من الناحية العقلية : يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في مجوع فتاويه ما نصه : اعلم وفقك الله -أن الله جل وعلا الذي خلق الذكر والأنثى جعل بينهما فوارق طبيعية لا يمكن إنكارها ، ويسبب ذلك الاختلاف الطبيعي جعل لكل منهما خدمات يقوم بها للمجتمع الإنساني مخالفة لخدمات الآخر .
إعلم . أولاً : أن الذكورة كمال خلقي ، وقوة طبيعية . والأنوثة نقص خلقي ، وضعف طبيعي ، وعامة العقلاء مطبقون على ذلك ، ولذلك تراهم ينشئون الأنثى في أنواع الزينة من حلي وحلل . كما قال تعالى : { أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين } والتنئشة في الحلية إنما هي لجبر النقص الخلقي الذي هو الأنوثة . بخلاف الذكر ، فإن شرف ذكورته وكمالها يغنيه عن الحلي والحلل.
وما الحلي إلا زينة من نقيصة……يتم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفراً……كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
ولأجل أن الذكورة كمال وقوة جعل الله هذا الكائن في خلقته القوية بطبيعته قائماً على المتناقص خلقه الضعيف طبيعة ليجلب له من النفع ما يعجز عن جلبه لنفسه ، ويدفع عنه من الضر ما يعجز عن دفعه عن نفسه : { الرجال قوامون على النساء } الآية(1) . ولكون قيامه عليها يقتضي دفع الإنفاق والصداق فهو يترقب النقص دائماً وهي تترقب الزيادة دائماً آثره عليها في الميراث ، لأن إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة ، وذلك من آثار ذلك الاختلاف الطبيعي بين النوعين .
ومن آثاره أنه تعالى جعل المرأة حرثاً للرجل : { نساؤكم حرث لكم } الآية(2) . فهو فاعل وهي مفعول به . وهو زارع . وهي حقل زراعة تبذر فيه النطفة كما يبذر في الحب في الأرض ، وهذا محسوس لا يمكن إنكاره ، لأن آلة الازدراع مع الرجل ، فلو أرادت المرأة أن تجامعه لتعلق منه بحمل وهو كاره فإنها لا تقدر على ذلك ولا ينتشر إليها ، بخلافه ، فإنه قد يحبلها وهي كارهة كما قال أبو كبير الهذلي في ربيبه تأبط شراً :
ممن حملن به وهن عواقد……حبك النطاق فشب غير مهبل
حملت به في ليلة مزوئرة……كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل
ولأجل ذلك الاختلاف الطبيعي قال الله تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ظيزى } فلو كانت الأنثى معادلة للذكر في الكمال الطبيعي لكانت تلك القسمة في نفسها غير ظيزى ، وإن كان ادعاء الأولاد لله من حيث هو فيه من أشنع الكفر وأعظمه ما لا يخفى .
وقال تعالى : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به } الآية .فلوا كانت الأنثى معادلة للذكر في الكمال الطبيعي لما ظل وجه المبشر به مسوداً وهو كظيم ولما توارى من القوم من سوء تلك البشارة ولما أسف ذلك الأسف العظيم على كون ذلك المولود ليس بذكر .
ومن آثار ذلك الاختلاف الطبيعي : أن الله تعالى جعل شهادة امراتين في الأموال كشهادة رجل { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } الآية . الله الذي خلقهما وأحاط علماً بما جبلهما عليه وما أودع فيهما من حكمة ، ولو لم يجعل الرجل أكمل من المرأة لما نزل امرأتين منزلة رجل واحد ، لأن تفضيل أحد المتساويين ليس من أفعال العقلاء ، وأحرى خالق السماء جل وعلا .
وقد جاء الشرع الكريم بقبول شهادة الرجال في أشياء لا تقبل فيها شهادة النساء : كالقصاص ، والحدود ولو كانا متماثلين في الكمال الطبيعي لما فرق الحكيم الخبير بينهما .
ولأجل هذا الاختلاف الطبيعي وقعت امرأة عمران في مشكلة من نذرها في قوله: { قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً } الآية .لما ولدت مريم . ولو كانت ولدت ذكراً لما وقعت في هذا الإشكال المذكور في قوله: { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى } الآية . وتأمل قوله في هذه الآية { وليس الذكر كالأنثى } فإنه واضح في الفرق الطبيعي .
ومن الفوارق الظاهرة بينهما أن المرأة الأولى خلقت من ضلع الرجل الأول ، فهي جزء منه . وهو أصل لها : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } الآية . ولذا كانت نسبة الأولاد إليه ، لا إليها ، وكان هو المسئول عنها في تقويم أخلاقها { الرجال قوامون على النساء } الآية . { يا أيها الذين آمنوا قوا نفسكم وأهليكم ناراً } الآية. وهو المسئول عن سد خلاتها .
ولأجل هذا الاختلاف الطبيعي والفوارق الحسبة والشرعية بين النوعين فإن من أراد منهما أن يتجاهل هذه الفوارق ويجعل نفسه كالآخر فهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمحاولته تغيير صنع الله ، تبديل حكمته ، وإبطال الفوارق التي أودعها فيهما ، وقد ثبت في صحيح البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ) ولو لم يكن بينهما فرق طبيعي عظيم لما لعن صلى الله عليه وسلم المتشبه منهما بالآخر . ومن لعنه صلى الله عليه وسلم فهو ملعون في كتاب الله ، لقوله تعالى : { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الآية ،
ولما جهلت أو تجاهلت فارس هذه الفوارق التي بين الذكر والأنثى فولّوا عليهم إبنة ملكهم قال صلى الله عله وسلم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) (أخرجه البخاري) .ولو كانا متساويين لما نفى الفلاح عن من ولى أحدهما دون الآخر وقد يفهم من هذا الحديث الصحيح أن تجاهل الفوارق بين النوعين من أسباب عدم الفلاح لأن قوله (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) واضح في ذلك . الله جل وعلا جعل الأنثى بطبيعة حالها قابلة لخدمة المجتمع الإنسان خدمة عظيمة لائقة بالشرف والدين . ولا تقل أهميتها عن خدمة الرجل . فهي تحمل وتعاني آلام الحمل مدة وتنفس وترضع ، وتصلح جميع شئون البيت فإذا جاء الرجل من عمله وجد أولاده الصغار محضونين ، وجميع ما يلزم مهيأ له .
فإن قالوا : هي محبوسة في البيت كالدجاجة .
قلنا : لو خرجت مع زوجها لتعمل كعمله وبقي أولادها الصغار وسائر شئون بيتها -ليس عند ذلك من يقوم به لاضطر زوجها أن يؤجر إنساناً يقوم بذلك فيحبس ذلك الإنسان في بيتها كالدجاجة . فترجع النتيجة في حافرتها ، مع أن خروجها لمزاولة أعمال الرجال فيه من ضياع الشرف والمروءة والانحطاط الخلقي ومعصية خالق السماوات والأرض ما لا يخفى .
فإن قالوا : هي في البيت كالمتاع .
قلنا : بأن المرأة متاع هو في الجملة خير متاع الدنيا ، وهو أشد الأمتعة تعرضاً لخيانة الخائنين ، وأكثرهم من تخرج المرأة بينهم اليوم فسقه لا ورع عندهم . فتعريضها لنظرهم إليها نظر شهوة ظلم لها ، لأنه استمتاع بجمالها مجاناً على سبيل المكر والخيانة .
والخائن يتلذذ بالنظر الحرام تلذذاً عظيماً ...
قال أحدهم : قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة……ودعوا القيامة بعد ذلك تقوم
وكما أنه ظلم لها فهو مخل بالمروءة والدين والشرف . والعجب كل العجب ممن لا يغار على حرمة مقبلة مدبرة في غير صيانة ولا ستر بين الفسقة بدعوى التقدم والحرية .
وما عجبت أن النساء ترجلت ……ولكن تأنيث الرجال عجاب
ومن المعلوم الذي لا نزاع فيه أن جميع الأقطار التي صارت فيها النساء تزاول أعمال الرجال انتشر فيها من الرذائل والانحطاط الخلقي ما يعرف منه الجبين .
إن للعار فحشاً موبقات……تنقى مثل موبقات الذنوب
فقد راعى الشرع المطهر الفوارق التي ذكرنا في أمور كثيرة كما قدمنا : في الشهادة ، والميراث ، وقيام الرجل على المرأة ، والطلاق ، وكتولي المناصب .أنتهى كلام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
خلاصة :بعدما استعرضنا كل هاته الأقوال من كافة النواحي أخلـُص وهذا رأيي بناء على ما سبق إلى ما يلي:
-نحن نقول ما يقوله شرعنا لأنه متضمن لجلب المصلح ودرء المفاسد سواء علمناها أو لم نعلمها فنقول : الأولى والأفضلمن جميع الجوانبوالأصلح والأبعد عن الفتنة... أن تسكن في قصرها الذي هو بيتها كما قال تعالى :مخاطبا سيدات وأمهات المؤمنين: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.
لذا لابد من وضع الأمور في نصابهاالصحيح.. وهذه هي الحكمة، لأن الإنسان أحياناً يكون هو صاحب الكلمة، ولكن في أحيانأُخرى تُفرض عليه بعض الأمور التي لا يملك إلا التسليم والقبول بها...وعلى الإنسان الحكيم أن يقدم الأمورالمهمة على ما سواها.. فماذا يساوي عمل المرأة ـ على ما فيه من الشقاء والنكد وضياعالعمر ـ إذا ما قابلناه بما هو أهم منه، وهو الاستقرار والراحة وتكوينأسرة؟؟.
هذا أولا ثم إن تفاهم الزوجان على عمل المرأة فعليها أن تعمل عملا نسائيا لا اختلاط فيه، فللمرأة أن توظف مدرسة أو مديرة أو كاتبة في المدارس النسائية، ولها أن تعمل طبيبة أو ممرضة أو كاتبة أو في أي عمل تجيده في المستشفيات الخاصة بالنساء إلى آخر الأعمال المناسبة لها..ولهذا نقول أيضا كما قال العلامة محمد أمان الجامي في كتابه نظام الأسرة في الإسلام فقال: ولسنا نقول - كما يظن - أن المرأة لا تخرج من بيتها لمزاولة الأعمال، كلا بل للمرأة المسلمة أن تعمل ولها مجالات واسعة للعمل، والقول بأن الإسلام يمنع المرأة عن العمل إساءة إلى الإسلام وسمعته كما أن القول: مجال عملها ضيق قول غير محرر، فالمرأة المسلمة لها أن تزاول أعمالها دون محاولة أن تزاحم الرجال أو تختلط بهم أو تخلو بهم، للمرأة أن توظف مدرسة أو مديرة أو كاتبة في المدارس النسائية، ولها أن تعمل طبيبة أو ممرضة أو كاتبة أو في أي عمل تجيده في المستشفيات الخاصة بالنساء إلى آخر الأعمال المناسبة لها.اهـ
والله أعلم ....لا تبخلوا بآرائكم الصريحة ...