إجماع السلف على إثبات صفات الله على حقيقتها
قال ابنُ خُزَيمةَ (ت: 311هـ) -رحمه الله-: "إنَّ الأخبارَ في صِفاتِ اللهِ مُوافِقةٌ لكِتابِ اللهِ تعالى، نقَلَها الخَلَفُ عن السَّلَفِ قَرنًا بعد قَرنٍ مِن لَدُنِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ إلى عَصْرِنا هذا، على سَبيلِ الصِّفاتِ للهِ تعالى، والمعرفةِ والإيمانِ به، والتَّسليمِ لِما أخبَرَ اللهُ تعالى في تنزيلِه، ونَبيُّه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كتابِه، مع اجتِنابِ التَّأويلِ والجُحودِ، وتَرْكِ التَّمثيلِ والتَّكييفِ"[1].
وقال أبو بكر الكَلاباذيُّ (ت: 384هـ) -رحمه الله-:"أجمعوا على أنَّ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ هو بها موصوفٌ؛ مِن العِلْمِ، والقُدرةِ، والقُوَّةِ، والعِزِّ، والحِلمِ، والحِكمةِ، والكبرياءِ، والجَبَروتِ، والقِدَمِ، والحياةِ، والإرادةِ، والمشيئةِ، والكلامِ... وأنَّ له سمعًا وبَصَرًا ووَجهًا ويَدًا على الحقيقةِ، ليس كالأسماعِ والأبصارِ والأيدي والوُجوهِ"[2].
قال ابنُ عبدِ البَرِّ(ت: 463هـ) -رحمه الله-:"أهلُ السُّنَّةِ مُجمِعونَ على الإقرارِ بالصِّفاتِ الوارِدةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ، إلَّا أنَّهم لا يُكَيِّفونَ شَيئًا مِن ذلك ولا يَحُدُّونَ فيه صِفةً مَحصورةً"[3].
وقال شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ (ت: 728هـ) -رحمه الله-:"جِماعُ القَولِ في إثباتِ الصِّفاتِ هو القَولُ بما كان عليه سَلَفُ الأُمَّةِ وأئِمَّتُها، وهو أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه، وبما وصَفَه به رَسولُه، ويُصانَ ذلك عن التَّحريفِ والتَّمثيلِ، والتَّكييفِ والتَّعطيلِ؛ فإنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه. فمن نفى صِفاتِه كان مُعَطِّلًا، ومَن مَثَّل صِفاتِه بصِفاتِ مخلوقاتِه كان مُمَثِّلًا، والواجِبُ إثباتُ الصِّفاتِ، ونَفْيُ مُماثلتِها لصِفاتِ المخلوقاتِ؛ إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ؛ كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، فهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ رَدٌّ على المعَطِّلةِ، فالمُمَثِّلُ يَعبُدُ صنمًا، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا"[4].
وقال ابنُ القَيِّمِ (ت 751هـ) -رحمه الله-:"قد تنازع الصَّحابةُ في كثيرٍ مِن مسائِلِ الأحكامِ، وهم ساداتُ المؤمِنينَ، وأكمَلُ الأُمَّةِ إيمانًا، ولكِنْ بحَمدِ اللهِ لم يتنازَعوا في مسألةٍ واحدةٍ مِن مسائِلِ الأسماءِ والصِّفاتِ والأفعالِ، بل كُلُّهم على إثباتِ ما نطق به الكِتابُ والسُّنَّةُ كَلِمةً واحِدةً، من أوَّلِهم إلى آخِرِهم، لم يَسُوموها تأويلًا، ولم يُحَرِّفُوها عن مواضِعِها تبديلًا، ولم يُبْدوا لشَيءٍ منها إبطالًا، ولا ضَرَبوا لها أمثالًا، ولم يَدْفَعُوا في صُدورِها وأعجازِها، ولم يَقُلْ أحَدٌ منهم: يجِبُ صَرْفُها عن حقائقِها، وحَمْلُها على مجازِها، بل تَلَقَّوْها بالقَبُولِ والتَّسليمِ، وقابَلوها بالإيمانِ والتَّعظيمِ، وجَعَلوا الأمرَ فيها كُلِّها أمرًا واحِدًا، وأجْرَوْها على سَنَنٍ واحِدٍ، ولم يَفعَلوا كما فَعَل أهلُ الأهواءِ والبِدَعِ؛ حيث جَعَلوها عِضِينَ، وأقَرُّوا ببَعْضِها، وأنكَروا بَعْضَها من غيرِ فُرْقَانٍ مُبِينٍ، مع أنَّ اللَّازِمَ لهم فيما أنكَروه كاللَّازِمِ فيما أقَرُّوا به وأثبَتوه"[5].
وقال ابنُ خُزيمةَ ِ(ت: 311هـ) -رحمه الله- بعدَ أنْ أورد جملةً مِن الآياتِ تُثبتُ صِفةَ الوَجْهِ للهِ تعالى: "فنحنُ وجميعُ عُلمائِنا من أهلِ الحِجازِ وتِهامةَ واليَمَنِ والعِراقِ والشَّامِ ومِصرَ؛ مذهبُنا: أنَّا نُثبِتُ للهِ ما أثبتَه اللهُ لنَفْسِه، نُقرُّ بذلك بألْسنِتنا، ونُصدِّقُ ذلك بقُلوبِنا؛ مِن غيرِ أنْ نُشبِّهَ وَجْهَ خالِقِنا بوَجْهِ أحدٍ من المخلوقينَ، عزَّ ربُّنا أنْ يُشبِهَ المخلوقين، وجلَّ ربُّنا عن مقالةِ المُعطِّلين"[6].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) - رحمه الله-:"الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصَف به نفسَه، وبما وصفه به رسولُه صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييف، ولا تمثيلٍ، فإنه قد عُلم بالشرع مع العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله"[7].
[1] ذم التأويل، لابن قدامة: (ص: 18). ذم التأويل، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (ت 620هـ)،المحقق: بدر بن عبد الله البدر، الناشر: الدار السلفية - الكويت، الطبعة: الأولى، 1406عدد الصفحات: 48.
[2] التعرف لمذهب أهل التصوف: (ص: 35).
[3] التمهيد: (7/ 145).
[4] مجموع الفتاوى: (6 /515).
[5] يُنظر: إعلام الموقعين: (2 /91). إعلام الموقعين عن رب العالمين، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت 751هـ)، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1411هـ - 1991م، عدد الأجزاء:4.
[6] يُنظر: كتاب التوحيد: (1 /25).
[7] شرح العقيدة الأصفهانية، لشيخ الإسلام ابن تيمية: (ص: 41).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/1646...#ixzz8eSHJZMBE