|
النقاش و التفاعل السياسي يعتني بطرح قضايا و مقالات و تحليلات سياسية |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2013-03-11, 22:17 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
مـقال صحفي
عثمان تازغارت – كاتب وصُحفي جزائري مقيم في باريس أتصوّرُك قلقاً وفزعاً في عزلة قصرك المذهَّب، بالرغم من فلول الـ40 ألف شرطي الذين نصبتهم على أبواب العاصمة، لوقف زحف المتظاهرين. أنت الخطيب المفوَّه، الذي تعوَّد أن يلهب الجماهير ويُفحِم الخصوم، كيف ارتضيتَ لنفسك التخفي وراء أسوار الصمت؟ لماذا لا تطلُّ قليلاً لترى شعبك ويراك، أيها القائد الملهم؟ أنت الذي كنت تفاخر علناً بأنّك أطول من نابوليون بونابارت بـ3 سنتيمرات، متى تدرك أنّ قامة العظماء إنما تُقاس بنبل أعمالهم وتفانيهم في خدمة الصالح العام؟ الثورة على الأبواب، فلماذا تصمُّ أذنيكَ وتشيح بوجهكَ، متجاهلاً هدير هذا التسونامي الذي سيعصف، لا محالة، بالنظام العسكري الفاسد والمترهّل الذي نصّبك رئيساً للبلاد؟ هل يُعقل أنّ رجلاً بمثل دهائكَ وحنكتكَ يقف مكتوف اليدين، متوهماً ــ على غرار من سبقوه من الطغاة المخلوعين، ومن هم على لائحة الانتظار العربية ــ بأنّ معجزة ما ستوقف عجلة التغيير عند الحدود، حتى لا تشمل بلاده! ماذا فعلتَ بأحلام شبابك، أنتَ الذي كنتَ الأصغر سنّاً من بين ثوار حرب التحرير؟ أين تلك الروح المتمردة، التي دفعتكَ لإطلاق ذلك التصريح الناري الشهير، في نهاية التسعينيات، وأنت تستعدّ لتسلم مقاليد الحكم، يوم قلتَ إنّك تتفهم نقمة الشبان الجزائريين، وإنك لو كنتَ في العشرين لانضممت مثلهم إلى معاقل المتمردين في الجبال؟ لم تعد في العشرين، للأسف! لكن المرض والتقدّم في العمر ليسا كافيين لتفسير السقطة السياسية والأخلاقية المدوية التي وقعتَ فيها. فالذين تحمَّسوا لخطابكَ الثوري، ورأوا فيكَ منقذاً للبلاد، لم يتوقعوا منكَ، أيها القائد الملهم، أن تنتقل إلى المعسكر الآخر، معسكر الفساد والتسلّط. معسكر لم يعد يدفع بشباب الجزائر إلى الالتحاق بمعاقل الجبال فحسب، بل حوَّلهم اليوم إلى «كاميكاز» يفجِّرون أنفسهم على أبواب قصر الحكومة، أو يحرقون أجسادهم النحيفة ــ على الطريقة البوعزيزية ــ عند عتبات خزينة الدولة التي تكتنز 150 مليار دولار من فائضات الريع النفطي. ذلك الريع الذي تتنافس أنتَ وأشقاؤكَ الأربعة، منذ عشرية كاملة، مع «عصابة الـ 15» الشهيرة، التي تضم الأكثر سطوة ونفوذاً من الجنرالات/ الحرامية، على نهبه وتقاسمه كقطع الكعك. يجري ذلك تحت إشراف الأيدي الراعية والأعين الساهرة لـ«هاليبرتون»، سفيرة حُماتكم وأولياء نعمتكم الأمريكيين، وفروعها الأخطبوطية Kellog-Brown & Root، تلك الشركة السيئة الصيت التي نهبت 10 مليارات من نفط العراق منذ الاحتلال، وربيبتها الجزائرية Brown& Root-Candor، التي اضطُررتم في يناير/ كانون الثاني 2007، بعد أن انتشرت فضائحها على الملأ، وزكمت الأنوف رائحة الفساد المنبعثة منها، إلى إصدار مرسوم يقضي بحلِّها. جرى ذلك، بالطبع، دون محاسبة أيٍّ ممن تورطوا، من خلالها، في تبديد 13 مليار دولار من العمولات والرشى، التي استُعمل القسم الأوفر منها لكسب ودّ الإدارة البوشية، حتى لا تضُمَّكم إلى «محور الشر»، فيما نثر القسم الباقي على شكل فُتات توزَّع بين أرصدتكم السرية في جنيف وموناكو ودبي… هل تذكُر، أيها القائد الملهم، يوم ارتفعت أصوات بعض الحريصين على الشرعية الدستورية، عام 1999، للتنبيه إلى أنّ توليكَ الحكم يمثّل خرقاً للدستور الذي يشترط أن يكون رئيس الدولة متزوجاً؟ اعترضنا يومها، وقلنا: بالعكس، هذا رجل أعزب في الثانية والستين، على الأقل لن ينجب لنا ولي عهد ليورثه الحكم، فيزجّ بالبلاد في نادي «الجملوكيات» العربية! كان خطأنا فادحاً، فنحن لم نكن نتصوّر أنّ إقامتك الطويلة في دول الخليج ستُلهِمك شكلاً بديلاً من «التوريث الأفقي»، من الأخ إلى أخيه، على الطريقة السعودية! كلّ من عرفوك عن قُرب، قبل أن تتربَّع على عرش «قصر المرادية»، من رفيق السلاح جاك فيرجيس إلى الثوري الأممي كارلوس، كانوا يؤكدون أنّك لست رجلاً فاسداً أو مولعاً بالمال. ماذا عن تلك المليارات الخمسة، التي أدانك «مجلس المحاسبة»، في مطلع الثمانينيات، بتهمة اختلاسها من فائض ميزانيات السفارات الجزائرية، أيام كنت وزيراً للخارجية؟ لقد صدّقنا، عن طيب خاطر، ورغم كلّ الشبهات، أنّ القصة كلّها كانت ــ كما قلتَ ــ مجرد تلفيقات اندرجت ضمن حملة «صيد الساحرات» ضد رموز العهد البومديني. هل تذكر يوم فككتَ أزرار سُترتِك، في جلسة خاصة مع عدد من الإعلاميين الجزائريين المغتربين، أيام منفاك في أبو ظبي، ليرى الجميع أنّ قميصك الداخلي متقطِّع؟ وقلتَ بنبرة ميلودرامية: هل كنتُ سألبس قميصاً مهترئاً لو أنني اختلستُ المليارات؟ هل من حركة مسرحية مشابهة تستطيع اليوم أن تنفي عنك شبهة الفساد، بعد سنوات حكمك الاثنتي عشرة؟ قد لا تكون في الأصل شخصياً فاسداً أو مولعاً بالمال، لكن الزمرة الميكيافيلية التي أوصلتكَ إلى سدّة الحكم استدرجتْ أشقاءك ــ الورثة إلى مائدة الفساد. فأصبح هؤلاء اليوم على رأس ثانية كبرى عصابات نهب الريع النفطي، بعد«الكارتل»/ الأم، الذي يتربّع على عرشه غريمك الأساسي حالياً (ولي نعمتكَ، بالأمس، حين كان عرّاب المجيء بك إلى الحكم) الجنرال محمد مدين، الشهير بلقب «توفيق» (ربما لموهبته المشهود بها في«التوفيق» بين مختلف أجنحة النظام المتصارعة على نهب ثروات البلاد وتقاسمها). دع عنك التَّفيقُهَ والبلاغيات الجوفاء. وأنظر مليّاً إلى وجهكَ في المرآة. ستجد أنّ أحلامكَ الثورية هرمتْ بأكثر مما شاخ جسمكَ العليل، الذي أنهكه سرطان الأمعاء. أردتَ أن تدخل التاريخ بوصفك عرّاب مصالحة وطنية تضع حداً للعنف السياسي والاقتتال الأهلي. وأعطاك الشعب مباركته بالأغلبية الساحقة في استفتاء تاريخي. لكن الزّمرة الميكيافيلية الممسكة بزمام الجيش والاستخبارات استدرجتْكَ نحو فخ مميت. فشجَّعتْكَ هذه الزمرة على أن تسوِّي القاتلَ بالقتيل، من خلال عفو عام، بيَّض نهائياً، ودون أي محاسبة، جميع المجرمين الذي سبَّبوا قتل 200 ألف جزائري، مع تأكيد نقطة بالغة الأهمية، بالنسبة إلى تلك الزمرة: أن يشمل العفو كلّ المتورِّطين في العنف، سواء كانوا «إرهابيين» من أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة أو «أفراداً» من قوى الأمن والشرطة والجيش! عبثاً رجوناكَ أن تستلهم من تجارب المغرب وجنوب أفريقيا، من خلال تأسيس «لجان الإنصاف والمصالحة»، لإقامة «عدالة رمزية»، في ظل تعذُّر «عدالة القصاص»، لإرغام المذنبين ــ على الأقل ــ بأن يقفوا قبالة ضحاياهم أو ذويها، ليعترفوا بالجرم ويطلبوا العفو. لكنكَ بدلاً من ذلك، لجأتَ إلى إصدار قانون يقضي بسجن كل من يتجرّأ على الكتابة منتقداً أو مذكِّراً بالمجازر أو جرائم القتل والاغتصاب، التي استفاد المتورِّطون فيها من العفو العام. بذلك أُفرغتِ المصالحة من مقاصدها الإنسانية النبيلة، وتحوَّلتْ إلى مجرد غطاء قانوني لتبييض القتلة. وجاءت النتيجة كارثية، كما ترى: لم يتحقق السلم المدني الموعود، إذ لا تزال بلادكَ مرتعاً لفلول «القاعدة» والجماعات المسلحة. ولم تتحقق دولة القانون المنشودة، لأنكَ أسقطتَ كل الضوابط القانونية التي من شأنها أن تحدَّ من تجاوزات قوى الأمن والجيش. كل ذلك جعل الغضب يكبر ويعلو هديره، يوماً بعد يوم. فيما أنتَ والزُّمرة العسكرية المحيطة بكَ غارقون في «معارك الصالونات» وصراع الكواليس لتقاسم الريع والنفوذ. لقد مضتْ عشرية كاملة، وأنتَ تصارعُ طواحين الهواء، وتخوض المعركة الخاسرة تلو الأخرى، من أجل ألا تكون «ثلاثة أرباع رئيس»، كما كنتَ تقول. وها هي الأيام تكشف لك أنّ نفوذ «حكومة الظل» العسكرية لم يزدد إلا قوة وسطوة، فلم تعد زُمرة الجنرالات ترى فيك إلا «رجلاً مريضاً» يمثّل الواجهة المدنيّة المُثلى لنظام عسكري حتَّى النخاع. لمَ لمْ تستمِعْ إلى القلَّة المخلصة من الأصدقاء الذين رجَوك، في نهاية ولايتكَ الثانية، وقد اشتدَّ بكَ المرض، ألاَّ تقبلَ بأداء دور «الرجل المريض»؟ سألك هؤلاء الذين حاولوا ثنيكَ عن ارتكاب تلك السقطة السياسية والأخلاقية المميتة: ما حاجتكَ لأن تغامر بأن يبقى اسمك في التاريخ موصوماً بنقض العهد وخرق الدستور، من أجل ولاية ثالثة تدركُ جيداً أنّ ظروف صحتك لا تسمح لكَ بإنهائها؟ كانت إجابتكَ بكل برودة دم: لا أريدُ أن أموت وحيداً ومنسياً في بيتي. سأموتُ في قصر الرئاسة، لأحظى بجنازة وطنية! انهضْ من سباتكَ، فالغضب القادم قد يفسد عليك حلمك الجميل بأن تموت على العرش، وتحظى بجنازة تليق بمقامك السامي. هل ترتضي لنفسكَ مصيراً كمصير حسني مبارك أو زين العابدين بن علي؟ أنت المولع بالمجد والعظمة والخلود، هل تريد أن يبقى اسمكَ في التاريخ بوصفك «طاغية الجزائر الأخير»؟ لا أُفشيكَ سرّاً، أنّه حيال هدير الغضب المتصاعد، هناك من الفرقاء العسكريين من شرعوا بالهمس في آذان المقربين منهم، من أشباه المعارضين وقدامى النقابيين والأبواق الإعلامية، بأنّ الجيش بدأ يتململ، وأنّه لم يعد يستبعد التضحية بـ«الرجل المريض»، إذا تفاقم الغضب الشعبي وانفجرت الثورة. ولا يخفى عليكَ، بلا شك، كم يحلو لهؤلاء الهامسين (الموسوسين؟) أن يضيفوا، بما يشبه الهمس، لإثارة شهية المستمعين إليهم، أنَّ ما تجمَّع بين أيدي «الضباط الغيورين على مصالح الوطن» من ملفات سرية، عن تورطكَ أنتَ وحاشيتكَ وأشقائكَ في قضايا الفساد، كفيل بإلهاب الغضب الشعبي. كما هو كفيل بجعل الجماهير تلتفُّ مجدَّداً حول الجيش بوصفه منقذاً للبلاد من براثن الفساد كما أنقذها، من قبل، من التطرف الإسلامي. بذلك يريد النظام العسكري أن يشتري لنفسه شرعية مزوَّرة، من أجل إطالة أمده في الحكم، كما تفعل بعض المُقْبِلات على الزواج، ممَّن يشترين غشاء البكارة الصيني، لترميم عذريتهن المفقودة. ألا تذكّركَ هذه الهمسات بما حدث في مطلع التسعينيات؟ لقد كنتَ خارج البلاد، آنذاك، في منفاك المخملي بالخليج. لكنكَ تذكُر، دون شك، كيف أرسلَ الجنرالات من يهمس، بالطريقة ذاتها، في أذن زعيم جبهة الإنقاذ، عباسي مدني، في صيف عام 1990، لإيهامه بأنّ الجيش بدأ يتململ، وأنّ الغالبية من «الضباط الغيورين على مصلحة الوطن» تميل إلى التضحية بالرئيس الشاذلي بن جديد، إذا دخل الإسلاميون في معركة حاسمة لإسقاطه. بقية القصة معروفة. ولستَ بحاجة، أنتَ المُمسك بأسرار الدولة منذ 12 سنة، لأن أسرد عليك كيف استُدرج الإسلاميون إلى «العصيان المدني» (يونيو 1991)، ثم إلى التمرد المسلح (1992 ــ 1999). وكانت التضحية بالرئيس بن جديد، في سبيل منح النظام العسكري القائم عذرية جديدة نصّبته، إلى اليوم، في موقع يخوّله شرعية صناعة الرؤساء وخلعهم، متى وكيف يشاء. ألا تَرى في هذه التركيبة التي تطبع النظام في الجزائر نقطة خلاف هامة وخطرة، مقارنة بالأوضاع التي كانت قائمة في تونس ومصر، قبل أن تكنسها الثورات الشعبية، حيث وقف الجيش في موقع الحَكَم بين الجماهير الثائرة والأنظمة الفاسدة. أما في الجزائر، فإنّ الجيش هو الخصم والحَكَم، ولا أمل في أن يؤدي دوره كمؤسسة جمهورية في تخليص البلاد من شرِّ الفساد والتسلّط، لأنّ جنرالاته هم القلب النابض لماكينة الفساد الجهنمية. ألا تذكّركَ هذه الحال بما قاله، قبل ربع قرن، معارض علماني كان من مؤيدي الثورة الإيرانية؟ حين أحكم الملالي قبضتهم على الثورة، وقاموا بتذبيح معارضيهم ممن كانوا حلفاء الثورة بالأمس، قال بمرارة: في السابق، كان الإيرانيون يَشْكُون تسلّط الشاه إلى الله. أما الآن، فإلى من يشكون الملالي الذين يحكمون باسم الله؟ وجدت جموع الثوار في تونس ومصر في الجيش ملاذاً تشكو إليه تسلُّط الحُكَّام وحاشياتهم وأتباعهم وفسادهم. فلمن يشكو الجزائريون تسلُّط وفساد نظام يمثّل الجنرالات عموده الفقري والجيش ذراعه القمعية الضاربة؟ لمَ لا تكونُ أنتَ هذا الملاذ؟ أمامكَ فرصة ثمينة، بإمكانها أن تغتفر لكَ كل خطاياكَ، إذا استطعتَ أن تواكب التغيير بدل أن تقف ضده. لك أن تختار بين التمسك بكرسي الحكم، أملاً في جنازة وطنية تليق بمقامك، أو دعم التغيير والتعجيل بالثورة، لتترك اسمك في سجلات التاريخ كـ«رجل الخلاص» الذي أسهم في وضع حد لنظام عسكري بقي جاثماً فوق صدور الجزائريين طوال نصف قرن. إنَّ وصفة الخلاص بسيطة وواضحة المعالم: عليكَ برفع حالة الطوارئ، وإقالة جنرالات الفساد، وحلّ البوليس السياسي، وإعادة الجيش إلى الثُكن. هذا هو السبيل الوحيد لفك ارتباطك بالنظام العسكري القائم. وإلا فإنّ مصيرك سيكون كمصير هذا النظام، لا محالة: إلى مزبلة التاريخ!
|
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
مـقال, صحفي |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc