خطاب "روسيا التاريخية": بوتين فوق لينين وستالين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأخبار و الشؤون السياسية > قسم الأخبار الوطنية و الأنباء الدولية

قسم الأخبار الوطنية و الأنباء الدولية كل ما يتعلق بالأخبار الوطنية و العربية و العالمية...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

خطاب "روسيا التاريخية": بوتين فوق لينين وستالين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2022-02-27, 09:06   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الزمزوم
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية الزمزوم
 

 

 
إحصائية العضو










B2 خطاب "روسيا التاريخية": بوتين فوق لينين وستالين

خطاب "روسيا التاريخية": بوتين فوق لينين وستالين

في معاني الخطاب وسيميائية إخراجه، حدّد بوتين مكانته بين كبار قادة التاريخ الروسي، من بطرس الأكبر وكاترينا الثانية إلى لينين وستالين.

لا يمكن وصف خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الـ23 من شباط/فبراير2022، والذي أعلن خلاله الاعتراف بسيادة جمهورية لوغانسك الشعبية وجمهورية دونيتسك الشعبية، بأقل من "تاريخي". لا يتوقف هذا الوصف على مضامين الخطاب المرتبطة بالصراع الحالي في أوكرانيا، بل إنه يمتد إلى المضامين الأكثر عمقاً، والتي ترتبط بالتاريخ المشترك للعلاقات الروسية -الأوكرانية، وبالتاريخ الروسي بصورةٍ عامة، بكل ما يحمله من حِقَب وأشخاص، وقرارات وأخطاء ومنجزات. إنه، باختصار، خطاب إعادة تصحيح التاريخ بالنسبة إلى كل من بوتين وروسيا.

لقد رسم بوتين، خلال هذا الخطاب، صورته كقائدٍ تاريخي للإمبراطورية الروسية عبر تاريخها الطويل. إمبراطوريةٌ كانت، وتحولت، وضعفت، ثم عادت. وما الخطاب الذي نحن في صدده سوى تعبير عن هذه العودة، وتفصيل لركائزها ومعطياتها الحقيقية، وبواعثها التاريخية، وضرورتها لمستقبل البلاد التي تسعى لتحقيق أمنها المهدَّد منذ أن وُلدت.

في معاني الخطاب وسيميائية إخراجه، حدد بوتين مكانته بين كبار قادة التاريخ الروسي، من فلاديمير لينين وجوزيف ستالين، إلى جانب بطرس الأكبر وكاترينا الثانية. شرّح، في دقائق قليلة، تاريخ روسيا بالتفصيل، منذ تأسيس الدولة حتى اللحظة الحالية، التي تشهد تحولاً حقيقياً في قدرتها على استعادة أسس الإمبراطورية القديمة. بنى، في السبيل إلى ذلك، الخيارات الاستراتيجية الحالية على قاعدة الحقائق التاريخية التي يعتقدها، والتي يرى أنه تم تشويهها من جانب أعداء روسيا ومنافسيها، كما من جانب قادتها خلال مرحلة الاتحاد السوفياتي السابق، في مقاصدهم ورؤاهم وإخفاقاتهم، التي كلّفت - وفق رؤيته - روسيا كثيراً من حضورها وإمكاناتها وفرصها.

إنه خطاب روسيا العائدة إلى مستقبلها من خلال استعادة تاريخها، بكل ما يختزنه من حقائق وحقوق، ترشّحها دائماً لتكون قوةً عالمية محققة الأمن والاستقرار، وحاضرة لتساهم في رسم حقائق العالم الذي تعيش فيه.

وفي المعاني المضمَّنة في هذه الوثيقة التاريخية، نظرة روسيا البوتينية المتجددة إلى الأمن القومي الروسي، ومكانة أوكرانيا القانونية في هذه النظرة، بالإضافة إلى كونها توأم روسيا وامتدادها الحيوي ومركز تطورها الديموغرافي والسوسيولوجي، وإلى أنها أيضاً، في معنى تاريخي حديث، نشأت نتيجة خطأ لينيني أسّس خصوصية غير مستقرة، وراكَمَ أعداءٌ فوقها أطماعَهم ومشاريعهم التقسيمية والأمنية، الموجَّهة نحو موسكو.

ضمّن بوتين خطابة إشارات في اتجاهات متعددة. فإلى الداخل الروسي، تحدّث عن إهانة المقاربة الغربية لروسيا، من خلال الاستخفاف بخطوتين دبلوماسيتين بادرت موسكو عبرهما إلى محاولة التفاهم معه. تمثّلت الأولى بطلبها ضماناتٍ أمنية، بينما تمثّلت الثانية باستفسارها عن إمكان انضمامها إلى الناتو في عام 2000، خلال حديثٍ بين بوتين والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.

ووفق الرئيس الروسي، فإن حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لم يكتفِ بتجاهل هاتين الخطوتين بالأمس واليوم، بل دعم الإرهابيين في القوقاز، وتوسّع في محيط روسيا، وسلّح أوكرانيا وجهّزها لتكون نقطة الانطلاق في هجومه المستقبلي على موسكو، وطوّر وثائقه الأمنية محدِّداً روسيا عدواً مباشراً له ولأعضائه، على نحو يجعل قيام الحرب على روسيا وتهديد استقرارها وإسقاط نظامها تمهيداً لتفكيكها مسألةَ وقتٍ فقط. وتم التجهيز تقنياً ولوجستياً لتقليص الوقت المطلوب لتنفيذ ذلك إلى ساعاتٍ قليلة فقط، الأمر الذي يعزز أهمية الخطوات التي اتخذها بوتين في أوكرانيا وضرورتها. فأوكرانيا الأطلسية تهديدٌ مباشر وداهم لأمن روسيا، لا تقبل الاستجابة له التأخير أو التهاون.

في الوقت نفسه، أكد بوتين أن الغرب كان يسلّح أوكرانيا كما لو كانت مركز الهجوم الوشيك على روسيا، مستدلاً ومدللاً على ذلك بصدور الوثيقة الجديدة للاستراتيجية العسكرية الأوكرانية المخصَّصة لمواجهة روسيا بصورةٍ لا تقبل الشك.

وفيما يخص أوكرانيا أيضاً، شمل خطاب بوتين تفصيلاً للخيارات الخائطة التي اتخذتها القيادة في كييف بعد انقلاب، عام 2014، من نواحٍ متعددة. فعلى المستوى الاقتصادي، اتجهت كييف نحو الغرب، مفضلةً تعاوناً اقتصادياً مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مجتمعَين، ينقص بالأرقام الحقيقية عن حجم العوائد المالية والاقتصادية المتحققة مع موسكو قبل الانقلاب المذكور. لماذا؟ لأن نخبةً أوكرانية سياسية ومالية فاقدةً للتقليد الخاص وللانسجام مع تاريخ أوكرانيا، تمت صناعتها وتمكينها من الحُكم لترسم سياساتٍ مصلحية لأشخاصها، منفصلةً إلى حد التعارض مع تاريخ البلاد وتركيبتها ومصالحها الاستراتيجية، على نحو يدمّر إرث كاترينا الثانية التي بنت ركائز البنى التحتية الاقتصادية في البلاد، والاتحاد السوفياتي الذي خلق أوكرانيا كوحدةٍ سياسية مستقلة عن روسيا.

ووفق هذه الرؤية الروسية، قلب الغرب، في الأعوام الأخيرة، كيان أوكرانيا وخياراتها الاستراتيجية، عبر التسلل إلى مؤسسات الحكم والقضاء، وزرع النخب التي وسّعت الفوالق المتنامية بين موسكو وكييف، عبر السياسات العامة، وممارسة الترهيب والقمع الوحشيَّين، وطمس معالم الترابط الروسي –الأوكراني، لغوياً وثقافياً وعرقياً وتاريخياً، وصولاً إلى السياسة والاقتصاد. ولم ينسَ بوتين توعُّد مرتكبي أعمال الترهيب بالبحث عنهم ومحاسبتهم.

تصحيح التاريخ
أكد بوتين أن الأوضاع الناشئة في إقليم الدونباس اكتسب طابعاً "حرجاً ومستعجلاً"، ووجّه خطابه أولاً إلى من وصفهم بـ"مواطنينا في أوكرانيا"، والذين قال إن بلادهم (أوكرانيا) ليست "مجرد دولة مجاورة لنا، فهي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا وفضائنا المعنوي"، وإن مواطنيها "ليسوا رفاقنا وزملاءنا وأصدقاءنا فحسب، بل هم أيضاً أقرباؤنا، تربطنا بهم صلة الدم وروابط عائلية".

وأقام، في سبيل توضيح عمق نظرته إلى العلاقات الروسية – الأوكرانية، محاكمةً لخيارات روسيا البلشفية، التي حمّلها مسؤولية فصل جزءٍ من أراضي روسيا التاريخية و"تمزيقها إرباً". ألقى سيد الكرملين بالمسؤولية عن ذلك، على لينين وأصدقائه الذين عملوا "بصورة فجّة جداً ضد مصالح روسيا"، ومنهم ستالين الذي وحّد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، ونقل ملكية بعض الأراضي، التي كانت في السابق تابعة لبولندا ورومانيا والمجر، إلى أوكرانيا.

ثم جاء دور نيكيتا خروتشوف، الذي اقتطع في عام 1954 شبه جزيرة القرم من روسيا، ووهبها لأوكرانيا، "لسببٍ ما". وأعاد بوتين رسم حقائق التاريخ الروسي المتضمن أوكرانيا وفضاءها، عبر تأكيد ولادة هذه الأخيرة كنتيجةٍ للخلافات الحادة بين البلاشفة، الذين قدّموا التنازلات إلى القوميين. ووفق هذه النظرة إلى التاريخ، كانت أفكار لينين وسياسات ورثته هي التي شكّلت أساس الاتحاد السوفياتي، على قاعدة تنمية النزعات الانفصالية، في سبيل إقامة البناء السوفياتي.

لقد تم إرضاء القوميين وطموحاتهم المتزايدة على حساب روسيا التاريخية.

كانت تلك المقدمة التي تساءل بوتين من خلالها عن الجدوى والضرورة لتقديم تلك الهدايا السخية، والتي "لم يحلم بها أكثر القوميين حماسة"، على نحو يشمل حق الانفصال عن الدولة الموحَّدة من دون أي شروط.

أمّا التفسير المنطقي الذي قدّمه لتلك الأحداث والوقائع، فحدّده بوتين بأنه يتعلق برغبة البلاشفة في البقاء في السلطة بأي ثمن.

روسيا التاريخية: بوتين فوق لينين وستالين
قدّم بوتين نفسه، في هذا الخطاب، قائداً أعلى للتاريخ الروسي برمته. خرج محاكِماً التاريخ السوفياتي بأكمله، في قادته ورموزه، وفي خياراته وسياساته وتحولاته التاريخية، ليس بالنسبة إلى روسيا وحدها، بل إلى "شعوبها" أيضاً، بحيث إن المبادئ اللينينية لمصيرها ومصير شعوبها كانت أكثر سوءاً من وصفها بالخطأ. لقد تحدث الرئيس الروسي عن الماضي من دون قفّازات، وبصورةٍ أرادها مباشرة ومن دون "تحفّظاتٍ أو إيحاءاتٍ سياسية".

وأوكرانيا بالنسبة إليه، ووفق هذه الرؤية التي قدّمها، ظهرت كنتيجةٍ لخطأ تسببت به السياسات البلشفية، وصولاً إلى اعتباره أنه ليس من الضير تسميتها "أوكرانيا فلاديمير إيليتش لينين". فالأخير هو مصمم تأسيس أوكرانيا ومهندسه.

لكن بوتين أقام مفارقةً لافتة، قوامها بعض الأوكرانيين ممن وصفهم بـ "أحفاده (لينين) الأشاوس"، والذين أقاموا تماثيل لينين في أوكرانيا، في إطار ما يسمونه "اجتثاث الشيوعية". وتوجه إلى هؤلاء بالقول "هل تريدون التخلص من الشيوعية؟ هذا موقف يلائمنا أيضاً. لكن يجب ألاّ يتم التوقف في منتصف الطريق. نحن على استعداد لنوضح لكم ما يعنيه التخلص الحقيقي من الشيوعية بالنسبة إلى أوكرانيا".

