهم فضلًا كبيرًا على الناس، وبالتَّالي نستشعر عظَم المكانة التي سيصلون إليها، وعظم المسؤوليَّة التي تُناط بأعناقهم، وأنَّهم يجب عليهم من تبليغ الشَّرع ما لا يجب على غيرهم.
{حدثونا عن طالب العلم والإخلاص}.
هذه ركيزة أساسيَّة في طالب العلم، ألا وهي ركيزة الإخلاص، فالإخلاص شرط في العبادات كلها، لا يقبل الله من العمل إلَّا ما كان خالصًا لوجهه، وقد قال تعالى: ï´؟وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِï´¾، فدين القيِّمة لابدَّ فيه من إخلاص.
ما هو الإخلاص؟
هو أن ينوي الإنسان بأعماله أمران:
الأول: إرضاء ربِّ العزَّة والجلال، لقول الله -جلَّ وعَلا: ï´؟لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاï´¾ [النساء: 114]
الثاني: الحصول على الأجر الأخروي، وهذه نيَّة أجر الآخرة، كما قال تعالى: ï´؟وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًاï´¾ [الإسراء: 19].
ولذلك نعلم أنَّنا في أشد الحاجة إلى الإخلاص وتصحيح النيَّات.
وأضرب لذلك مثلًا: كثير من الناس يطلب العلم، فإذا سألته: لماذا تطلب العلم؟ يقول: لأكون عالمًا! ما يقول لأرضي الله، أو لأحصل الأجر الأخروي! وإذا سُئل: لماذا تطلب العلم؟ قال: ليُرجَعَ إليَّ، أو ليكون لي مكانة بينَ النَّاس!
فهذا من إرادة الدنيا بعمل الآخرة، ولذلك يحذر الإنسان من مثل هذا، وقد قال -جلَّ وعَلا: ï´؟مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًاï´¾ [الإسراء: 18]، وقال تعالى: ï´؟مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَï´¾ [هود 15، 16].
والمتأمِّل في أحوال الناس يجد انَّ هذا من الأمور التي قد يتهاون فيها بعض الخلق، تجده يتعلَّم العلم ليكون له قدرةٌ على مناقشة الناس في مجالسهم، ما أراد إلَّا أن يمضِّيَ الوقت بالنِّقاش والحديث، ولذلك لابدَّ أن نقصد بطلب العلم إرضاء ربِّ العزة والجلال، والحصول على الأجر الأخروي.
والناظر في أحوال الناس في طلب العلم يجد أنهم على أربعة أنواع:
النوع الأول: مشرك شرك أكبر، يدرس فقه وهو يُشرك بذلك، يدرس تفسير وهو يُشرك بذلك؛ لأنَّه يتقرَّب به إلى غير الله، كأن يتقرَّب به إلى الوالي، أو إلى أحدٍ من الخلق، يعبد غير الله بذلك، وبالتَّالي يكون هذا شرك أكبر، والعبادات يجب إفرادها لله، ولا يجوز صرفها لأحدٍ سواه.
النوع الثاني: مَن يطلب العلم من أجل مراءاة الخلق، ليقولوا فلان يحضر حلقات العلم، فلان يشارك، فلان أصبح عالمًا، ونحو ذلك؛ فهذا رياء وشرك أصغير، وجاءت النُّصوص في التَّحذير، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن طلبَ العِلمَ ليُجاريَ بهِ العلَماءَ أو ليُماريَ بهِ السُّفَهاءَ أو يصرِفَ بهِ وجوهَ النَّاسِ إليهِ أدخلَهُ اللَّهُ النَّارَ» .
النوع الثالث: من يطلب العلم -أو يعبد الله- من أجل الدنيا، فإذا سُئل: لماذا تَدْرُس؟ يقول: لأكون أستاذًا في الجامعة.
نقول: انتبه! هذا علم شرعي ينبغي بك أن تجعل تعلُّمه لله، لا تجعله لشيءٍ من الدُّنيا.
هل هو مشرك؟
نقول: ليس بمشركٍ، لكنَّه لا يؤجَر على عمله في الآخرة، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، فإن نوى به دنيا فليس له من الأجر شيء.
النوع الرابع: من طلب العلم لله لينيله الآخرة، فهذا هو المؤمن الموحد، والذي سيحصل على الأجور الكثيرة والثَّواب الجزيل.
ولذلك إذا تأمَّلتَ أحوال الناس في هذه العبادة تجدهم على هذه الأنواع الأربعة، وواجب متعيِّنٌ على الإنسان أن يدرس العلم الشَّرعي من أجل أن ينال به رضا الله، وأن يحصل به على الأجر الأخروي.
{أحسن الله إليكم شيخنا..
سؤال يكثر كثيرًا ممن يدرس الدارسات الشرعية، يقول: أنا أبذل جهدي وأدرس، ويحصل عندي اضطراب في النية، فإذا سُئِلتُ فيحصل في ذهني اضطراب ماذا أريد؟ وماذا أكون في الوظيفة؟}.
هذا الكلام الذي تذكره منشأه من أن العبد لاحظَ الخلق، فحينئذٍ درسَ ليراه الناس ويمدحونه وتكون له منزلة عندهم، فمثل هذا لا ينال به الإنسان أجرًا؛ لأنَّه ما أراد وجه الله والدار الآخرة، وقد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، ما يأتيك إلا شيء نويته، وما لم تنوِهْ فإنَّه لا أجر لك فيه، ومن ذلك طلب العلم الشَّرعي.
ومن هنا علينا أن نسعى إلى تحقيق صفة الإخلاص لله -جلَّ وعَلا- في أعمالنا التي نؤديها.
من الأمور التي تتعلق بهذا: أنَّ بعضَ النَّاس مع طول المدَّة ينسى هذه النِّيَّة، ولذلك يحسن به أن يكررها في كل عمل يريد أن يعمله مما يتعلق بهذا المقصد والنية.
{أحسن الله إليكم يا شيخنا...
لوحدثتمونا عن طالب العلم والعبادة}.
نزلت السُّورة الأولى ï´؟اقْرِأï´¾، ثم نزلت السورة الثانية ï´؟يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًاï´¾ [المزمل 1- 6]؛ هذه الآيات تدلُّك على معنًى جليل، ألا وهو أنَّ التَّمهيد للحصول على العلم يكون بالعبادة، كما أمر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعبادة في هذا الوقت، وبالتالي علينا أن نحثَّ على عبوديَّة الله -جلَّ وعَلا- وأن نذكِّر بالفضل العظيم المترتب على القيام بالعبادات الشَّرعيَّة، فيكون هذا من أسباب صلاح أحوال الناس واستقامة أمورهم، ما أوتي الناس إلَّا لكونهم قصدوا غير المقصد الشَّرعي.
{من الأمور المتعلقة بالعبادة -ولعلكم ذكرتموها في الآية- وهي الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فكيف تكون في حياة طالب العلم}.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه ولايات، وتكون لأصحاب الولاية، وإنَّما من شأن طالب العلم الدَّعوة إلى الله، وترغيب النَّاس في الانخراط في طرائقها، وتصحيح القلوب، وإزالة ما فيها من المعاني المخالفة للشريعة، فإنَّ قلوب الناس فيها مخالفات كثيرة، وبالتالي نحتاج إلى تقويم ما في هذه القلوب، وأن نصحِّح النيَّات والمقاصد، ولنجعلها موصلةٌ إلى رضا ربِّ العزَّة والجلال، ومن ثَمَّ يكون لها الأثر الجميل -بإذن الله جل وعلا.
من الأمور التي ينبغي أن نؤكِّدها في هذا الباب: أنَّ طلب العلم -الذي هو عبادة- لابدَّ أن ننوي فيه عبوديَّة ربِّ العزَّة والجلال، وأن يقصد الإنسان بها الآخرة، ومتى وُجدت هذه النيَّة بارك الله في العلم، وعمَّمَ انتشاره في الخلق، وكان من أسباب حصول العبد على الأجور الكثيرة باستجابتهم لهذه الدَّعوة الكريمة المبنيَّة عل العلم الصَّحيح.
وأعظم ما يصيب الناس من شيئين:
ïƒک تديُّن غير مربوطٍ بعلمٍ.
ïƒک وعلم غير مربوط بتديُّنٍ
وأنبه في هذا إلى شيء جميل يتعلَّق بطلب العلم؛ ألا وهو أنَّ العبد ينبغي عليه أن يُراقب نيَّته في كل وقتٍ لئلا تنحرف عن مسارها، تجده أوَّل ما يدخل البرنامج العلمي ينوي به وجه الله والدار الآخرة، ثم بعدَ ذلك ينحرف ويبدأ يتمنى ويرجو أمورًا دنيويَّة، ومن ثَمَّ يقع من اللبس في ذلك ما يقع، وقد وجدنا أثرًا ملحوظًا على النِّيَّة في سلوك العبد، ولهذا قال مَن قال: "نيَّة المؤمن خيرٌ من عمله" ، وقد ورد مرفوعًا؛ لأن العمل قليل، والنيَّة أن ينوي أنَّه سيبقى على الخير والطاعة لسنوات طويلة، يقول: لو أبقاني الله ألف أو ألفين سنة فإنني سأبقى مع العلم؛ هذه نيَّته، وبالتَّالي يُجازى في الآخرة بالخلود في الجنان، لأنَّ عندهم من المقاصد والنِّيَّات هنا ما كان متعلقًا بأمر كثير في مستقبل أيَّامهم.
فالمقصود الآن: أنَّنا نريد أن نصحِّحَ ما في القلب، وأن نجعل الإنسان ينوي التَّقرُّب إلى الله بطلب العلم، وقد جاءت النصوص بالتَّأكيد عليه، ولذلك قال الراسخون في العلم: ï´؟رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَاï´¾ [آل عمران: 8]، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو فيقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» .
وكثير من الدراسات تكون دراسات نظريَّة غير معمَّقة، وغير ملاحظِة للأمر الباطن المتعلق بالنيَّة، فيقع فيها من الإشكال والمخالفة للشَّرع ما الله به عليم.
هذه نماذج مما يتعلَّق بهذا الموضوع العظيم -موضوع الإخلاص- وأؤكِّد فيه أنَّه يجب عليك أن تنوي بأعمالك الآخرة.
بارك الله فيكم، ووفقكم الله لكل خير، وجعلنا الله وإيَّاكم من الهداة المهتدين، اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصَّالح والنِّيَّة الخالصة، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.










رد مع اقتباس
قديم 2019-10-23, 18:56   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

آداب الطَّلب
الدَّرسُ الثاني (2)
معالي الشيخ: د. سعد بن ناصر الشثري

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
الله يحييك، أرحبُ بكَ، وأرحبُ بأحبَّتي المشاهدين، وأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يوفِّقنا وإيَّاهم لكلِّ خير، وأن يجعلَ طالب العلم ممَّن عمل لله، وفرَّغَ نفسَه في طلبِ العلم، ونسأل الله أن يباركَ الله لهم في علمهم وفي أوقاتهم، وفي سائر أحوالهم، ولا أحوجهم الله إلى أن يسألوا غيره -سبحانه وتعالى.
{تحدَّثنا في الحلقة الماضية عن بعضِ آدابِ الطَّلب، وتحدَّثَ معالي الشَّيخ عن فضل طلب العلم، وعن الإخلاص فيه، وعن بعض المسائل الأخرى، وسنتحدَّث في هذه الحلقة -بإذن الله- عن آداب طالب العلم في نفسه.
فضيلة الشيخ؛ هل العلم عبادة يُشتَرَط لها ما يُشتَرَط في للعبادات الأخرى؟}.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين.
أمَّا بعد؛ فإنَّ طلبَ العلمِ عبادةٌ يُتقرَّب بها لله -جلَّ وعلا- ولذلك رُتِّبَ عليها الأجر والثَّواب، وطلبُ العلم الشَّرعي عبادةٌ محضة، وبالتَّالي لابدَّ أن ننوي فيها أن تكون لله، يُراد بها الحصول على الأجر الأخروي، ولا يجوز للإنسان أن يتعلَّمَ العلمَ مِن أجلِ أن يُماريَ النَّاس، أو يُناقشهم في مجتمعاتهم، فبعض النَّاس يَدرس ويتعلَّم من أجلِ أن يكون لديه القدرة على المشاركة في اللقاءات، أو لديه القدرة على الحضور الإعلامي، أو يكونَ لديه القدرة على أن يكونَ مشهورًا عند النَّاس؛ فكلُّ هذه مقاصد فاسدة، وهي من نيَّة الرِّياء، وجاءَ في الأحاديث أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ» ، وجاء في صحيح مسلم أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: قارئ القرآن، يؤتى به يوم القيامة فيعرفه الله بنعمه،ف يقول: ما فعلت فيها؟ فيقول: قرأتُ القرآن فيك يا ربي. فيقول اله -جَلَّ وَعَلَا- له: كذبت، إنما قرأت ليُقال قارئ، ثم يؤمر به فيُطرح في نار جهنم» .
السؤال الأول:
طلب العلم عبادة جليلة، ولكنها لا تحتاج إلى إخلاص للنية.
خطأ

ولذلك على الإنسان أن يتعهَّد نفسه في هذا الباب، لا يكون من مقاصده أن يكون أعلم من غيره، ولا يكون أشهر من غيره، ولا يكون ممَّن له المكانة والمنزلة؛ بل يتمنَّى أن يُكفَى العلم في نشره، وأن لا يكون له مقصد في أن يُنسَب له العلم، بعض الناس يحرص أن يكتب الكتاب ويُنسَب إليه، ولو أُخذت منه معلومة قدَّم دعوى قضائيَّة بالمطالبة بالحقوق الماليَّة نتيجة ذلك، فمثل هذا لا يصلح في أبواب العلم الشَّرعي؛ بل يتمنَّى الإنسان أنَّ غيره أعلم منه؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه» ، ما قال يحب لأخيه ما حصل لنفسه، وإنَّما ما يحبه لنفسه، فأنا أحبُّ أن أصلَ إلى أعلى درجات العلم فأحبُّ أن يكون ذلك لإخواني وأحبتي، وأتقرَّبُ بذلك إلى الله -سبحانه وتعالى. ومن ثَمَّ يُعالج الإنسان نفسه في هذا الباب.
كذلك على الإنسان أن يُدرِّب نفسه على أنَّ هذا العلم هبةٌ من الله، وأنَّه يهب العلم لمن يشاء من عباده، فهو الذي يُبارك في العلم بأن يُحفَظ ويبقَى، ويُبارك في العلم بأن يتمكَّن الإنسان من استحضاره في أي وقتٍ، ويُبارك في العلم بأن يتمكّن الإنسان من التَّحليل والفَهم والتَّركيب، وكذلك يُبارَك له في وقته، بحيث يتعلم العلم الكثير في الوقت القليل، ويُعلِّم الشَّيءَ الكثير في الوقت الكثير، وكذلك يُبارَك له في جميع شأنه، في بدنه فلا يضعف عن الدَّرس ولا يضعف عن الدراسة أو التَّدريس، ويُبارَك له في ماله فلا يحتاج إلى بذل أوقاته في التَّكسُّب، بل ييسر الله له من التَّكسُّب الذي يكون بعمل قليل ممَّا يكفي حاجته.
وهكذا أيضًا يسعى الإنسان إلى أن يرضيَ الله بهذا العلم، بحيث لا يُجامل الخلق فيه، فلا يُرجِّح بناء على انتسابه إلى مذهبٍ فقهيٍّ، وإنَّما يكون المعوَّل عنده هو الكتاب والسنَّة، فيُقدِّمهما على غيرهما، فهذه من الصِّفات التي يحسن بطالب العلم أن يتَّصف بها في نفسه.
السؤال الثاني:
على طالب العلم أن يسعى لرضى الله تعالى بطلبه للعلم.
صواب

{أحسن الله إليكم، ما هي الجادَّة التي ينبغي لطالب العلم أن يسير عليها؟}.
التَّعلُّم مبني على أصول، وله وسائل وأساليب، فعندنا الغاية وهي التي تكلمنا عنها، بأن يكون مقصود الإنسان هو إرضاء ربِّ العزَّةِ والجلال، ورفعة الدرجة في الآخرة.
وعندنا أهداف، من هذه الأهداف:
• أن يكون عند الإنسان معرفة بأوصاف الأحكام، أي الأوصاف التي تُبنَى عليها الأحكام.
• أن يكون عنده معرفة لتمييز حدود الحكم الشَّرعي.
• معرفة معاني المصطلحات المستخدمة في العلوم.
• معرفة التسلسل التاريخي لهذا العلم.
• تمييز الصَّواب من غير الصَّواب، وإدراك الراجح من غير الرَّاجح، وهذه نقطة مهمَّة؛ لأنَّ كثيرًا من الناس يعتقد أنَّ العلم بكثرة المعلومات، وهذا فهم خاطئ؛ إنَّما العلم يكون بالتَّمييز بينَ الحق من الباطل في ذلك الفن، فمن كان يعرف أن في المسألة ستة أقوال، يعرفها ويعرف أدلتها وتفاصيلها؛ لكنه لا يعرف الراجح من هذه الأقوال؛ فهو لم يُحصِّل علمًا، بل إنَّه حصَّل حيرةً وتردُّدًا وتناقضًا. إذن؛ العلم هو إدراك الرَّاجح من المرجوح.
السؤال الثالث:
العلم لا يكون بكثرة المعلومات، بل يكون بالتَّمييز بينَ الحق من الباطل وإدراك الرَّاجح من المرجوح.
صواب


وهكذا لابدَّ أن يلاحظ الإنسان أنَّه لن يصل إلى ذلك إلَّا بمعرفة جميع الأقوال، كثير من ضلال الناس ناتج من انحصار إدراكاتهم في أقوال دونَ استيعاب هذه الأقوال، يأتي إلى مسألةٍ فيها خمسة أقوال، يعرف منها ثلاثة أو أربعة ولا يعرف الخامس، وقد يكون الحق في الخامس، وبالتالي لابدَّ من حصر جميع الأقوال واستيعاب هذه الأقوال لتَّمييز بينها.
ومن الوسائل في هذا الباب: اختيار المعلِّم الناصح، إذا لم يكن مع الإنسان معلمًا فحينئذٍ سيكون عنده من الأخطاء الشيء الكثير.
وتستفيد من المعلم في أربعة أشياء مهمَّة:
أولًا: الاستفادة من هديه وسمته.
ثانيًا: في حلِّ الإشكالات التي قد تعرض لك، إذا كان عندك كتاب وجاءك عندك إشكال ما تستطيع حله، ولا تسطيع أن تعرضه عليه، ومثله في المسجل أو البرنامج التلفزيوني.
ثالثًا: تمييز طريقة نطق الألفاظ، وطريقة تراكيب الكلام، ومعرفة معاني ودلالات المصطلحات، وكما تقدَّم أن المصطلح الواحد قد يُستخدم بمعانٍ مختلفة، وبالتَّالي لابدَّ من التمييز بين هذه المصطلحات، وأيضًا التَّمييز بين المناهج المختلفة في المصطلح الواحد.
رابعًا: أن يختار لك من الوسائل والأساليب ما يتناسب مع حالك، بعض الناس يفهم بطريقة السؤال والجواب، وبعض الناس يفهم بسرد المعلومات، وبعض الناس يفهم بطريقة المحاورة، وبعض الناس يفهم بطريقة تحضير الطُّلاب وتقويم الأستاذ، فالمعلِّم النَّاصح هو الذي يختار من هذه الطَّرائق ما هو أنسب.
ولا يشترط في المعلم أن يكون عارفًا بجميع مسائل الفنِّ، وإنَّما يشترط فيه أن يكون قادرًا على معرفتها، ولذلك الفقهاء يفرقون بينَ مَن كان عنده مَلَكة بالفعل، ومَن كانت عنده بالقوة القريبة، القوة القريبة هي الاستعداد للتَّعلُّم وفهم ذلك العلم، فلا يشترط في الفقيه أو الأستاذ أن يكون عالمًا بجميع المعلومات، لكن يكون عنده القدرة على استيعاب المعلومات وعلى التَّمييز بينها بمعرفة الرَّاجح من المرجوح.
وهكذا في الأساليب، فهي تختلف ما بين أستاذ وآخر، بحسب صفات الطالب -كما ذكرنا قبل قليل.
السؤال الرابع:
اشترط الفقهاء في المعلم أن يكون عالما عارفًا بجميع مسائل الفنِّ.
خطأ


واختيار الكتاب يكون أيضًا بحسب ما يراه الأستاذ، وكيفيَّة سلوك الطريق، بعض الناس يبتدئ بالقرآن ثم السُّنَّة ثم الفقه، وبعض الناس يبتدئ بالفقه أولًا، ولذلك وُجد جدالٌ في ترتيب هذه العلوم، وهناك خلاف كبير هل يُقدَّم علم الأصول أو علم الفقه، وهنا أربعة أقوال مشهورة، فمثل هذا ينبغي أن يترَك للأستاذ ليختار من الوسائل والأساليب ما يكون متناسبًا مع حال طالب العلم.
{أحسن الله إليكم، ذكرتم أنَّ على طالب العلم أن يعرف الأقوال في المسألة، فكيف يُفرق طالب العلم بين الخلاف المعتبر وبين الخلاف الفاسد في المسألة؟}
طالب العلم لابدَّ له قبل أن يُرجِّح أن يكون عنده قدرة على التَّرجيح، ومن أعظم الإشكالات التي تردنا عدم قدرة طالب العلم على التَّرجيح، ومع ذلك يُرجِّح، فمرَّةً يُرجِّح في تصحيح الحديث وتضعيفه، ومرة يُرجِّح في المسألة الفقهيَّة، ومرة يُرجِّح في تفسير الآيات القرآنيَّة!
هناك أربعة شروط لابدَّ أن توجد في الإنسان قبل أن يصل إلى هذه المرحلة:
أولها: أن يكون عارفًا بالنُّصوص الواردة في تلك المسألة، لا يعرف نص واحد وبقيَّة النصوص يغفلها؛ فكل الأدلَّة لابد أن يكون محيطًا بها.
ثانيها: أن يكون عنده القدرة على الفهم والاستنباط من خلال قواعد أصول الفقه.
ثالثها: أن يكون عنده معرفة بالواقع الذي يُراد تنزيل الحكم عليه، وليس المراد به معرفة الواقع السِّياسي -كما يظن بعضهم-؛ بل معرفة الواقع العلمي ووقائع الناس التي يُراد الحكم عليها، سواء كانت اجتماعيَّة أو نفسيَّة، إلى غير ذلك من أنواع الفنون.
رابعها: أن يعرف من لغة العرب ما يُمكِّنه من فهم مدلول النُّصوص.
فهذه هي الصِّفات التي تؤهِّل الإنسان للولوج في معتركِ الأقوال التي يُراد التَّرجيح بينها، لكن قبل ذلك قد يدرس العلم وقدر يدرس الأقوال، لكنه في خاصَّة نفسه لا يعمل بما تعلَّم، لأنَّه لم يصل إلى رتبةِ الاجتهاد، وإنَّما يسأل فقيهًا، ولذلك فقد يعرف الإنسان جميع الأقوال في المسألة وأدلَّة الأقوال والمناقشات؛ لكن لا يجوز له أن يدخل في باب التَّرجيح.
السؤال الخامس:
المجتهد هو من كان عارفًا بنصوص المسائل، مُتقنًا للغة العرب، قادرًا على الفهم والاستنباط، فاهمًا للواقع الذي يُراد تنزيل الحكم عليه.
صواب


{أحسن الله إليكم، كيف يكون طالب العلم مُلازمًا خشيةَ الله؟}.
المراد بالخشية: اجتماع صفتين: الخوف والعلم، عندما يكون عند الإنسان علم ولا يكون عنده خوف فلن يصل إلى درجة الخشية، وعبوديَّة الخوف عبوديَّة عظيمة الشأن، قال -جَلَّ وَعَلَا: ï´؟إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَï´¾ [آل عمران: 175]، وقال -جَلَّ وَعَلَا: ï´؟وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِï´¾ [الرحمن: 46]، وقال -جَلَّ وَعَلَا: ï´؟وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىï´¾ [النازعات 39، 40]. فلابدَّ أن يكون عند الإنسان مخافة من الله، وإذا كان عند الإنسان علم بالله فحينئذٍ سيخاف منه -سبحانه وتعالى.
السؤال السادس:
الخشية من الله تعالى لا تتحقق للعبد حتى تجتمع فيه صفتي العلم والخوف.
صواب


فالإشكاليَّة أنَّ بعض النَّاس يتعلَّم الفقه من كلام الفقهاء، ولا يتعلَّمه من كلام ربِّ العزَّة والجلال، وبالتَّالي يكون قلبه جافًّا لا ينبني على مخافة ربِّ العزَّة والجلال.
والله تعالى قد وصف العلماء بأنهم أهل الخشية، قال تعالى: ï´؟إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُï´¾ [فاطر: 28]، وقال: ï´؟الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَï´¾ [الأحزاب: 39]، وقال تعالى: ï´؟فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِيï´¾ [البقرة: 150]، وبالتَّالي فعلى الإنسان أن يجعل الخشية خُلق ملازم له، خصوصًا في طلبة العلم.
وخشية الله يُمكن استفادتها من أسبابٍ مُتعدِّدَة، لعلي أذكر منها:
- استحضار وقوف الإنسان بينَ يدي الله يوم القيامة، واحتمال أن يدخل في سبيل أهل الجنَّة واحتمال أن يدخل في سبيل أهل النار.
- أن يتذكَّر الصِّراط المنصوب على جسرِ جهنَّم، وكيف أن بعض النَّاس قد يسقط من على هذا الجسر في نار جهنَّم.
- ويتذكَّر أنَّ نار جهنَّم فيها كلاليب تلتقط بعضَ الناس ليقعوا فيها، فدراسة اليوم الآخر وما فيه من العقوبات تجعل الإنسان يخاف من الله تعالى.
- النَّظر في عواقب الأمم السابقة، فإنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- قصَّ علينا في كتابه أممًا عظيمة الشَّأن لها مكانتها ومنزلتها، أتاها أمر الله ليلًا أو نهارًا، قال تعالى: ï´؟أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِï´¾ [يونس: 24]، وقال تعالى: ï´؟إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ* وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ï´¾ [الفجر 7 - 13]، فنزلت العقوبة الشَّنيعة بهم. فمثل هذه القصص تجعل الإنسان يخاف من الله.
السؤال السابع:
النَّظر والاعتبار في عواقب الأمم السابقة ليس من الأسباب الداعية لخشية لله تعالى باتفاق.
خطأ

- المتأمِّل في أحوال الكون في عصرنا الحاضر يجد أنَّ الله -عز وجل- قد جعل أولئك الذين لا يخافون في حالةٍ مُهينةٍ.
- وإذا تأمَّل الإنسان ما في الكون وتدبَّر ما فيه، شمسٌ عظيمةُ الشَّأنِ وقمرٌ وأراضين، إلى غير ذلك ممَّا في هذا العالم، فكم من كوكب وكم من مجرَّةٍ وكم من شمسٍ وكم من قمر، وكم...، وكم...، فحينئذٍ تعلم أنَّ الله على كل شيءٍ قدير، فتخشاه -سبحانه وتعالى.
- النَّظر في سنن الله في الكون، وكذلك ما يُمكن استعماله في التَّخويف من الله -جَلَّ وَعَلَا- أين ذهب فلان؟ وما فعل فلان؟ فلان جاءته جلطة! فلان جاءته سكتة! وفلان ارتُجَّ عليه بسبب خسارة ماليَّة...، إلى غير ذلك من الأسباب!
{أحسن الله إليكم شيخنا، لو حدَّثتمونا عن طالب العلم ومراقبة الله}.
طالبُ العلم عليه أن يستشعر أن الله يراقبه، وأنَّ الله لا يخفى عليه شيء من شؤونه، كما قال تعالى: ï´؟وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُï´¾ [البقرة: 235]، وقوله: ï´؟يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُï´¾ [غافر: 19]، وبالتَّالي نستشعر أنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- متَّصفٌ بتلك الصفات العظيمة التي تجعلنا نخاف منه، وعندما نستشعر أنَّ الله على كل شيءٍ قدير، قال تعالى: ï´؟إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُï´¾ [يس: 82]، فهذه تجعلك تستشعر مراقبة الله -عزَّ وجَلَّ- لأنَّ الإنسان حينما يتبصَّر في حقيقة نفسه يجده كائنًا صغيرًا.
{ما أهمية التَّواضع بالنِّسبةِ لطالب العلم؟}.
يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ» ، والعلم يرفع، ولا يكون كذلك إلَّا إذا كان صاحبه مُتواضعًا.
والتَّواضع قد جاءت النُّصوص به، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» .
وعندما ينتشر التَّواضع بينَ النَّاس تصلح أحوالهم وتستقيم، ومنشأ التَّواضع أن تظنَّ أنَّ الآخرين خيرٌ منك مهما كان عندهم من الأعمال، وهذا يجعلك تستصغر نفسك.
السؤال الثامن:
ليس هناك ثَمَّ علاقة بين خلق التواضع وصلاح أحوال الناس والمجتمعات.
خطأ


{حدثونا معالي الشيخ عن الزُّهذ بالنِّسبة لطالب العلم}.
الزُّهد يظنُّه بعضُ النَّاس ترك الدنيا، وهذا الظَّن ظنٌ خاطئ، فالزُّهد هو استعمال الدُّنيا فيما ينفع في الآخرة، من كان عنده مالٌ كثير لكنَّه ينفقه في الخيرات فهذا زاهد، فسليمان وداود الذين ملكا ما ملكا من الدنيا كانا من الزُهَّاد، والتَّجَّار من الصحابة كعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما؛ هؤلاء زُهَّاد وإن كانت الدُّنيا عندهم؛ لأنَّهم استعملوا الدنيا للآخرة، وبالتَّالي كانوا زُهَّادًا، ومن ثَم نعرف أنَّ حقيقة الزُّهد ليست بترك الدنيا كما يظنُّه بعضهم، وإنَّما حقيقة الزُّهد باستعمال الدنيا في أعمال الآخرة.
السؤال التاسع:
لا يتحقق الزهد للناس في الدنيا إلا بـ .....
ترك الملذات– بالفقر – استعمال الدنيا في أعمال الآخرة
استعمال الدنيا في أعمال الآخرة


{أحسن الله إليكم، ما السَّمت الذي ينبغي على طالب العلم أن يتحلَّى به؟}.
هناك عدد من الصِّفات التي يُنكرها النَّاس بأعرافهم، ليس من شأن طالب العلم أن يُقدِمَ عليها.
مثلًا: استعمال ثوبٍ مُلفت، أو طريقة مشيٍ، أو نحو ذلك؛ فكل هذه الأشياء تحتاج إلى أن يكون المرء متواضعًا فيها، غيرَ ساعٍ إلى شهرة.
السؤال العاشر:
على الطالب العلم أن يلبس ما شاء حتى وإن كان ثوبه ملفتًا للأنظار ساعيًا به للشهرة.
خطأ


{لو حدثتمونا معالي الشيخ عن المروءة}.
المراد بالمروءة: أن يجتنب الإنسان قبائح الأفعال، وطالب العلم يكون عنده مروءة تجنِّبه هذه السَّفاسف، ومن ثَمَّ لا يدخل طالب العلم في مناورات على وفق ما يوجد في وسائل التَّواصل الاجتماعي، فطالب العلم أعلا من ذلك لأنَّه لا يريد أن يُسيء إلى الآخرين، وإنَّما مراده أن ينفع الآخرين.

{ما هي الخصال التي يجب على طالب العلم أن يتمتَّع بها؟}.
هناك العديد من الخصال، وقد تكلمنا عن بعضها فيما سبق، وهذه الخصال منها:
 أن يكون الإنسان صاحب أخلاق فاضلة.
 أن يكون ممسكًا لسانه.
 أن يكون محتسبًا في أعماله.
 أن يكونَ معينًا لإخوانه على طلب العلم.


{هل ترك التَّرفُّه مُستحبٌّ لطالب العلم؟}.
أولًا: لا تجعل الحكم الشَّرعي مبنيًّا على صفةٍ لم ترد في النَّص.
الرَّفاهية منها أنواع محمودة ومنها أنواع مذمومة، وبالتَّالي لا يُمكن إعطاء حكمٌ واحدٌ في جميع أنواع التَّرفُّه، وإنَّما نقول: ما كان محمودًا منه فإنَّه مرغَّبٌ فيه بشرط ألَّا يقضي على وقت طالب العلم، أو يُشغله عن طلب العلم.
السؤال الحادي عشر:
على طالب العلم ترك التَّرفُّه سواء ما كان محمودًا أو غير ذلك.
خطأ


{كيف يثبت طالب العلم على طريق العلم؟}.
الثبات على الخير والحق له أسباب، منها:
- أن يكون الإنسان من أهل التوحيد، وذلك بصرف العبادة لله، كما قال تعالى: ï´؟يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِï´¾ [إبراهيم: 27]، المراد بالآخرة: حال البرزَخ.
- النُّصوص التي جاءت بالتَّثبيت، كالإستعاذة بالله، فهذه تثبت الإنسان على الخير والحق.
- دعاء ربِّ العزَّة والجلال.
- الابتعاد عن مواطن الشُّبهات، فالمعلَّم الذي يكون عنده دخَلٌ في معتقده يجتنبه الإنسان، لئلَّا يُدخل شيئًا من ذلك عليه، وهكذا في بقيَّة أنواع المهن.
بارك الله فيك، ووفقك الله لكلِّ خير، وجعلنا الله وإيَّاك من الهُداة المهتدين، كما أسأله -جَلَّ وَعَلَا- لطلاب الأكاديمية توفيقًا وخيرًا وإحسانًا ورفعةَ درجةٍ، وأسأله -جَلَّ وَعَلَا- لكَ كلَّ خيرٍ، ولمن شاركَ معك، أو مَن كان في وسائل الإعلام، بارك الله فيكم جميعًا، ووفقكم لكلِّ خيرٍ، وجعلنا وإيَّاكم من الهُداة المهتدين، هذا والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وفي الختام نشكركم معالي الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الله بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}










رد مع اقتباس
قديم 2019-10-23, 18:57   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

آداب الطلب
الدرس الثالث (3)
معالي فضيلة الشيخ/ د. سعد بن ناصر الشثري
{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاك الله، وأهلًا وسهلًا، أسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعل هذا اللقاء لقاءً نافعًا مباركًا.
{اللهم آمين.
تحدَّث معالي الشيخ في الحلقة الماضية عن آداب الطَّالبِ في نفسِه، وسيُتحفنا معالي الشَّيخ في هذه الحلقة -بإذن الله- عن كيفيَّة التَّلقي.
كيف يبدأ طالب بتأصيل نفسه؟}.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ طلب العلم له أصول وقواعد ينبغي أن يضعها طالب العلم بين عينيه.
أوَّل هذه القواعد: أن يُعلَم أنَّ أساسَ العلم هو النُّصوص الشَّرعيَّة من كتاب الله -عزَّ وجلَّ- وسنة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلُّ علمٍ لا ينبثق من هذه الأصول أصالةً أو تبعًا فإنَّه ليس بعلم يصحُّ أن يُنسَب إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- وشرعه.
القاعدة الثانية: معرفة المصطلحات العلميَّة التي ينطلق أهل العلم منها، بحيث يكون عند الإنسان قُدرة على فهم هذه المصطلحات بمجرَّد سماعها، وهذه المصطلحات قد يكون للإنسان فيها معرفة بذات المصطلح، وقد تتعدَّد المناهج في المصطلح الواحد، ومن ثَمَّ على الإنسان أن يعرف هذه المناهج.
أضربُ لذلك مثلًا واضحًا: لفظ "السُّنَّة"، فإنَّ هذا اللفظ قد يُطلق ويُراد به معانٍ مُتعدِّدَة:
- فهناك مَن يُطلق لفظ "السُّنَّة" ويُريد به ما يكون في مُقابلَة البدعة، ولذا يُقال: "طلاقٌ سُنِّي وطلاقٌ بدعيٌّ".
- ومرة قد يُطلَق هذا اللفظ ويُراد به المستحب، ولذا يقولون: "السنة في هذا الباب كذا.."، "السُّنن الرَّواتب عددها ثنتا عشرة ركعة".
وقد يفهم الإنسانُ الفَرقَ بين هذين المصطلحين ويعرف أنَّ السَّنَّة على المصطلحِ الأوَّلِ: هي الطَّريقة المتَّبعَة في الدِّين، سواء كانت واجبة أو كانت مُستحبَّة، بينما في الاصطلاح الثَّاني يقصُر هذا المصطلح على المستحبَّات.
- وهناك مَن يستعمل لفظ "السُّنَّة" فيما كان واردًا عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سواء كان من الأقوال أو الأفعال أو التَّقريرات، وبالتَّالي هو لا يُطلِق على الأحكام الواردة في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- أو المأخوذة بالاستنباط أنَّها من السُّنَّة.
- وهناك مَن يزيدُ في مفهومِ السُّنَّة بحيث يجعل هذا اللفظ يشمل ما ورد عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الأقوالِوالأفعالِ والتَّقريراتِ، والصِّفاتِ الخَلقيَّة؛ ومن ثَمَّ يزيد في مفهوم لفظةِ السُّنَّة، ولذا نجد أنَّ أهل العلم من أهل الحديث لا زالوا يُدخلون الأحاديث الواردة في صفات النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتب السنة التي يكتبونها.
ومن ثَمَّ ينبغي أن يُلاحظ المعنى الذي يقصده كل فريقٍ ممن سبق:
- فالأوَّلون يقصدون العمل المتَّبَع الذي يُثاب المرء عليه.
- الآخرون يقصدون كل ما ورد عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالتَّالي هم يُريدون أن يُحصوا ما وردَ عنه.
- بينما آخرون كان مقصودهم التَّركيز على ما يصح الاقتداء بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه.
إذن؛ فهم المصطلح أمر ضروري، وهو أساس من الأسس التي على طالب العلم أن يُوليها عنايته.
الأساس الثَّالث: اختيار الكتاب الذي يتناسب مع حال الإنسان مع فهم طالب العلم للمقصود من ذلك الكتاب، فمرات يهدف المؤلِّف إلى طريقةٍ علميَّةٍ مُعيَّنةٍ، فمن كان من طلبة العلم يفهم تلك الطَّريقة استطاع أن يستوعب ذلك الكتاب.
فإذا كان هناك كتاب في تخريج الفروع على الأصول؛ فإنَّه حينئذٍ ينبغي بقارئ ذلك الكتاب أن يفهم المجال الذي يسلكه المؤلف، وهناك كتب عُنيَت بإبراز المشهور من مذهبٍ معيَّنٍ، فإذا قرأ الإنسان ذلك الكتاب وفي ذهنه أنَّ ذلك الكتاب يخدم ذلك الهدف استطاع أن يفهم طريقة صاحبه.
ولذا نجد أنَّ كثيرًا من الخطأ الذي يقع فيه طلبة العلم يقع من عدم فَهم ذلك، فمثلًا في المختصرات الفقهيَّة التي يؤلفها أصحابها لبيان المشهور من المذهب لا لبيان ترجيحاتهم هم، فعندما يأتي الطالب ويظن أن ذلك الكتاب قد أُلِّفَ على ترجيحات المؤلِّف يكون قد فهم الكتاب فَهمًا مَغلوطًا.
وهكذا عندما يُعنَى الكتاب ببيانِ ترابط المسائل الفقهيَّة بعضها مع بعض، بحيث يكون ممَّن اهتمَّ ببيان منشأ المسألة الفقهيَّة سواء كان فيها خلاف أو لم يكن، ثم اهتمَّ ببيان الآثار المترتِّبة على المسائل؛ فحينئذٍ على طالب العلم أن يفهم أنَّ هذا الكتاب في هذا المجال، ولذا نجد أنَّ بعض الكتب قد عُنيَت بهذا الباب وهو بيان مقاصد المؤلِّفين في كتبهم، ما هو مقصود المؤلِّف من هذا الكتاب، فعندما يضع طالب العلم هدفَ المؤلف من هذا الكتاب فحينئذٍ يتَّضح له الكثير من المتعلقات بهذا الكتاب.
أضربُ لهذا مثلًا في كتب التَّفسير: فهناك تفاسير عُنِيَت ببيان المعاني القرآنيَّة، وهناك كتب عُنِيَت ببيان المقاصد، وهناك كتب عُنِيَت ببيان الأحكام الفقهيَّة، وهناك كتب عُنِيَت بالتَّحليل البلاغي لكتاب الله -عزَّ وجلَّ- وهكذا في الموضوعات العديدة التي يُمكن أن ينطلق منها المفسر بكتاب الله -عزَّ وجلَّ- فالقارئ لأيَّ كتابٍ إذا علم مقصود المؤلف استطاع أن يستنبط هذا المقصود، وبالتَّالي فَهم مراد المؤلِّف من هذا الكتاب.
ومن أمثلة هذا: في تفسير الشَّيخ الشنقيطي -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-أضواء البيان، فهذا الكتاب يُعنَى بتفسير القرآن بالقرآن، ما هي الآيات القرآنيَّة التي فسَّرتها آيات قرآنيَّة أخرى، فهذا هو مقصود هذا الكتاب، فعندما يأتي بعض الناس ويقول: إنَّ التسجيلات التي كانت عن الشيخ أو الدروس التي كان يُلقيها الشَّيخ فيها معلومات زائدة عمَّا في التَّفسير؛ لأنَّه في تفسيره المسموع كان يُعنَى بهدفٍ، وفي تفسيره المكتوب كان يُعنَى بهدفٍ آخر.
وهكذا أيضًا في شروح الأحاديث؛ فهناك مَن يُعنَى بالصِّناعة الحديثيَّة، وهناك مَن يُعنَى بالصِّناعة الفقهيَّة، وهناك مَن يُعنَى ببيانِ المعاني والدَّلالات، وهناك مَن يجمع بين فنَّين وثلاثة وأربعة فيُرتِّبها، ولذا تجد الفرق واضحًا بين كتابي "فتح الباري" وكتاب "عمدة القاري"؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما سلك منهجًا في تفسير صحيح الإمام البخاري وشرحه.
الأمر الرَّابع الذي تقوم عليه العمليَّة التَّعليميَّة: المعلِّم النَّاصح، وهذا المعلم له فوائد كثيرة، منها:
- أنَّه يُزيل الإشكالات في الفهم التي قد تنشأ عند قراءة الكتاب.
- أن يتعلَّم الإنسان طريقة تطبيقيَّة في فهم الكتب، ويكون لديه آليَّة لفهم مقاصد المؤلفين.
- أن يتمكَّن من المقارنة بين هذا الكتاب وبينَ غيره من الكتب.
ولذا كلما كثُرَت خبرة الأستاذ وكلما كثُرَ تدريسه وارتباطه بالعلم كان هذا من أسباب إبرازه وإظهاره لمعانٍ يغفل طالب العلم عنها.
ومن الأسس التي ينبغي أن يُحاط بها: معرفة المنطلقات العلميَّة التي يُنطلَق منه في أي علم يُريد الإنسان أن يدرسه، وبالتَّالي يكون قد أحاط بذلك العلم.
وأورد لذلك نماذج:
أولها: مكوِّنات المسألة العلميَّة، مثلًا المسائل في الفقه تحتاج أن تعرف المراد المسألة، تحرير محل النِّزاع، منشأ الخلاف فيها، الأقوال، الأدلَّة، الجواب عن الاستدلالات بالأدلَّة، التَّرجيح والموازنة، بيان الآثار المترتِّبة عليها؛ وهذا في دراسة المسائل الخلافيَّة، بينما في دراسة القاعدة الفقهيَّة تحتاج إلى المعنى التَّفصيلي لألفاظ القاعدة، ثم المعنى الإجمالي والكلِّي، ثم تحتاج إلى دليل القاعدة والمستند الذي تستند عليه تلك القاعدة، ثم بيان الآثار التَّطبيقيَّة للقاعدة، سواء كانت قواعد مندرجة أو كانت فروعًا، ثم ذكر المستثنيات لتلك القاعدة، وبيان المنطلق الذي انُطُلِقَ منه في ذلك الاستثناء، فإنَّ الاستثناء من القاعدة لابدَّ أن يكون له أسباب يُنطَلَق منها، وهذا ما يُعرَف عند أهل العلم بأسباب النَّقض، وهو أن يوجد المعنى الذي يثبتالحكم به عادة ثم لا يوجد الحكم.
وأهل العلم قد قسَّموا ذلك إلى ستَّة أقسام:
الأوَّل: أن يكونَ المعنى مفقودًا، وبالتَّالي سيكون فقدُ الحكمِ سائرًا على القاعدة التي أوردت.
الثَّاني: أن يكونَ الحكم موجودًا، فمع وُجود العلَّة وُجِدَ حكمها.
الثَّالث: أن يكونَ هناك شروط متخلِّفة للحكم، فإنَّه متى تخلَّفت شروط الحكم تخلَّف الحكم.
الرَّابع: أن يوجَدَ موانع تمنع من وجود ذلك الحكم مع وُجود علَّته.
ومن الأسبابِ في هذا: أن يوجد معنى أقوى من المعنى الذي يُثبت الحكم فيكون ارتفاع الحكم وعدم ثبوته لوجود معنًى أقوى.
الخامس: أن يكون المحل مخالفًا للقياس، بحيث يُوجَد المعنى، لكن وردَ دليلٌ من الشَّرعِ يدلُّ على أن ذلك الموطن لا يثبت فيه الحكم وإن وُجِدَ المعنى المقتضي للحكم.
وهذا النَّوعُ يُسمَّى عند علماء الشريعة "المخالف للقياس"، وقد يسمونه "استحسانًا"، وقد يسمونه "رخصة"، وقد يسمونه بأسماء أخرى، والمفهوم الذي ينطبق عليه مفهومٌ واحدٌ.
وعلى الإنسان أن يعرف شروط المسألة التي يريد أن يدرسَها من جهة تصوير المسألة وتصوُّرها، ومن جهة المعاني التي يُمكن أن يكون لها تأثيرٌ في تلك المسألة، ومن جهة معرفة الأسباب والآثار المتعلِّقة بالمسألة.
{أحسن الله إليكم.
ثَمَّة سؤال لصيقٌ بالسُّؤالِ الأوَّلِ، وقد ذكرتم طرفًا من الإجابة -أحسن الله إليكم.
هل لطالبِ العلم أن يكتفي بالكتبِ عن ملازمة الأشياخ؟}.
دراسة العلم في الأساس تكون بالأخذِ من أهل العلم، ولازال النَّاس على هذا الطَّريق، وأخذُ العلم من غير الأساتذة يؤدِّي إلى أمورٍ مخالفة، ومن تلك المخالفات:
أولًا: عدم البناء الصَّحيح للمسائل، فيُظن أن بعض الأوصاف التي يكون لها ملاصقة بوصف الحكم أنَّها هي المقتضية للحكم، ولا يكون الأمر كذلك.
ومنأمثلةهذا: أنَّ الشَّريعة جاءت بالمنع من المعازف، فيأتي من يأتي ويظن أنَّ الحداء والغناء كله ممنوع؛ فحينئذٍ يكون قد ركَّبَ المسألة على معنًى غير المعنى الذي رتَّبَ الشَّارعُ عليه، وهذا كثيرٌ في الناس، خصوصًا في عوامهم.
ثانيًا: بعض النَّاس عند نطقه للكلمات الواردة في كتب أهل العلم لا نجده ينطقها نطقًا صحيحًا، وما ذاك إلَّا أنَّه اعتمدَ على كتابٍ أو الأستاذ الذي يُعلِّمه.
ثالثًا: نجد أنَّ هناك تشويشًا في بعضِ المسائل وعدمِ فَهمٍ لمقاصدها ومراميها، ممَّا يجعل بعض النَّاس يُشكِّك في الحكمِ لكونه لم يعرف المعنى الذي قصَدَه الشَّارع في هذا الباب، ومن هنا يكون مِن أسباب الخطأ في كثير من المسائل عدم الاستناد على مقصدٍ مِن مقاصد الشَّريعة، ومن ثَمَّ قد نجد عند بعض مَن يتصدَّى للتَّعليم أو للفتوى أنَّه يُناقض ما جاءت به الشَّريعة في مقاصدها.
{أحسن الله إليكم.
لو ذكرتم لنا معالي الشيخ بعضًا من الآداب التي ينبغي أن يتحلَّى بها الطَّالبُ مع شيخه}.
هناك قواعد عامَّة في معاملة الآخرين لابدَّ أن يتحلَّى بها الطَّالب مع أستاذه وشيخه، من أمثلة ذلك:
- فيما يتعلَّق بحسن اختيار اللفاظ التي يتكلَّم بها، لقوله تعالى:ï´؟وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُï´¾ [الإسراء/53].
- عدم رفع الصوت على الأستاذ، قال تعالى:ï´؟يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّï´¾ [الحجرات:2].
- ألا يكونَ الطَّالبُ مُعارضًا لما يعرضه أستاذه على جهة المقابلة وعلى جهة المضادَّة والمناقضة، وإنَّما يعرض ما لديه حتى ولو عَلم بوجودِ الخطأ عند أستاذه، فيواجهه بالكلمة الطَّيِّبة أو بالاستفهامِ والسُّؤال.
- أن يصبرَ على أستاذه، فقد يكون الأستاذ عنده شيءٌ من الحِدَّة، وفي الغالب تكون هذه الِحدَّة بسبب تصرُّف من هذا التِّلميذ أو من غيره، فيحتدُّ الأستاذ، وبالتالي يتعوَّد الطالب على أن يصبر على ما يكون منه من شدَّةٍ في التَّنبيه أو زيادة في اللفظِ أو نحو ذلك.
- ألَّا يعتديَ على أستاذه في طريقة مشيه، أو في طريقة تجاوزه وانتقاله من مكانٍ إلى مكانٍ آخر.
- ألَّا يُشغِلَ التِّلميذُ أستاذَه بحركةٍ غير متعلِّقةٍ بطلبِ العلم، فحركةُ الكتابِ مثلًا مطلوبة، لكن عندما يشتغل بيديه أو يُكثر القيام أو يُكثر الالتفات؛ فإنَّه حينئذٍ يُشوِّش على أستاذه، وبالتَّالي يجعله لا يُظهر جميع ما لديه من العلم المتعلِّق بذلك.
- أن يُراعيَ أحوال أستاذه، فمتى كان مُجهدًا أو مُتعبًا فإنَّه يستأذنه،وكأنَّ الاعتذار من الطَّالب لا من الأستاذ.
- أن يُلاحظَ أنَّ أستاذه قد يُخطئ في نطق كلمة ونحوها، وبالتَّالي التَّنبيه لا يكون في أثناء نطقه، وإنَّما يدعه حتى يُكمِلَ جملَته التي يُريد أن يتكلَّمَ بها.
- أن يحرصَ الطَّالبُ على تصحيح معلومة أستاذه بالطَّريقة المناسبة، لا بطريقةٍ جافيةٍ على سبيل المقابلة والمناقضة.
- يحرصُ طالب العلم على تحبيب الأستاذ في طلَّابه وتحبيب الطُّلاب في أستاذهم، بحيث إذا وُجد من يُحاول أن يُشوِّش على الطلَّاب ويقدح في سيرة أستاذهم؛ ردَّ عنه مدافعًا مكافحًا، وفي الحديث: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
- كذلك فيما يتعلَّق بعدم التصوُّر الصَّحيح من الأستاذ لطُلَّابه، فإنَّه مرَّةً قد يظنُّ بهم ظنًّا، ولا يكون الأمر على وفق ظنِّه، وبالتَّالي يُحاول أن يُصحِّح مفهومه عنهم.
- ألَّا يستعجل في إبداء ما لديه وإظهاره، حتى ولو كنت تعلم المسألة وتعرفها وقد أحطت بها ودرستها سابقًا؛ فلا تستعجل، فلعلَّ مع الأستاذ أجزاء أخرى في المسألةِ لم تكن محيطًا بها، فاستعجالك في إظهار معلومتك قد يجعلك لا تستوفي تلك المعلومة من أستاذك.
- أن يحرص طالب العلم على عدم وجود تشويش من الآخرين في حلقةِ العلم.
- أن يُراعي طالب العلم حوائج أستاذه، فإذا كان يحتاج إلى ماء أحضرَه، خصوصًا الحوائج التي تكونُ مؤثِّرَة في الدَّرس، كأن يحتاج إلى القلمِ أو احتاج إلى من يمسح سبُّورةَ التَّعلُّم؛ كان ذلك ممَّا يقومُ به التِّلميذُ عندَ أستاذه.
هذه نماذج من النَّماذج التي ينبغي بطالب العلم أن يكون متَّصفًا بها.
{أحسن الله إليكم.
لو حدَّثتمونا معالي الشَّيخ عن صفاتِ المعلِّم الذي يُتلقَّى عنه}.
المعلِّمون ليسوا على صفةٍ واحدةٍ، ولا على مرتبةٍ واحدةٍ، وهناك ثلاثةُ معاييرٍ في الأستاذ ينبغي ملاحظتها:
أوَّلًا: مقدار ما لديه مِن العلم.
ثانيًا: مقدار ما لديه مِن القدرةِ على التَّفهيمِ للمسائلِ.
ثالثًا: مقدار ما لديه مِن صحَّة المنهجِ الذي يسير عليه، سواء كان متعلقًا بذلك العلم في خصوصه، أو في غيره.
هذه الأمور الثَّلاثة تكون مؤثِّرة في اختيار الأستاذ؛ وأوَّلها: ملاحظة العلم، فإنَّ مَن كان أعلم كانت قدرته في الغالب على ذلك العلم أكثر، وبالتَّالي يُعطيكَ مِن المعلومات ما لا يتمكَّن غيره من إيصالها إليك.
والثَّانية: القدرة على التَّفهيم، فإنَّ بعضَ الأساتذة وإن كثُرَ علمه إلَّا أنَّه يعجز عن مخاطبة عقول الناس بحيث يُعطيهم ما يتناسب مع عقولهم من العلم، وقد وردَ في الأثر"مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ؛ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ" ، وبالتَّالي هذا المدرِّس يَزن أفهام التَّلاميذ، وما الذي يُمكن أن يفهموه، فإنَّ التَّلاميذ تتفاوت صفاتهم، فمنهم مَن يُركِّز على المعلومة الصَّحيحة، ومنه من تلتبس عليه الصفات، وبالتَّالي لابدَّ أن يُلاحظ حاله.
والثَّالثة: صفة متعلقةٌ بصفاء منهج الإنسان، فإنَّ المنهج الذي يسير عليه الإنسان له تأثير في فهمه وفي قدرته على إيصال العلم، وفي جعل أذهان الطُّلاب ترتبط بالأوصاف التي يتعلَّق بها ذلك العلم.
وهناك صفاتٌ تابعةٌ يكون لها تأثيرها أيضًا، منهــــا:
* أن يكونَ طالب العلم -وكذلك المدرس- وعلى ورعٍ وتقوى، فإنَّ للتَّقوى من التَّأثير في فَهمِ العلمِ وفي القدرةِ على إيصاله ما يجعلنا نحبِّذ أن تزدادَ صفة التَّقوى عند الأستاذ.
* كثرة ملابسته ومداسته، فإنَّ مَن أكثَرَ المدارسة عرفَ مِن دقائق العلم ومِن طرائق تدريسه ما لا يعرفه مَن لم يكنْ كذلك.
* أن يكونَ الأستاذ على سمتٍ عالٍ فيما يتعلَّق بأموره، وبالتَّالي لا تستفذِّه الهيجات ولا المشاركات الشَّاذَّة فتخرجه عن طوره؛ بل يكون ممَّن يُلقِي العلم ويبثُّه، ويسعى إلى نشره بينَ النَّاس بدون أن يكون مُتأثِّرًا بما يكونُ مخالفًا للمنهج.
وهناك أسئلة تتعلَّق بهذا؛ وهي: هل يصح أن نطلب العلم على صغارِ السِّنِّ؟
نقول: صِغرُ السِّنِّ وكِبَرهِ ليسَ معيارًا يُركَّزُ عليه، وإنَّما المعايير هي الأمور السَّابقة.
وهكذا مرَّات قد تكون المقارنة بينَ اثنين، أحدهما يعمل في أجهزةٍ رسميَّة، والآخر ليس كذلك؛ فيأتيكَ مَن يأتي ويُحاول أن يُنفِّر من الأوَّلِ بدعوى أنَّه افتُتِنَ أو أنَّ له تواصل بالجهات الرَّسميَّة، وبعضهم قد يقول عالمُ سلطانٍ، ونحو ذلك!
وهذا ليس بمعيارٍ صحيح، وإنَّما المعيار هل تواصله مع مَن تواصل معه يُبنَى على التَّقوَى والإيمان والنُّصح في الله -عزَّ وجلَّ- أو أنَّ ذلك التَّواصل إنَّما هو لإساغةِ تصرُّفات مَن يتواصل معه بسبب ما يناله في الدُّنيا منه، فمتى كانت العلاقات بينَ أفراد المجتمع أو بين أصحاب الولاية وأصحاب العلم مبنيَّة على التَّقوى والإخلاص وملاحظةِ كيفيَّة استجلاب رضى رب العزَّة والجلال؛ فإنَّ مثلَ ذلك لا ينبغي أن يكون مُنقِّصًا لمقدار طالب العلم، بل قد يكون له من الأثر والنَّفع بتواصله مع أصحاب الولاية، بحيث يتمكَّن من نشر العلم، ويتمكَّن من إيصال شريعة ربِّ العزَّة والجلال لأصحاب الولايات وغيرهم.
وقد يظنُّ بعضُ النَّاس أنَّ شهرة الإنسان وكونه يتبعه كثيرٌ من النَّاس في وسائل التَّواصل دليلٌ على قُدرته ومهارته، وهذا ليس بمعيارٍ صحيحٍ، فكم من عبدٍ مِن عباد الله قد أُعجِبَ به كثيرٌ وهو مخالفٌ للمنج غيرَ محقِّقٍ في العلم، وإنَّما ينقل نقولًا ويكون متأثِّرًا بغيره.
ولذا فإنَّ من خاصيَّة المعلم الذي يكون له التَّأثير: أن يكون من أهل الإخلاص، وأن يكون ممَّن سخَّرَ علمَه ليعمل به وليدعو إليه.
وأمَّا الشُّهرة فليست مقصودةً لذاتها؛ بل ليست مرادة لطالب العلم، إن حصلت تبعًا بدونِ قصدٍ فإنَّه يستعملها في طاعة الله وفي نشر العلم والخيرِ والهداية.
من الإشكاليَّات التي تعرض لكثير من طلاب العلم مشكلة الفتور. فما علاج ذلك -أحسن الله إليكم؟}.
مشكلة الفتور سواء في العلم أو في الطَّاعة جاءت النصوص ببيان شيءٍ من التوجيهات حولها، فمرَّة جاءت النصوص بالأمر بالثَّبات على الحق، وأنَّ هذه مزيَّة يعطيها الله -عزَّ وجلَّ- لبعض عباده، كما في قوله تعالى:ï´؟يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِï´¾ [إبراهيم/27]، وبالتَّالي هناك وسائل للمعالجة وطريقة التَّعامل مع الفتور، منهـــا:
- التَّوجُّه لله -عزَّ وجلَّ- بأن ينشِّط الإنسان في طاعته وفي الاستمرار في التَّعلُّم والتَّعليم.
- أن يصحبَ الإنسانُأهلَ الخيرِ والهُدى ليُنشِّط بعضهم بعضًا في الاستمرار على طريق التَّعلُّم.
- أن يُحرَصَ على ترتيبِ الأوقاتِ التي يتعلَّم فيها الإنسان ليكونَ ذلك مِن أسباب استمراريَّة التَّعلُّم، فقليل دائمٌ خيرٌ من كثيرٍ منقطعٍ، على ما حُكٍيَ.
- أن يُنوِّع الإنسان فيما يقوم بدراسته مِن العلوم والفنونِ والكتبِ؛ بحيث إذا تطرَّق إليه مللٌ في بابٍ اتَّجهَ للباب الآخر.
- أن يقصدَ الإنسانُ بدراستهِ وتعلُّمِهِ وجهَ الله ورضاه والدَّار الآخرة، فكثيرٌ مِن النَّاسِ يقصد بتعلُّمِه أن يكونَ عالمًا، أو أن يَصِلَ إلى رتبةٍ عاليةٍ، أو أن يتمكَّنَ مِن المشاركة في الحديث في المجالسِ عندما يجتمع مع الآخرين؛ فمثل هذه النِّيَّات تجعل الإنسان يسأم ويفتُر في طلب ِ العلمِ، بخلاف ما إذا وجدَ أنَّ ذلك العلم ينال الإنسان به الأجر والثَّواب في كلِّ لحظةٍ من لحظاته؛ وحينئذٍ يكونُ مقتنعًا بذلك العلم، مستمرًّا في التَّعلُّم.
- ملاحظة أثر التَّعلُّم على نفسه، فكثيرٌ من الناس قد يستفيدُ من التَّعلُّم أشياء كثيرة، ثم بعدَ ذلك يظنُّ أنَّه لم يستفد شيئًا، تجد الإنسان مثلًا يدرس خمس أو ست سنوات في المرحلة الابتدائيَّة، ثم بد ذلك يقول ما درسنا شيئًا ولا استفدنا شيئًا؛ بينما هو تعلَّم القراءة والكتابة والقرآن والحساب وأخذ مِن معلومات العلوم الشَّيءَ الكثير، وبالتَّالي فعدم ملاحظته لدرجات التَّرقِّي التي نالها في طلب العلم يجعله ذلك يفترُ ولا يستمر في طلبه للعلم.
- التَّنوُّع في طريقة تناول المعلومة واكتسابها، فهذا من الأسباب العظيمة التي تجعل الإنسان يستمر في تعلُّمه ولا ينقطع في ذلك الطَّريق.
- المقارنةُ بينَ العلم، وقد تكون مقارنة بين مسألةٍ وأخرى، وقد تكون بينَ بابٍ وآخر، وقد تكون بينَ مذهبٍ وآخرٍ، وقد تكون بينَ شخصٍ وآخر، فهذه المقارنات؛ فلان يقول كذا وفلان يقول كذا، ودليل فلان كذا، ودليل فلان كذا؛ تُبعد المِلالَ عن النَّفسِ، وتجعلها لا تفتُر في طلبِ العلمِ، ولذلك كانَ من المستَحسَنِ أن تكونَ دروسُ العلم مشتملةً على المناقشات بينَ الأستاذ وطُلَّابه، وبينَ الطُّلابِ بعضهم مع بعضهم الآخر، لأنَّ هذا يُذهب الفتور ويوجِدُ روحَ المنافسة، وهذا مِن طرائق إزالة الفتور؛ ألا وهو زراعة روح التَّنافس بين الطَّلَبة بحيث يكون عندهم من الرَّغبة في التَّعلُّم ما يجعلهم يستمرُّون في هذا الطَّريق ولا يفترون فيه.
فهذه طرائق من طرائق إزالة الفتور المؤدِّي إلى الانقطاع عن دراسة العلم وتدارسه، ونجد أنَّ كثيرًا من النَّاس انقطع، مرَّات لأنَّه يُريد أن يكتسب في الدُّنيا، ولم يعلم أنَّ الله هو الرَّزاق، وأنَّه -سبحانه وتعالى- هو المعطي المانع، وأنَّ القاعدة الشَّرعيَّة في باب ملاحظة عواقب الأمور في أبواب الرِّزق أن يتدبَّر الإنسان قوله تعالىï´؟وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُï´¾ [الطلاق 2، 3].
شكرًا على حضورك معنا في هذا اللقاء، ونشكرُ إخوتنا الذين حضروا معنا، باركَ الله فيهم جميعًا، هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
{شكرَ الله لكم مَعالي الشَّيخ على ما تقدمونه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.










رد مع اقتباس
قديم 2019-10-23, 18:58   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

آداب الطلب
الدرس الرابع (4)
معالي فضيلة الشيخ/ د. سعد بن ناصر الشثري
{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاك الله، وأرحب بك، وأرحب بأحبتي من المشاهدين الكرام، وأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يجعل أعمالنا وأعمالهم خالصة لوجهه الكريم.
{في الحلقة الماضية تحدَّث معالي الشيخ عن كيفية تلقي طالب العلم للعلم الشرعي، وفي هذه الحلقة -بإذن الله- سنتحدث عن آداب الطالب في حياته العلمية.
لو حدثتمونا معالي عن علو الهمة}.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ همم الناس مختلفة، ومنهم من تكون همته قريبة دانية من قدميه، ومنهم من تكون همته عالية تصل إلى عنان السماء، وهكذا في طلب العلم، فبعض طلبة العلم تجده يقتصر في همته على ضبط بابٍ واحدٍ، ولا يريد أن يتجاوز ذلك، وقد تكون همته في ضبط هذا الباب الواحد على قولٍ واحدٍ وعلى أحد المذاهب المشهورة بدون استنادٍ للدليل، وكذلك الشخص الذي تكون همته أعلى وأعلى غاياته أن يضبط مسائل المواريث والفرائض على أحد المذاهب الفقهية.
وهناك من تكون همته عالية فيخطط ويقصد أمورًا كبيرة يكون لها أثرها، ولذلك في باب طلب العلم يسعى أن تكون عنده الأهلية لتطبيق النصوص على الوقائع الجديدة، ويكون عنده من الرغبة والهمة ما يكون مقصوده تحسين جميع أمور الشريعة كتابًا وسنة.
ومن ثَمَّ هناك ثلاثة أمور، وعلى طالب العلم أن تكون همته مُستوعبه لهذه الأمور الثلاثة.
أولها: معرفة النصوص وضبطها؛ بأن يحفظ آيات الكتاب، وأن يحفظ أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويتمكن مِن عَزوها لمصادرها ورواتها.
وأما الأمر الثاني: أن تكون همته عالية في فَهم الكلام العربي بمعرفة قواعد الاستنباط، بحيث يكون عنده من الملكة ما يُؤهله لرتبة الاجتهاد.
وأما الأمر الثالث الذي تعلو به الهمة فهو: أن يقصد نشر العلم على أكبر نطاق ممكن، وإذا كان أهل الزمان الماضي مع ضعف أدوات التواصل عندهم إلا أنهم في أزمانهم قد وقع لهم من الأثر الكبير، فالعبد المؤمن يُؤمل في الله –عَزَّ وَجَلَّ- أن يحقق له وأن يجعله سببًا لنشر العلم الكثير.
فهذه الأمور الثلاثة ينبغي أن تعلو همة الإنسان فيها، ومتى عَلَتْ همة الإنسان فيها جعله ذلك يلاحظ أربعة أمور:
أولها التخطيط: فإنَّ من أراد هدفًا ينبغي به أن يجعل الوصول إلى ذلك الهدف قد توافرت شروطه وضوابطه، فعرف الطريق الموصلة إليه.
وأما الأمر الثاني: أن يستغل جميع الأوقات في تحقيق الهدف الذي وصل إليه، ويمكنه أن يحول ما يعرض إليه ليكون موصلا إلى ذلك.
وأما الأمر الثالث: الاستعانة بالوسائل المعينة التي تجعل الإنسان يغبط ذلك العلم، وفي زماننا الحاضر من الوسائل: التواصل وفي الإعلام ما يسهل كثيرًا من هذا الأمر، فإن هذه الوسائل الجديدة تجعل الإنسان يحقق هدفه العالي.
وأما الأمر الرابع: إمكانية التواصل مع طلبة العلم الذين يماثلونه، فيناقشهم ويناقشونه؛ فيكون هذا من أسباب التعهد الذي يحصل به حفظ العلم وضبطه.
فهذه أمور أربعة ينبغي أن تكون بين عيني طالب العلم.
{أحسن الله إليكم.
هلا ذكرتم لنا معالي الشيخ بعض وسائل استذكار العلم؟}.
كما قيل: آفة العلم النسيان، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُرَغِّب في تعهد حفظ القرآن، فقال: «تَعاهَدُوا هذا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها» ، وتعهد القرآن بكثرة مراجعته، وكثرة تلاوته، والتأمل في المعاني التي جاء بها كتاب الله –تعالى-، ومن سعى إلى استذكار الكتاب وتعاهده سواء في معانيه أو في لفظه؛ أدى به ذلك إلى أن يحفظ نصوص العلم، وأن يكون مُتذكرًا لها.
{أحسن الله إليكم.
هلا تحدثتم معالي الشيخ عن اتباع العلم العمل وكيف يُدرب طالب العلم نفسه على ذلك؟}.
آيات القرآن، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما نزلت ليعمل بها، فهي ليست نصوصًا للبركة، وليست ألفاظًا تُتلى لتتعلم منها البلاغة، وإنما هي أوامر ونواهي يجب على العبد التزامها، ولا يجوز له أن يُفرط فيها، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجب على الإنسان أن يعمل بما تعلمه من العلم إذا كان ذلك العلم يتعلق بعمله، وجاءت النصوص بالأمر بالعمل، قال –تعالى-: ï´؟وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَï´¾ [التوبة: 105].
وهكذا بَيَّنَ الله –عَزَّ وَجَلَّ- أن هذا العلم الموجود في الكتاب مُشتمل على معنيين، الهدى والنور، ولذلك يجعل هذا العلم طريقًا من طُرُقِ استعمال العلم في أوجه العمل التي تكون بين عيني الإنسان.
اتباع العلم بالعمل شرط أساسي، وجاءت النصوص بِذَمِّ من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو لا يعمل بهما، قال تعالى: ï´؟أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ غڑ أَفَلَا تَعْقِلُونَï´¾ [البقرة: 44]، وقال جَلَّ وَعَلا: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ(2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَï´¾ [الصف:2-3].
إذا تقرر هذا فإن الإنسان مُطالب بأن يعمل بعلمه، وأن يتقرب بذلك لله -عَزَّ وَجَلَّ- وأن لا يجعل العمل مجرد ديكور في ذهنه.
وجاءت الآيات القُرآنية تؤكد أن الغرض مِن بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- وإنزال الكتاب عليه؛ أن يعملوا بما نزل عليه من العلم، وهناك نُصوصٌ كثيرةٌ تدل على وجوب اتباع العلم بالعمل.
وإذا تقرر هذا فإن هذا الكتاب متى عملنا به، أورثنا ذلك خيري الدنيا والآخرة، قال –تعالى-: ï´؟وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَï´¾ [الزخرف:72]؛ فدل هذا على أنَّ العمل مُؤثر، فهو كما يُؤثر في حال الإنسان في الآخرة يُؤثر كذلك في أحكام الدنيا.
{أحسن الله إليكم.
ما أهمية اللجوء إلى الله تعالى في طلب العلم؟}
اللجوء إلى الله تعالى يشمل التضرع بين يديه، وسؤاله –سبحانه وتعالى- وإذا علم العبد أنَّ قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن –سبحانه وتعالى- وعلم أنَّ الله يصرف القلوب كيف يشاء، كما قال –جَلَّ وَعَلا- عن الراسخين: ï´؟رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُï´¾ [آل عمران:8]، وهذا يدل على إمكانية أن يكون هناك زيغ في القلوب، ولذلك على الإنسان أن يلجأ إلى الله، واللجوء إلى الله في عدد من الأمور:
أولها: أن يستمد من الله العلم.
ثانيها: أن يسأل الله أن يُبعده عن المناهج المخالفة.
ثالثها: يدعوه أن يستمر ولا ينقطع ولا يُعجب بنفسه.
وهذه شيء من طرائق اللجوء إلى الله في طلب العلم.
{أحسن الله إليكم.
لو حدثتمونا معالي الشيخ عن الأمانة العلمية والصدق، والفرق بينهما.}
الأمانة العلمية تقتضي عددًا من الأمور:
أولها: صحة المعلمومة التي ينقلها الإنسان بحيث لا ينقل إلا المعاملات الصادقة.
الثاني: وجود الدافع الذي يدفع للأمانة، وهو مخافة رب العزة والجلال واستشعار مراقبته –سبحانه وتعالى-.
الثالث: نسبة العلم لأهله، فقد يكتب على كتابه هذا وقف أو هذا ملك (فلان) وبالتالي لا يتصرف في ماله إلا بإذنه.
{أحسن الله إليكم.
لو حدثتمونا معالي الشيخ عن كلمة (لا أدري) ومنزلتها لدى من لا يعلم.}
عندما يُوكل العلم إلى أصحابه وذويه تصلح الأمور، كما نوكل المعلومة الطبية إلى الطبيب ونحوه، وأمَّا إذا أُحيل الجواب والكلام إلى من لا يفهم ولا يدرى ما هو؛ حينئذٍ يجتنب هؤلاء الذين يتسلقون سور الفتوى وهم ليسوا من أهلها.
{أحسن الله إليكم.
معالي الشيخ، ما هي الطريقة المناسبة لإجمام النفس وإراحتها بالنسبة لطالب العلم.}
طالب العلم قد يتطرق إليه الشعور بالسآمة والملل، وبالتالي قد يقطعه ذلك عن طلب العلم، ويصرفه إلى ما هو مضاد للمقصد في تعلم أحكام الشريعة؛ ولذلك على الإنسان أن يتقرب إلى الله بمعالجة نفسه بإعطائها أحكامًا في كل واقع وفي كل حال بحسبها، كما أنك إذا زعلت ودمعت عين ابنك راضيته لأن الزعل منك، والمقصود تخفيف المصاب على من أصيب به فهذا أمر مشروع، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من يكون كذلك.
وإجمام النفوس إنما يُراد به إبعاد السآمة والملل عن النفوس، وله مقاصد ومعان أخرى، وإجمام النفس ينبغي أن يُعلم أن له طرائق بالنسبة لطلب العلم، سواء كان في ترتيب المأكل الحسن، مثل: التمر وغير ذلك، وسواء كان في ثيابه أو هندامه، أو في أي حال من أحوال نفسه، وحينئذٍ عليه أن يبحث عن طرائق استجمام أخرى، وقد قيل: إن بعض المشاريع التي توجد في الزمن الحاضر خصوصًا ما يُحعل للصبيان قد يُرفه النفوس.
وعلى كلٍ على طالب العلم أن يشتغل وأن يعمل بما يستطيعه مما وصل إليه في هذا الباب.
لعلنا نقف عند هذا ونسأل الله –جلَّ وعلا- أن يوفقنا وإياكم للخير، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
{شكرَ الله لكم مَعالي الشَّيخ على ما تقدمونه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.










رد مع اقتباس
قديم 2019-10-27, 21:43   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:19

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc