|
قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2015-10-08, 19:03 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا وبعد:المقدمة فهذا فصل نفيس في جزء لطيف، تكلم فيه ابن القيم الجوزية رحمه الله عن صفة الصلاة في مواضع من كتبه، بطريقة مبتكرة، لم يسبق إليها فيما أعلم. حيث تكلَّم عن لُبَّ الصلاة ومخها، وهو الخشوع من التكبير إلى التسليم، فأتى فيه بكل عجيب ومفيد. أما الموضع الأول: فذكره في طيَّات كتابه عن مسألة السَّماع([1]) وقال في آخره: «فهذه إشارة ما، ونبذة يسيرة جدًا في ذَوق الصلاة». والموضع الثاني: ففي كتابه عن الصلاة وحكم تاركها([2]) ولما كان هذا الفصل على نفاسته مغمورًا بين تلك الصفحات، كان من المفيد جدًا إفراده ليعمَّ نفعه المسلمين كافة, معنونًا بكلمات تناسب فقراته. والموضع الثالث: في رسالة له إلى أحد إخوانه. وعن كلمة الذوق قال ابن تيمية رحمه الله: «فلفظ الذوق يستعمل في كل ما يحسُّ به ويجد ألمه أو لذته»([3]). وقال أيضًا: «فهذان الحديثان الصحيحان هما أصل فيما يُذْكرُ من الوَجْد والذَوْق الإيماني الشرعي دون الضلالي البدعي» ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا». وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار»([4]). ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية قال: «إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتَّهمْه فإن الربَّ تعالى شكور». قال ابن القيم معقبًا عليه: «يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول»([5]) أ.هـ كلامه. ([1]) طبعه دار العاصمة بالرياض عام 1409 هـ بتحقيق راشد الحمد، وقد أثبت أهم تعليقاته على النص. ([2]) طبعته مؤسسة الرسالة عام 1405هـ بتحقيق تيسير زعيتر وقد أثبت أهم تعليقاته على النص، مع تصويب ما يلزم بطبعة دار ابن كثير بتحقيق محمد نظام الدين. ([3]) الفتاوى (7/109). ([4]) الفتاوى (10/48). ([5]) مدارج السالكين (منزلة المراقبة).
|
||||
2015-10-08, 19:08 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
الرسالة الأولى: قال ابن القيم رحمه الله حقيقة الصلاة لا ريب أن الصلاة قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمته المهداة إلى عبيده هداهم إليها وعرفهم بها رحمة بهم وإكرامًا لهم؛ لينالوا بها شرف كرامته، والفوز بقربه، لا حاجة منه إليهم، بل منه منًا وفضلاً منه عليهم، وتعبد بها القلب والجوارح جميعًا، وجعل حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميل حقوق عبوديته حتى تقع على الوجه الذي يرضاه. |
|||
2015-10-08, 19:10 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
الصلاة مأدبة وغيث
ولما امتحن سبحانه عبده بالشهوات وأسبابها من داخل فيه وخارج عنه، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيَّأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخِلَع والعطايا، ودعاه إليه كل يوم خمس مرات، وجعل كل لون من ألوان تلك المأدبة لذة ومنفعة ومصلحة لهذا العبد الذي قد دعاه إلى المأدبة ليست في اللون الآخر؛ لتكمل لذة عبده في كل لون من ألوان العبودية، ويكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة، ويكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مكفرًا لمذموم كان يكرهه بإزائه, وليثبه عليه نورًا خاصًا وقوة في قلبه وجوارحه وثوابًا خاصًا يوم لقائه. |
|||
2015-10-08, 19:13 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
الصدور من المأدبة
فيصدر المدعو من هذه المأدبة وقد أشبعه وأرواه وَخَلَعَ عليه بخلَع القبول وأغناه؛ لأن القلب كان قبل قد ناله من القحط والجدب والجوع والظمأ والعُري والسقم ما ناله، فأصدره من عنده وقد أغناه عن الطعام والشراب واللباس والتحف ما يغنيه. |
|||
2015-10-08, 21:10 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
جزاك الله خيرا |
|||
2015-10-09, 11:03 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
تجديد الدعوة
ولما كانت الجدوب متتابعة، وقحط النفوس متواليًا، جدد له الدعوة إلى هذه المأدبة وقتًا بعد وقت رحمة منه به، فلا يزال مستسقيًا مَنْ بيده غيث القلوب وسقيها مستمطرًا سحائب رحمته؛ لئلا ييبس ما أنبتته له تلك من كلأ الإيمان وعشبه وثماره، ولئلا تنقطع مادة النبات والقلب في استسقاء واستمطار، هكذا دائمًا يشكو إلى ربه جدبه وقحطه وضرورته إلى سقيا رحمته، وغيث بره فهذا دأب العبد أيام حياته. |
|||
2015-10-09, 11:07 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
الغفلة قحط فإن الغفلة التي تتنزل بالقلب هي القحط والجدب، فما دام في ذكر الله والإقبال عليه فغيث الرحمة واقع عليه كالمطر المتدارك، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة وكثرة، فإذا تمكنت الغفلة واستحكمت صارت أرضه ميتة، وسنته جرداء يابسة، وحريق الشهوات فيها من كل جانب كالسمايم([1]). ([1]) السمايم: الريح الحارة. لسان العرب (12/304). |
|||
2015-10-09, 11:11 | رقم المشاركة : 8 | |||
|
عاقبة الغفلة
وإذا تدارك عليه غيث الرحمة اهتزت أرضه وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فإذا ناله القحط والجدب كان بمنزلة شجرة رطوبتها ولينها وثمارها من الماء، فإذا منعت من الماء يبست عروقها وذبلت أغصانها، وحبست ثمارها وربما يبست الأغصان والشجرة، فإذا مددت منها غصنًا إلى نفسك لم يمتد ولم ينقد لك وانكسر فحينئذ تقتضي حكمة قيم البستان قطع تلك الشجرة وجعلها وقودًا للنار. |
|||
2015-10-09, 11:13 | رقم المشاركة : 9 | |||
|
يبوسة القلب
فكذلك القلب، إنما ييبس إذا خلا من توحيد الله وحبه ومعرفته وذكره، ودعائه فتصيبه حرارة النفس، ونار الشهوات فتمتنع أغصان الجوارح من الامتداد إذا مددتها والانقياد إذا قدتها، فلا تصلح بعد هي والشجرة إلا للنار: }أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{ [الزمر: 22]. |
|||
2015-10-09, 11:16 | رقم المشاركة : 10 | |||
|
مطر القلب فإذا كان القلب ممطورًا بمطر الرحمة كانت الأغصان لينة منقادة رطبة، فإذا مددتها إلى أمر الله انقادت معك، وأقبلت سريعة لينة وادعة، فجنيت منها من ثمار العبودية ما يحمله كل غصن من تلك الأغصان ومادتها من رطوبة القلب وريه, فالمادة تعمل عملها في القلب والجوارح، وإذا يبس القلب تعطلت الأغصان من أعمال البر؛ لأن مادة القلب وحياته قد انقطعت منه فلم تنشر في الجوارح، فتحمل كل جارحة ثمرها من العبودية. |
|||
2015-10-10, 11:43 | رقم المشاركة : 11 | |||
|
استعمال الجوارح
ولله في كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخصه، وطاعة مطلوبة منها، خلقت لأجلها وهيَّئت لها. والناس بعد ذلك ثلاثة أقسام: أحدها: مَن استعمل تلك الجوارح فيما خُلقت له وأُريد منها، فهذا هو الذي تاجر مع الله بأربح التجارة وباع نفسه لله بأربح البيع، والصلاة وضعت لاستعمال الجوارح جميعها في العبودية تبعًا لقيام القلب بها. الثاني: مَن استعملها فيما لم تُخلَق له، ولم يُخلق لها، فهذا هو الذي خاب سعيه وخسرت تجارته، وفات رضى ربه عنه وجزيل ثوابه وحصل على سخطه وأليم عقابه. الثالث: مَنْ عَطَّلَ جوارحَه وأماتها بالبطالة، فهذا أيضًا خاسر أعظم خسارة، فإن العبد خلق للعبادة والطاعة لا للبطالة، وأبغض الخلق إلى الله البطال الذي هو لا في شغل الدنيا ولا في سعي الآخرة، فهذا كَلٌ على الدنيا والدين. |
|||
2015-10-10, 11:45 | رقم المشاركة : 12 | |||
|
جوارح الطاعة فالأول: كرجل أُقْطع أرضًا واسعة وأُعين بآلات الحرث والبذار، وأُعطيَ ما يكفيها لسقيها، فحرثها وهيّأها للزراعة وبذر فيها من أنواع الغلال، وغرس فيها من أنواع الثمار والفواكه المختلفة الأنواع، ثم لم يهملها بل أقام عليها الحرس وحفظها من المفسدين وجعل يتعاهدها كل يوم فيصلح ما فسد منها، ويغرس عوض ما يبس وينفي دغلها ويقطع شوكها، ويستعين بمغلها على عمارتها.
|
|||
2015-10-10, 11:47 | رقم المشاركة : 13 | |||
|
جوارح المعصية
والثاني: بمنزلة رجل أخذ تلك الأرض فجعلها مأوى للسباع والهوام ومطرحًا للجيف والأنتان، وجعلها معقلاً يأوي إليه كل مفسد ومؤذ ولص، وأخذ ما أعين به على بذارها وصلاحها, فصرفه معونة ومعيشة لمن فيها من أهل الشر والفساد. |
|||
2015-10-10, 11:48 | رقم المشاركة : 14 | |||
|
جوارح البطالة والثالث: بمنزلة رجل عطلها وأهملها وأرسل ذلك الماء ضائعًا في القفار والصحاري فقعد مذمومًا محسورًا.فهذا مثال أهل الغفلة، والذي قبله مثال أهل الخيانة والجناية، والأول مثال أهل اليقظة والاستعداد لما خلقوا له. فالأول: إذا تحرك أو سكن أو قام أو قعد أو أكل أو شرب أو نام أو لبس أو نطق أو سكت كان ذلك كله له لا عليه، وكان في ذكر وطاعة وقربة ومزيد. والثاني: إذا فعل ذلك كان عليه لا له، وكان في طرد وإبعاد وخسران. والثالث: إذا فعل ذلك كان في غفلة وبطالة وتفريط. فالأول يتقلب فيما يتقلب فيه بحكم الطاعة والقربة. والثاني: يتقلب في ذلك بحكم الخيانة والتعدي, فإن الله لم يملكه ما ملكه ليستعين به على مخالفته، فهو جان متعد خائن لله في نعمه، معاقب على التنعم بها في غير طاعته. والثالث: يتقلب في ذلك ويتناوله بحكم الغفلة وبهجة النفس وطبيعتها، لم يبتغ بذلك رضوان الله والتقرب إليه، فهذا خسران بَيِّنٌ إذ عطل أوقات عمره التي لا قيمة لها عن أفضل الأرباح والتجارب. فدعا الله سبحانه الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم، وهيأ لهم فيها أنواع العبادة؛ لينال العبد من كل قول وفعل وحركة وسكون حظه من عطاياه. |
|||
2015-10-10, 20:12 | رقم المشاركة : 15 | |||
|
|
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
الله, الصلاة, القيم, رحمه |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc