رد الشبهات عن صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم - الصفحة 10 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

رد الشبهات عن صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-03, 03:45   رقم المشاركة : 136
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اختلاف العلماء في عدِّ البسملة آية من الفاتحة لا يدخل في تحريف القرآن

السؤال :

القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر ، من غير نقص ، ولا زيادة , ولا شك فيه ، ولا ريب , ولا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه , وهذا ما تعلمناه وتربينا عليه . سؤالي هو : كيف اختلف أهل العلم من السلف على أن البسملة آية من سورة الفاتحة ، أو أنها ليست بآية ؟ وهل هذا الخلاف معتبر ؟ وأنا هنا لا أبحث في أدلة هذا الفريق ، وذلك الفريق , ولا أبحث عن معلومات إضافية في هذه المسألة من ناحية فقهية , فلقد قرأت فيها الكثير والكثير من الأبحاث , ولكن بحثي وسؤالي هو : كيف نسوِّغ الاختلاف في آية من القرآن الكريم الذي نقل إلينا بالتواتر ، جمع عن جمع ، وهكذا ، على أنها آية ، أو ليست بآية؟ هل يجب أن لا يكون هناك خلاف في هذه المسألة ؟ . أرجو أن تنفِّسوا عنِّي كربة هذا الهم الذي أصابني من هذه المسألة .

الجواب :

الحمد لله

لم يختلف المسلمون في أن الله تعالى قد حفظ كتابه من الزيادة والنقصان ؛ تحقيقاً لقوله عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحِجر/ 9 .

وقد أجمع المسلمون على كفر كل من يخالف هذا فيزعم أن كتاب الله تعالى فيه ما ليس منه ، أو نقص منه ما أنزل الله فيه .

قال القاضي عياض رحمه الله :

"وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض ، المكتوب في المصحف بأيدى المسلمين ، مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله ، ووحيه المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ما فيه حق ، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك ، أو بدَّله بحرف آخر مكانه ، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه ، وأُجمع على أنه ليس من القرآن ، عامداً لكل هذا : أنه كافر" انتهى .

"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/304 ، 305) .

وأما اختلاف العلماء في عد البسملة آية من القرآن أم لا؟ فلا يدخل في هذا ، لأن أئمة القراءات لم يختلفوا في قراءتها في أوائل السور ، وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على إثباتها في أوائل السور إلا سورة التوبة ، وذلك في المصحف الذي كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعث به إلى الأمصار .

قال الشوكاني رحمه الله في الكلام عن البسملة :

واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ، ولا من نفاها ؛ لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفاً مُجمعاً عليه ، أو أثبت ما لم يقل به أحد : فإنه يكفر بالإجماع .

ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة " النمل " ، ولا خلاف في إثباتها خطّاً في أوائل السور في المصحف ، إلا في أول سورة " التوبة " .

"نيل الأوطار" (2/215) .

وقد جعل بعض العلماء الاختلاف في عد البسملة آية من القرآن ، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف ، فقد يثبت في بعض القراءات ما لا يثبت في غيرها .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

"اختلف العلماء في البسملة ، هل هي آية من أول كل سورة ، أو من الفاتحة فقط ، أو ليست آية مطلقاً ، أما قوله في سورة النمل : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : فهي آية من القرآن إجماعاً .

وأما سورة " براءة " : فليست البسملة آية منها اجماعاً ، واختُلف فيما سوى هذا ، فذكر بعض أهل الأصول أن البسملة ليست من القرآن ، وقال قوم : هي منه في الفاتحة فقط ، وقيل : هي آية من أول كل سورة ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى .

ومِن أحسن ما قيل في ذلك : الجمع بين الأقوال : بأن البسملة في بعض القراءات - كقراءة ابن كثير - آية من القرآن ، وفي بعض القرآءات : ليست آية ، ولا غرابة في هذا .

فقوله في سورة "الحديد" (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) لفظة (هُوَ) من القرآن في قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وليست من القرآن في قراءة نافع ، وابن عامر ؛ لأنهما قرءا ( فإن الله الغني الحميد ) ، وبعض المصاحف فيه لفظة (هُوَ) ، وبعضها ليست فيه .

وقوله : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) الآية ، فالواو من قوله ( وقالوا ) في هذه الآية من القرآن على قراءة السبعة غير ابن عامر ، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) بغير واو ، وهي محذوفة في مصحف أهل الشام ، وقس على هذا .

وبه تعرف أنه لا إشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض ، وبذلك تتفق أقوال العلماء " انتهى .

" مذكرة في أصول الفقه " ( ص 66 ، 67 ) .

والله أعلم


اخي في الله

هذا بعض ما لاديا من علم بهذا الامر فان اردت المزيد ازيد








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-03, 05:32   رقم المشاركة : 137
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخذت بالك من الجملة الاخيرة اعيدها لزياده التوضيح

ولا يعني ذلك أن مذهب أبي حنيفة رحمه الله هو أصح المذاهب أو أن كل ما فيه من اجتهادات فهو صواب ، بل هو كغيره من المذاهب فيه الصواب والخطأ ، والواجب على المؤمن اتباع الحق والصواب بقطع النظر عن قائله .

واكمل

لماذا حصل الاختلاف في مسائل الفقه بين الأئمة؟ وهل يجب تقليد أحد المذاهب؟


السؤال

: مع بالغ احترامي للأئمَّة الفضلاء ، إلا أنني أستغرب لماذا قضية " التمذهب " الموجودة في هذه الأيام ، ألم تكن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة ، فلماذا الاختلاف إذاً ؟ هذا حنفي ، وهذا شافعي ... إلخ ، ألم يكن يتبع هؤلاء الأئمة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمِن أين نشأ الخلاف ؟ وهل يجب على المسلم أن يتبع مذهباً محدَّداً ، أم أنه يكفيه أن يتبع الكتاب ، والسنَّة ، وكفى ؟

الجواب :

الحمد لله

بُعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام الخالدة ، وقد أُمر المسلمون باتباع ما جاء في كتاب ربهم تعالى ، وما جاء في سنته صلى الله عليه وسلم ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرتوون من هذين المصدرين ، ثم إنهم رضي الله عنهم قاموا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمهة تعليم الناس دينهم ، وقد تفرقوا في الأمصار ، ولا شك أنهم لم يكونوا سواء في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن كان منهم أحفظ كانت فتياه مطابقة للسنَّة ، ومن لم يكن حافظاً فإنه يجتهد لمعرفة الصواب ، وهكذا كان اختلافهم في الحفظ سبباً لاختلافهم في الفتيا .

ثم إن النص الواحد قد يكون محفوظاً لكلا الصحابيين ، لكنَّ كل واحدٍ منهما يفهم منه غير ما فهم الآخر ، ويكون النص محتملاً لهذا ، وذاك ، وكل واحد منهما يجتهد في فهم النص وفق مراد الشرع ، والمصيب منهما واحد ، وهكذا كان الاختلاف في فهم النص من أسباب اختلافهم .

ثم انتشر العلم في الآفاق ، وصار في هذا الدين أئمة علم وهدى ، ومنهم الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) ، فظهرت أسباب أخرى لاختلافهم غير ما سبق ، وهو اختلافهم في صحة الحديث وضعفه ، واختلافهم في بعض قواعد فهم النصوص ، وهو ما اصطلح على تسميته " أصول الفقه " .

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

"أما أسباب اختلاف العلماء فكثيرة ، منها : أن كل واحد منهم لا يحيط بالعلم كله فقد يخفى عليه ما علم غيره ، وقد يفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح" انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 178 ) .

وبهذا يتبين ما يلي :

1. الواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في القرآن الكريم ، وما ثبت في السنَّة النبوية ، ولا يجب عليه التمذهب بمذهب فقهي معين .

2. أن الاختلاف بين العلماء له أسبابه الكثيرة ، وقد جُمعت هذه الأسباب في كتاب " رفْع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وكتاب " أسباب اختلاف العلماء وموقفنا من ذلك " للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .

3. أن أئمة الدين ليسوا أربعة فقط ، بل هم كُثر ، لكن الله تعالى جعل الشهرة للأئمة الأربعة رحمهم الله .

4. هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين مذهبهم هو اتباع النصوص ، وتعظيمها، وقد أمرونا بذلك ، ونهونا عن تقليدهم ، فمن رضيهم له أئمة : فليرض مذهبهم .

فلم يدعُ واحد من أئمة الدين الناس لتبني أقواله وتقديمها على أقوال غيره ، وقد نزههم الله تعالى عن هذا ، بل قد ثبت عنهم جميعاً التحذير من هذا الفعل ، والوصية بالأخذ من الكتاب والسنَّة .

5. أن هذه المذاهب هي بمثابة مدارس لفهم الكتاب والسنة ، وأئمتها اجتهدوا للوصول إلى الأحكام التي يرون أنها أقرب إلى الكتاب والسنة ، ولا حرج على المسلم أن يتمذهب بمذهب من هذه المذاهب ، ولكن بشروط أنه من ظهرت له السنة النبوية في خلاف ما علمه من مذهبه ، فالواجب عليه ترك المذهب واتباع السنة ، وهذه هي وصية هؤلاء الأئمة ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله وغيره : "إذا صح الحديث فهو مذهبي" .

6. الناس ليسوا سواء في الاطلاع على نصوص الوحي ، ولا سواء في إمكانية فهم النصوص ، لذا ، فقد ارتضت طائفة كبيرة من المسلمين بتقليد هؤلاء الأئمة ، وبما أن الشهرة كانت لأولئك الأئمة الأربعة ، وكان لهم تلاميذ نشروا أقوالهم : صرت ترى ذلك المقلد "حنفيّاً" أو "مالكياً" أو "شافعيّاً" أو "حنبلياً"

وغالباً ما يكون مذهب أولئك العوام مذهب شيخهم في مدينتهم ، أو قريتهم ، وهذا العامي لا حرج عليه في فعله ؛ لأنه مأمور بسؤال أهل العلم ، لكن ليس له أن يُنكر على غيره تبني قولاً آخر ، وليس له أن يفتي ، ولا أن يتعصب لقول شيخه ، بل متى ظهر له الحق فيجب عليه العمل به ، ولا يسعه غير ذلك .

والله أعلم











رد مع اقتباس
قديم 2018-03-03, 05:43   رقم المشاركة : 138
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يلزم أهل كل بلد بمذهب فقهي معين ؟

السؤال

هل ملزم كل بلد بتتبع مذهب خاص به ، ومحاولة تعليمه للآخرين دون ذكر جميع المذاهب ، مثلا ذكر حكم خاص بأمر شرعي قاله أحده المذاهب دون الآخرين . وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

الناس في البلاد – من حيث الاجتهاد والتقليد - على قسمين اثنين :

الأول : علماء مجتهدون في الشريعة ، بلغوا من العلم والمعرفة حدًّا ملكوا به أدوات الاجتهاد والاستنباط ، فهؤلاء فرضهم اتباع الحق الذي يرونه بدليله .

والقسم الثاني - وهو السواد الأعظم من الناس - : من لم يتخصص بدراسة العلوم الشرعية أو لم يبلغ فيها درجة الاجتهاد وأهلية الفتوى : من عامة الناس أو المثقفين والمتخصصين في العلوم الأخرى .

فهؤلاء فرضهم – الشرعي والطبيعي – سؤال أهل العلم ، والأخذ عنهم ، نجد ذلك في قول الله سبحانه وتعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43

إذا فأهل كل بلد ملزمون بسؤال أهل العلم واتباع فتاواهم ، ولكنها ليست تبعية مطلقة تضفي على المتبوع صفة العصمة والقداسة وحق التشريع والتصرف في دين الله – كما وقع في ذلك اليهود والنصارى والرافضة وغلاة الصوفية والباطنية – فإن ذلك خروج عن الدين ، واتخاذ للأنداد والشركاء والأرباب من دون الله ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31

وإنما المقصود من لزوم اتباع فتاوى العلماء هو الوصول إلى تعلم الحكم الشرعي من طريق المتخصصين الذين درسوا قواعد الشريعة وأصولها وبلغوا الأهلية فيها بالعلم المبني على الدليل ، وليس بالقداسة الممنوحة باسم الرب أو باسم الولاية ونحو ذلك من الأباطيل .

يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20/211) :

" الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كان صِدِّيق الأمة وأفضلها بعد نبيها يقول : أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم . واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال غير واحد من الأئمة : كل أحدٍ مِن الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .

ثانيا :

يبقى السؤال في تعيين أهل العلم أو المرجعية العلمية التي ينبغي الاعتماد عليها :

فيمكن القول بأن هناك مرجعيتين ينبغي الرجوع إليهما على مستوى الأمة والأفراد ، وهي
:
1- المرجعية المعاصرة : المتمثلة في المجامع الفقهية واللجان الشرعية التي يقوم عليها أهل العلم والديانة والأمانة ، وكذلك أفراد العلماء وأصحاب الكفاءات من المتخصصين في العلوم الشرعية : فهؤلاء لهم حظ وافر من لزوم أخذ الناس عنهم والاستفادة من توجيهاتهم ، خاصة في أمور الناس الحياتية اليومية ، وفي النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة ، وأيضا في المسائل التي تحتاج إلى إعادة النظر والاجتهاد فيها في ضوء الأدلة الشرعية والعقلية التي تراعي المصالح وتدرء المفاسد ، وترفع الحرج وتجتنب المشقة والضرر ، إذا كان تقليد أحد المذاهب الأربعة فيها يسبب الحرج والضيق ، فالشريعة مبنية على التيسير ، وليس فيها عنت ولا حرج .

2- المرجعية التراثية : المتمثلة في المذاهب الأربعة المشهورة : الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، وهذه المرجعية لها الحظ الأكبر والنصيب الأوفر من لزوم اتباع الناس لها والأخذ بما فيها : فإن القوانين التي يتواضع الناس في الرجوع إليها وتحكيمها ، ومناهج التعليم التي تقرر على طلبة العلم في حلق المساجد والمدارس ، ومراتب التنشئة العلمية التي يتدرج فيها المتخصصون في علوم الفقه والشريعة ، والتراث الذي ينبغي أن يستقر في أذهان العوام ويشكل ثقافتهم الفقهية ، والمنهل الذي يؤوب إليه كل من لا يجد الفرصة من المجتهدين لدراسة المسائل الكثيرة والوصول إلى نتيجة فيها ، والانضباط الذي يحسم الشقاق والنزاع في المجتمع ، ويسد على الأهواء والآراء الشاذة الأبواب ، كل ذلك يمنح هذه المرجعية المتمثلة في المذاهب الأربعة المساحة الأرحب في لزوم التقليد وضرورة الاتباع .

يقول الحافظ ابن رجب في رسالة له اسمها "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة" (2/624) – مطبوعة ضمن مجموع رسائله - :

" فاقتضت حكمة الله سبحانه أن ضبط الدين وحفظه : بأن نصب للناس أئمة مجتمعاً على علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى ، من أهل الرأي والحديث ، فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم ، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم ، وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم ، حتى ضبط مذهب كل إمام منهم وأصوله وقواعده وفصوله ، حتى ترد إلى ذلك الأحكام ويضبط الكلام في مسائل الحلال والحرام .

وكان ذلك من لطف الله بعباده المؤمنين ، ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين .

ولولا ذلك لرأى الناس العجاب مِن كل أحمق متكلف معجبٍ برأيه جريء على الناس وثَّاب .

فيدعي هذا أنه إمام الأئمة ، ويدعي هذا أنه هادي الأمة ، وأنه هو الذي ينبغي الرجوع دون الناس إليه ، والتعويل دون الخلق عليه .

ولكن بحمد الله ومنته انسد هذا الباب الذي خطره عظيم وأمره جسيم ، وانحسرت هذه المفاسد العظيمة ، وكان ذلك من لطف الله تعالى لعباده ، وجميل عوائده وعواطفه الحميمة .

ومع هذا فلم يزل يظهر من يدعي بلوغ درجة الاجتهاد ، ويتكلم في العلم من غير تقليدٍ لأحد من هؤلاء الأئمة ولا انقياد .
فمنهم من يسوغ له ذلك لظهور صدقه فيما ادعاه ، ومنهم من رد عليه قوله وكذب في دعواه ، وأما سائر الناس ممن لم يصل إلى هذه الدرجة ، فلا يسعه إلا تقليد أولئك الأئمة ، والدخول فيما دخل فيه سائر الأمة " انتهى .

ويقول أيضا (2/628) :

" فإن قيل : فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم ، وقول الإمام أحمد : لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان ، وتعلم كما تعلمنا . وهذا كثير موجود في كلامهم ؟

قيل : لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظاً وكتابة ، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظاً وفهماً وكتابة ودراسة ، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم ، ومعرفة صحة ذلك من سقمه ، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه ، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره .

فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته - كما أشار إليه الإمام أحمد - فقد صار علمه قريباً من علم أحمد ، فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه ، إنما الكلام في منع من لم يبلغ هذه الغاية ، ولا ارتقى إلى هذه النهاية ، ولا فهم من هذا إلا النزر اليسير ، كما هو حال أهل هذا الزمان ، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان ، مع دعوى كثير منهم الوصول إلى الغايات والانتهاء إلى النهايات ، وأكثرهم لم يرتقوا عن درجة البدايات " انتهى .

والناظر في تاريخ الفقه والتشريع يجد أنه قد بني في جميع مراحله على مجموعة من أهل العلم الذين اشتهر في الناس علمهم ، وذاع في الآفاق فضلهم وورعهم ، يأخذون عنهم أحكام الدين ، ويرجعون في الغالب إلى تقريرهم وفتاواهم
.
يقول ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/17) :

" والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت ، وأصحاب عبد الله بن عمر ، وأصحاب عبد الله بن عباس ، فعلم الناس عامته عن أصحاب هؤلاء الأربعة ، فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر ، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس ، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود " انتهى .

وقال العلامة المحقق أحمد باشا تيمور رحمه الله في " المذاهب الفقهية الأربعة " (16-17) :

" وكانت الفتيا ـ قبل حدوث هذه المذاهب تؤخذ في عصر الصحابة والتابعين عن القراء منهم ، وهم الحاملون لكتاب الله العارفون بدلائله ؛ فلما انقضى عصرهم ، وخلف من بعدهم التابعون ، اتبع أهل كل مصرٍ فتيا من كان عندهم من الصحابة ، لا يعتدونها إلا في اليسير مما بلغهم عن غيرهم ؛ فاتبع أهل المدينة في الأكثر فتاوى عبد الله بن عمر ، وأهل الكوفة فتاوى عبد الله بن مسعود ، وأهل مكة فتاوى عبد الله بن عباس ، وأهل مصر فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص .

وأتى بعد التابعين فقهاء الأمصار ، كأبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن ذكرناهم ، وممن لم نذكرهم ، فاتبع أهل كل مصر مذهب فقيه في الأكثر ، ثم قضت أسباب بانتشار بعض هذه المذاهب في غير أمصارها ، وبانقراض بعضها .. " انتهى .

ولا يعني ذلك التعصب إلى واحد من المذاهب والأقوال ، بحيث نوجب على الناس اتباعه حرفيا دون اجتهاد ولا تصويب ولا تعديل ، بل المقصود أن المدرسة الفقهية التي ينبغي أن يتخرج الناس وطلبة العلم والعلماء عليها ينبغي أن تكون مأخوذة عن واحد من المذاهب الأربعة ، ثم إن تبين – لمن لديه أهلية الاجتهاد – خطأ المذهب في مسألة معينة ترك تلك الفتوى ، وأخذ بما يراه صوابا من المذاهب الأخرى .

وبهذا يحتفظ الناس بالسبيل العلمي الذي سار عليه السلف والأئمة ، ويتخلصوا من بعض السلبيات التي أنتجها الجهل والتعصب .

جاء في "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/10 ش2) :

" التمذهب بمذهب من المذاهب الأَربعة سائغ ، بل هو كالإجماع ، ولا محذور فيه ، كالانتساب إِلى أَحد الأَربعة ، فإِنهم أَئمة بالإِجماع .

والناس في هذا طرفان ووسط :

قوم لا يرون التمذهب بمذهب مطلقًا : وهذا غلط .

وقوم جمدوا على المذاهب ولا التفتوا إلى بحث .

وقوم رأَوا أَن التمذهب سائغ لا محذور فيه ، فما رجح الدليل مع أَي أَحد من الأَربعة أَو غيرهم أَخذوا به ، فالذي فيه نص أَو ظاهر لا يلتفت فيه إِلى مذهب ، والذي لا من هذا ولا من هذا وكان لهم فيه كلام ورأَى الدليل مع مخالفهم أَخذ به " انتهى بتصرف يسير .

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/28) :

" ما حكم التقيد بالمذاهب الأربعة ، واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان ؟

الجواب : ..

- القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ، ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد أن الحق بخلافه ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه ..

- من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده ، وإذا حصل في نفسه عدم اطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان ...

- يتبين مما تقدم أنه لا تتبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان ؛ لأئهم قد يخطئون ، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل " انتهى باختصار ، وتصرف يسير .

وجاء فيها أيضا (5/54-55) :

" وكل هؤلاء كانوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من أفضل أهل زمانهم رضي الله عنهم ، وقد اجتهدوا في أخذ الأحكام من القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وما أجمعت عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، وبينوا للناس الحق ، ونقلت إلينا أقوالهم ، وانتشرت بين المسلمين في جميع بلادهم ، وتبعهم كثير ممن جاء بعدهم من العلماء لثقتهم بهم ، وائتمانهم إياهم على دينهم ، وموافقتهم لهم في الأصول التي اعتمدوها ، ونشروا أقوالهم بين الناس ، ومن قلدهم من الأميين وعمل بما عرفه من أقوالهم نسب لمن قلده ، وعليه مع ذلك أن يسأل من يثق به من علماء عصره ، ويتعاون معه على فهم الحق من دليله .

ومما تقدم يتبين أنهم أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس الرسول تابعا لهم ، بل ما جاء به عن الله من شريعة الإسلام هو الأصل الذي يرجع إليه هؤلاء الأئمة وغيرهم من العلماء رضي الله عنهم ، وكل مسلم يسمى حنيفيا لاتباعه الحنيفية السمحة التي هي ملة إبراهيم وملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:24   رقم المشاركة : 139
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

عوده من جديد


السؤال

من بين أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري وأحبه حبا جما ، وهذا والله لا دخل لي في حبه ، فقط من تواتر واستمرار قراءتي للأحاديث النبوية يميل قلبي كثيرا له ويأتي الدور الثاني لأبي هريرة ومن بعد الخلفاء الراشدون وسؤالي ما حكم ما أقوم به من تفضيل صحابي على آخر ؟ وجزاكم الله تعالى كل خير .

الجواب

الحمد لله

حب الصحابة رضي الله عنهم دين وإيمان وإحسان ، كما قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم . ونبغض من يبغضهم ، وبغير الخير يذكرهم . ولا نذكرهم إلا بخير . وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان " انتهى .

والصحابة متفاضلون ، وأفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم العشرة المبشرون بالجنة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل بيعة الرضوان ، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم ، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة .

قال الذهبي رحمه الله : " تواتر عن علي رضي الله عنه أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ؛ وخيرهم بعد أبى بكر عمر، انتهى ؛ ثم بعد هؤلاء الأربعة في الفضلية، عند أهل السنة : الستة ، بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل بيعة الرضوان ، ثم بقية الصحابة ، رضي الله عنهم "

انتهى نقلا عن "الدر السنية" (1/203).

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" والصحابة يتفاضلون ، فأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، رضي الله عن الجميع ، الذين قال فيهم النبي عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة وهم: أبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم.

ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان، قال تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح/18.

ثم الذين آمنوا وجاهدوا قبل الفتح ، فهم أفضل من الصحابة الذين آمنوا وجاهدوا بعد الفتح ، قال تعالى: ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) الحديد/10، والمراد بالفتح: صلح الحديبية .

ثم المهاجرون عموماً، ثم الأنصار؛ لأن الله قدّم المهاجرين على الأنصار في القرآن، قال سبحانه: ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ) التوبة/100، وقال سبحانه : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) الحشر/8 ، وهؤلاء هم المهاجرون.

ثم قال سبحانه في الأنصار: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/9.
فقدّم المهاجرين وأعمالهم على الأنصار وأعمالهم، مما دل على أن المهاجرين أفضل؛ لأنهم تركوا أوطانهم وأموالهم وهاجروا في سبيل الله، فدل على صدق إيمانهم، فجميع الصحابة يجب حبهم وموالاتهم " انتهى من "شرح الطحاوية".
وكونك تحب الصحابي الجليل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه حبا جما كما ذكرت ، لا حرج فيه ، لكن لا تعتقد أفضليته على الخلفاء الراشدين والعشرة .

وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه ممن شهد غزوة الخندق ثم بيعة الرضوان ، وهو أنصاري رضي الله عنه .
قال عنه الذهبي رحمه الله : " الإمام المجاهد، مفتي المدينة " وقال:" كان أحد الفقهاء المجتهدين "

انتهى من "سير أعلام النبلاء" (3/168).

وننصحك أخي الكريم بمطالعة سير الصحابة وأخبارهم ، وما ورد في السنة من فضائلهم ، وأن تعيش مع ذلك طويلاً ، لاسيما سيرة الخلفاء الراشدين ، ومناقبهم ، فإنك لو قرأت ذلك لأحببتهم أعظم من حبك لأبي سعيد ولأبي هريرة ، فإن هؤلاء خيار الأمة ، وسادة الصحابة ، وصفوة الخلق بعد الأنبياء ، اختارهم الله تعالى ليكونوا أقرب الناس إلى نبيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم .

ثم جاهد نفسك أن تكون محبتك وهواك تبعاً لما جاء به الشرع وصحّت به السنة ، وشهد له التاريخ ، وقد جعل الله لكل شيء قدراً !!

نسأل الله أن يزيدنا وإياك حبا لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأن يثبتنا على طريقهم ، ويحشرنا معهم ، بمنه وكرمه .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:27   رقم المشاركة : 140
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

ما حكم عبارة (كرم الله وجهه) لعلي بن أبي طالب ؟

هل في ذلك تفضيل له عن الصحابة ؟

وإذا قلت : (كرم الله وجوه الصحابة أجمعين) فهل في ذلك بأس ؟


الجواب

الحمد لله

"تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالدعاء له بـ : (كرم الله وجهه) – هو من صنيع الرافضة الغالين فيه ، فالواجب على أهل السنة : البعد عن مشابهتهم في ذلك ، وعدم تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الدعاء دون سائر إخوانه من الصحابة ؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، رضي الله عن الصحابة أجمعين .

وأما استعمال هذا الدعاء لجميع الصحابة فلا بأس به ، لكنه ليس من الأدعية المأثورة ، والجاري بين المسلمين الترضي عنهم ، رضي الله عنهم ، كما جاء في القرآن الكريم : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100.

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى
.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/43) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:34   رقم المشاركة : 141
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

زوجتي مسلمة سعودية ، وأصلها من فارس ، وبعض أهلها لهم حساسية من خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فاتفقت أنا وهي أن نسمي مولودنا القادم ( معاوية ) انتصارا ًله ، وحتى يحبوه فيحبوا خال المؤمنين رضي الله عنه , وذلك أن بعض أقاربها من فارس لهم ميول للتشيع المذموم فيقدحون في معاوية ، أما أبوها وأمها فلا رأي لهم فيه , فما حكم تسمية الابن بـ ( معاوية ) ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نشكر لك ولزوجتك حبَّكما للصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، ونشكر لكما جهودكما في تبليغ حبه للآخرين الذين تأثروا بشائعات الروافض حوله .

وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغيِّر الاسم القبيح لاسم حسن ، وقد كان معاوية رضي الله عنه من كتبة الوحي ، ولو كان اسمه قبيحاً لغيَّره النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه : فلا مانع من تسمية ابنكما " معاوية " وخاصة أنكما تقصدان تحبيب هذا الصحابي لبعض أهل زوجتك ، فلعلها مناسبة لكما أن تلمَّا بحياة هذا الصحابي الجليل ، وأن تقرآ ما كتبه أهل السنَّة في فضائله والدفاع عنه ؛ لتستطيعا مواجهة الخصوم ، ونشر فضائل هذا الصحابي الجليل .

والروافض – الشيعة – يكذبون ويفترون على الشرع والتاريخ وحتى اللغة ، وهم يتندرون باسم الصحابي الجليل " معاوية " ويتخذونه هزواً ، ويزعمون أن معنى اسمه " الكلبة " !

والرد عليهم :

1. أنه حتى لو كان معناه " الكلبة " فإن العرب تسمي بأسماء الحيوانات نظراً إلى ما عندها من صفات لا لكونها بهيمة
، فيسمون " جحش " و " صقر " و " ذئب " وهكذا ، ولاسم الكلب نصيب كبير من تسمية أبنائهم وقبائلهم وديارهم
.
2. أنهم كذبوا في زعمهم أن اسم " معاوية " يعني " الكلبة " ؛ لأن " المعاوية " بأل التعريف هي التي تعني " الكلبة " ، وأما من دونها فمعناه " قوة اليد " ، و " أبو معاوية " هو الفهْد ، وهذا يفسد عليهم – كذلك – الطعن بوالده أبو سفيان رضي الله عنه .

قال ابن منظور – رحمه الله - :

وعوى الرجل : بلغ ثلاثين سنة فقَوِيت يدهُ ، فعوى يد غيرهِ ، أي : عطفها شديداً .

" لسان العرب " ( 15 / 107 ) .

وقال الفيروزآبادي :

و " المُعاوَيةُ " الكَلْبَةُ وجِرْوُ الثْعْلَبِ ، وبِلا لام : ابنُ أبي سفيانَ الصَحابِيُّ ، وأبو مُعاوِيَةَ : الفَهْد .

" القاموس المحيط " ( ص 1697 ) .

ثانياً :

وأما إطلاق لقب " خال المؤمنين " – باعتبار أن أخته أم حبيبة أم المؤمنين – فقد ثبت هذا عن بعض أئمة أهل السنَّة ، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .

عن أبي طالب أنه سأل أبا عبد الله – أحمد بن حنبل - أقول : " معاوية خال المؤمنين " و " ابن عمر خال المؤمنين " ؟ قال : نعم ، معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما ، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما ، قلت : أقول معاوية خال المؤمنين ؟ قال : نعم .

" السنَّة " للخلال ( 2 / 433 ) طبعة دار الراية .

وعن هارون بن عبد الله أنه قال لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل - : جاءني كتاب من " الرقة " أن قوماً قالوا : لا نقول معاوية خال المؤمنين ، فغضب ، وقال : ما اعتراضهم في هذا الموضع ؟ يُجْفَوْن حتى يتوبوا .

" السنَّة " للخلال ( 2 / 434 ) .

وعن محمد بن أبي هارون ومحمد بن أبي جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال : وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله – أحمد بن حنبل - ما تقول رحمك الله فيمن قال لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، ونبين أمرهم للناس
.
" السنَّة " للخلال ( 2 / 434 ) .

وعن أبي بكر المروذي قال : قلت لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل - أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : معاوية أفضل ، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " خير الناس قرني الذي بُعثت فيهم " .

" السنَّة " للخلال ( 2 / 434 ) .

وكل أسانيد هذه الآثار صحيحة كما تجده في تحقيق الكتاب للدكتور عطية الزهراني
.
ثالثاً :

وهذه قائمة في ذِكر من اسمه " معاوية " من الصحابة – وفي بعضهم بحث - من كتاب " الإصابة في تمييز الصحابة " وهو يدل على شهرة التسمي بهذا الاسم :

معاوية بن أنس السلمي ، معاوية بن ثور بن عبادة بن البكاء العامري البكائي ، معاوية بن جاهمة بن العباس بن مرداس السلمي ، معاوية بن الحارث بن المطلب بن عبد المطلب ، معاوية بن حديج ، معاوية بن حزن القشيري ، معاوية بن الحكم السلمي ، معاوية بن حيدة بن معاوية بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيري ، معاوية بن أبي ربيعة الجرمي ، معاوية بن سفيان بن عبد الأسد ، معاوية بن سويد بن مقرن المزني

معاوية بن صعصعة التميمي ، معاوية بن عبادة بن عقيل ، معاوية بن عبد الله ، معاوية بن عروة الدئلي ، معاوية بن عفيف المزني ، معاوية بن عمرو ، معاوية بن قرمل ، معاوية بن محصن بن علس ، معاوية بن مرداس بن أبي عامر ، معاوية بن معاوية المزني ، معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية الأموي ، معاوية بن مقرن المزني ، معاوية بن نفيع ، معاوية الثقفي ، معاوية العذري ، معاوية الليثي ، معاوية الهذلي .

" الإصابة " للحافظ ابن حجر ( 6 / 145 - 164 ) طبعة دار الجيل .

وفي كتاب " سير أعلام النبلاء " جملة من التابعين والسلف ممن تسمى باسم معاوية

فلينظر فهرس " السير " ( 25 / 448 ) .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:39   رقم المشاركة : 142
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

ما معنى تفسير قوله تعالى ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) ، قرأت تفسير الشيعة لهذه الآية ، وهم يرمون بها الصحابة رضوان الله عليهم ، فاحترت لعدم علمي بالتفسير الصحيح ، فما تفسير هذه الآية لدينا ؟

وهل كان أحد ارتد بعد وفاة الرسول ؟

ومن هم ؟

وهل ذكر الحديث بقوله " ما تدري ماذا فعلوا من بعدك " يصلح تطبيقه على من ولدوا بعد عهد الرسول ، أي : الرسول لم يشهد صلاحهم ، فكيف يقال " بعدُ " ؟ .


الجواب:

الحمد لله

أما قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/ 144 : فإنها آية محكمة ، وللوقوف على معناها بتفصيل : نذكر الآتي :

1. أن هذه الآيات أنزلها الله تعالى بعد غزوة " أُحد " ، وهي مقدمة ، وتهيئة لموت النبي صلى الله عليه وسلم ، ففيها التذكير بأن الإسلام لا ينقطع بموت أو قتل نبيكم ، كما فيها بيان ما حصل مع أنبياء سابقين حيث لم يؤثر قتلهم على أتباعهم ، ولم يستفد من هذا التنبيه والتذكير من ارتدَّ على عقبه من القبائل ، فخسروا الدنيا والآخرة .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

وقعةَ " أُحُدٍ " كانت مُقَدِّمَةً ، وإرهاصاً ، بين يدي موتِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فثبَّتهم ، ووبَّخهم على انقلابهم على أعقابهم إنْ ماتَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو قُتِلَ ، بل الواجبُ له عليهم أن يثبتُوا على دِينه ، وتوحِيدهِ ، ويموتوا عليه ، أو يُقتلُوا ، فإنهم إنما يعبدُون ربَّ محمد ، وهو حيٌّ لا يموت

فلو ماتَ محمد أو قُتِلَ : لا ينبغي لهم أن يَصْرِفَهم ذلِكَ عن دينه ، وما جاء به ، فكلُّ نفسٍ ذائِقةُ الموت ، وما بُعِثَ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيخلَّد ، لا هُوَ ، ولا هُم ، بل لِيمُوتُوا على الإسلامِ ، والتَّوحيدِ ، فإن الموت لا بُدَّ منه ، سواء ماتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو بَقِيَ ، ولهذا وبَّخَهُم على رجوع مَن رجع منهم عن دينه لما صرخ الشَّيْطَانُ : إنَّ محمَّداً قد قُتِلَ ، فقال : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى

عْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/ 144 ، والشاكرون : هم الذين عرفوا قدر النعمة ، فثبتوا عليها ، حتى ماتوا ، أو قُتِلُوا ، فظهر أثرُ هذا العِتَابِ ، وحكمُ هذا الخطاب يومَ مات رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وارتدَّ مَن ارتدَّ على عقبيه ، وثبت الشاكِرُون على دينهم ، فنصرهم الله ، وأعزَّهم ، وظفَّرهم بأعدائهم ، وجعل العاقبة لهم .

ثم أخبر سبحانه أنه جعل لكل نفسٍ أجلاً لا بُدَّ أن تستوفيه ، ثم تلحَقَ به ، فيَرِدُ الناسُ كُلُّهم حوضَ المنايا مَوْرِداً واحِداً ، وإن تنوَّعت أسبابه ، ويصدُرونَ عن موقف القِيامة مصادِرَ شتَّى ، فريقٌ في الجنة ، وفريقٌ في السعير .

ثم أخبر سبحانه أن جماعةً كثيرةً من أنبيائه قُتِلُوا ، وقُتِلَ معهم أتباعٌ لهم كثيرون ، فما وَهَنَ مَنْ بقيَ منهم لِما أصابهم في سبيله ، وما ضَعُفُوا ، وما استكانُوا ، وما وَهَنُوا عندَ القتل ، ولا ضعفُوا ، ولا استكانوا ، بل تَلَقَّوا الشهادةَ بالقُوَّةِ ، والعزِيمةِ ، والإقْدَامِ ، فلم يُسْتَشْهَدُوا مُدَبِرِينَ ، مستكينين ، أذلةً ، بل استُشْهِدُوا أعزَّةً ، كِراماً ، مقبلينَ ، غير مدبرين ، والصحيح : أن الآية تتناول الفريقين كليهما.

" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 3 / 224 ، 225 ) .

2. هذه الآية تدل على تزكية أبي بكر الصدِّيق خاصة ، والصحابة الأجلاء عامة ؛ حيث وصف الله تعالى من يثبت في مثل هذه المصيبة ، ويعلم أن نبيه ما هو إلا بشر يبلغ ما أرسله الله تعالى به ، ثم يغادر هذه الدنيا ، وصفهم الله تعالى بـ " الشاكرين " ، وأما ما في الآية من تزكية الصدِّيق : فمن جهتين :

الأولى : استدلاله بها – مع قوله تعالى ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) - عند موت النبي صلى الله عليه وسلم .

والثانية : أنه قاتل من ارتد على عقبه .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :

وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم ، أو عن بعض لوازمه فقدُ رئيسٍ ، ولو عظم ؛ وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدِّين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه ، إذا فقد أحدهم قام به غيره ، وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله ، والجهاد عنه ، بحسب الإمكان ، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس ، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم ، وتستقيم أمورهم .

وفي هذه الآية أيضاً أعظم دليل على فضيلة الصدِّيق الأكبر أبي بكر ، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين .

" تفسير السعدي " ( ص 150 ) .

وبمعرفة ما مضى يتبين أن الصحابة الأجلاء قد استفادوا من درس " أحد " ، وأن ما أصاب بعضهم من صدمة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ليست صدمة أعقبتها ردَّة ، بل لعدم تحملهم عظَم الخبر ، حتى ثبتهم الله تعالى بما تلاه على مسامعهم أبو بكر الصدِّيق من الآيات البينات ، وأخبرهم بثبات المؤمن :

( ... فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ ... )
رواه البخاري (3670) .

فرجعوا إلى صوابهم ، وكأنهم لأول مرة تطرق هذه الآية مسامعهم ، وقد عصم الله تعالى المهاجرين والأنصار من الردة ، وسقط فيها طوائف من العرب تصدَّى لهم الصدِّيق وأصحابه ، فعاد من عاد ، وبقي منهم على الكفر جماعات .

والله أعلم











رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:46   رقم المشاركة : 143
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

ما تفسير الحديث القدسي في ما معناه - أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرِد المسلمون إلى حوضه ، يُرجع الله طائفة من الناس فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا رب ، أمتي ، أمتي ) فيقول عز وجل : إنك لا تدري ما فعلوا بعدك ؟ .

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

اصطلح المحدثون على تسمية الحديث الوارد هنا : " حديث الحوض " ، وللحديث ألفاظ وروايات متعددة ، ليس بينها – بفضل الله – اختلاف .

وهذه بعض الروايات بألفاظها المختلفة :

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ، فَأَقُولُ : إِنَّهُمْ مِنِّي ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : سُحْقًا ، سُحْقًا ، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ) .

رواه البخاري ( 6212 ) ومسلم ( 2290 ) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ) قَالُوا : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ) فَقَالُوا : كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : ( أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ) قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ؛ أُنَادِيهِمْ : أَلَا هَلُمَّ . فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ . فَأَقُولُ : سُحْقًا سُحْقًا )
.
رواه مسلم ( 249 ) .

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ ، فَلَيُقَطَّعَنَّ رِجَالٌ دُونِي ، فَلَأَقُولَنَّ : يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَلَيُقَالَنَّ لِي : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ) .

رواه أحمد ( 41 / 388 ) وصححه المحققون .

عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي ، فَلَأَقُولَنَّ : أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي ، فَلَيُقَالَنَّ لِي : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ )
.
رواه البخاري ( 6211 ) ومسلم ( 2304 ) .

عن عَبْد اللَّهِ بنِ مسعود قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي ، فَأَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي يَقُولُ : لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ) .

رواه البخاري ( 6642 ) ومسلم ( 2297 ) .

ثانياً:

عند التأمل في الأحاديث السابقة نجد أن الكلام قد انحصر في مجموعات ترِد حوض النبي صلى الله عليه وسلم لتشرب منه ، فتردهم الملائكة ، ويناديهم النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ هي " أمتي " ، " أصحابي " ، " أصيحابي " ، وليس بينها اختلاف تضاد ، بل هي محمولة على أناس تشملهم معاني تلك الكلمات ، ويمكننا أن نجملهم بهذه الطوائف :

1. مرتدون عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أسلموا في حياته ورأوه وهم على الإسلام .

2. مرتدون عن الإسلام في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعلم بكفرهم
.
3. أهل النفاق ممن أظهر الإسلام ، وأبطن الكفر .

4. أهل الأهواء الذين غيَّروا سنَّة النبي صلى الله وسلم وهديه ، كالروافض ، والخوارج .

5. وبعض العلماء يُدخل فيهم : أهل الكبائر ، وله ما يؤيد من السنَّة ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده ( 9 / 514 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا يَفْعَلُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ ) وصححه المحققون .

ولفظ " أمتي " في الأحاديث يصدق على أهل القول الرابع ، والخامس ، ولفظ " أصحابي " و " أصيحابي " على الأقوال الثلاثة الأوَل .

ومما يدل على أنهم من أمته صلى الله عليه وسلم : أنه عرفهم بالغرة والتحجيل ، وهي سيما خاصة بهذه الأمة ، ويكون تعرف النبي صلى الله عليهم وسلم هناك بصفاتهم ، لا بأعيانهم ؛ لأنهم جاءوا بعده .

ومما يدل على دخول المنافقين في اسم " أصحابي " : قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) رواه البخاري ( 3518 ) ، وهذا معنى لغوي بحت للصحبة ، ليس أنهم استحقوا شرفها ؛ لأن تعريف الصحابي الاصطلاحي لا يصدق على هؤلاء .

وهذه طائفة من أقوال أهل العلم في تلك الأحاديث :

1. قال النووي - رحمه الله – في شرح الحديث - :

هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال :

أحدها : أن المراد به المنافقون ، والمرتدون ، فيجوز أن يُحشروا بالغرة والتحجيل ، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم ، فيقال : ليس هؤلاء مما وُعدتَ بهم ، إن هؤلاء بدَّلوا بعدك ، أي : لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم .

والثاني : أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ارتد بعده ، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء ، لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم ، فيقال : ارتدوا بعدك .
والثالث : أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد ، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام .

" شرح مسلم " ( 3 / 136 ، 137 ) .

2. وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وقال الخطابي : لم يرتد من الصحابة أحد ، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب ، ممن لا نصرة له في الدين ، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين ، ويدل قوله : ( أصيحابي ) بالتصغير على قلة عددهم .

" فتح الباري " ( 11 / 385 ) .

3. وقال الشيخ عبد القاهر البغدادي – رحمه الله - :

أجمع أهل السنَّة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كِندة ، وحنيفة ، وفزارة ، وبني أسد ، وبني بكر بن وائل ، لم يكونوا من الأنصار ، ولا من المهاجرين قبل فتح مكة ، وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة ، وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم ، والصراط المستقيم .

وأجمع أهل السنة على أن من شهد مع رسول الله بدراً : من أهل الجنة ، وكذلك كل مَن شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية .

" الفَرْق بين الفِرق " ( ص 353 ) .

4. وقال الشاطبي – رحمه الله - :

والأظهر : أنهم من الداخلين في غمار هذه الأمة ؛ لأجل ما دل على ذلك فيهم ، وهو الغرة والتحجيل ؛ لأن ذلك لا يكون لأهل الكفر المحض ، كان كفرهم أصلاً ، أو ارتداداً .

ولقوله : ( قد بدلوا بعدك ) ، ولو كان الكفر : لقال : " قد كفروا بعدك " ، وأقرب ما يحمل عليه : تبديل السنة ، وهو واقع على أهل البدع ، ومن قال : إنه النفاق : فذلك غير خارج عن مقصودنا ؛ لأن أهل النفاق إنما أخذوا الشريعة تقيةً ، لا تعبداً ، فوضعوها غير مواضعها ، وهو عين الابتداع .

ويجري هذا المجرى كل من اتخذ السنَّة والعمل بها حيلةً وذريعةً إلى نيل حطام الدنيا ، لا على التعبد بها لله تعالى ؛ لأنه تبديل لها ، وإخراج لها عن وضعها الشرعي .

" الاعتصام " ( 1 / 96 ) .

5. قال القرطبي – رحمه الله - :

قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين : فكلُّ مَن ارتد عن دين الله ، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ، ولم يأذن به الله : فهو من المطرودين عن الحوض ، المبعدين عنه ، وأشدهم طرداً : مَن خالف جماعة المسلمين ، وفارق سبيلهم ، كالخوارج على اختلاف فرقها ، والروافض على تباين ضلالها ، والمعتزلة على أصناف أهوائها ، فهؤلاء كلهم مبدِّلون ، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور ، والظلم ، وتطميس الحق ، وقتل أهله ، وإذلالهم ، والمعلنون بالكبائر ، المستخفون بالمعاصي ، وجماعة أهل الزيغ ، والأهواء ، والبدع .

ثم البعد قد يكون في حال ، ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ، ولم يكن في العقائد ، وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء ، يُعرفون به ، ثم يقال لهم ( سحقاً ) ، وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُظهرون الإيمان ، ويُسرون الكفر : فيأخذهم بالظاهر ، ثم يكشف له الغطاء فيقول لهم : ( سحقاً سحقاً ) ، ولا يخلد في النار إلا كافر ، جاحد ، مبطل ، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان .

" التذكرة في أحوال الموتى والدار الآخرة " ( ص 352 ) .











رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:48   رقم المشاركة : 144
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


ثالثاً:

مما يبين كذب الروافض في زعمهم أن الصحابة الأجلاء أبا بكر وعمر وعثمان من أولئك المرتدين : أنه قد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد حصلت ردة ، وقتال للمرتدين ، فمَن قاتل مَن ؟ إن الذي ارتد هم الذين ذكرنا وصفهم ، من بعض قبائل العرب ، وإن الذي قاتلهم هو أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه

وإخوانه من المهاجرين والأنصار - وقد شاركهم في قتالهم : علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسبى من بني حنيفة امرأة ، أنجبت له فيما بعد الإمام العلَم " محمد بن الحنفية " - ؛ فإذا كان الصحابة الكرام : أبو بكر وعمر ، ومن معهما من المهاجرين والأنصار : مرتدين ؛ فماذا يكون حال مسليمة وأتباعه ، والعنسي وأتباعه ؟! إلا إن هذا هو عين النفاق والشقاق ، وقول الباطل وشهادة الزور .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

الله أكبر على هؤلاء المرتدين المفترين ، أتباع المرتدين ، الذين برزوا بمعاداة الله ورسوله وكتابه ، ودينه ، ومرقوا من الإسلام ، ونبذوه وراء ظهورهم ، وشاقوا الله ورسوله وعباده المؤمنين ، وتولوا أهل الردة والشقاق ؛ فإن هذا الفصل وأمثاله من كلامهم : يحقق أن هؤلاء القوم المتعصبين على الصدِّيق رضي الله عنه وحزبه ـ من أصولهم ـ من جنس المرتدين الكفار ، كالمرتدين الذين قاتلهم الصدِّيق رضي الله عنه .

" منهاج السنة النبوية " ( 4 / 490 ) .

وقال – رحمه الله -
:
وفي الجملة : فأمر مسيلمة الكذاب ، وادعاؤه النبوة ، واتباع بني حنيفة له باليمامة ، وقتال الصدِّيق لهم على ذلك : أمر متواتر ، مشهور ، قد علمه الخاص ، والعام ، كتواتر أمثاله ، وليس هذا من العلم الذي تفرد به الخاصة ، بل عِلْم الناس بذلك أظهر من علمهم بقتال " الجمَل " و " صفِّين " ، فقد ذُكر عن بعض أهل الكلام أنه أنكر " الجمل " ، و " صفين " ، وهذا الإنكار وإن كان باطلا : فلم نعلم أحداً أنكر قتال أهل " اليمامة " ، وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة ، وأنهم قاتلوه على ذلك .

لكن هؤلاء الرافضة مِن جحدهم لهذا ، وجهلهم به : بمنزلة إنكارهم لكون أبي بكر وعمر دُفِنَا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنكارهم لموالاة أبي بكر ، وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، ودعواهم أنه نص على " علي " بالخلافة ، بل منهم من ينكر أن تكون زينب ، ورقية ، وأم كلثوم من بنات النبي صلى الله عليه وسلم ! ويقولون : إنهن لخديجة من زوجها الذي كان كافراً قبل النبي صلى الله عليه وسلم .

" منهاج السنة النبوية " ( 4 / 492 ، 493 ) .

وقال – أيضاً - :

وهم – أي : الرافضة - يدَّعون أن أبا بكر وعمر ، ومن اتبعهما ارتدوا عن الإسلام ! وقد علم الخاص والعام : أن أبا بكر هو الذي قاتل المرتدين ، فإذا كانوا يدَّعون أن أهل اليمامة مظلومون ، قتلوا بغير حق ، وكانوا منكرين لقتال أولئك ، متأولين لهم : كان هذا مما يحقق أن هؤلاء الخلف تبع لأولئك السلف ، وأن الصدِّيق وأتباعه يقاتلون المرتدين في كل زمان .

وقوله – أي : ابن المطهر الحلي الرافضي – " إنهم سمُّوا بني حنيفة مرتدين لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر " : فهذا مِن أظهر الكذب ، وأبينِه ؛ فإنه إنما قاتل بني حنيفة لكونهم آمنوا بمسيلمة الكذاب ، واعتقدوا نبوته ، وأما مانعو الزكاة : فكانوا قوماً آخرين ، غير بني حنيفة ، وهؤلاء كان قد وقع لبعض الصحابة شبهة في جواز قتالهم ، وأما بنو حنيفة فلم يتوقف أحد في وجوب قتالهم ... .

" منهاج السنة النبوية " ( 4 / 493 ، 494 ) .

رابعاً:

يقال لهؤلاء الروافض : لماذا ارتد الخلفاء الثلاثة دون علي ؟! وما الذي استثنى مثل " عمار بن ياسر " و " المقداد بن الأسود " و " أبا ذر " و " سلمان الفارسي " من الردة ؟! أم هو التحكم والهوى ؟! .

ونحن نعتقد أن المهاجرين والأنصار في الجنة خالدين فيها أبداً ، قال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/ 100 .

ونعتقد أن أبا بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وهكذا كل من سماهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن هؤلاء جميعاً سيشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شراباً هنيئاً ، والويل والثبور لمن لعنهم ، وكفرهم ، فهو أولى أن يكون يوم القيامة في صف المرتدين الذين حاربهم أولئك الأطهار .

خامساً:

هذه الأحاديث حجة على الروافض ؛ حيث يثبتون فيها ردة الصحابة رضي الله عنهم إلا نفراً قليلاً ، ويزعمون أنهم " أحدثوا " بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى هذا أنهم كانوا على الإيمان قبل ذلك ! فأي دين اعتقدوه بعد ذلك ؟ وماذا فعلوا ما استحقوا به التكفير ؟! فإن قالوا : سلب الخلافة من علي رضي الله عنه : فيقال لهم هذه معصية ! تكفرها الحسنات ، ويكفي الصحابة سبكم ولعنكم لهم حتى توضع أوزارهم عليكم إن شاء الله .

وإن قالوا : قتل جنين فاطمة ! : قلنا قد قُتل في زمن علي رضي الله عنه الآلاف ! فهل تطبقون عليه القاعدة نفسها في التكفير ؟! .

فتبين مما سبق : أن الصحابة الأجلاء هم الذين دافعوا عن دين الله ، وهم الذين أوقفوا مدَّ الردة ، والتي قام على إذكائها ونشرها سلف أولئك الروافض ، من أمثال مسيلمة الكذاب ، والأسود العنسي ، وأن الله تعالى قد أثنى في كتابه الكريم على المهاجرين والأنصار في قرآن يُتلى إلى قيام الساعة ، وقد نزههم ربهم عن الوقوع في البدعة ، فكيف يقعون في الردة ، وهم الذين نشروا الإسلام في الآفاق ؟! .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:54   رقم المشاركة : 145
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

هل صحيح أن رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما رأى زوجة زيد بن حارثة أعجبته ، فطلب من زيد أن يطلقها حتى يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ الرجاء توضيح هذه القصة واستغفر الله لي ولكم ، ولكم جزيل الشكر والتقدير

الجواب

الحمد لله

أولاً :

إن مقام النبوة مقام شريف ، وقد اختار الله تعالى أنبياءه على علم على العالَمين ، وما تتناقله كتب الإسرائيليات ، وبعض كتب التفسير – للأسف – يحط من ذلك المقام الشريف للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ومن أمثلة ذلك ما روي عن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع حب زينب بنت جحش في قلبه ، وأنه كان يقول لزوجها – زيد بن حارثة – أمسك عليك زوجك ، مع أنه يخفي في قلبه حبها ، وهذا لا يليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم أن يروى وينسب له صلى الله عليه وسلم .

وكل ما روي في كتب التفسير عن أحدٍ من السلف مثل هذا أو قريباً منه : فلا يصح عنهم ، ويوجد من اغتر بهذه الروايات فجعلها تفسيراً للآيات الواردة في المسألة .

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :

ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم هاهنا آثاراً عن بعض السلف - رضي الله عنهم - أحببنا أن نضرب عنها صفحاً ؛ لعدم صحتها ، فلا نوردها .

" تفسير ابن كثير " ( 6 / 424 ) .

وقد جاء عن أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما ما يبين شدة هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن فقه هذين الصحابيين رضي الله عنهما أنهما أخبرا أنه صلى الله عليه وسلم لو كان كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية .

عَنْ أَنَسٍ قَالَ : جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) ، قَالَ أَنَسٌ : لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ ، قَالَ : فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ .

رواه البخاري ( 6984 ) .

روى مسلم ( 177 ) عن عائشة رضي الله عنها مثل قول أنس رضي الله عنه .

ثانياً :

ذِكر الآية وسبب نزولها ومجمل معناها :

قال تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) الأحزاب/37 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :

وكان سبب نزول هذه الآيات أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعاً عامّاً للمؤمنين ، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة ، من جميع الوجوه ، وأن أزواجهم لا جناح على من تبناهم في نكاحهن .

وكان هذا من الأمور المعتادة التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير ، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله ، وفعلاً ، وإذا أراد اللّه أمراً جعل له سبباً ، وكان زيد بن حارثة يُدعى " زيد بن محمد " قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فصار يدعى إليه حتى نزل ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ ) فقيل له : " زيد بن حارثة " .

وكانت تحته زينب بنت جحش - ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وكان قد وقع في قلب الرسول لو طلقها زيد لتزوَّجها ، فقدَّر اللّه أن يكون بينها وبين زيد ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها .

قال اللّه : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) أي : بالإسلام .

( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) بالعتق ، حين جاءك مشاوراً في فراقها ، فقلت له ناصحاً له ومخبراً بمصلحته مع وقوعها في قلبك : ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) أي : لا تفارقها ، واصبر على ما جاءك منها ، ( وَاتَّقِ اللَّهَ ) تعالى في أمورك عامة ، وفي أمر زوجك خاصة ، فإن التقوى تحث على الصبر ، وتأمر به .

( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) والذي أخفاه : أنه لو طلقها زيد : لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم .
( وَتَخْشَى النَّاسَ ) في عدم إبداء ما في نفسك ، ( وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) فإن خشيته جالبة لكل خير ، مانعة من كل شر .
( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً ) أي : طابت نفسه ، ورغب عنها ، وفارقها : ( زَوَّجْنَاكَهَا ) وإنما فعلنا ذلك لفائدة عظيمة ، وهي : ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) حيث رأوك تزوجت زوج زيد بن حارثة ، الذي كان من قبل ينتسب إليك .

" تفسير السعدي " ( ص 665 ، 666 ) .

وثمة فرق كبير بين أن يكون ما أخفاه صلى الله عليه وسلم في قلبه هو محبة زينب ، وبين أن يكون المخفي زواجه منها ، ولذا كانت زينب رضي الله عنها تفخر بأن الذي زوَّجها هو الله تعالى – كما سبق وذكرنا الرواية في ذلك في " صحيح البخاري " - ، وهو يؤكِّد صحة القول الصحيح الذي لا ينبغي غيره ، وأن الذي كان يخفيه صلى الله عليه وسلم هو زواجه بها ، وأنه يخشى من كلام الناس في ذلك .

ثالثاً :

تفصيل الكلام حول الآية :

1. قال الإمام القرطبي – رحمه الله - :

وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيداً يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلمَّا تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خُلُق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها : قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : " اتق الله في قولك ، وأمسك عليك زوجك " وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه

ولم يُرد أن يأمره بالطلاق ؛ لما علم أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدْر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له ، بأن قال : " أمسك " مع علمه بأنه يطلِّق ، وأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي : في كل حال .

قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، والعلماء الراسخين ، كالزهري ، والقاضي بكر بن العلاء القشيري ، والقاضي أبي بكر بن العربي ، وغيرهم .

والمراد بقوله تعالى : ( وتخشى الناس ) : إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوَّجَ بزوجة ابنه .
فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد ، وربما أطلق بعض المُجَّان لفظ " عشق " : فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته .

" تفسير القرطبي " ( 14 / 190 ، 191 ) .

2- وقال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – :

التحقيق إن شاء اللَّه في هذه المسألة : هو ما ذكرنا أن القرآن دلَّ عليه ، وهو أن اللَّه أعلم نبيّه صلى الله عليه وسلم بأن زيداً يطلّق زينب ، وأنه يزوّجها إيّاه صلى الله عليه وسلم ، وهي في ذلك الوقت تحت زيد ، فلما شكاها زيد إليه صلى الله عليه وسلم قال له : " أمسك عليك زوجك واتق اللَّه " ، فعاتبه اللَّه على قوله : " أمسك عليك زوجك " بعد علمه أنها ستصير زوجته هو صلى الله عليه وسلم ، وخشي مقالة الناس أن يقولوا : لو أظهر ما علم من تزويجه إياها أنه يريد تزويج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد .

والدليل على هذا أمران :

الأول : هو ما قدّمنا من أن اللَّه جلَّ وعلا قال : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) ، وهذا الذي أبداه اللَّه جلَّ وعلا ، هو زواجه إياها في قوله : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ) ، ولم يبدِ جلَّ وعلا شيئًا ممّا زعموه أنه أحبَّها ، ولو كان ذلك هو المراد : لأبداه اللَّه تعالى ، كما ترى .

الأمر الثاني : أن اللَّه جلَّ وعلا صرّح بأنه هو الذي زوّجه إياها ، وأن الحكمة الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) ، فقوله تعالى : ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ) : تعليل صريح لتزويجه إياها

لما ذكرنا ، وكون اللَّه هو الذي زوّجه إياها لهذه الحكمة العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبّته لها التي كانت سبباً في طلاق زيد لها - كما زعموا ، ويوضحه قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً ) الآية ؛ لأنه يدلّ على أن زيداً قضى وطره منها ، ولم تبقَ له بها حاجة ، فطلّقها باختياره ، والعلم عند اللَّه تعالى .

" أضواء البيان " ( 6 / 582 ، 583 ) .

3. سئل علماء اللجنة الدائمة :

ما هي قصة زيد بن حارثة وزواجه من زينب التي تزوجها بعده النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف بدأ زواجهما ؟ وكيف انتهى ؟ حيث إننا سمعنا من بعض الناس في بعض الدول العربية بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عشق زينب وغير ذلك ، ولا تسمح نفسي بأن أكتب لكم ما سمعت ، فأفيدوني ؟ .

فأجابوا :

زيد هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أعتقه وتبنَّاه ، فكان يُدعى " زيد بن محمد " ، حتى أنزل الله قوله ( ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ ) ، فدَعوه زيد بن حارثة ، أما زينب فهي بنت جحش بن رباب الأسدية ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما قصة زواج زيد بزينب :

فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى ذلك له ، لكونه مولاه ومُتبنّاه ، فخطبها من نفسها على زيد ، فاستنكفت وقالت : أنا خير منه حسباً ، فروي أن الله أنزل في ذلك قوله ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) ، فاستجابت طاعةً لله ، وتحقيقًا لرغبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد عاشت مع زيد حوالي سنة

ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته ، فاشتكاها زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمكانتهما منه ؛ فإنه مولاه ومتبناه ، وزينب بنت عمته " أميمة " ، وكأن زيداً عرَّض بطلاقها ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساكها ، والصبر عليها ، مع علمه صلى الله عليه وسلم بوحيٍ من الله أنه سيطلقها ، وستكون زوجة له - صلى الله عليه وسلم - ، لكنه خشي أن يُعيّره الناس بأنه تزوج امرأة ابنه ، وكان ذلك ممنوعاً في الجاهلية

فعاتب الله نبيه في ذلك بقوله ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) ، يعني - والله أعلم - : تخفي في نفسك ما أعلمك الله بوقوعه من طلاق زيد لزوجته زينب وتزوجك إياها ، تنفيذاً لأمره تعالى ، وتحقيقًا لحكمته ، وتخشى قالةَ الناس وتعييرهم إياك بذلك ، والله أحق أن تخشاه ، فتُعلن ما أوحاه إليك من تفصيل أمرك وأمر زيد وزوجته زينب ، دون مبالاة بقالة الناس ، وتعييرهم إياك .

أما زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب : فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد انتهاء عدتها من طلاق زيد ، وزوّجه الله إياها بلا ولي ولا شهود ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ، وليّ المؤمنين جميعاً ، بل أولى بهم من أنفسهم ، قال الله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ، وأبطل الله بذلك عادة التبنّي الجاهلي ، وأحلَّ للمسلمين أن يتزوجوا زوجات مَن تبنوه بعد فراقهم إياهن بموتٍ أو طلاقٍ ، رحمة منه تعالى بالمؤمنين ، ورفعًا للحرج عنهم .

وأما ما يُروى في ذلك من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم زينب من وراء الستار ، وأنها وقعت من قلبه موقعاً بليغاً ففُتن بها وعشقها ، وعلم بذلك زيد فكرهها وآثر النبي صلى الله عليه وسلم بها فطلقها ليتزوجها بعده : فكله لم يثبت من طريق صحيح ، والأنبياء أعظم شأناً ، وأعف نفساً ، وأكرم أخلاقاً ، وأعلى منزلةً وشرفًا من أن يحصل منهم شيء من ذلك ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خطبها لزيد رضي الله عنه ، وهي ابنة عمته

فلو كانت نفسه متعلقة بها لاستأثر بها من أول الأمر ، وخاصة أنها استنكفت أن تتزوج زيداً ، ولم ترض به حتى نزلت الآية فرضيت ، وإنما هذا قضاء من الله وتدبير منه سبحانه لإبطال عاداتٍ جاهلية ، ولرحمة الناس والتخفيف عنهم ، كما قال تعالى ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا . مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا . الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا . مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى إسلامية " ( 18 / 137 – 141 ) .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 03:59   رقم المشاركة : 146
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

أسأل عن مادة قرأتها في موقع للشيعة وقد ذكر فيه : أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتني . يعني : سأقتل من أجلك ، وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي : إن مالك بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد : أقتلتني ؟ أسأل عن مدى صحة هذه الرواية .

الجواب

الحمد لله

أولا :

الصحابي الجليل خالد بن الوليد سيف الله المسلول على المشركين ، وقائد المجاهدين ، القرشي المخزومي المكي ، أسلم سنة سبع للهجرة بعد فتح خيبر وقيل قبلها ، وتوفي سنة 21هـ ، وله من الفضائل الشيء الكثير ، ومن أهم ما جاء في فضائله :

1- عن أنس رضي الله عنه :

أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :

( أَخَذَ الرَّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ) وَعَينَاهُ تَذرِفَانِ ( حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيهِم )

رواه البخاري (4262)

2- وعَنْ عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ :

( مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بن الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا ) رواه الحاكم في "المستدرك" (3/515) وأبو يعلى في "المسند" (13/274) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/350) : ورجاله ثقات .

ثانيا :

قد تعرض هذا الصحابي الجليل لحملات من الطعن والتشويه قام عليها بعض المستشرقين الذين يتلقفون كل رواية من غير بحث ولا تدقيق ، وقام عليها طوائف من الشيعة حقدا وغيظا من هذا الصحابي الذي أبلى بلاء حسنا في قتال الكفار ، وحماية الدولة المسلمة في عهود الخلافة الراشدة.

ومن بعض تلك الطعون القصة المشهورة في قتل مالك بن نويرة وتزوج خالد من امرأته ليلي بنت سنان .
ومالك بن نويرة يكنى أبا حنظلة ، كان شاعرا فارسا من فرسان بني يربوع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله على صدقات قومه .

وقد اتفقت الروايات التاريخية على قدر مشترك ، فيه أن مالك بن نويرة قتله بعض جند خالد بن الوليد ، وأن خالدا تزوج بعد ذلك زوجته ليلى بنت سنان .

وأما سبب قتل مالك بن نويرة وذكر بعض ملابسات ذلك الحادث فقد تفاوتت الروايات في بيانه ، إلا أن معظم قدامى المؤرخين الذين سجلوا تلك الحادثة ، مثل الواقدي وابن إسحاق ووُثَيمة وسيف بن عمر وابن سعد وخليفة بن خياط وغيرهم ، ذكروا امتناع مالك بن نويرة من أداء الزكاة وحبسه إبل الصدقة ، ومنعه قومه من أدائها ، مما حمل خالدا على قتله ، من غير التفات إلى ما يُظهره من إسلام وصلاة .

قال ابن سلام في "طبقات فحول الشعراء" (172) :

" والمجمع عليه أن خالدا حاوره ورادَّه ، وأن مالكا سمح بالصلاة والتوى بالزكاة " انتهى .

وقال الواقدي في كتاب "الردة" (107-108) :

" ثم قدَّم خالدٌ مالكَ بن نويرة ليضرب عنقه ، فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي للقبلة ؟! فقال له خالد : لو كنتَ مسلما لما منعت الزكاة ، ولا أمرت قومك بمنعها ." انتهى .

كما تواتر على ذكر ذلك من بعدهم من المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن كثير والذهبي وغيرهم .

وتتحدث بعض الروايات عن علاقة بين مالك بن نويرة وسجاح التي ادعت النبوة ، وتشير أيضا إلى سوء خطابٍ صدر من مالك بن نويرة ، يفهم منه الردة عن دين الإسلام ، كما ذكر ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/322) فقال
:
" ويقال : بل استدعى خالد مالك بن نويرة ، فأنَّبَه على ما صدر منه من متابعة سجاح ، وعلى منعه الزكاة ، وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك : إن صاحبكم كان يزعم ذلك . فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك ؟! يا ضرار اضرب عنقه ، فضربت عنقه ." انتهى .

إذن فلماذا أنكر بعض الصحابة على خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة ، كما فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو قتادة الأنصاري ؟

يمكن تلمس سبب ذلك من بعض الروايات ، حيث يبدو أن مالك بن نويرة كان غامضا في بداية موقفه من الزكاة ، فلم يصرح بإنكاره وجوبها ، كما لم يقم بأدائها ، فاشتبه أمره على هؤلاء الصحابة ، إلا أن خالد بن الوليد أخذه بالتهمة فقتله ، ولما كان مالك بن نويرة يظهر الإسلام والصلاة كان الواجب على خالد أن يتحرى ويتأنى في أمره ، وينظر في حقيقة ما يؤول إليه رأي مالك بن نويرة في الزكاة ، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة رضوان الله عليهم .

جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (6/322) :

" فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس ، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة ، وبذلوا الزكوات ، إلا ما كان من مالك بن نويرة ، فكأنه متحير في أمره ، متنح عن الناس ، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا ." انتهى .

ولما كان مالك بن نويرة من وجهاء قومه وأشرافهم ، واشتبه موقفه في بداية الأمر ، شكا أخوه متمم بن نويرة ما كان من خالد إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فعاد ذلك بالعتاب على خالد ، وتخطئته في إسراعه إلى قتل مالك بن نويرة ، قبل رفع أمره إلى أبي بكر الصديق وكبار الصحابة رضوان الله عليهم .

روى خليفة بن خياط (1/17) قال :

" حدثنا علي بن محمد عن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بمقتل مالك وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعا شديدا ، فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم عليه . فقال أبو بكر : هل يزيد خالد على أن يكون تأول فأخطأ ؟ ورد أبو بكر خالدا ، وودى مالك بن نويرة ، ورد السبي والمال ." انتهى .

وقال ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :

" فقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر ، فأنشده مرثية أخيه ، وناشده في دمه وفي سبيهم ، فرد أبو بكر السبي . وذكر الزبير بن بكار أن أبا بكر أمر خالدا أن يفارق امرأة مالك المذكورة ، وأغلظ عمر لخالد في أمر مالك ، وأما أبو بكر فعذره ." انتهى .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في شأن قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ، أنه إما أن يكون أصاب فقتله لمنعه الزكاة وإنكاره وجوبها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو إنه أخطأ فتسرع في قتله وقد كان الأوجب أن يتحرى ويتثبت ، وعلى كلا الحالين ليس في ذلك مطعن في خالد رضي الله عنه .

يقول ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة " ( 5/518) :

" مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ، ولم يثبت ذلك عندنا ، ثم يقال : غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة : إنه كان معصوم الدم ، وإن خالداً قتله بتأويل ، وهذا لا يبيح قتل خالد ، كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال : لا إله إلا الله . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فأنكر عليه قتله ، ولم يوجب قوداً ولا دية ولا كفارة.

وقدر روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية : قوله تعالى :

( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) نزلت في شأن مرداس ، رجل من غطفان ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى قومه ، عليهم غالب الليثي ، ففر أصحابه ولم يفر . قال : إني مؤمن ، فصبحته الخيل ، فسلم عليهم ، فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك .

وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولاً ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ". ومع هذا فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان متأولاً؛ فإذا كان النبي لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل ، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك بن نويرة بطريق الأولى والأحرى ." انتهى .

أما اتهام خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قتل مالك بن نويرة من أجل أن يتزوج امرأته لهواه السابق بها ، فيبدو أنها تهمة مبكرة رماه بها مالك نفسه وبعض أتباعه بها ، وليس لهم عليها دليل ظاهر ، إنما يبدو أنه أطلقها ليغطي بها السبب الحقيقي الذي قتل لأجله وهو منع الزكاة ، يدل على ذلك : الحوار الذي نقله الواقدي بين خالد ومالك
.
قال الواقدي في "كتاب الردة" (107-108) :

" فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته ، فنظر إليها ثم قال : يا خالد بهذا تقتلني .

فقال خالد : بل لله أقتلك ، برجوعك عن دين الإسلام ، وجفلك – يعني منعك - لإبل الصدقة ، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم . قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا .

فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ودخل بها ، وعلى ذلك أجمع أهل العلم ." انتهى .

يقول الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :

" وروى ثابت بن قاسم في "الدلائل" أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة في الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتِني ! يعني : سأقتل من أجلك .

وهذا قاله ظنا ، فوافق أنه قتل ، ولم يكن قتله من أجل المرأة كما ظن ." انتهى .

ويقول ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" (1/91) :

" الحق عدم قتل خالد ؛ لأن مالكا ارتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول الله ، كما فعل أهل الردة ، وقد اعترف أخو مالك لعمر بذلك .

وتزوُّجُه امرأتَه : لعله لانقضاء عدتها بالوضع عقب موته ، أو يحتمل أنها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الأزواج على عادة الجاهلية ، وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين ، فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه ، فالحق ما فعله أبو بكر ، لا ما اعترض به عليه عمر رضي الله تعالى عنهما ، ويؤيد ذلك أن عمر لما أفضت إليه الخلافة لم يتعرض لخالد ، ولم يعاتبه ، ولا تنقصه بكلمة في هذا الأمر قط ، فعلم أنه ظهر له أحقية ما فعله أبو بكر ، فرجع عن اعتراضه ، وإلا لم يتركه عند استقلاله بالأمر ؛ لأنه كان أتقى لله من أن يداهن في دين الله أحدا " انتهى .

ويقول الدكتور علي الصلابي في كتابه "أبو بكر الصديق" (219) :

" وخلاصة القصة أن هناك من اتهم خالدا بأنه تزوج أم تميم فور وقوعها في يده ، لعدم صبره على جمالها ، ولهواه السابق فيها ، وبذلك يكون زواجه منها - حاش لله - سفاحا ، فهذا قول مستحدث لا يعتد به ، إذ خلت المصادر القديمة من الإشارة إليه ، بل هي على خلافه في نصوصها الصريحة ، يذكر الماوردي في "الأحكام السلطانية" (47) أن الذي جعل خالدا يقدم على قتل مالك هو منعه للصدقة التي استحل بها دمه ، وبذلك فسد عقد المناكحة بينه وبين أم تميم ، وحكم نساء المرتدين إذا لحقن بدار الحرب أن يسبين ولا يقتلن ، كما يشير إلى ذلك السرخسي في المبسوط (10/111) ، فلما صارت أم تميم في السبي اصطفاها خالد لنفسه ، فلما حلت بنى بها كما "البداية والنهاية" .

ويعلق الشيخ أحمد شاكر على هذه المسألة بقوله : إن خالدا أخذها هي وابنها ملك يمين بوصفها سبية ، إذ إن السبية لا عدة عليها ، وإنما يحرم حرمة قطعية أن يقربها مالكها إن كانت حاملا قبل أن تضع حملها ، وإن كانت غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة ، ثم دخل بها وهو عمل مشروع جائز لا مغمز فيه ولا مطعن

إلا أن أعداءه والمخالفين عليه رأوا في هذا العمل فرصتهم ، فانتهزوها وذهبوا يزعمون أن مالك بن نويرة مسلم ، وأن خالدا قتله من أجل امرأته وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله ، فهذا مما لم يعرف ثبوته . ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم . والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة : هل تجب للكافر ؟ على قولين . وكذلك تنازعوا : هل يجب على الذمية عدة وفاة ؟ على قولين مشهورين للمسلمين ، بخلاف عدة الطلاق ، فإن تلك سببها الوطء ، فلا بد من براءة الرحم . وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد ، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا ؟ فيه نزاع . وكذلك إن كان دخل بها ،وقد حاضت بعد الدخول حيضة
.
هذا إذا كان الكافر أصلياً . وأما المرتد إذا قتل ، أو مات على ردته ، ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة ، لأن النكاح بطل بردة الزوج ، وهذه الفرقة ليست طلاقاً عند الشافعي وأحمد ، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ، ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة ، بل عدة فرقة بائنة ، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها ، كما ليس عليها عدة من الطلاق .

ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتداً ، فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء ، وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة ، لا بعدة كاملة ، في أحد قوليهم ، وفي الآخر : بثلاث حيض ، وإن كان كافراً أصلياً فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم . وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت . ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء ، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم .
وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد ، والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم ، وهذا مما حرمه الله ورسوله ) " انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 04:05   رقم المشاركة : 147
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

ما صحة الحديث عندما اعتنق نصراني الإسلام ، فحكى للرسول صلى الله عليه وسلم عن قصة إسلامه ، فأخبره أنه التقى عدة رهبان ، كل واحد منهم يوصيه بالذهاب للآخر ، فكان آخرهم رجل صالح يخرج مرة في العام ، يشفي الناس ، فلما أدركه نصحه بالذهاب لمكة ، وأعطاه أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إن صدقت القول فهو المسيح عيسى ؟.

الجواب

الحمد لله

الحديث الذي يعنيه السائل هو حديث طويل في قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فقد كان على الديانة المجوسية ثم انتقل إلى النصرانية ثم انتقل إلى الإسلام ،

وذلك بعد أن التقى عدة رهبان من رهبان النصارى ، وكان آخرهم رجل صالح عنده علم عن نبي آخر الزمان ، فنصح الراهب سلمان أن يذهب إلى بلاد العرب التي سيخرج فيها ووصفها له ، فكانت هي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن هذا الراهب إنه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، بل عيسى عليه السلام في السماء ، رفعه الله إليه إلى أجل مسمى ، حتى ينزله الله تعالى فيقيم به الدين في آخر الزمان .

وقصة إسلام سلمان قصة عظيمة ، فيها العبرة والعظة والفائدة ، وأترك السائل الكريم ليقرأ الحديث بكماله ، ويستفيد مما فيه :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ

( كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ ( أي رئيسها ) ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ ، أَيْ مُلازِمَ النَّارِ ، كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ ، وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ ( أي خادمها ) الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً

قَالَ وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ ( أي بستان ) عَظِيمَةٌ ، قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِي : يَا بُنَيَّ ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا ، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى ، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ

قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ ، وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : بِالشَّامِ . قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ ، قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! أَيْنَ كُنْتَ ؟

أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ ؟ قَالَ قُلْتُ : يَا أَبَتِ ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ ، فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس ، قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ ، قَالَ قُلْتُ : كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا . قَالَ : فَخَافَنِي ، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا ، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ ، قَالَ وَبَعثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ : إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ

. قَالَ : فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى ، قَالَ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ : إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ ، قَالَ فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ : مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : الأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ

. قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ : إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ ، قَالَ : فَادْخُلْ . فَدَخَلْتُ مَعَهُ ، قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ ، قَالَ وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا . قَالُوا : وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ ؟

قَالَ قُلْتُ : أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ . قَالُوا : فَدُلَّنَا عَلَيْهِ . قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ ، قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا ، قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا : وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا . فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ ، قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ : فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا مِنْهُ . قَالَ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا

ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ : يَا فُلَانُ ! إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ ، وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ

فَالْحَقْ بِهِ .قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ . قَالَ فَقَالَ لِي : أَقِمْ عِنْدِي . فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ مَا تَرَى ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا بِنِصِِّيبِينَ ، وَهُوَ فُلَانٌ ، فَالْحَقْ بِهِ . وَقَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نِصِِّيبِينَ ،

فَجِئْتُهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي ، قَالَ : فَأَقِمْ عِنْدِي . فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ : يَا فُلَانُ ! إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟

قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ ، فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا ، قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، فَقَالَ : أَقِمْ عِنْدِي . فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ ، قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ

قَالَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ ! إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ ، فَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ ، هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ( الحرة : الأرض ذات الحجارة السود ) ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى : يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، فَإِنْ استَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ .

قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي ، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي ، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ

فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي ، فَأَقَمْتُ بِهَا ، وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ ، لا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ

فَقَالَ فُلانُ : قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ ( برد الحمى ) حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي ، قَالَ : وَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ : مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ ؟ قَالَ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ : مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ . قَالَ قُلْتُ : لا شَيْءَ ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ . وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ

فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ ، قَالَ فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا . وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ

قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا ، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ ، فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا ، قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، قَالَ : وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ

فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي ، قَالَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَحَوَّلْ . فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ

ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ ، قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ . فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ ( حفرة الفسيلة التي تغرس فيها ) وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ : أَعِينُوا أَخَاكُمْ . فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ

الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً ( أي صغار النخل ) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ ، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ ، يَعْنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا ( أي احفر لها موضع غرسها ) ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ

فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا : فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ ، مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ

فَقَالَ : خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ . فَقُلْتُ : وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ . قَالَ : خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ . قَالَ فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا ، وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ ، وَعُتِقْتُ ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ )

رواه أحمد في المسند (5/441) وقال المحققون : إسناده حسن .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-04, 04:15   رقم المشاركة : 148
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

ما حكم من قذف عائشة رضي الله عنها ؟

الجواب:

الحمد لله

إن عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين داخلات في عموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكل نص نهى عن سب الأصحاب فعائشة داخلة فيه ومن ذلك :

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نصيفه . "

رواه البخاري : فتح رقم 3379.

ثم إن علماء الإسلام من أهل السنة أجمعوا قاطبة على أن من طعن في عائشة بما برأها الله منه فهو كافر مكذب لما ذكره الله من براءتها في سورة النور .

وقد ساق الإمام ابن حزم بسنده إلى هشام بن عمار قال: سمعت مالك بن أنس يقول: من سب أبا بكر وعمر جلد ومن سب عائشة قتل ، قيل له : لم يقتل في عائشة ؟ قال : لأن الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها : ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ) .

قال مالك فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل .

قال ابن حزم : قول مالك ههنا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها .

قال أبو بكر ابن العربي : ( لأن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله ومن كذب الله فهو كافر فهذا طريق مالك وهي سبيل لائحة لأهل البصائر ) .

قال القاضي أبو يعلى : ( من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم ) .

وقال ابن أبي موسى: (ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة ) .

وقال ابن قدامة : ( ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء ، أفضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم ) .

وقال الإمام النووي رحمه الله: ( براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين).

وقال ابن القيم رحمه الله : (واتفقت الأمة على كفر قاذفها ) .

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : ( أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية فإنه كافر لأنه معاند للقرآن ) .

وقال بدر الدين الزركشي : ( من قذفها فقد كفر لتصريح القرآن الكريم ببراءتها ) .

وقد بنى العلماء كلامهم في حكم من قذف عائشة على عدد من الأدلة ومنها :

1- الاستدلال بما جاء في سورة النور من التصريح ببراءتها فمن اتهمها بذلك بعدما برأها الله فإنما هو مكذب لله عز وجل وتكذيب الله كفر لا شك فيه .

2- أن في الطعن في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إيذاء له صلى الله عليه وسلم ولا شك أن إيذاءه صلى الله عليه وسلم كفر إجماعا ومما يدل على تأذي النبي بقذف زوجه ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث الإفك عن عائشة قالت : " .. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا …" الحديث .
فقوله صلى الله عليه وسلم "من يعذرني" أي من ينصفني ويقيم عذري إذا انتصفت منه لما بلغني من أذاه في أهل بيتي . فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تأذّى بذلك تأذيا استعذر منه .

قال الإمام القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ) : يعني في عائشة .. لما في ذلك من أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وأهله ، وذلك كفر من فاعله ) .

3- كما أن الطعن في عائشة يستلزم الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم لأنّ الله سبحانه قد قال : ( الخبيثات للخبيثين ) ، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيّبة ، لأنه أطيب من كل طيب من البشر ولو كانت خبيثة لما صلحت له شرعا ولا قدرا .

ثم ليعلم ختاما أن أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم عائشة الصديقة بنت الصديق كما صح عن عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قَالَ قُلْتُ فَمِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا إِذًا قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ قَالَ فَعَدَّ رِجَالًا .

فمن أبغض حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حريّ أن يكون بغيضه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة والله أعلم .
( انظر عقيدة أهل السنّة والجماعة في الصحابة الكرام ناصر الشيخ 2/871 ، اعتقاد أهل السنة في الصحابة : محمد الوهيبي ص: 58 )


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-05, 04:03   رقم المشاركة : 149
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

هل قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة كي يتزوج امرأته ؟

السؤال

أسأل عن مادة قرأتها في موقع للشيعة وقد ذكر فيه : أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتني . يعني : سأقتل من أجلك ، وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي : إن مالك بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد : أقتلتني ؟ أسأل عن مدى صحة هذه الرواية .


الجواب

الحمد لله

أولا :

الصحابي الجليل خالد بن الوليد سيف الله المسلول على المشركين ، وقائد المجاهدين ، القرشي المخزومي المكي ، أسلم سنة سبع للهجرة بعد فتح خيبر وقيل قبلها ، وتوفي سنة 21هـ ، وله من الفضائل الشيء الكثير ، ومن أهم ما جاء في فضائله :

1- عن أنس رضي الله عنه :

أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :
( أَخَذَ الرَّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ) وَعَينَاهُ تَذرِفَانِ ( حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيهِم )

رواه البخاري (4262)

2- وعَنْ عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ :
( مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بن الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا ) رواه الحاكم في "المستدرك" (3/515) وأبو يعلى في "المسند" (13/274) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/350) : ورجاله ثقات .

ثانيا :

قد تعرض هذا الصحابي الجليل لحملات من الطعن والتشويه قام عليها بعض المستشرقين الذين يتلقفون كل رواية من غير بحث ولا تدقيق ، وقام عليها طوائف من الشيعة حقدا وغيظا من هذا الصحابي الذي أبلى بلاء حسنا في قتال الكفار ، وحماية الدولة المسلمة في عهود الخلافة الراشدة.

ومن بعض تلك الطعون القصة المشهورة في قتل مالك بن نويرة وتزوج خالد من امرأته ليلي بنت سنان .
ومالك بن نويرة يكنى أبا حنظلة ، كان شاعرا فارسا من فرسان بني يربوع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله على صدقات قومه .

وقد اتفقت الروايات التاريخية على قدر مشترك ، فيه أن مالك بن نويرة قتله بعض جند خالد بن الوليد ، وأن خالدا تزوج بعد ذلك زوجته ليلى بنت سنان .

وأما سبب قتل مالك بن نويرة وذكر بعض ملابسات ذلك الحادث فقد تفاوتت الروايات في بيانه ، إلا أن معظم قدامى المؤرخين الذين سجلوا تلك الحادثة ، مثل الواقدي وابن إسحاق ووُثَيمة وسيف بن عمر وابن سعد وخليفة بن خياط وغيرهم ، ذكروا امتناع مالك بن نويرة من أداء الزكاة وحبسه إبل الصدقة ، ومنعه قومه من أدائها ، مما حمل خالدا على قتله ، من غير التفات إلى ما يُظهره من إسلام وصلاة .

قال ابن سلام في "طبقات فحول الشعراء" (172) :

" والمجمع عليه أن خالدا حاوره ورادَّه ، وأن مالكا سمح بالصلاة والتوى بالزكاة " انتهى
.
وقال الواقدي في كتاب "الردة" (107-108) :

" ثم قدَّم خالدٌ مالكَ بن نويرة ليضرب عنقه ، فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي للقبلة ؟! فقال له خالد : لو كنتَ مسلما لما منعت الزكاة ، ولا أمرت قومك بمنعها ." انتهى .

كما تواتر على ذكر ذلك من بعدهم من المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن كثير والذهبي وغيرهم .

وتتحدث بعض الروايات عن علاقة بين مالك بن نويرة وسجاح التي ادعت النبوة ، وتشير أيضا إلى سوء خطابٍ صدر من مالك بن نويرة ، يفهم منه الردة عن دين الإسلام ، كما ذكر ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/322) فقال :

" ويقال : بل استدعى خالد مالك بن نويرة ، فأنَّبَه على ما صدر منه من متابعة سجاح ، وعلى منعه الزكاة ، وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك : إن صاحبكم كان يزعم ذلك . فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك ؟! يا ضرار اضرب عنقه ، فضربت عنقه ." انتهى .

إذن فلماذا أنكر بعض الصحابة على خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة ، كما فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو قتادة الأنصاري ؟

يمكن تلمس سبب ذلك من بعض الروايات ، حيث يبدو أن مالك بن نويرة كان غامضا في بداية موقفه من الزكاة ، فلم يصرح بإنكاره وجوبها ، كما لم يقم بأدائها ، فاشتبه أمره على هؤلاء الصحابة ، إلا أن خالد بن الوليد أخذه بالتهمة فقتله ، ولما كان مالك بن نويرة يظهر الإسلام والصلاة كان الواجب على خالد أن يتحرى ويتأنى في أمره ، وينظر في حقيقة ما يؤول إليه رأي مالك بن نويرة في الزكاة ، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة رضوان الله عليهم .

جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (6/322) :

" فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس ، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة ، وبذلوا الزكوات ، إلا ما كان من مالك بن نويرة ، فكأنه متحير في أمره ، متنح عن الناس ، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا ." انتهى .

ولما كان مالك بن نويرة من وجهاء قومه وأشرافهم ، واشتبه موقفه في بداية الأمر ، شكا أخوه متمم بن نويرة ما كان من خالد إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فعاد ذلك بالعتاب على خالد ، وتخطئته في إسراعه إلى قتل مالك بن نويرة ، قبل رفع أمره إلى أبي بكر الصديق وكبار الصحابة رضوان الله عليهم .

روى خليفة بن خياط (1/17) قال :

" حدثنا علي بن محمد عن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بمقتل مالك وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعا شديدا ، فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم عليه . فقال أبو بكر : هل يزيد خالد على أن يكون تأول فأخطأ ؟ ورد أبو بكر خالدا ، وودى مالك بن نويرة ، ورد السبي والمال ." انتهى .

وقال ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :

" فقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر ، فأنشده مرثية أخيه ، وناشده في دمه وفي سبيهم ، فرد أبو بكر السبي . وذكر الزبير بن بكار أن أبا بكر أمر خالدا أن يفارق امرأة مالك المذكورة ، وأغلظ عمر لخالد في أمر مالك ، وأما أبو بكر فعذره ." انتهى .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في شأن قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ، أنه إما أن يكون أصاب فقتله لمنعه الزكاة وإنكاره وجوبها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو إنه أخطأ فتسرع في قتله وقد كان الأوجب أن يتحرى ويتثبت ، وعلى كلا الحالين ليس في ذلك مطعن في خالد رضي الله عنه .

يقول ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة " ( 5/518) :

" مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ، ولم يثبت ذلك عندنا ، ثم يقال : غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة : إنه كان معصوم الدم ، وإن خالداً قتله بتأويل ، وهذا لا يبيح قتل خالد ، كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال : لا إله إلا الله . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فأنكر عليه قتله ، ولم يوجب قوداً ولا دية ولا كفارة.

وقدر روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية : قوله تعالى :

( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) نزلت في شأن مرداس ، رجل من غطفان ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى قومه ، عليهم غالب الليثي ، ففر أصحابه ولم يفر . قال : إني مؤمن ، فصبحته الخيل ، فسلم عليهم ، فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك .

وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولاً ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ". ومع هذا فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان متأولاً؛ فإذا كان النبي لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل ، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك بن نويرة بطريق الأولى والأحرى ." انتهى .

أما اتهام خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قتل مالك بن نويرة من أجل أن يتزوج امرأته لهواه السابق بها ، فيبدو أنها تهمة مبكرة رماه بها مالك نفسه وبعض أتباعه بها ، وليس لهم عليها دليل ظاهر ، إنما يبدو أنه أطلقها ليغطي بها السبب الحقيقي الذي قتل لأجله وهو منع الزكاة ، يدل على ذلك : الحوار الذي نقله الواقدي بين خالد ومالك .

قال الواقدي في "كتاب الردة" (107-108) :

" فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته ، فنظر إليها ثم قال : يا خالد بهذا تقتلني .
فقال خالد : بل لله أقتلك ، برجوعك عن دين الإسلام ، وجفلك – يعني منعك - لإبل الصدقة ، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم . قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا .

فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ودخل بها ، وعلى ذلك أجمع أهل العلم ." انتهى .

يقول الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :

" وروى ثابت بن قاسم في "الدلائل" أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة في الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتِني ! يعني : سأقتل من أجلك .

وهذا قاله ظنا ، فوافق أنه قتل ، ولم يكن قتله من أجل المرأة كما ظن ." انتهى .

ويقول ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" (1/91) :

" الحق عدم قتل خالد ؛ لأن مالكا ارتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول الله ، كما فعل أهل الردة ، وقد اعترف أخو مالك لعمر بذلك .

وتزوُّجُه امرأتَه : لعله لانقضاء عدتها بالوضع عقب موته ، أو يحتمل أنها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الأزواج على عادة الجاهلية ، وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين ، فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه ، فالحق ما فعله أبو بكر ، لا ما اعترض به عليه عمر رضي الله تعالى عنهما ، ويؤيد ذلك أن عمر لما أفضت إليه الخلافة لم يتعرض لخالد ، ولم يعاتبه ، ولا تنقصه بكلمة في هذا الأمر قط ، فعلم أنه ظهر له أحقية ما فعله أبو بكر ، فرجع عن اعتراضه ، وإلا لم يتركه عند استقلاله بالأمر ؛ لأنه كان أتقى لله من أن يداهن في دين الله أحدا " انتهى .

ويقول الدكتور علي الصلابي في كتابه "أبو بكر الصديق" (219) :

" وخلاصة القصة أن هناك من اتهم خالدا بأنه تزوج أم تميم فور وقوعها في يده ، لعدم صبره على جمالها ، ولهواه السابق فيها ، وبذلك يكون زواجه منها - حاش لله - سفاحا ، فهذا قول مستحدث لا يعتد به ، إذ خلت المصادر القديمة من الإشارة إليه ، بل هي على خلافه في نصوصها الصريحة ، يذكر الماوردي في "الأحكام السلطانية" (47) أن الذي جعل خالدا يقدم على قتل مالك هو منعه للصدقة التي استحل بها دمه ، وبذلك فسد عقد المناكحة بينه وبين أم تميم ، وحكم نساء المرتدين إذا لحقن بدار الحرب أن يسبين ولا يقتلن ، كما يشير إلى ذلك السرخسي في المبسوط (10/111) ، فلما صارت أم تميم في السبي اصطفاها خالد لنفسه ، فلما حلت بنى بها كما "البداية والنهاية" .

ويعلق الشيخ أحمد شاكر على هذه المسألة بقوله : إن خالدا أخذها هي وابنها ملك يمين بوصفها سبية ، إذ إن السبية لا عدة عليها ، وإنما يحرم حرمة قطعية أن يقربها مالكها إن كانت حاملا قبل أن تضع حملها ، وإن كانت غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة ، ثم دخل بها وهو عمل مشروع جائز لا مغمز فيه ولا مطعن ، إلا أن أعداءه والمخالفين عليه رأوا في هذا العمل فرصتهم ، فانتهزوها وذهبوا يزعمون أن مالك بن نويرة مسلم

وأن خالدا قتله من أجل امرأته وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله ، فهذا مما لم يعرف ثبوته . ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم . والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة : هل تجب للكافر ؟ على قولين . وكذلك تنازعوا : هل يجب على الذمية عدة وفاة ؟ على قولين مشهورين للمسلمين ، بخلاف عدة الطلاق ، فإن تلك سببها الوطء ، فلا بد من براءة الرحم . وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد ، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا ؟ فيه نزاع . وكذلك إن كان دخل بها ،وقد حاضت بعد الدخول حيضة .

هذا إذا كان الكافر أصلياً . وأما المرتد إذا قتل ، أو مات على ردته ، ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة ، لأن النكاح بطل بردة الزوج ، وهذه الفرقة ليست طلاقاً عند الشافعي وأحمد ، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ، ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة ، بل عدة فرقة بائنة ، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها ، كما ليس عليها عدة من الطلاق .

ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتداً ، فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء ، وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة ، لا بعدة كاملة ، في أحد قوليهم ، وفي الآخر : بثلاث حيض ، وإن كان كافراً أصلياً فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم . وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت . ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء ، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم .
وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد ، والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم ، وهذا مما حرمه الله ورسوله ) " انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-05, 04:10   رقم المشاركة : 150
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شبهات حول الصحابة رضي الله عنهم وردها .

السؤال:

روي في كتاب السنة لابن أبي عاصم أنّ الإمام عليا قال: " لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى" فإذا كان الإمام علي اعترف بنفسه بأنّ أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- أولى منه في الخلافة، فلماذا رفض مع بعض الصحابة مبايعة أبي بكر على الخلافة ؟

أما الحادثة الثانية فهي حادثة ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر -رضي الله عنهما- مرتين: مرة لمخالفة عثمان علناً في المسجد حول حق عثمان استخدام مال المسلمين وقد ضربه بحضور علي بن أبي طالب، والمرة الثانية عندما قام بتوصيل رسالة إلى عثمان من معارضيه تخبره بأنه فشل في أن يقتدي بخلافة أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما، فهل شاهد علي عمّار يُضرب دون أن يفعل أي شيء؟ فما مدى صحة مثل هذه الإدعاءات؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

الصحابة رضي الله عنهم - مع كونهم أفضل الناس - فهم بشر من البشر ، يحصل بينهم ما يحصل بين الناس عادة من الخلاف واختلاف وجهات النظر ، لكنهم أسرع الناس إلى الخير ، وأعظم علما بالحق ، وعملا به ، وأوبة عن الخطأ ، متى أخطأ الواحد منهم ، كغيره من البشر .

والواجب على المكلف : الكف عن كل ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ، وإحسان الظن بهم فيه .
وأين تجد قوما هم خير من قوم صحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا معه وجاهدوا معه وصلوا خلفه ؟

ثانيا :

روى عبد الله بن أحمد في " السنة " (1312) ، وابن أبي عاصم في " السنة " (1219) ، والبيهقي في " الاعتقاد " (ص: 358) عن علي رضي الله عنه قال : " لَا يُفَضِّلُنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أوتى بِرَجُلِ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : إلَّا جَلَدْته حَدَّ الْمُفْتَرِي "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 479) .

وقال أيضا :

" رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةَ : خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 407) .

ثالثا :

بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر رضي الله عنهما ثابتة في الصحيحين ، وإن وقعت متأخرة بضعة أشهر .

ولم يُظهِر عليٌّ على أبي بكر رضي الله عنهما خلافاً ، ولا شقَّ العَصا ، ولكنه تأخر عن الحضور لبيعته ، وكان سبب ذلك أنه عتب عليه وعلى عمر وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم : أنهم قضوا في أمر الخلافة دونه ، مع فضله وشرفه ومنزلته ، وكان من حقه أن يحضر الأمر ويستشار فيه ، ولا يقطع برأيٍ دونه .

وعذر الصحابة في ذلك أنهم بادروا بالبيعة لأبي بكر درءا للفتنة ، وحسما لمادة الفساد ، وخافوا حصول الخلاف والنزاع بتأخيرها .

ومن أسباب تأخره أيضا : أن فاطمة رضي الله عنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها ، فيما سألته من الميراث : رأى عليٌّ أن يوافقها في الانقطاع عنه ، وخاصة مع ما هي فيه من الهم والغم والحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فعليّ رضي الله عنه لم يرفض بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، وإنما تأخر عنها لما تقدم ذكره ، ثم جاء فبايع من غير إكراه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" عُلِم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته – يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه - إلا سعد بن عبادة ، وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس ، لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له ، لكن قيل : علي تأخرت بيعته ستة أشهر ، وقيل : بل بايعه ثاني يوم ، وبكل حال ، فقد بايعوه من غير إكراه "

انتهى من " منهاج السنة " (8/232) .

رابعا :

لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما ، فضلا عن أن يشهد ذلك عليّ فلا يُنكِره ، وكل ما روي في ذلك : لم يصح سندُه .

قال ابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/ 1098) :

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيهِمْ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ، أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ ، وَيُؤْثِرُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ فِي يَدِي لَأَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى يَدْخُلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّهُمْ ، وَلَأَسْتَعْمِلَنَّهُمْ ، عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَ . فَقَالَ عَمَّارٌ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِي؟ قَالَ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ . قَالَ: وَأَنْفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَغَضِبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَوَطِئَهُ وَطْأً شَدِيدًا، فَأَجْفَلَهُ النَّاسُ عَنْهُ .

وهذا إسناد ضعيف ، سالم بن أبي الجعد لم يسمع من عثمان ، قال الحافظ العلائي رحمه الله :
" سالم بن أبي الجعد الكوفي : مشهور ، كثير الإرسال عن كبار الصحابة ، كعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم ، وقال أبو زرعة : سالم بن أبي الجعد ، عن عمر وعثمان وعلي : مرسل "

انتهى من " جامع التحصيل " (ص 179) .

وقال ابن عبد ربه في " العقد الفريد " (5/ 57) :

" ومن حديث الأعمش يرويه أبو بكر بن أبي شيبة قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه ، في صحيفة، فقالوا : من يذهب بها إليه؟ قال عمار: أنا. فذهب بها إليه، فلما قرأها قال : أرغم الله أنفك، قال: وبأنف أبي بكر وعمر. قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه، ثم ندم عثمان، وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: اختر إحدى ثلاث : إما أن تعفو، وإما أن تأخذ الأرش ، وإما أن تقتص. فقال: والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله! قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح، فقال : ما كان على عثمان أكثر مما صنع .

وهذا إسناد ضعيف كسابقه ، فإن الأعمش عداده في صغار التابعين ، لم يدرك عثمان ولا عليا ولا عمارا

راجع : "ميزان الاعتدال" (2 /224) ، "التهذيب" (4/196) .

بل إن ابن عبد ربه ، الذي ذكر ذلك في كتابه : لم يسق إسناده إلى الأعمش ، فكما يحتمل أن يكون الحمل في هذه الرواية على من هو فوق الأعمش ، فكذلك يحتمل أن يكون ممن هو دونه ، ممن أبهمه ابن عبد ربه ، بين ابن أبي شيبة ، والأعمش .

قال ابن أبي بكر المالقي :

" فإن قيل : بأن عثمان (رضي الله عنه) ضرب عماراً، قيل: هذا لا يثبت ، ولو ثبت فإن للإمام أن يؤدب بعض رعيته بما يراه ، وإن كان خطأ.

ألا ترى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه ، وأقاد ، وكذلك أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) أدّبا رعيتهما باللطم والدّرّة ، وأقادا من أنفسهما .

فإن قيل : عثمان (رضي الله عنه) لم يقد من نفسه ؟

قيل له : كيف ذلك ، وقد بذل من نفسه ما لم يبذله أحد ، خصوصاً يوم الدار، فإنه قال : يا قوم ، إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيد فضعوهما "

انتهى من " شبهات حول الصحابة " - ذو النورين عثمان (ص 144) .

وقد جاء ما هو أصح من ذلك مما يخالفه ؛ فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 521) : وابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/1101) من طريق حُصَيْن بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جهيم ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ , قَالَ: أَنَا شَاهِدُ هَذَا الْأَمْرِ , قَالَ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ فَأَرْسَلُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنِ ائْتِنَا , فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ أَشْيَاءَ أَحْدَثْتَهَا ، أَوْ أَشْيَاءَ فَعَلْتَهَا , قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنِ انْصَرَفُوا الْيَوْمَ , فَإِنِّي مُشْتَغِلٌ ، وَمِيعَادُكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا .
قَالَ: فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ .

قَالَ: فَتَنَاوَلَهُ رَسُولُ عُثْمَانَ ، فَضَرَبَهُ .
قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمِيعَادِ وَمَنْ مَعَهُمْ ، قَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ مَا تَنْقِمُونَ مِنِّي؟
قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْكَ ضَرْبَكَ عَمَّارًا ؟!
قَالَ عُثْمَانُ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا , فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ , فَتَنَاوَلَهُ رَسُولٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِي ; فَوَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ وَلَا رَضِيتُ , فَهَذِهِ يَدِي لِعَمَّارٍ فَيَصْطَبِرُ – يَعْنِي : يَقْتَصُّ .

وهذا إسناد لا بأس به ، رجاله ثقات ، وجهيم - ويقال : جهم - تابعي روى عنه ثقتان ووثقه ابن حبان ، فحديثه محتمل للتحسين .

فهذا الخبر أصح مما ورد من ضرب عثمان عمارا .

والخلاصة :

أنه لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما أصلا ، فضلا عن أن يقال ضربه بحضرة علي ، وعلي ساكت لم يدافع عنه ، والواجب حفظ حرمة أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحبهم ، والدفاع عنهم .

كما لا يجوز اعتماد كل ما ورد في كتب التاريخ إلا ما ثبتت صحته ، وما أحسن ما قال ابن خلدون رحمه الله :
" وكثيرا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النّقل من المغالط في الحكايات والوقائع ، لاعتمادهم فيها على مجرّد النّقل غثّا أو سمينا ، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة ، والوقوف على طبائع الكائنات ، وتحكيم النّظر ، والبصيرة في الأخبار ، فضلّوا عن الحق ، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط "

انتهى من " تاريخ ابن خلدون" (1/ 13) .

والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:08

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc