الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤكد دائما في العواصم التي يزورها حاملا القضية الفلسطينية أهمية أن تكون خطوط وقف اطلاق النار عام 1967 كحدود للدولة الفلسطينية والزام دولة الاحتلال بوقف الاستعمار الاستيطاني وأنه ذاهب في ايلول الفلسطيني المقبل الى الأمم المتحدة للحصول على دولة فلسطينية مستقلة كحق فلسطيني .. وهذا هو الذي قلب الموازيين بحيث أكدت الولايات المتحدة ألأمريكية أن واشنطن لن تسمح لـ"أحد أن يفرض حلا على إسرائيل"، وهو نفس موقف رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو .. اذن ما هو الحل من وجهة النظر الاسرائيلية ، في الوقت الذي توافق النخب الاسرائيلية على وجود دولتين متجاورتين ولكن بشروط " الأمن الاسرائيلي " .. والأمن الاسرائيلي يلخص القضية كلها .. فالدولة الفلسطينية الموافق عليها اسرائيليا وامريكيا هي دولة منزوعة السلاح وبلا حدود .. وبلا حدود لأن اسرائيل ومن منطق النظرية الأمنية سوف تُصِّرُ على نشر قواتها العسكرية شرق القدس ووادي الأردن وتغطية سلسلة جبال القدس وبصورة دائمة بمراكز الانذار المبكر بالاضافة الى ابقاء العمق الاسرائيلي مفتوحا في اي منطقة تعتبرها مجالا مأمونا أو مسموحا في حالة الطواريء أو الحروب .. اسرائيل ايضا لن توافق على القدس " الشرقية أو جزء منها " عاصمة لدولة فلسطينية .. ولن توافق على دولة تشمل حدود 1967 بل المطلوب هو تبادل الأراضي والسكان ورفض عودة اللاجئين ورفض الحدود النهائية كما ذكرنا .. الحدود البرية والبحرية والجوية هو مصلحة اسرائيلية فقط ولا يحق للفلسطينين أن يطالبوا بأي تواجد هناك أو اعتراض اي عمليات اسرائيلية .. فالأمن الاسرائيلي قبل السلام .. والسلام هو محطة لتعزيز القدرات العسكرية الاسرائيلية .. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد بل سوف تعمل اسرائيل على ربط قيام دولة فلسطينية مقابل اعتراف فلسطيني وعربي ودولي بإسرائيل دولة يهودية .. وبالتالي هذا يتوافق مع المبادرة الأمريكية الجديدة التي تشترط الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية وكذلك تطبيق معايير وشروط تطبيق نظرية ألأمن الاسرائيلي وشطب وعدم المطالبة بحق العودة لأي منطقة خارج حدود الدولة الفلسطينية القادمة .. وهنا لا بد من أن نوضح وننبه بأن التخلي عن المطالبة بحق العودة سوف يؤكد مقولة "الدولة اليهودية" وسيجعل من المواطنين العرب الموجودين في اراضي اسرائيل، مواطنين درجة ثانية. وقد ذكر شيمون بيريز في كتابه "الشرق الاوسط الجديد" ان "المطالبة بحق العودة اذا قُبلت ستمسح الوجه القومي لاسرائيل، محوّلة الاغلبية الى أقلية. لذلك ليس هناك فرصة لقبولها لا الآن ولا في المستقبل، لانها استراتيجية تدمر كياننا الوطني .."
ان مفهوم الأمن الاسرائيلي يتبدّل باستمرار بتبدّل الظروف السياسية والعسكرية المحيطة. وبالتالي هذا كفيل بتحقيق النجاحات السياسية على صعيد القضية الفلسطينية ، وفي المقابل سوف يكون انتكاسات اضافية في حال الضعف الفلسطيني والتراخي العربي .. العرب منذ 1948 لم يستطيعوا أن يدخلوا في عمق الفكر الاسرائيلي ولم يؤثروا في القرارات والخطط الصهيونية .. ولكن اسرائيل استطاعت اقناع بعض العرب بأهمية التعاون الاقتصادي كبوابة للقبول بالجسم اليهودي في المنطقة ..؟!
اسرائيل لم تتخلى عن بروتوكولاتها وخططها وفكرها الاستيراتيجي ، في المقابل أن " استحقاقات السلام " أدخلت العرب في تناقضات مختلفة وتقلصت مطالبهم الاستيراتيجية ... وفي الوقت الذي حولت إسرائيل "الهاجس الأمني" إلى ذريعة لخوض الحروب والتوسع ، كان السلام العربي الاسرائيلي الخيار العربي الشامل ..؟!
ان الدولة الفلسطينية المنشودة والتي ينظر لها الكل على أنها استحقاق في ايلول المقبل ، ينظر لها الأمريكان على أنها تطبيق عملي استيراتيجي للنظرية الاسرائيلية الأمنية .. فالدولتين المتجاورتين سوف تؤسس من خلال هذه النظرية وهي تعتمد على ركائز عديدة ومن أهمها :
1- الحفاظ على الكيان العبري اليهودي " دولة يهودية " وشرط الاعتراف بذلك .
2- ضمانات دولية لتحقيق هذا المطلب الاسرائيلي وتأمين الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الدائم لها .
3- لا حدود نهائية ولا حقوق للعودة ولا دولة على حدود 1967
4- الأمن أولا قبل السلام .
أمام ما سبق أن المهمة الأمريكية " المبادرة " تعمل على إدارة الصراع العربي الإسرائيلي ولا تعمل بصورة واقعية على تحقيق اي من المطالب الفلسطينية .. وكذلك الالتفاف والحيلولة دون وصول ايلول الفلسطيني حاملا علما ودولة وعودة وقبول واعتراف .. وأيضا اعتماد مبدأ " المفاوضات في ظل الاستيطان " رضي الفلسطينيون أم رفضوا ..
يبقى السؤال الكبير : ما هي البدائل الحقيقية التي يمكن للفلسطينيون أن يستخدموها في حال فشل استحقاق ايلول ووجدوا انفسهم في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل والمجموعة الأوروبية ..؟!
المصدر: وكالة ميلاد الإخبارية