إن النظرة الجديدة، أو المتجددة، التي قدّمها بوتين للأمن القومي الروسي، في ناحيته هذه، تقوم على ركيزة مفادها أن التاريخ أثبت استحالة حماية المنطقة الشاسعة والمعقدة، والتي قامت عليها روسيا تاريخياً بالاستناد إلى أفكار لينين والبلاشفة. وإن القول بإمكان حماية روسيا من خلال مبادئ الكونفدرالية السوفياتية يُعَدّ "انفصالًا عن كل من الواقع والتقاليد التاريخية". وذهب الرئيس الروسي بعيداً إلى حدّ الحديث عن تحول تلك المبادئ إلى "إرهابٍ أحمر"، و"ديكتاتورية ستالينية"، و"سيطرة الأيديولوجية الشيوعية واحتكار الحزب الشيوعي"، معتبراً أن ستالين قام بتطبيق أفكاره وعكسها على هيكل الدولة بالكامل، وأنه لم يتقيد بأفكار لينين.

لقد اختصر بوتين النهج القيادي خلال المرحلة السوفياتية بالقول إنهم، كما هي الحال دائماً في الماضي، "لم يفكّر أحد منهم في المستقبل"، خالصاً إلى أن "التزييف واستبدال المفاهيم والتلاعب بالوعي العام والخداع، لها ثمن، وهو أن بكتيريا الطموحات القومية لم تختفِ"، وأنه اليوم "يواصل مسيرة إضعاف مناعة الدولة ضد عدوى القومية".

ورسم بوتين نهاية المشهد السوفياتي كنتيجةٍ للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، التي أرهقت الاقتصاد الشيوعي، مع عدم تمكّن قيادة الحزب الشيوعي عن الاستجابة لذلك، وفشلها في معالجة نمو الطموحات والتطلعات غير المحققة للشعوب، مكتفيةً بـ"الحديث الفارغ عن استعادة المبدأ اللينيني لتقرير المصير". وتخلص قراءة بوتين هذه إلى أن القادة السوفيات تصارعوا على الحكم، فسعوا لتوسيع قواعدهم الشعبية على حساب مصالح الدولة وشعوبها، بصورةٍ أدت إلى تبخّر تأثير الحزب الشيوعي نفسه، محمّلاً "ضمائر أولئك القادة" مسؤولية "انهيار روسيا التاريخية تحت اسم الاتحاد السوفياتي".

المسؤولية في مقابل الخداع والابتزاز
وفي معرض إعادة إنتاج التاريخ، وفق الحقائق التي يراها الرئيس الروسي، فإن هذا الأخير أورد "الخداع والنهب والمظالم التي تعرّضت لها روسيا"، مشيراً إلى أن الشعب الروسي اعترف بالحقائق الجيوسياسية الجديدة، التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، وأنه اعترف أيضاً بالدول المستقلة عنه. ولم يكن هذا الاعتراف سياسياً أو قانونياً فحسب، بل إنه شمل أيضاً استكمال مسؤولية دعم أوكرانيا إلى حد تقدير الخبراء أن يكون إجمالي الدعم الذي قدّمته روسيا للميزانية الأوكرانية، في الفترة الممتدة من عام 1991 إلى عام 2013، يبلغ نحو 250 مليار دولار أميركي، مع استكمال تنفيذ روسيا تعهداتها بشأن سداد الديون السوفياتية جميعها في عام 2017.

في المقابل، لم تفِ أوكرانيا بموجبات اتفاقها مع روسيا في عام 1994 بشأن صندوق الماس واحتياطيات الذهب والممتلكات والأصول الأخرى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق في الخارج، وفق تأكيد الرئيس الروسي الذي اتهم كييف بالسعي لهيمنة الابتزاز ومراكمة المزايا على روح الشراكة بين الدولتين، وبأنها استخدمت الحوار مع موسكو لمساومة الغرب وابتزازه أيضاً، انطلاقاً من تخويفه باحتمالات هيمنة روسيا عليها.

نخبة أوكرانية مصطنعة ومنفصلة عن التاريخ
يرى بوتين أن النخبة الأوكرانية، المتشكّلة بعد انقلاب عام 2014، أسست نظامها السياسي من خلال إنكار كل ما يوحّد أوكرانيا وروسيا، وأنها حاولت تشويه الوعي الجمعي والذاكرة التاريخية للأوكرانيين، وأن معنى سياساتها في الحكم اتخذ طابعاً عدائياً، مع نمو النزعة النازية الجديدة ضد روسيا. لكن هذه النخبة استندت وفق رؤيته إلى القوى الأجنبية التي خلقت هذه النخبة، وروّجتها، وأوصلت شبكة "عملائها" إلى السلطة عن طريق "شبكة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والخدمات الخاصة"، في ظل غياب التقليد الخاص والثابت للدولة الحقيقية، وفصل أوكرانيا عن تاريخها، من خلال اختيار "النَّسْخ الميكانيكي لنماذج أخرى". لقد نمت "أوليغارشية أوكرانية" مؤيدة للغرب وتخضع لأوامر الخصوم الجيوسياسيين لموسكو، وتستغل في الوقت نفسه الناخبين من خلال الانقلاب على وعودها لهم، لتنفذ سياسات معاكسة لإرادتهم، في مقابل تكديس "المليارات المسروقة من الأوكرانيين في حسابات هذه النخبة في البنوك الغربية".

إنها ثمانية أعوام من التراكمات، أفضت إلى هذا الخطاب الذي فصّل فيه بوتين موقف بلاده تجاه الأزمة الأوكرانية. فاستغلال تَأَكُّل الدولة الأوكرانية وتحوُّلِها إلى أداة في أيدي الأميركيين، أشار إليه الرئيس الروسي بالأرقام، حين أشار إلى الدعم المالي الذي قدمته السفارة الأميركية إلى معسكر الاحتجاجات في ميدان الاستقلال في كييف عام 2014، بواقع مليون دولار يومياً، بالإضافة إلى "تحويل مبالغ ضخمة إلى الحسابات المصرفية لقادة المعارضة، وصلت إلى نحو عشرات الملايين من الدولارات".

إلى جانب ذلك، لفت بوتين إلى ممارسة إرهاب حقيقي من جانب المستولين على السلطة، كما وصفهم، ضد كل من عارض الانقلاب، مذكّراً بـ"المأساة الرهيبة التي وقعت في أوديسا من دون الإصابة بالخوف والذعر، بحيث تم قتل المشاركين في احتجاج سلمي بوحشية وإحراقهم أحياء في مبنى النقابة"، متوعّداً بالبحث عن هؤلاء ومحاسبتهم على ذلك.

لقد أدت سياسات كييف المعادية إلى الضرر بالاقتصاد الأوكراني قبل أي شيء، وبرهان ذلك وفق خطاب بوتين يتمثل باضطرار نحو ستة ملايين أوكراني إلى الهجرة في عام 2019، أي ما يصل إلى نحو 15% من إجمالي سكان البلاد التي وصفها بأنها كانت تشكل "مصدر فخر ليس لأبناء شعبها فقط، بل للاتحاد السوفياتي بأكمله".

ويرى بوتين أن النخبة الأوكرانية دمّرت إرث كاترينا الثانية التي بنت أحواض السفن، كما أنها أضاعت مصانع الطائرات والإمكانات الصناعية والتكنولوجية، وسلّمت القضاء الأوكراني إلى ممثّلي المنظمات الدولية، ومكّنت السفارة الأميركية من السيطرة المباشرة على الدائرة الوطنية لمكافحة الفساد والمكتب الوطني لمكافحة الفساد، بسبب وقوعها تحت وطأة السيطرة الأجنبية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الفساد لايزال ينتشر وينمو.

وأبعد من ذلك، تعمّق بوتين في تفصيل مساعي النخبة الأوكرانية الحاكمة في "تطهير البلاد من الروس والصهر القسري" واتخاذ القرارات العنصرية، واعتبار المواطنين الذين يعدّون أنفسهم روساً أجانب، واستبعاد اللغة الروسية من المؤسسات التعليمية، وتطبيق عقوبات عليهم وعلى مؤسساتهم، وصولاً إلى نوابهم في البرلمان.

ولم تَفُت الرئيسَ الروسي الإشارةُ إلى انقسام الكنيسة الأرثوذكسية، والتشريعات الأوكرانية الصادرة ضد رجال دين الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو والملايين من جماعتها.

وثيقة عسكرية معادية وطموح السلاح النووي
وفي إحدى أبرز نقاط خطابه الذي يؤشر على بداية حقبة جديدة في التعاطي مع كييف، أشار بوتين إلى اعتماد هذه الأخيرة الوثيقة الاستراتيجية العسكرية الجديدة والمخصصة لمواجهة روسيا، في آذار/مارس 2021، والتي تستدرج، وفق رؤيته، الدول الاجنبية إلى الاشتباك مع روسيا، وهي تتحدث عن دعم عسكري من المجتمع الدولي لكييف "في النزاع الجيوسياسي مع روسيا الاتحادية".

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس الروسي يرى أن أوكرانيا تعتزم تصنيع سلاحها النووي الخاص، وهي تمتلك التكنولوجيا الضرورية لذلك منذ مرحلة الاتحاد السوفياتي السابق، بما فيها وسائل نقل الأسلحة النووية وتقنيات الطيران. يعتقد بوتين أن تصنيع "أكثر من ذلك" ليس سوى مسألة وقت"، وأن تسليح أوكرانيا القائم الآن، وخصوصاً في حال حصولها على السلاح النووي، سوف يغير واقع هذا السلاح حول العالم، وفي أوروبا تحديداً، وأن هذه الطموحات تتأكد من خلال الدعم العسكري الغربي والتدريب لأوكرانيا، والذي يصل إلى مليارات الدولارات.

إن خلاصة هذا الخطر الأوكراني - الأطلسي على روسيا يتمثل باقتناع القيادة الروسية بأن دخول أوكرانيا للناتو، ليس سوى التعبير السياسي والتعبير القانوني عن واقعٍ تتم صناعته الآن، وأنها مسألة وقتٍ فقط قبل أن تقع الحرب على روسيا انطلاقاً من أوكرانيا. فالأخيرة تستقبل الخبراء الغربيين والوحدات العسكرية من الحلف، وتقوم بالمناورات التي تركز على روسيا معهم، وتعيد تنظيم منظومات الإدارة والقيادة لجيشها على نحو ينسجم مع البنية العسكرية للناتو، ويجلعها من ضمن تركيبته العسكرية، بحيث انضم، خلال العام الفائت وحده، "أكثر من 23 ألف عسكري، وما يزيد على ألف قطعة حربية، إلى هذه المناورات"، بينما عملت خلال عام 2022 على تشريع يسمح بدخول قوات البلدان الأخرى للأراضي الأوكرانية لإجراء مناورات مشتركة. وبالإشارة إلى تناقض ذلك مع الدستور الأوكراني نفسه، فإن المادة الـ 17 من الدستور الأوكراني تحظر نشر قواعد عسكرية لقوات بلدان أجنبية قي أراضي البلاد.

في المقابل، يعيد بوتين تأكيد تنفيذ بلاده كل التزاماتها، بما في ذلك سحب قواتها من أوروبا الغربية والوسطى والشرقية، وعرضها على الناتو مختلف أشكال التعاون، بما في ذلك إطار مجلس روسيا – الناتو، وفي إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، متحدثاً لأول مرة عن سؤاله الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عن موقف بلاده إزاء طرح قبول روسيا في الناتو، وكيف كانت إجابة كلينتون متواضعة، بحيث فسرها بوتين بأنها إهمال، يتلاءم مع إهمال الغرب الحالي لتحفظات روسيا بشأن توسع الناتو شرقاً، والانسحاب من معاهدة الدرع الصاروخية، وأن الغرب يريد روسيا عدواً لا شريكاً.

وبالتالي، فإن خلاصة الخطاب التاريخي لبوتين، في هذا السياق، تؤكد أن "الناتو أصبح هو سبب الأزمة في الأمن الأوروبي، وأثّر بصورة مباشرة في العلاقات الدولية وفقدان الثقة. والوضع بدأ يتدهور، بما في ذلك في المجال الاستراتيجي". ويؤكد بوتين هذه القراءة بتفصيل عسكري تقني لإمكان تنفيذ الناتو ضربة مفاجئة ضد روسيا؛ ضربة تستند إلى شمول الوثائق الأميركية للتخطيط الاستراتيجي لمبدأ توجيه الضربة الوقائية للعدو، بينما تؤكد الوثائق نفسها أن هذا العدو هو روسيا.

قي المحصلة، لن يقبل بوتين - قي المدى الطويل - أقل من تحقيق ضمانات أمنية أوردها في مطالب ثلاثة: أولاً، عدم السماح للناتو بالتوسع؛ ثانياً، رفض نشر القواعد والمنظومات الهجومية قرب الحدود الروسية؛ ثالثاً العودة إلى حدود عام 1997 لانتشار الناتو.


المصدر: الميادين








 


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc