عشية مشاركة المنتخب الجزائري في نهائيات كأس أمم إفريقيا، صدمت مجددا مثل غيري بمستوى تحاليل بعض المدربين واللاعبين السابقين الذين راحوا ينتقدون الخيارات الفنية لمدرب المنتخب وينتقدونه لاختياره مواجهة تونس وديا، ولإجرائه التحضيرات في الجزائر العاصمة في وقت تجاوز غيرنا مثل هذه النقاشات التافهة، وتوجهوا نحو الحديث عن الخطط والمشاريع وهوية اللعب في مجال كرة القدم التي لم تعد مجرد لعبة فقط، بل أصبحت ظاهرة علمية لا يمكن اختزالها في المستطيل الأخضر، ولا يمكن فهمها بهذه السهولة والسطحية التي نلاحظها على فلاسفة الكرة عندنا.
بعض المدربين واللاعبين السابقين انتقدوا المدرب على اختياره لاسحاق بلفوضيل عوض غيلاس، واختيار كاسحي وسط ميدان ماتز عوض قديورة، وهم الذين كانوا دائما يدافعون عن حريتهم وحقهم في الاختيار عندما كانوا يشرفون على النوادي والمنتخبات، ولكن عندما يتعلق بمدربين آخرين يحاولون الظهور أمام الرأي العام بمظهر العارفين بخبايا وشؤون الكرة رغم أن الناخب الوطني أدرى بقدرات لاعبيه ومدى جاهزيتهم وقدرتهم على الانسجام مع المجموعة.
محللون آخرون انتقدوا اكتفاء المدرب بمواجهة واحدة ودية ضد تونس معتبرينها غير كافية وغير مناسبة، لأن تونس لا تشبه في طريقة لعبها منتخبات غانا وجنوب افريقيا والسنغال، وهي حجة مردودة على أصحابها، لأن عدد المباريات الودية ليس مقياسا، وطبيعة المنافس ليس معيارا مادام المنتخب قد لعب ست مباريات تصفوية، واللاعبون يعرفون بعضهم البعض ويشاركون مع نواديهم بانتظام.
لقد اتضح بأن مواجهة تونس كانت جد مفيدة حتى عندما لعب منتخبنا بعشرة لاعبين في الشوط الثاني، لأن السيناريو قد يحدث في "الكان"، والاكتفاء بمواجهة تونس وديا لن يكون له أي تأثير سلبي، لأن التنقل إلى بلد إفريقي آخر لإجراء مباراة ودية كان سيرهق اللاعبين الذين كانوا بحاجة لاسترجاع لياقتهم بعد فترة "الميركاتو"، وإلى ظروف تحضير أفضل يركزون فيها على العمل التكتيكي والنفسي للمحافظة على لياقتهم وسلامتهم قبل دخول منافسة شاقة.
استمعت أيضا إلى لاعبين سابقين انتقدوا خيار المدرب بالتحضير في الجزائر العاصمة بحجة اختلاف الظروف المناخية والأجواء عن ظروف اللعب في غينيا الاستوائية في وقت نسي الجميع بأن السنغال أجرى تربصه التحضيري في المغرب، وتنقلت غانا إلى اسبانيا والبرتغال، أين لعبت مباريات ودية مع نواد من الدرجة الثانية، في وقت بقيت منتخبات جنوب إفريقيا ومالي والكاميرون في بلدانها تحضر للموعد القاري، لأنها تجاوزت هذا الفكر الكلاسيكي والتقليدي الذي بقي رهينة تصور خاطئ لطبيعة التحضير للمنافسات الكروية التي تتعدى مدتها عشرة أيام!
من يتحدثون عن المناخ والحرارة والرطوبة في إفريقيا وخصوصيات الكرة الإفريقية لا يملكون فكرا كرويا فنيا وتكتيكيا، ونسوا بأن الجزائر ستواجه منتخبات أوروبية وليست افريقية، لأن كل لاعبيها ينشطون في أوروبا ويملكون عقلية وثقافة لعب أوروبية لا علاقة لها بالكرة الإفريقية السابقة التي كانت ترتكز على الاندفاع والقوة واللياقة البدنية، ومن يتحدثون عن الاكتفاء بلعب مباراة ودية واحدة أمام تونس نسوا بأن المنتخب صار يملك هوية لعب وتشكيلة واضحة وانسجاما كبيرا يجب المحافظة عليه من خلال المحافظة على اللاعبين من هاجس الارهاق والملل وضغط المباريات، لأنهم لعبوا ما فيه الكفاية مع نواديهم ومنتخب بلدهم منذ بداية الموسم.
أنا لا أبخس المحللين والمدربين حقهم في إبداء آرائهم وتوقعاتهم في منتخب بلدهم، وحقهم في انتقاد المدرب عندما تقتضي الضرورة بعد انتهاء المنافسة، ولكن هؤلاء وأولئك لا يمكنهم أن يبخسوا حق المدرب في اختيار اللاعبين ومكان التحضير وطبيعة وعدد المباريات الودية التي يلعبها، لأنه المسؤول الوحيد عن خياراته، وهو الذي يعرف ظروف لاعبيه وخصوصياتهم وقدراتهم الفنية والبسيكولوجية على خوض منافسة قارية سيكون فيها الضغط على لاعبينا، لأنهم المرشحون للتتويج منذ مونديال البرازيل.