ماذا تعني ثورة الرئيس هواري بومدين؟، وبيان حقيقة ( الاشتراكية ) التي جاءت في خطاباته .
بسم الله الرحمن الرحيم
ما إن نذكر الرئيس هواري بومدين – رحمه الله – ورجاله الذين كانوا من حوله ، إلا ويهجم علينا الجهلة والغوغاء ممن صنعهم الخوارج المكفرة ، بتنقص الرئيس بومدين والحكومة ، وإقصاء مشاريعه ، والطعن في حكومته ووصفها بالاشتراكية ، وأنها مناقضة للإسلام !!
▪️ هكذا يقرر الخوارج والحركات الإنفصالية وأعداء الأمة الجزائرية في مجالسهم وواقعهم ، وينشرون ذلك في مواقعهم .
هل نسلم لهم ذلك ؟
بناء على النقد العادل ، والتوجه الصحيح ما تفوهوا به هل هو صحيح ؟
▫️ الجواب : الدارس لسيرة الرئيس هواري بومدين ومشروعه يجده خلاف ما يتفوه به القوم ، وما يروجون له من الأباطيل والأكاذيب .
نعم ، نحن ننكر لفظة ( الاشتراكية ) ، ونعتبرها دخيلة على الإسلام وحكوماته ، وهي تتنافى مع معتقد المجتمع الجزائري وتقاليده وعاداته وتوجهه الديني ، ولهذا هذه اللفظة لم تدوم في الحكومة الجزائرية ، ولم تلق قبولا في شارع الجزائر ، فهي كما دخلت خرجت ، فهي غريبة في الطرح الجزائري عند علمائها وساستها وحكامها ، حتى الرئيس هواري بومدين لم يقبل معناها الاعتقادي السياسي الاقتصادي المشهور الذي عليه تأسس توجه ماركس ولينين ، كما سنبين
▪️ نعم الرئيس هواري بومدين استعمل لفظة ( الاشتراكية ) في خطاباته ، ولكن ماذا قصد بذلك ؟
وما هي الظروف التي أوجبت التلفظ بهذه اللفظة ؟
الجواب :
أولا : مسيرة هواري بومدين ومشروعه هو الثورة الصناعية والفلاحية والاقتصادية والعسكرية ، هو طلب من الشعب الجزائري أن يتضامن بعضه مع البعض ، ويجعل من نفسه كتلة واحدة مجتمعة مشتركة في بناء الجزائر ، ومحاربة الفقر والفساد والطغيان الذي خلفه المستعمر الفرنسي والكولون .
هو يريد بهذه اللفظة الاشتراك في العمل والبناء ، وهذا مقصد إسلامي كما لا يخفى .
ثانيا : توجه الرئيس هواري بومدين هو توجه إسلامي، وصف الكاتب الأستاذ زيدان المحامي مشروع بومدين في كتابه ( جبهة التحرير الوطني جذور الأزمة ) الذي قدم له المجاهد صالح قوجيل ، قائلا : ( تجسيدا لمبادئ الإسلام السمحة في الإخاء والمساواة وإقامة العدل بين الناس، وكثرة هاته الكتابات – أي في وصف مشروع بومدين – التي أعادت إلى الأذهان عدالة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ، وقاربت بين تلك التدابير التي تلك التدابير التي اتخذها في منح حق الانتفاع بالأرض " من أحيا أرضا مواتا فهي له " ) ا.هـ
هو انتهج سياسة أن المعادن وثروات البلاد هي ملك تصرف الحكومة (أي : الإمام ) كما قررته كتب الفقه المالكي .
قلت ( بن سلة ) : هل هذا يعد اشتراكية أم هو تطبيق الشريعة الإسلامية ؟!
إذا كانت الاشتراكية تدعي المساواة والعدالة – وأنى لها ذلك – فالإسلام سبقها إلى ذلك وهو ليس بحاجة إليها ، وبهذا رد بومدين على الرئيس بن بلة كما سنبين ذلك .
ثالثا : لفظة ( الاشتراكية ) أطلقت في ذلك الظرف مقابل سياسة المعمرين ( الكولون ) ، والليبرالية ، والاحتكار ، والاستعباد .
وأريد بها كما قلنا العدالة الاجتماعية والاشتراك في العمل وخيرات البلاد التي قضى عليها المستعمر والليبرالية واحتكرها واستأثر بها .
رابعا : هناك من مؤرخي الجزائر حمل استعمال هذه اللفظة من طرف الحكومة الجزائرية في ذلك الظرف والوقت من باب مجاملة الحلفاء الذين وقفوا مع الجزائر في ثورتها ضد فرنسا وضد الليبرالية والكولون ، وممن ساندها وقدم لها يد المساعدة والبناء
أي : هي مجرد لفظة يخدم بها مصالح البلاد، ولا حقيقة لها في عقيدة الشعب الجزائري وعاداته وسياسته ، أريد بها تمتين العلاقات مع الحلفاء .
هذه نظرة بعض كُتاب الجزائر ، فهي مرحلة من هذه السياسة الملعونة والحروب النفسية التي ظهرت في هذا العصر الحديث .
◾الذي يصف الرئيس هواري بومدين بالإلحاد والشيوعية ؟!
فهو لم يعرف من هو بومدين ؟
الرئيس هواري بومدين كان متشبعا بمبادئ القرآن ومن تلاميذ الجمعية السلفية ، ومتمكنا في العروبة ومن دعاتها ، ولا يفتخر إلا بالإسلام وتاريخه .
فهو من انقلب على نظام الرئيس بن بلة – رحمه الله – وانتقده ولم يقبل بسياسته ، ولم يرض بتصرفاته ، وبمحيطه الماركسي ، ومما جاء عنه في انتقاده لبن بلة ، قال : ( هؤلاء اليساريين الذين هرعوا إلى الجزائر وأحاطوا لبن بلة داخل بلادنا أناس أرادوا أن يضعوا أنفسهم في مكانة المرشدين ، فشلوا في بلاد أخرى ، وأرادوا أن يقوموا بتجارب جديدة في بلادنا ، وأبناء الجزائر ليسوا في حاجة إلى مرشدين أجانب ليعطوا دروسا عن كيفية بناء الاشتراكية ، أو بناء المجتمع الجديد ) ا.هـ
ومما جاء في لائحة مجلس الثورة بعد الإطاحة بنظام بن بلة ( 19 جوان 1965 ) : ( إن النهوض بمجتمعنا لا يمكن أن يتم إلا بتمسكنا بمعتقداتنا واحترام تقاليد شعبنا الأصيلة ، وقيمه الخلقية ، ومثله العليا ) ا.هـ ، انظر كتاب ( جبهة التحرير الوطني ، جذور الأزمة ) .
قلت ( بن سلة ) : هذا يدل أن سياسة بومدين وشعبه تنافي معتقد ماركس ولينين وسياستهم جملة وتفصيلا ، كيف لا ، والحكومة الجزائرية لا تقبل ولا ترضى بالحزب الشيوعي الفرنسي ، ولقد قمعته في كل مراحله ، ولا تلتقي معه في جميع نقاطه وبرامجه وتوجهاته ، ولا تحاوره .
◾ الرئيس هواري بومدين حارب الاستبداد والمصلحجية ، ومكن الإسلام ولغته وتاريخه ، ووطنية شعبه وحريته وسيادته ، وهذا كله يتنافى مع عقيدة ماركس ولينين ، فكيف ينسب هواري بومدين إليهم ؟!
◾ الذي لا يعرف تاريخ الجزائر ، وظروفها التي مرت عليها ، وحجم خصومها ، ومن هم ؟ وتوغلهم في المجتمع الجزائري فسوف يظلم الجزائر ، وينحرف في الحكم ، ويقع في الطغيان الذي ينتقده على الحكومة الجزائرية – زعم - .
عدوة الجزائر هي فرنسا ، ولقد مكنت أفكارها ونشرت رجالها في المجتمع الجزائري ، مهمتها عرقلة مشروع الإسلام ، فعلماء الجزائر وساستها وقيادتها ، اضطروا للدخول في المعركة مع فرنسا ومزاحمتها ، وفرض وجودهم بقوة القلم واللسان والسلاح ، وقد تجد في خطاباتهم بعض الفاظ فرنسا وما يضادها ، لنقض سياسة فرنسا ، ولإفشال شعارات الديموقراطية والشيوعية الكاذبة المزعومة ، وإلا فعقيدة الجزائر وتاريخها مهما طالت فرنسا (130) سنة أو أكثر أو أقل ، فلا يؤثر على الجزائر إلا عقيدتها وعاداتها حكومة وشعبا ، فهذا ينبغي أن يتنبه له من يصف الحكومة الجزائرية بأنها تمثل النظم الكافرة من الاشتراكية والديموقراطية فينطلق في حكمه من منظور ومعتقد الخوارج ، وما ذاك إلا لأنه تربى على يد الخوارج المتطرفة وهو يجهل تاريخ الجزائر ، ولم يتألم ويلق ما لقاه بواسل الجزائر من المحن والصعاب في مواجهة فرنسا وحزبها ورجالها المنتشرة في مؤسسات الدولة وفي شارع الجزائر .
هواري بومدين جهاد من أجل إسلام الجزائر وعروبتها ، وهو لم يكن يريد الكرسي ، فأعماله وإنجازاته تشهد بذلك ، ولم ينتقده أحدا من علماء الجزائر ، بخلاف بن بلة الذي انتقد من طرف العلماء والساسة والقيادة .
الذي ينتقد الرئيس هواري بومدين ، نقول له : ماذا قدمت للإسلام مثل ما قدم الرئيس – رحمه الله - ؟
هو قدم روحه ووقته كله للجزائر المسلمة ولشعبها ، وأنت ماذا قدمت ؟
الجواب : قدم الثرثرة والعويل وهو يعلوك لسانه وفمه.
هذا الذي ينتقد الحكومة لا يحرك ساكنا ، ولا ينش الذباب عن نفسه فضلا عن غيره ، فالبعيد عن المعركة يقول : أنا ضراب !
الرجال قدمت أرواحها وأعز ما تملك في هذه الدنيا من أجل الوطن الجزائري المسلم ، ولراحة شعبه وأمنه إبان المستعمر الفرنسي ، ثم في العشرية السوداء ، وفي مقابل ذلك تجد الجبناء والغوغاء تأكل وتشرب وتنام ، ولما تستيقظ وتشبع تبدأ تعوي وتنبح على الوطن الجزائري وعلى قيادته وحكومته ومؤسسته العسكرية ، فهذا أبلغ وأجود ما يحسن اللئيم الجبان، والله المستعان.
كتبه : بشير بن سلة الجزائري