“حرام ما يحدث في ليبيا!” يقول زميلي العائد من هذا البلد الجار منذ أيام.. “البلاد بدأت تعرف بوادر نهضة، لكن ما يجري الآن هناك دمر كل شيء”.
نعم، التدمير لم يطل فقط المنشآت في ليبيا، التي صارت كلها هدفا لطائرات الناتو التي يبدو أنها مصممة على تسوية المنشآت بالأرض، ولا يهم إن كانت هذه المؤسسات أو البنايات وما بداخلها تابع للثوار أو للقذافي.
لكن الدمار الكبير ليس في المنشآت التي يقصفها الناتو دون تمييز، الدمار الكبير هو ذلك الذي زرعه نظام القذافي في بلاده منذ أربعين سنة، حتى أن معظم الليبيين تفطنوا مع الأزمة، واكتشفوا أنهم لا يعرفون صنع أي شيء بأيديهم، اكتشفوا أنهم لا يعرفون صناعة الخبز، ولا تنظيف شوارعهم، ولا عمل أي شيء، بعد أن فر المصريون والتوانسة والجزائريون والسودانيون، وبعد أن تفرقت العمالة التي كانت تقتات على حساب كسل الليبيين، الذين اشترى القذافي سكوتهم بأموال النفط، ومدد في عمر سلطانه بتوزيع الريع على الجميع.
لم يسدِ القذافي معروفا لما كان يوزع مداخيل النفط على الليبيين، الذين ظنوا أنها هذه هي العدالة الاجتماعية، وأنه هذا هو الحكم الراشد.
صحيح أن القذافي كان يقدم المنح الدراسية لكل الليبيين الراغبين في التعليم في الخارج في أي بلاد أرادوا، لكنه في المقابل أيضا وفي غياب الحرية الفكرية وحرية النقاش والنقد، منع الوعي عن مواطنيه، وما يجري الآن في ليبيا من انشقاق وسط أعضاء المجلس الانتقالي ما هو إلا دليل على انعدام الوعي حتى وسط النخبة الليبية، هذا إذا اعتبرنا أن هؤلاء نخبة، لأنه لو كان أعضاء الانتقالي الليبي واعون، لوعوا بالمخاطر التي جلبوها لبلادهم لما فتحوا الباب أمام الناتو، وأمام الأطماع الفرنسية والأمريكية التي تعيث اليوم فسادا في ليبيا ولاشك أنها تتمنى أن تستمر الفوضى، وألا تقوم لهذا البلد قائمة، حتى تستغل كيفما شاءت واستطاعت ثروات البلاد.
لكن من سيستخلص العبرة الآن؟ وليبيا مفتوحة على كل المخاطر، بعدما استغلت “القاعدة” الفرصة، واتخذت لها موطن قدم في النزاع، تماما مثلما فعلت في العراق وهو ما ينذر بأن عمر الأزمة سيطول في ليبيا، وحتما سنتضرر من جهتنا هنا في الجزائر من هذه الحرب الدائرة على حدودنا.