عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأْتُوا منه ما استطعتم، فإنما أَهلَكَ الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم».
[صحيح] - [متفق عليه]
الشرح:
دلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا نهانا عن شيء وجب علينا اجتنابه بدون استثناء، وإذا أمرنا بشيء فعلينا أن نفعل منه ما نطيق. ثم حذرنا حتى لا نكون كبعض الأمم السابقة حينما أكثروا من الأسئلة على أنبيائهم مع مخالفتهم لهم فعاقبهم الله بأنواع من الهلاك والدمار، فينبغي أن لا نكون مثلهم حتى لا نهلك كما هلكوا.
معاني الكلمات:
نهيتكم:
النهي: طلب الكفّ على وجه الاستعلاء.
فاجتنبوه:
اتركوه.
من قبلكم:
من الأمم السابقة.
واختلافهم:
مخالفتهم.
مسائلهم:
أسئلتهم.
من فوائد
الحديث:
الأمر بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي.
النهي لم يرخص في ارتكاب شيء منه، والأمر قيد بالاستطاعة؛ لأن الترك مقدور والفعل يحتاج إلى قدرة على إيجاد الفعل المأمور به.
النهي عن كثرة السؤال، قد قسم العلماء السؤال إلى قسمين: أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين، فهذا مأمور به ومن هذا النوع أسئلة الصحابة. والثاني: ما كان على وجه التعنت والتكلف وهذا هو المنهي عنه.
تحذير هذه الأمة من مخالفة نبيها، كما وقع في الأمم التي قبلها.
المنهي عنه يشمل القليل والكثير، لأنه لا يتأتّى اجتنابه إلا باجتناب قليله وكثيره، فمثلاً: نهانا عن الرّبا فيشمل قليله وكثيره.
ترك الأسباب المفضية إلى المحرم، لأن ذلك من معنى الاجتناب.
الإنسان له استطاعة وقدرة، لقوله: "مَا استَطَعْتُمْ" فيكون فيه رد على الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان لا استطاعة له، لأنه مجبر على عمله، حتى الإنسان إذا حرّك يده عند الكلام، فيقولون تحريك اليد ليس باستطاعته، بل مجبر، ولا ريب أن هذا قول باطل يترتب عليه مفاسد عظيمة.
لا ينبغي للإنسان إذا سمع أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هل هو واجب أم مستحبّ؟ لقوله: "فَأْتُوا مِنْهُ مَا استَطَعْتُمْ".
ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أو نهى عنه فإنه شريعة، سواء كان ذلك في القرآن أم لم يكن، فُيعمل بالسنة الزائدة على القرآن أمراً أو نهياً.
كثرة المسائل سبب للهلاك ولا سيّما في الأمور التي لا يمكن الوصول إليها مثل مسائل الغيب كأسماء الله وصفاته، وأحوال يوم القيامة، لاتكثر السؤال فيها فتهلك، وتكون متنطّعًا متعمّقًا.
الأمم السابقة هلكوا بكثرة المسائل، وهلكوا بكثرة الاختلاف على أنبيائهم.