علم الكلام يعرفه أهل السنة بأنه "ما أحدثه المتكلّمون في أصول الدين، من إثبات العقائد بالطرق التي ابتكروها، وأعرضوا بها عما جاء الكتاب والسنة به."
وقد تنوعت عبارات السلف في التحذير عن الكلام وأهله، لما يفضي إليه من الشّبهات والشّكوك، حتى قال الإمام أحمد: "لا يفلح صاحب كلام أبداً". وقال الشافعي: "حُكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام".
و تواترت كلمة السلف وأتباعهم على ذم علم الكلام، والتحذير منه، لما فيه من طرق الاستدلال الباطلة، التي أدت بأهله إلى نفي كثير من الحقائق الشرعية الثابتة بالنصوص، كصفات الله تعالى، ولما فيه من الأصول الفاسدة المبنية على الشبهات التي يظنونها براهين، مع كثرة الخوض والتكلف، والقول على الله بلا علم، والإعراض عن الاعتصام بالوحي في كثير من مباحثه.
قال البغوي رحمه الله: "واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات، وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام، وتعلمه." انتهى من "شرح السنة" (1/ 216).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: "«أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر، والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه: بالإتقان، والمَيْزِ، والفهم." انتهى من "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 942).
وقد أقر بعض المتكلمين بما في "الكلام" من ابتداع وجدل، وخوض مذموم، وأنه ليس علما.
قال الغزالي رحمه الله: "فإن قلت: فلم لم تورد في أقسام العلوم: الكلامَ والفلسفةَ، وتبين أنهما مذمومان أو محمودان؟
فاعلم أن حاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي يُنتفع بها، فالقرآن والأخبار مشتملة عليه، وما خرج عنهما فهو: إما مجادلة مذمومة، وهي من البدع كما سيأتي بيانه، وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق لها، وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع، وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين، ولم يكن شيء منه مألوفاً في العصر الأول، وكان الخوض فيه بالكلية من البدع." انتهى من "إحياء علوم الدين" (1/ 22).
ومع ذلك التقرير الواضح، فإننا نجد الغزالي يقول بعد ذلك: إنه صار مأذونا فيه بحكم الضرورة، بل صار من فروض الكفايات!
والحق أنه لا حاجة للمسلمين بهذا العلم، فضرره أعظم من نفعه، وترهاته وبراهينه لا تصمد في وجه فليسوف ولا ملحد، فلا الإسلام نصروا، ولا الباطل كسروا، بل أفسدوا به العقائد، وقالوا على الله بغير علم، وخالفوا إجماع السلف في مسائل كثيرة معلومة كالصفات، والإيمان، والقدر، وقد اعترف حذاقهم بالحيرة، وندموا في آخر أعمارهم على ما ضيعوه فيه.
ومن ذلك قول الرازي: "لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) طه/ 5 و (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر/ 10. وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى/ 11 (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) طه/ 110.
ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي" نقله شيخ الإسلام في "بيان تلبيس الجهمية" (8/ 530).
وقال ابن كثير رحمه الله: ثم قيل: إنه ندم على دخوله في هذا الفن، كما قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح رحمه الله: أخبرني القطب الطوغاني مرتين، أنه سمع الفخر الرازي يقول: ليتني لم أشتغل بعلم الكلام؛ وبكى!!
و الحمد لله رب العالمين.