قال ابن باز رحمه الله :
" فلما كان الكثير من كتاب العصر قد التبس عليهم الأمر في أمر الجهاد، وخاض كثير منهم في ذلك بغير علم، وظنوا أن الجهاد إنما شرع للدفاع عن الإسلام وعن أهل الإسلام، ولم يشرع ليغزو المسلمون أعداءهم في بلادهم ويطالبوهم بالإسلام ويدعوهم إليه، فإن استجابوا وإلا قاتلوهم على ذلك، حتى تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر؛ لما كان هذا واقعًا من بعض الناس وصدر فيه رسائل وكتابات كثيرة، رأيت أن من المستحسن بل مما ينبغي أن تكون محاضرتي في هذه الليلة في هذا الشأن بعنوان: (ليس الجهاد للدفاع فقط)."
(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/ 171)
قال الشيخ فركوس:
لجهاد الطلب (القتال الهجوميِّ) شروطٌ منها:
1 ـ النيَّة الصالحة في الجهاد التي تتضمَّن الإخلاصَ والصدق بحيث يكون غرضُ المجاهد إعلاءَ كلمة الله لينشر دينه ويُعليَ كلمتَه، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ»(10)، ولا شكَّ أنَّ النيَّة غيرَ الخالصة غيرُ معتبرةٍ، بل هي بمثابة العدم في الاعتداد بها في صحَّة الأعمال.
2 ـ أن يكون جهادُه مع إمامٍ مسلمٍ وتحت رايةٍ شرعيةٍ إسلاميةٍ وبإذنه، إذ كما لا يجوز أن يعيش الناس بدون إمامٍ لا يجوز لهم أن يقاتلوا قتالَ طلبٍ بغير إمامٍ، إذ لا بدَّ من سائسٍ يسوس الناسَ فيه ويقاوم العدوَّ وهو من صلاحيَّات الإمام بغضِّ النظر عن صفته في تحقيق هذا المعنى، سواءٌ حصل بالإمام البَرِّ أو بالفاجر، ويدلُّ عليه قولُه تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ) [التوبة: 38]، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا رجع من الطائف أمر بالجهاد وأخبرهم بوجهته لغزو الروم وكان في زمن عسرةٍ وشدَّةِ حرٍّ، وهذه الغزوة أعلن عنها واستنفر الناسَ لها، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»(11)، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «معناه: إذا دعاكم السلطان إلى غزوٍ فاذهبوا»(12)، وبهذا قال السيوطيُّ(13) والسنديُّ(14) والمباركفوريُّ(15) والعظيم آبادي(16).
وقد أجمع أهل السنَّة والجماعة على أنَّ الجهاد ماضٍ مع كلِّ إمامٍ من المسلمين برِّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، وليس الجهاد من مَهَمَّة الأفراد، وإنما هو من صلاحيَّات الإمام الحاكم في الحثِّ على الجهاد والأمر به لقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا غڑ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا) [النساء: 83ـ 84]، وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ) [الأنفال: 65]، والمؤمنون تبعٌ لإمامهم في الجهاد، سواءٌ كانوا علماء أو دعاةً، فلا يَدْعون إليه إلَّا إذا دعا إليه وليُّ الأمر بَلْهَ العوامّ، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: «وأمرُ الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعيَّةَ طاعتُه فيما يراه من ذلك»(17)، وفي موضعٍ آخر قال ـ رحمه الله ـ مستثنيًا من ذلك تعذُّرَ استئذانه خشيةَ فوات مصلحةٍ أو وقوعِ مفسدةٍ: «لا يخرجون إلَّا بإذن الأمير؛ لأنَّ أمْرَ الحرب موكولٌ إليه، وهو أعلمُ بكثرة العدوِّ وقلَّتهم، ومكامن العدوِّ وكيدهم، فينبغي أن يُرجعَ إلى رأيه، لأنـه أحوطُ للمسلمين؛ إلَّا أن يتعذَّر استئذانُه لمفاجأة عدوِّهم لهم، فلا يجب استئذانُه، لأنَّ المصلحةَ تتعيَّن في قتالهم والخروج إليه، لتعيُّن الفساد في تركِهم»(18).
3ـ إعداد العُدَّة المادِّية لقوله تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].
-------------
(10) أخرجه البخاري في «العلم» (123) باب من سأل وهو قائمٌ عالمًا جالسًا، ومسلم في «الإمارة» (1904)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(11) سبق تخريجه، انظر: (الهامش 8).
(12) «شرح النووي على مسلم» (9/ 123).
(13) «شرح السيوطي على مسلم» (3/ 399).
(14) «حاشية السندي على ابن ماجه» (2/ 176).
(15) «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (5/ 178).
(16) «عون المعبود» للعظيم آبادي (7/ 113).
(17) «المغني» لابن قدامة (9/ 202).
(18) المصدر السابق (9/ 213)
.
موقع الشيخ فركوس
الكلمة الشهرية رقم: 82