|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
تخلفنا السياسي والديني من تخلف أدبنا الروائي والشعري
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2012-02-29, 13:39 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
تخلفنا السياسي والديني من تخلف أدبنا الروائي والشعري
يقول أمين الزاوي أعتقد أن الشعوب التي لا تنتج أدبا روائيا وشعريا كبيرين ومتميزين، وأن الأمة التي لا تملك أدباء يمثلون بكتاباتهم وبسلوكاتهم ما يمكن أن نطلق عليه اسم "ظاهرة اجتماعية" هي أمة تظل مهزوزة ومهزومة على المستويين السياسي والديني. إن الأدب الروائي والأدب الشعري هما المكونان الجوهريان لكل ثقافة مبدعة ومجتهدة قادرة على هز عرش السياسة والدين. فالأدب الخلاق كفيل بأخلقة السياسة وتثقيفها، وبالتالي تحويلها من حيث أنها فن الاغتصاب والتكالب والرياء إلى فن يتم فيه هذا الاغتصاب والرياء على قواعد وسلوكيات بأقل وحشية وبخسائر أقل، مادية وبشرية. إن البلدان التي تُقْرَأ فيها الرواية والشعر ويتفاعل فيها السياسيون مع القراءة الأدبية تتميز باستقرار، استقرار معبأ وباستمرار بشحنات التطلع إلى التغيير بسلم وحضارة. وتظل الشعوب التي تقرأ الرواية هي أقل الشعوب عنفا تجاه المرأة وتجاه الطبيعة وفي ممارساتها تُثمِر ثقافةُ التسامح وقبول الآخر. والواقع يقول أيضا بأن المجتمعات المتعصبة التي تتفشى فيها ثقافة الكراهيات والعنصرية والإلغاء هي تلك التي لا وجود للأدب الروائي أو الشعري قراءةً في حياة رجال ونساء طبقتها السياسية. والشعوب التي تعرف معنى الحرية الفردية والجماعية وتدافع عنها هي تلك التي تكتشفها في قراءة الرواية والشعر، باعتبارهما توأم الحرية في المقام الأول والأخير. والأدب الروائي والشعري بما يحويه من قيم الحرية والتحرر وقيم الدفاع عن ذلك يجعل رجل الدين مجبرا على الابتعاد عن التزمت في مواقفه، لقد تميز تاريخ المسلمين، خاصة في فتراته الأكثر تنويرا وإبداعا، وأعني بها تلك التي امتدت حتى القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، بروح الاجتهاد والحرية والتفتح الديني، وهذا ناتج أساسا عن كون غالبية الفقهاء المجديين والمجتهدين كانوا أدباء أو من قراء الأدب الشعري بكل تفرعاته وتناقضاته وتعارضاته من ابن الفارض إلى بشار بن برد إلى أبي نواس والمعري والحلاج. في جزائر اليوم يعود فقر الحياة الدينية والسياسية إلى أننا لم نستطع خلق جيل سياسي ولا جيل ديني قارئ للأدب الروائي المتميز، فالقراءة القائمة في الدين هي قراءة كتيبات الدروشة التي تختصر المفاهيم الكبرى وتقتلها إذ تخرجها من سياقاتها التاريخية والفلسفية، وبالتالي ترتب عن هذا الحال الثقافي انتاج "الفتنة" التي توقد باسم الدين. وأما رجال السياسة فقراءاتهم في غالبيتها لا تتعدى "الجرائد" وهو الأمر الذي يعكس وبشكل جلي صورة الضحالة الفكرية التي توجد عليها طبقتنا السياسية، وهو ما يجعل علم السياسة يختصر لديهم في صراعات أيديولوجية وتصفيات مافيوية شخصية. لقد انتهى عصر كان فيه السياسي شاعرا كما هي حال ماوتسي تونغ أو مسرحيا كما هو حال الرئيس التشيكي فاكلاف هافل أو شاعرا كما كان ليوبولد سيدار سنغور (1906 -2001) وغيرهم. لا يمكننا صناعة طبقة سياسية معافاة من ثقافة الدسائس والمكائد وأحكام التخوين ولا صناعة طبقة رجال دين متخلصين من ثقافة التكفير والتحليل والتحريم ما لم نستطع بلورة مكانة متميزة للقراءة الأدبية في المجتمع الجديد، وحده الأدب بكل ما فيه من فنون الكذب الأبيض والمخيال الحر قادر على تخليص الأمم من الكذب السام القاتل الموجود لدى السياسيين وفقهاء الظلام. إن المجتمعات التي يُحترَم فيها الأديب هي تلك التي تحترم وتزدهر فيها القراءة الأدبية، وبقدرما تتحقق هذه القراءة كقيمة حضارية وتصبح حاجة يومية يتحول من خلالها الكاتب مبدع النصوص إلى ظاهرة اجتماعية قادرة برمزيتها أن تكون صورة نموذجية لمفهومي المقاومة والممانعة. في النصف الأول من القرن العشرين كانت مصر كبيرة سياسيا ودينيا، لا لشيء إلا لأن هذا البلد كان يرتكز على أسماء أدبية من عيار طه حسين والرافعي والعقاد والمنفلوطي وأحمد أمين ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأمل دنقل وآخرين، كان عبد الناصر كبيرا في السياسة لأنه كان يتكئ في ذلك، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، على مصر الأدبية، كان اسمه يخطف كثيرا من دلالاته من رمزية أسماء أدباء مصر جميعا حتى من أولائك الذين اختلفوا معه سياسيا فرماهم في السجون وفي المنافي. وكان لبنان كبيرا بتقاليد طبقته السياسية والدينية (على تنوع الأديان فيه) لا لشيء إلا لأنه بلد جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأحمد فارس الشدياق وسهيل إدريس وخليل حاوي وحسين مروة ومهدي عامل وغيرهم. الأدب الكبير بكل ما فيه من إيمان وزندقة، بما فيه من حرية وفوضى، بما فيه من خيال ومغامرة هو الذي يخلق السياسيين المحنكين ورجال الدين الكبار. يخطئ من يقول بأن الحرية السياسية وحرية المعتقد الديني هو الذي يخلق الأدب الكبير، إن الأدب سابق عن السياسي وسابق عن الديني إنه الأصل والبدء والبقية فروع. في بلادنا، للأسف وبكل حزن أقول هذا، إن قول الأدباء تقاسمتهم اللقمة أو المحنة أو السكتة أو الهجرة، جميع الأسماء الكبيرة والواعدة تقاسمتها البلادات الأخرى، جميع النصوص، جميع الأدباء الذين يمثلون قليلا أو كثيرا في مرجعية القارئ الجزائري مرتبطون جغرافيا وثقافيا ببلدان أخرى غير الجزائر: باريس أو بيروت أو بدرجة أقل القاهرة. كان كاتب ياسين آخر (الكاتب الظاهرة) عاش كما يعيش النبلاء ولو في فقره وترحاله، واختار أن يموت كبيرا كما يموت المشردون بحرية، عاش كاتب ياسين كبيرا لأنه وُجِد بين جيل قرأ "نجمة" (صدرت العام 1956) واحتفل بها وخلدها. منذ صدور رواية التطليق لرشيد بوجدرة العام 1969 كان الرهان على هذا الروائي كبيرا، لما حمله نصه من نفس جديد مبشر بالحرية ولما حملته الرواية من قيم الصراحة والجرأة، لكن، وللأسف، شيئا فشيئا بدأ رشيد بوجدرة يتنازل عن قناعاته، يسكنه التردد تارة والخوف تارة أخرى، وفي كل ذلك كان الروائي الجريء يتراجع عن مواقفه أو يساوم، وبالتالي وبحزن كبير أشعر أن رشيد بوجدرة يفقد يوما بعد آخر جزءا من قرائه وبعضا من تلك القيم التي كانت ترشحه للصعود إلى أولمب "الكاتب الظاهرة". الكاتب الرمز. أما الروائي يسمينة خضرا فقد استنفذته دوامة من الصراع في جغرافيا الآخر، وبالتالي فإنه لم يحافظ على وتيرة الصعود الرمزي في جغرافية الأنا، وعلى الرغم من موهبته الخلاقة وقرائه المتعددين والكثر فإني أعتقد أن الغرب سيحوله على مدى الخمس سنوات القادمة إلى كاتب عادي، ما بقي لياسمينة خضرا في رصيده هو مقياس البيع، ولكنه مقياس مهدد بين عشية وضحاها، فآلة السوق لا تصنع وحدها الكاتب الظاهرة. لذلك أعتقد أن لا رشيد بوجدرة ولا يسمينة خضرا باستطاعتهما التأثير الفاعل في صناعة السياسيين المتأخلقين والدينيين المتنورين المجتهدين. -منقول- الرابط: https://www.echoroukonline.com/ara/articles/84414.html صاحب المقال: الأستاذ أمين الزاوي
|
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
نقد، فلسفة، أمين الزاوي |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc