صيامنا بين العادة والعبادة ! - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > خيمة الجلفة > الجلفة للمواضيع العامّة

الجلفة للمواضيع العامّة لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

صيامنا بين العادة والعبادة !

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-08-03, 14:22   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ANONYM
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ANONYM
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي صيامنا بين العادة والعبادة !



الحمد لله الَّذي فَرضَ علينا صيَام رَمَضَان، ويسَّر لنا فيهِ سُبُلَ الطَّاعة والرِّضوَان، والصَّلاة والسَّلام على رسول الإيمان، قُدوة المخلِصين من أهل الصِّيام، وآله الطَّاهرين وصحبه الكرام.
أمَّا بعد:
فقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله وقد وضَع يَده على بعض أَدوَاء النُّفوس: «رأيت عَادات النَّاس قد غَلبَت عَلى عَملِهم بالشَّرع، فَهم يَستوحشُون من فِعل الشَّيء لعَدَم جَرَيان العَادة، لا لنَهي الشَّرع»!
ثمَّ بعد كلامٍ له قال: «فإنَّ الإنسَان لو ضُربَ بالسِّياط ما أفطَر في رَمضَان عادةً قد استَمرَّت! ويأخذ أعراض النَّاس وأموَالهم عَادة غَالبة»([1]) اهـ.
وما ذلك إلاّ لأنَّ النَّاس نَشأ صَغيرهم، وهَرِم كَبيرُهم على أنَّ انتِهَاك حرمة رَمضان جُرم شَنيع، يُلحق المعَرَّة والعَار بمرتَكبه، ثمَّ في حَال غَفلةٍ من النَّاس، اندَرَس رُكن الامتِثال والاستِسلام، بمثل هَذه العِبَادة الجليلَة لله ـ سبحَانه وتَعَالى ـ، حتىَّ خَلَت قلوبهم من حُضُور الاحتسَاب بهذه العبَادة، وصَاروا يُؤدُّونها مُجاراةً لعُموم المسلِمين فيمَا هم فيه، وصَار رمضَان لا يعني عند أكثر النّاس ـ كما قيل ـ إلاَّ تغيرًا في مَواعيد الأكل، مع غُلوٍّ سَخِيف في تَكثير صُنُوف الأكل، وأنبَار الطَّعَام، ولـمَّا فَقَدنا رُوح الصِّيام ومعَاني الاحتسَاب، صَارَ أحدُنا يُسلِّي نفسَه حال الجَزَع من الجوع والعطَش في نهار رمضَان، ويمنِّيها بموعِد الإفطَار، والهجُوم على أجناسِ الأكل المختَلِفة.
وهذا الذُّهول عن مَعنى احتسَاب الصَّوم، تهوُّر من الصَّائم يُفوِّت عليه ثَواب الصِّيام وفَوائده، وقد يحوِّل عمَله إلى مشقَّة وعَناء، حظُّه منه الجوع والعطَش، كما سيأتي في الحديث.
* فقه حديث الاحتساب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ»([2]).
قوله: «إيمانًا» أي: تصديقًا جازمًا بحكم الله، وحقِّ فرضيَّة صيامه، وأنَّ وعده والثَّواب عليه حقٌّ([3]).
وقوله: «احتسابًا»: الحِسْبَة بالكسر لغةً: الأجر، والاسم منه الاحتساب([4])، ومعنى الحديث كما قال العلماء: هو أن يبتغي بصيامه وجه الله مخلصًا له وحده، راجيًا لثوابه، وَقَالَ الخَطَّابي: «هُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى مَعْنَى الرَّغْبَة في ثَوَابهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ بذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَثْقِل لِصِيَامِهِ، وَلاَ مُسْتَطِيل لأَيَّامِهِ([5])، وأكثر ما يجيء ذكرُ الاحتساب في ما يخشى الذُهولُ عَنه([6])، ثمَّ إنَّ منطوق الحديث يدلُّ على أنَّ كلَّ ما رُتِّب على الصِّيام؛ من ثواب عظيم، وفوائد جليلة، مشروط بهذين الشَّرطين: الإيمان والاحتساب، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «لاَ أَجْرَ لِمَنْ لاَ حسبةَ لَهُ»([7]) فلابدَّ للصَّائم من مجاهدة نفسه لإحضار قلبه وملاحظة رقابة الله تعالى على صيامه وتعبُّده، وأنَّها هي الدَّافع لامتِنَاعِه عن طعَامِه وشهَوَاتِه، رغم اقتدَاره عليها، وأن يَستثير في نفسه الرَّغبة ودوام التَّطلُّع إلى جزاء الله وثوابه الَّذي أعدَّه للصَّائمين، واستكمَالُ هذه الحال هو السِّرُّ في قول الله عز وجل في الحديث القدسي: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بهِ»([8])، وتأمَّل قوله: «مِنْ أَجْلِي» فللمخلصين عندها دَمعَاتٌ وتأمُّلاتٌ.
واعلم أنَّ تحقيق مرتبة الاحتساب هو الَّذي يؤهِّل الصَّائم إلى حقائق التَّقوى، ولهذا لَمَّا قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾[البقرة:183]، ختم الآية بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ﴾.
وللإمام ابن القيِّم رحمه الله كلام ماتع قيِّم عن فقه العلاقة بين أصلي الإيمان والاحتساب والتَّقوى، قال رحمه الله:
وأمَّا التَّقوى فحقيقتها العَمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا، فيفعل ما أمر الله به إيمانًا بالأمر وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانًا بالنَّهي وخوفًا من وعيده، كما قال طلق بن حبيب: «إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتَّقوى»، قالوا: وما التَّقوى؟! قال: «أن تعمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله»([9]).
وهذا أحسن ما قيل في حدِّ التَّقوى، فإنَّ كلَّ عمل لابدَّ له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعةً وقربةً حتَّى يكون مصدره عن الايمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه، وغير ذلك، بل لابدَّ أن يكون مبدؤه محض الإيمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب، ولهذا كثيرًا ما يُقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا» و«مَنْ قَامَ لَيلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا» ونظَائِره.
فقوله: «على نورٍ من الله» إشارة إلى الأصل الأوَّل، وهو الإيمان الَّذي هو مصدر العمل، والسَّبب الباعث عليه.
وقوله: «ترجو ثواب الله» إشارة أنَّ الأصل الثَّاني ـ وهو الاحتساب ـ وهو الغاية الَّتي لأجلها يوقع العمل ولها يقصد به» ([10])اهـ.
وحتَّى يَنال الصَّائم حظَّه من قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ﴾ ينبغي أن يغتنم فرصة رمضان؛ بأن لا يُغفِل قلبَهُ عن استحضار مشاعر الصِّيام، واستشعار التَّلبُّس بعبادة الصَّوم العظيمة، وليكن على ذكرٍ أنًّ الَّذي يمنعُهُ عن تعَاطي ما يُوجبُ إبطَالَ صَومِه أو نَقصِه، إنَّما هو رقَابة الله تعالى، رغبةً ورهبَةً، وأنَّ نَفسَهُ مُلتزمَة بهِ التزَامَ تَعبُّد؛ ليَستَهدفَ بهذا تَعوِيد النَّفس الانفِطَامَ عَن المحظُور، وليروِّضها عَلى استِسهَالِ تركِهِ، مستفيدًا من قوَّة صَبرهَا في انقطَاعهَا عَن مباشَرة شَهوَة الطَّعام والفَرج، وهما من أعظم الشَّهوات؛ ليعزِّزَ في قَلبهِ أركان التَّقوى، والَّتي تبقى حصنًا منيعًا دون ارتياد المعاصي، وبوائق الإثم.
ثمَّ إنَّ تكرُّرَ هذه المشاعر ـ الَّتي يقود زِمَامَهَا الاحتسَاب ـ طيلة مُدَّة هذا الشَّهر ـ كفيلٌ في زيادة الإيمان، والملَكَة الَّتي تحرِّك في نَفس صَاحبها الوَازع الدِّيني، الَّذي سَيستَمرُّ رَادعًا للعَبد المُخلِص عن جميع ما يُسخط ربَّه، كمَا رَدَعَهُ عن الأكل والشَّراب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَة في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»([11])، إذْ لو كان صيام هذا الصَّائم ناشئًا عن إيمانٍ واحتسَابٍ؛ لانكسَرت شَهوتُه عن الرَّفث وقَول الزُّور، كمَا قد انكسَرت عن الطَّعام، فلمَّا لم يَنتهِ عن المعصية ولم يَشمل صَومُه جميعَ جَوارحِه؛ قال في مثلِه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ وَالعَطَشُ»([12]).
إنَّ الصِّيام الحَقيقي هو الَّذي يَصنَع في الصَّائم النَّفسَ التَّقيَّة الصَّالحَة، ليسَ في شَهر رَمضَان فَحَسب، بل طوَال أيَّام وأعوَام عُمرها، فَلا يعني انسِلاَخ الشَّهر بالنِّسبة للمُؤمن، إلاَّ ميلادًا جديدًا لنفسٍ تربَّت في محاضن الصِّيام والقيام، فاستفادت دُربةً على مقاومة الشَّهوات، والتَّعفُّف عن المُغريات، مع مزيدِ همَّةٍ في المسارَعَة إلى رَوضَات الطَّاعَة والقُربَات، والإقبَال عَلى الله حُبًّا وتَعطيمًا.
نسأل الله أن يرزقنا الصِّيام إيمانًا واحتسابًا، وأن يغفر لنا إنَّه كان غفورًا توَّابًا، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وأتباعِه من الصَّحابَة، والله تعالى أعلى وأعلم.


([1]) «صيد الخاطر» (ص228 ـ 229).
([2]) رواه البخاري (1901)، مسلم (760).
([3]) «فتح الباري» (4/149) و«شرح النووي لمسلم» (6/39).
([4]) «القاموس المحيط» (مادة: حسب).
([5]) «فتح الباري» (4/149).
([6]) «العرف الشذي شرح سنن الترمذي» للكشميري (2/141).
([7]) أخرجه ابن المبارك في «الزُّهد» (152)، انظر: «الصحيحة» (2415).
([8]) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، واللَّفظ له (1894)، ومسلم (1151).
([9]) أخرجه ابن المبارك في «الزُّهد» (1343)، وابن أبي شيبة «المصنَّف» (30356).
([10]) «الرِّسالة التَّبوكية» (ص8 ـ 10).
([11]) رواه البخاري (1804).



https://www.rayatalislah.com/ramadan_article.php?id=24








 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الصيام, العادة, العبادة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:29

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc