موت الفجأة.. الواعظ الصّامت - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > خيمة الجلفة > الجلفة للمواضيع العامّة

الجلفة للمواضيع العامّة لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

موت الفجأة.. الواعظ الصّامت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2023-11-22, 20:28   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد علي 12
مراقب منتدى الأسرة والمجتمع
 
إحصائية العضو










افتراضي موت الفجأة.. الواعظ الصّامت

واعظ صامت كان في أزمنة مضت قليلا ما يظهر بين النّاس، وقليلا ما يسمعون أخباره، لكنّه في زماننا أصبحت أخباره في كلّ يوم وفي كلّ مكان، وأصبح حديث الصّغير والكبير والذّكر والأنثى.. واعظ صامت كشف الدّنيا على حقيقتها التي وصفها بها خالقها سبحانه حين قال: ((وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور)).. إنّه موت الفجأة الذي كثر في السنوات الأخيرة، بصورة لفتت انتباهنا وقرعت قلوبنا جميعا.. جميعنا أدركنا وبدأنا نحسّ بأنّ حالات الموت المفاجئ تضاعفت في السّنوات القليلة الأخيرة بصورة لافتة، تجعلنا نتوجّس بأنّنا نعيش الزّمان الذي أخبر عنه الحبيب المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- حينما قال: “إنّ من أمارات السّاعة أن يظهر موت الفجأة”.
تجلس مع النّاس في المقاهي وفي وسائل المواصلات وفي الأماكن العامّة، فتسمع جلّ حديثهم عن أخبار الموت، وعن الرّاحلين عن هذه الدّنيا من الأصدقاء والجيران والأقارب والخلاّن، تتابع الصفحات الخاصّة وتدخل إلى المجموعات على شبكة الإنترنت فتجد حديثا لا ينقطع عن أولئك الذين رحلوا في صمت من دون مقدّمات ومن دون وداع.
تقرأ عن زوجة تتحدّث عن زوجها الشابّ الذي كان يقود سيارته ويكلّمها في الهاتف ويمزح ويضحك، وفجأة يفاجئها بقوله إنّه يشعر بألم غريب في صدره لم يشعر به من قبل، ويقطع الاتّصال ويركن السيارة، ويفارق الحياة من دون أن يودّع زوجته أو خلانه.. سائق سيارة آخر، ما كان به بأس وما كان يشكو شيئا، توقّف عند الإشارة الحمراء في مفترق الطّرق، وبينما كان ينتظر الإشارة الخضراء، حلّ موعد الرحيل. حاول السائقون تنبيهه لينطلق بعد ظهور الضّوء الأخضر، لكنّه أبى الانطلاق، ظلّوا يضغطون على المنبّهات من دون فائدة، وحين نزلوا لينظروا خبره وجدوه قد فارق الحياة ومال بجسده على المقود.. فتاة تروي عن أخيها الشابّ الذي رفض الخروج في ذلك اليوم مع العائلة للتنزّه، واختار أن ينام. بعد عودة العائلة في المساء وجدوه لا يزال نائما، حاولوا إيقاظه، لكن لا فائدة. لقد نام نومته الأخيرة، ومعها رحل من دون وداع.. فتاة مخطوبة تروي أنّ خطيبها وبينما كان في طريقه مع بعض أصدقائه ليشتري “غرفة النّوم”، وقع لهم حادث مرور، ومات الخاطب، رحمه الله، بينما نجا جميع أصدقائه الذين أصيبوا بخدوش طفيفة.
ما منّا من أحد إلا وقد لفت انتباهَه تواردُ أخبار الموت المفاجئ في محيطه وفي مدينته وفي بلده.. حوادث المرور تحصد أرواح 4 آلاف جزائري كل عام، جلّهم وأغلبهم من الشّباب.. السكتات القلبية والدّماغية أصبحت تحصد أرواح الآلاف كلّ عام.. ترى الشابّ يسعى بين النّاس يذهب ويجيء ويضحك ويمرح، ويخطّط لمشاريع كثيرة ويتحدّث عن آمال طويلة وعريضة؛ يتحدّث عن همّ الوظيفة والراتب والسكن، ما به بأس ولا يشكو علة ولا مرضا، بل ربّما لم يسبق له وأن زار الطبيب.. تراه اليوم يسعى بين الناس، وفي الغد يأتيك خبر وفاته.. فتسمع هذا يقول لك: بالأمس كان معي وجلسنا معا في المكان الفلاني، وقال وقلت، وتسمع من يقول: لقد رأيته قبل وفاته بساعات قليلة ما به بأس.. وتسمع من يقول: لا إله إلا الله، كان سيتزوّج بعد شهر أو شهرين، وتسمع من يقول: كان يتجهّز لينتقل إلى بيته الجديد… وهكذا. ثمّ تجلس وتتفكّر في أحوال الرّاحلين من دون وداع، فتذكر من ظواهر أحوالهم أنّ بينهم من كان يحسب للموت حسابه ويتهيّأ له، ومنهم من كان الموت آخر شيء يفكّر فيه، وهذا التباين هو ما يجعل من موت الفجأة واعظا صامتا يهزّ القلوب؛ فشتّان بين من يسعى لدنياه ولا ينسى آخرته، وبين من يجعل الدّنيا همّه الأوّل والأخير.. عندما يكون العبد المؤمن مستقيما على طاعة الله، ربّما يكون موت الفجأة رحمة له، لكنّ المؤسف هو أن يباغت الموت الإنسان وهو لمّا يستعدّ له بعد، يؤخّر ويؤجّل ويسوّف؛ كان يرى الموتى يحملون إلى المقابر، وفي كلّ مرّة يسمع بوفاة قريب أو صديق أو جار، لكنّه لم يفكّر يوما أنّ الموت يمكن أن يفجأه هو الآخر. لم يكن يتوقّع أن يأتيه الموت في ذلك الوقت، لكنّه أتاه وأذاقه من كأسه فرحل من دون مقدّمات ومن دون وداع.. ربّما تكون له كلمات كثيرة كان يتمنّى أن يقولها قبل أن يموت. ربّما هناك أحبّاء من حوله كان يتمنّى أن يوصيهم ويودّعم. ربّما تكون عنده ديون يتمنّى أن لو أدّاها وأمانات يتمنّى أن لو ردّها. ربّما يكون قد حصل بينه وبين أبيه أو أمّه خلاف أو خصام وكان يتمنّى أن لو طلب الصّفح منهما. ربّما تكون بينه وبين أحد جيرانه أو أقاربه قطيعة كان يتمنّى إنهاءها.. وهناك في المقابل من تكون آخر أمنياته أن يغفر الله له ويسكنه الجنّة، وطالما سمعنا هذه الأمنيات من آبائنا وإخواننا الصّالحين نحسبهم كذلك، منهم من رحل ومنهم من ينتظر، ولعلّهم يدركون أمنياتهم بفضل الله.
على موقع “تغريدات المتوفّين” على شبكة تويتر، الذي ينشر آخر ما كتبه الراحلون عن هذه الدنيا قبل رحيلهم، مقاطع وكلمات كثيرة لشباب صالحين –نحسبهم كذلك- كانت آخر تغريداتهم مواعظ مؤثرة وأمنيات عالية تتعلق بجنّة باقية.. مغرّدة سمّت نفسها “المريضة”، غرّدت آخر مرّة قبل أن ترحل عن هذه الدّنيا قائلة: “أتمنّى أن أطلّ من شرفة الجنّة على الدّنيا وأهزّ رأسي ندما، وأقول: أ هناك عصيت؟”. شابّ أقعده المرض كتب آخر تغريدة له: “ادعوا لي بالشّفاء العاجل، الله يسعدكم.. أتمنّى أن أمشي خطوات نحو المسجد”، ثمّ رحل.. مغرّدة أخرى قالت: “كلّ إنسان سيكون يوما ما مجرّد ذكرى، أمنيتي أن أكون ذكرى بيضاء في قلوبكم”.
وأنت أخي الشابّ.. تُرَ ما هو آخر شيء ستفعله؟ وما هو آخر موقف ستقفه؟ وما هو آخر مشهد ستنظر إليه بعينيك؟ وما هو آخر منشور ستكتبه على صفحتك؟ وما هو آخر اتّصال ستجريه على هاتفك؟ وما هي آخر أمنية لك، وهل ستكون من أمنيات الدّنيا أم من أمنيات الآخرة؟ هل ستتّعظ بأصدقائك وأقاربك وجيرانك الذين رحلوا فجأة وحضرتَ جنازاتهم ورأيت قبورهم، أم أنّك ستظلّ تؤخّر وتسوّف حتى تكون عبرة لغيرك؟ من لم يعتبر بغيره كان عبرة لغيره. الموت لن يعطيك فرصة ثانية، ولن يمهلك لحظة واحدة.. الموت لا ينتظر استقامتك؛ استقم واستعدّ للموت.
موت الفجأة كشف هذه الدّنيا على حقيقتها، وأبان لكلّ ذي لبّ لبيب عن حقارتها.. إنّه يصدمنا بفقد الأصدقاء والأهل والأقارب، وصدماته مؤلمة، لكنّها ضرورية حتى لا نبقى مخدوعين بهذه الدّنيا لمدّة أطول.. فلنعتبر بهذا الواعظ الصّامت، وليستقم كلّ واحد منّا على طاعة الله ولْينظّم حياته ووقته ولْيُصلح علاقته بالله وعلاقته بإخوانه من حوله، ليطهّر كلّ واحد منّا قلبه من بغض إخوانه والحقد عليهم. الكمال لله والعصمة لأنبياء الله، أمّا نحن فكلّنا بشر مشوبون بالنّقص، نخطئ ونصيب وننسى ونتفكّر، فلا يحقد أحد على أحد.. ليسا مطلوبا منّا أن نكون ملائكة كراما، ولكنّنا مطالبون بالتوبة والرّجوع إلى الله كلّما غفلنا أو أخطأنا.. لسنا مطالبين بأن نترك هذه الدّنيا بالكلية، ولكنّنا مطالبون بأن نمنعها أن تستولي على قلوبنا وتكون أكبر همّنا ومبلغ علمنا.. الدّنيا هذه عمرها قصير وأمرها حقير، والحياة الحقيقية والكاملة لكلّ واحد منّا تبدأ من لحظة الوفاة لذلك يقول المفرّط يوم القيامة ((يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)).. أي يا ليتني قدّمت لهذه الحياة الدّائمة الأبديّة.. لِنُصلحْ أحوالنا ما دمنا في مهلة من أعمارنا، فو الله إنّ كلّ يوم يزاد في أعمارنا هو نعمة من أجلّ نعم الله علينا، فربّما يتوب فيه الواحد منّا ويصلح فتُمحى ذنوبه وتبدّل سيّئاته حسنات، وينقل اسمه من سجلّ الأشقياء إلى سجلّ السّعداء.. “كثير من إخواننا ماتوا بالأمس، ونحن لم نمت، وكثيرٌ لم يستيقظوا هذا الصّباح ونحن استيقظنا.. ليست قوة فينا أو رغبة منّا، ولكنّها نعمة الله علينا”. فهل حمدناه على هذه النعمة؟ وماذا نحن فاعلون في هذه المهلة؟

سلطان بركاني
2023/11/22









 


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:18

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc