محمد ديب (21 يوليو 1920 - 2 مايو 2003) كاتب و أديب جزائري ولد في تلمسان.
كان مولد محمد ديب الأدبي عام 1952 حين صدرت له أول رواية وهي رواية البيت الكبير ، وقد نشرتها جريدة "لوسوي" الفرنسية، ونفذت طبعتها الأولى بعد شهر واحد ، ثم رواية الحريق التي تعلن إرهاصات الثورة الجزائرية. والغريب في الأمر أنه بعد ثلاثة أشهر من نشرها انطلقت ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 في الجزائر .
نال محمد ديب عام 1963 جائزة الدولة التقديرية للآداب؛ كذلك كان أول كاتب مغاربي يحصل على الجائزة الفرنكفونية للآداب والفنون عام 1994 حيث تسلمها من الأكاديمية الفرنسية نظيراً لأعماله السردية والشعرية وحتى النقدية.
توفي الأديب محمد ديب في 2 مايو2003 بسان كلو إحدى ضواحي باريس في فرنسا .
يعد محمد ديب أحد أبرز الروائيين والشعراء الجزائريين المعاصرين، وقد كتب جميع مؤلفاته باللغة الفرنسية، فأثار بذلك مسألة هوية وانتماء هذا الأدب. هل هو أدب عربي، لأن موضوعاته عربية ويعالجها المؤلف من منطلق وطني عربي، أم أنه أدب فرنسي، لأنه مكتوب باللغة الفرنسية، وبأسلوب تجديدي متميز، جعل الشاعر الفرنسي لوي أراغون يمدح شعرية لغة ديب، ودفع الأكاديمية الفرنسية إلى منحه جائزة الفرنكوفونية في عام 1982، ومما أدى كذلك إلى حصوله على جائزة الشاعر مالارميه في عام 1998.
ولد محمد ديب في مدينة تلمسان الواقعة غربي العاصمة، وانتسب هناك إلى المدرسة الابتدائية، ثم انتقل إلى مدينة وجدة حيث تابع دراسته الثانوية. وكان في الحادية عشرة من عمره عندما توفي والده الذي امتهن النجارة، فاضطر محمد اليافع للبحث عن عمل، وتنقل بين عدة مهن، فعمل نساجاً على النول ومحاسباً ومراسلاً صحفياً. وفي الجزائر العاصمة انتظم في سلك التدريس وبُعث إلى قرية على الحدود الجزائرية المغربية، حيث علّم أبناء البدو، مما أدى إلى إعفائه من التجنيد. وقد هيأت له ممارسة هذه الأعمال تعرف الفئات الشعبية وأساليب معيشتها وتفكيرها ونضالها من أجل القوت والحرية. كما احتك بالمناضلين الجزائريين المطالبين باستقلال الجزائر عن فرنسا، وأخذ يكتب في الصحافة المحلية الصادرة باللغة الفرنسية حول قضايا وطنه، لاسيما في صحيفة «ألجِه رِبوبليكان» Alger Républicain، مما لفت إليه أنظار السلطات الاستعمارية، التي بدأت تضيّق عليه الخناق. وكان ديب حينذاك قد كرَّس جل وقته واهتمامه للأدب، ولكنه، نتيجة لسياسة الفَرْنَسة، لم يمتلك ناصية اللغة العربية الفصحى قراءةً وكتابةً، فقد كانت لغة المستعمر الفرنسية نافذته الوحيد للاطلاع على الأدب العالمي عامة والفرنسي خاصة. فعندما نشر قصيدته الأولى «فيغا» Vega عام (1947) بدا واضحاً تأثره بالثقافة الفرنسية، وتمكنه في الوقت ذاته من أدواته التعبيرية كشاعر ذي خصوصية. ومع أنه قد نشر في سنوات المنفى في فرنسا ستة دواوين شعرية لفتت أنظار الأدباء والنقاد، إلا أن إنتاجه الروائي الذي تجاوز العشرين رواية، كان أكثر انتشاراً وتأثيراً، وأطوع للترجمة من شعره الذي بقي محصوراً في دائرة هواة الشعر، نظراً لتزايد انغلاقه على نفسه، وصولاً إلى حالة من الهرمسية Hermétisme (الإبهام) الصعبة المتجلية في كيميائية لغةٍ تقوم بدورها على التراسل ما بين المفردات والإيقاعات والأصداء. كما أن النزعة الإروسية (الشبقية) التي تسِم بعض شعره قد أججت لغته في المواجهة بين الجسد والكتابة في القصيدة نفسها. وبسبب من كثافة شعره وفرادته اللغوية غدت قصائده صعبة وعصية على الترجمة. ومن أشهر دواوينه «الظل الحارس» Ombre gardien عام (1961) و«شجرة الكلام» (1989).
منذ عام 1945 أخذ ديب يعيش متنقلاً بين الجزائر وباريس، وفي عام 1951 تزوج من سيدة فرنسية وعاد إلى حياته النضالية في الجزائر إلى أن نفته السلطات نهائياً في عام 1959 بسبب تصاعد تأثيره في حركة التحرير. وكان منذ عام 1952 قد بدأ بنشر أجزاء «ثلاثية الجزائر» الملحمية، فصدر الجزء الأول «الدار الكبيرة» La grande maison عام (1952)، والثاني «الحريق» L’Incendie عام (1954)، والثالث «النول» Le métiere à tisser عام (1954) التي ترجمها سامي الدروبي بأسلوب مبدع، وصدرت طبعتها الأولى في القاهرة (1970)، تلتها طبعات أخرى في بيروت ودمشق. وبهذه الثلاثية جعل ديب من الكتابة بالفرنسية كتابة وطنية، وباتت فيها صورة الوطن الجزائر كبيرة وواضحة، وهي تخرج من حرب إلى حرب أشد ضراوة، جعلت شخصيات الرواية تؤسس قناعاتها النضالية، ليس فقط انطلاقاً من خيارات ظرفية، ولكن من صلب التجربة الإنسانية التي لا حدود لقوتها.
ونتيجة لتحولات الثورة الجزائرية بعد الاستقلال وما آلت إليه، محققة مقولة «الثورة تفترس أبناءها» قرر محمد ديب البقاء في المنفى الذي لم يعد حالة ثقافية، بل حالة وجدانية ومأساة، لم تعمل كتاباته اللاحقة إلا على تأكيدها. ففي روايته «هابيل» Abel عام (1977) لا يقتل الأخ أخاه، حسبما ورد في الحكاية القديمة، لكنه يدفع به نحو مغاور المنفى والعزلة والموت، لئلا تلصق الجريمة بأحد. وفي النسق نفسه تسير رواية «من يذكر البحر؟» Qui se souvient de la mer عام (1962) و«مسيرة على الضفة الموحشة» (1964) و«معلم الصيد» le Maître de chasse عام (1973) وغيرها من الروايات التي رسمت الخيبة وأعطتها هوية الانكسار والمنفى.
وفي عقد الثمانينات انسحب محمد ديب باتجاه الشمال، نحو اسكندنافيا، بحثاً عن أرض محايدة، إذ لم تعد الرواية النضالية والسياسية هاجسه، وحل محلها انشغال بهموم الذات بمختلف جروحها وانكساراتها، وكتب هناك ثلاثية جديدة سماها النقاد «ثلاثية الشمال»، وهي تضم «شرفات أورْسول» Terrasses d’Orsol عام (1985) و«إغفاءة حواء» (1989) و«ثلوج من مرمر» (1990)، وأتبعها برواية «فقر بلا هوادة» (1991). وفي أعمال هذه المرحلة برزت حساسية ديب الصوفية وأخذت أسئلته الوجودية تهتم بأدبية وفنية الكتابة، بعيداً عن الهم السياسي.
ومع مطلع التسعينات عاد ديب إلى باريس وعاد إلى الانشغال بأسئلة الديمقراطية في وطنه الجزائر، واستمر في الكتابة، فأصدر «المولود الموريسكي» و«الليلة الموحشة» و«إن شاء الشيطان» و«سيمورغ» وفي معظم هذه النصوص ينتفي الشكل الروائي، أو يكاد، ولا يبقى منه سوى بعض الملامح داخل مزيج من الأشكال يتداخل فيها الشعر والنقد والمسرح والقصة، بأسلوب يعيد النظر في المكونات الثقافية للرواية ويفككها بدءاً من الأنا وانتهاء بمقولة انتحار أوديب[ر] وصعوده متلاشياً. كان محمد ديب بدوره يتلاشى في هذه الكتابات عائداً إلى تربة منحته المنفى وفرصة التأليف.
يعد محمد ديب إلى جانب مولود فرعون ومولود معمَّري ومالك حداد وكاتب ياسين من مؤسسي الحركة الأدبية الفرنكوفونية في الجزائر، وقد يكون مع كاتب ياسين في طليعة هذا الجيل الذي استطاع أن يتحدى الاستعمار الفرنسي عبر لغته نفسها، وأن يكتب أدباً جديداً، فرنسي اللغة، جزائري الروح والهموم. وهو يقول بهذا الصدد: «يُهيأ إلينا أن ثمة عقداً يربطنا بشعبنا، ويمكننا أن نسمي أنفسنا (كتّابَه العامّين). نحو هذا الشعب نلتفت أولاً، ثم نلتفت نحو العالم، لنشهد على هذه الخصوصية، ولكن أيضاً، لنشير كم أن هذه الخصوصية تندرج في ما هو كوني».
مات محمد ديب في صمت كبير، كما عاش في شموخ كبير، ودُفن في إحدى ضواحي باريس بوجود حفنة من الأصدقاء المقربين، حسب وصيته، ودونما ضجة رسمية مزيفة. وتُرجمت معظم رواياته إلى اللغات الأوربية وبعض اللغات الشرقية.
Mohammed DIB (1920-2003)